فالتطير قبيح ومحرم شرعاً؛ لأنّه سوء ظن بالله, واعتقاد فاسد, ومشابهة لأهل الجاهلية. وقد علمنا من أناس امتنعوا من التزويج في شهر صفر, فأخروه إلى "ربيع أول",
الحمد لله المحي المميت، المعز المذل، الفعال لما يريد، يحكم بالحق ولا معقب لحكمه، وهو العزيز الحميد، والشكر له على نعم تتجدد ليلاً ونهاراً، وهو للشاكرين يزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا مثيل ولا معين ولا نديد، شهادة أدخرها، وأرجو ثوابها عنده يوم المزيد.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل الخلق والعبيد. اللَّهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد، الذي دعا إلى الإسلام، وحمى حمى التوحيد، ومحا آثار الشرك والطيرة والنديد، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا طريقته، وتمسكوا بهديه، وعّضُّوا على سنته بالنواجذ، العض الشديد.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله واحذروا كل الحذر مما يسخط الرب المجيد، مثل: مشابهة أعداء الله، وأعمال الجاهلية القبيحة، المنسوبة إلى الجهل والضلال، وكل كافر عنيد.
ومن ذلك التشاؤم: أن يتطير ببعض الأشياء، أو بعض الشهور, كتطير الجاهليين من شهر شوال وصفر, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى ذلك, وأبطله, فقال: " لا عدوى, ولا طيرة, ولا هامة, ولا صفر".
وقد علمنا من أناس امتنعوا من التزويج في شهر صفر, فأخروه في الشهر الذي بعده "ربيع أول" فلم يوفقوا, ولم تصلح الحال بين الزوجين. وآخرون اعتمدوا على الله فتزوجوا في صفر, فوفقوا وصلحت حال الزوجين, ورزقوا الأولاد والخير الكثير.
وقالت عائشة رضي الله عنها: " لقد بنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شوال، وكانت تحب مخالفة أهل الجاهلية، وتحب أن يتزوج الرجل في شوال؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم".
فالتطير قبيح, ومحرم شرعاً؛ لأنّه سوء ظن بالله, واعتقاد فاسد, ومشابهة لأهل الجاهلية. وقد جاء الإسلام بمحاربة الجهل والضلال، والتطير يُدخل الإنسان في أعمال الجاهلية والطبائعيين، الذين لا يعرفون الله، والمنافقين الذين يسيئون الظن بالله, ويعتمدون على غير الله والجاهلية, ويعتقدون التصرف لغير الله، فعملهم وظنهم جاهلي, والعياذ بالله.
وقد نهي عن عادات الجاهلية في أشياء كثيرة، وحذر منها، كما نهى النساء عن تبرج الجاهلية، فقال تعالى: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]، وذم حكم الجاهلية، فقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) المائدة: 50]، وذم فعل المنافقين, فقال: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) [آل عمران: 154]. وذلك لأنّ الله سبحانه منّ على المسلمين بالإسلام، وأبدلهم بعد الجهل والظلم بالعلم, والنور و الإيمان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس منّا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً, أو ساحراً, فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله".
وقد حكى الله عن بعض أعداء الرسل, وهم قوم أنهم (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ – أي نحن مستحقون لها- وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 131].
وقال عن المكذبين للرسل أيضاً: أنهم قالوا لرسلهم: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [يّـس:18-19].
وبعض الناس -والعياذ بالله- معهم بقايا من أعمال الجاهلية, قد برثنت في نفوسهم. تجدهم يسخرون من أهل الخير، ويتطيرون بهم، إذا أصابهم شيء مما يكرهون قالوا: هذا بشؤمهم، هذا بسببهم، كفعل أهل الجاهلية سواء بسواء، وما علموا أن المصائب بسبب ذنوبهم.
كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]. وتقديرها من عند الله. كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [التغابن: 11].
وأعمال الجاهلية واعتقاداتهم, لا يجوز للمسلم أن يعتقدها, أو يعملها. وقد حرم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " الطيرة شرك، الطيرة شرك".
والطيرة هي: ما أوجب للشخص مضياً, أو رداً. أما الفأل فلا بأس به كما قال النبي صل الله عليه وسلم: " ويعجبني الفأل". قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: " الكلمة الطيبة".
فأبيح الفأل؛ لأنّه حسن ظن بالله، وحرمت الطيرة؛ لأنّها سوء ظن بالله. فكثير من الناس يقعون في هذه المحرمات, وهم لا يشعرون, أو يشعرون ولا يبالون، وهو تقليد فاسد، واعتقاد محرم، فكل شيء نهى عنه الشرع؛ فَلِمَا فيه من المضرة، وكل شيء أمر به؛ فلِما فيه من المصلحة.
فاتقوا الله عباد الله, واحذروا ما يسخط الله, وما يبعدكم عن رضاه، واعلموا أن الأمور بيد الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى- وهو أصدق القائلين-: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) [النساء:78-79]، (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) [النساء:80].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي