وما جريمةُ تلك الخادمةِ المتوحشة، التي فصلت رأس طفلةٍ عن جسدها، إلا جريمة واحدة من عشرات الجرائم البشعة؛ فما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء؟! لكنْ سوء تصرفِ الوالدين، وقلَّة تدبيرهما، هو السبب الرئيس في ذلك، بَدْءًا من جلب الخادمة بلا ضرورة مُلحّة، إلى عدم الحرص على اخْتيار المسلمة الكبيرة الأمينة، نهايةً بترك ..
الْحَمْدُ لِلَّهِ الكريمِ الوهَّاب، مُقدِّرِ الأقدار ومُسبِّبِ الأسباب، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وعَدَ العاملين بها الأجرَ والثواب، وتوعَّد جاحديْها الويلَ والعقاب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، لا يَخشى في الله لومةَ لائِم، ولا عَتْب العُتَّاب، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وأصحابه أُولي النُّهى والألباب، وَسَلَّمَ تسْليمًا بَاقِيًا إلى يوم الحساب.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واعلموا أنَّ الله تعالى رسم للزوجين منهجًا في التعامل، وأعطاهم قاعدةً في الحقوق التي لهم وعليهم، فقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:288]، أي: ولهن على الرجال من الحق مثلُ ما لِلرِّجال عليهن؛ فليؤدّ كلُّ واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
فالرجل ينفق على زوجته، ويُكرمها، ويَكسوها؛ وهي تقوم بخدمته وشؤون حياته، وخدمتها له واجبٌ عليها، فإنْ شقَّ عليها ذلك بسبب أعمالها، وكثرة أولادها، فهناك حلٌّ دينيّ، وعلاجٌ نبويّ، وهو ما ثبت في الصحيحين، أَنَّ فَاطِمَةَ -رضي الله عنها- أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ وسبي، فطلبت أمَةً تخدمها، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟! إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، فَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ".
لماذا لا تعملُ الأُسَرُ بهذا العلاج النافع؟! ووالله لا أحد أشفق ولا أرْأف مِنْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى مَن؟! على ابنته فاطمةَ سيِّدةِ نساءِ أهل الجنة، التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِى مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِينِى مَا آذَاهَا". متفق عليه.
وهي -رضي الله عنها وأرضاها- قد تأذت من الرحى، وتقرَّحت يدها من الأذى، ومع ذلك لم يُعطها خادمةً تُعينها، وتَرفع المشقة والأذى عنها، لماذا؟! لعلمه -صلى الله عليه وسلم- بما يترتب على ذلك من المفاسد الكثيرة، والآثار السلبية، التي سنذكر شيئًا منها إنْ شاء الله.
فأرشدهما ودلَّهما على خيرٍ لهما من الخادم، وهو تسبيح الله وتحميدُه وتكبيرُه عند النوم، وذلك أنَّ الله تعالى يعطي للذَّاكر قوةً ونشاطًا، يقدر بها على الخدمة أكثرَ مما يقدر الخادم عليه، ويُسهِّلُ الأمورَ عليه، بحيث يكون فعلُ ذلك بنفسه أسهلَ عليه من أمرِ الخادم بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: بلغنا أنه مَن حافظ على هذه الكلمات، لم يَأْخذه إعياءٌ فيما يُعانِيه من شغلٍ وغيرِه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "الذِّكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه. وحضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً وقد صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريبٍ من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ هذا الغداء لسقطت قوتي". اهـ.
وهذا ليس ببعيد ولا غريب، فكم سمعنا مِن نساءٍ كبيرات، عملن أعمالاً وأشغالاً يعجز عنها الرجال، فالنشاط والقوة توفيقٌ من الله وحده، ومن أعْظم أسباب تحصيلها وجلبها: ذكر الله آناء الليل وأطراف النهار.
فاحْرصوا على هذا الذكر عند نومكم، واعْتاضوا به عن الخدم في بيوتكم، واسْتحضروا نية الاقتداء والاتباع، فستجدون أثر ذلك في أبدانكم وبيوتكم وأهليكم.
وأما عن أضرار الخادمات فحدث ولا حرج، وهي كثيرةٌ منتشرة، فمن ذلك:
أولاً: أنَّ جلب الخادمات يُعين على الكسل والخمول، والتفرغِ لما لا ينفع، من كثرة الخروج لِلأسْواق، والاستراحات والسفريَّات.
فالنساء أصبح لَدَيْهِنَّ وقتٌ كثيرٌ لا يدرين كيف يقضينه، فصارت المرأة تنام كثيرًا، ثم لا تَقَرُّ في بيتها من كثرة ذهابها إلى مجالس الغيبة والنميمة وضياع الوقت، والنهاية: حسرةٌ وندامةٌ في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: انتشار السحر والشعوذة، فكم نَخَر السحر في أبدان الكثير من الأسر؛ بسبب قيام الخادمة بعمل السحر لهم.
ثالثًا: إقْدام الكثير منهن على القتل وسفك الدم، فكم سمعنا من أطفالٍ ونساء قُتلوا على أيدي الخادمات، بعضهنَّ وضعن سُمّ الفئران لهم، وبعضهنَّ ألْقينَهم في غسالات الملابس، وبعضهنَّ أحرقنهم، مع أن بعضهن لم يتعرض للأذى وهضمِ الحقوق.
وما جريمةُ تلك الخادمةِ المتوحشة، التي فصلت رأس طفلةٍ عن جسدها، إلا جريمة واحدة من عشرات الجرائم البشعة؛ فما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء؟! لكنْ سوء تصرفِ الوالدين، وقلَّة تدبيرهما، هو السبب الرئيس في ذلك، بَدْءًا من جلب الخادمة بلا ضرورة مُلحَّة، إلى عدم الحرص على اخْتيار المسلمة الكبيرة الأمينة، نهايةً بترك الطفل وحيدًا مع الخادمة في المنزل، فهل نلوم بعد ذلك الخادماتِ ولا نلوم أنفسنا؟!
رابعًا: ما يحدث مِمَّنْ قلّ دينه، وتلاشت مروءته، مِن عَبثٍ وفجورٍ بالخادمات طوعًا أو كَرهًا، فكم خادمة حملت سفاحًا! واسْألوا أقسام الولادة بالمستشفيات، وسِجِلاَّتِ مراكز الشرطة، عن المشكلات الناتجة عن أولاد الحرام، بسبب الفتنة بالخادمات، وما ينجُم عن ذاك من أمراضٍ مُعديةٍ، نفسيَّةٍ وبدنية، انتقلت إلى مجتمعنا من جراء ذلك، لتعلموا حجم الدوامة التي نحن فيها بسبب جلب الخادمات إلى البيوت من غير ضرورة.
خامسًا: ظهورُ جيلٍ تربّى على أيدي خادمات جاهلات، وكثيرٌ منهن كافرات ماجنات، ولَمْ يَتَرَبَّ على أيدي أُمهاتٍ صالحات، وآباءٍ مُخلصين حريصين، ولكنَّ كثيرًا من الآباء منشغلون بالاسْتراحات والمناسبات والحفلات، فنشأ هذا الجيل مُترفًا بليدًا، فما أعظم جريمة هؤلاء الآباء! ورحم الله شوقي حين قال:
ليس اليتيمُ مَنِ انْتهَى أبواه مِنْ *** هَمِّ الحيـاةِ وخَلَّفاهُ ذَلِيلاً
إنّ اليتـيمَ هُو الَّذِي تَلْقَى لَهُ *** أُمًّا تَخَلَّتْ أو أبًا مشغولاً
فما أكثر الآباءِ المشغولين على حساب الأبناء! وما أكثرَ الأمَّهات اللاتي تخلَّين عن تربية أبنائهن لصالح الخادماتِ الجاهلات! والأدْهى والأمر: الكافرات؛ أو للإعلام.
وإذا ابْتُليت الأم بالخادمة، فينبغي أن تحرص في المراحل الأوليَّة على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتتركَ للخادمة ترتيبَ المنزل، وتنظيفَه، وغيرَ ذلك من الأعمال؛ فلن يجد الطفل الرعايةَ والتربيةَ الصالحةَ من الخادمة كما يجدُها من الأم، وهذا له دورٌ كبيرٌ في نفسية الطفل واتِّجاهاتِه في المستقبل.
نسأل الله -تعالى- أن يُصْلح أحوالنا، وأن يُجنبنا الشرور والفتن، وكيد وبطش الخدم، إنه سميع مجيب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: هذه بعض الآثار السلبية الناجِمَةِ عن جلب الخادمات، إلى غير ذلك من الأضرار الكثيرة، مِن ضياعٍ وهدرٍ للأموال، واطِّلاعِهِنَّ على أسرار البيوت، مما يثير فيهنَّ الغيرة والحقد.
فلا ينبغي جَلْبُ الخادمات إلى البيوت أبدًا، إلا بشروطٍ وضوابطَ مُهمَّة وضروريَّة:
أولاً: أن لا يتمّ إحْضارُهنَّ إلا عند الحاجة والضرورة، فإن كان لغير ذلك فستقع الأسرة في أحد الأضرار الخمسة السابقة.
ثانيًا: على الزوج أن يحسن اختيار الخادمة، فيشترطُ أن تكون الخادمةُ مسلمةً أمينة، وكُلَّما كَبُرَت سِنًّا كان أحسن وأسلم، ولْيتجنب إحضار الكافرة؛ لأن وجودها بين المسلمين، وفي داخل المنزل، خطرٌ على أهل البيت، وخاصةً الصغار منهم، إذ قد يؤدي ذلك إلى إفسادِ عقائدهم وأخلاقهم، ويترتب على اختلاطها بهم كثيرٌ من الأضرار والمساوئ.
واحذروا وتجنبوا -أيها الآباء- إحضارَ الشابة الجميلة، فأغلب الفساد والشر والضرر منها، فالشابةُ ضعيفة العقل، قد يقودها ضعفُ عقلها وقلةُ خِبرتها إلى الإقدام على القيام بأعمالٍ لا تُحمَد عُقْباها، والجميلةُ مَدعاة للفساد والفتنة والرذيلة.
ثالثًا: معامَلَتُها معاملةً حسنة رفيقة، ولا يجوز لأهل البيت أن يعاملوا الخادمة معاملة سيئة، فإن الإسلام قد وضع لهؤلاء حقوقًا يجب على المخدومين أن يقوموا بها تجاه الخدم، وأن يُوفُوا بها دون خللٍ أو نقص، فيا مَنْ في بيته خادمةٌ وعاملة، خاطِبْها بأسلوبٍ سهْل وكلام لين، دون جفاءٍ أو غلظةٍ في القول، ودون مُضاحكاتٍ وخضوعٍ في القول، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، ويجب توفيتُها أجرَها ورواتبها دون مماطلة أو نقص.
ثم فكِّرْ -يا مَنْ تُعاملُ الخدم بالقسْوةِ والغلْظة- في التصور الذي تأخذه هؤلاء الخادمات عن الدين الإسلامي وهُنَّ يرين ويُشاهدن تصرفات المنتسبين إليه، واسأل نفسك: أيّ عائقٍ وضَعْته أمامهن؟! وأيّ صدٍّ عن سبيل الله قد فعلته بإساءتك معاملتهن؟!
رابعًا: أن لا تُكلَّفَ من العمل فوق طاقتها، بل تُخَصَّصُ لها ساعاتٌ للراحة، فإن دعتِ الحاجةُ إلى قيامهنّ بعملٍ إضافي فينبغي معاونتهن، وتأملوا قولَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ –أي خدمٌ لكم-، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ". متفق عليه.
فينبغي الإحسان إليهم بالطعام واللباس، وأن يُمكَّنوا من الأكل مما يأكل منه أصحاب المنزل، فإنه ليس من المروءة أنْ يأكلَ أهلُ البيت أجودَ الطعام وأحسَنَه، ويأكلَ الخدم أقل منه.
خامسًا: تعليمُها أمور دينها، وما يحل وما يحرم عليها، وذلك عن طريق الكتب والأشرطة المتوفرة، فأنْت أصبحت مسؤولاً عنها، كمسؤوليتك عن سائر أفراد أسرتك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته". متفق عليه.
سادسًا: أن لا تُخالِط الخادمةُ الرجالَ والشباب، وأن لا يخلو بها أحدٌ منهم، وإذا تُركت وحدَها في البيت، وفيه أحدُ الرجالِ أوِ الأبناءِ البالغين والمراهقين، فيجب عليها أن تصحبها معها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ". رواه الترمذي وصححه.
سابعًا: أنْ تتولى الأم تربية أبنائها بنفسها، وتتولى إطعامهم وكسوتهم، ولا تكل ذلك إلى الخادمة أبدًا، وأن لا تخرج من البيت وتتركها وحيدةً مع أبنائها، مهما دعتها الضرورةُ إلى ذلك.
وهنا يجب أنْ تتضافرَ الجهود الحكومية بين وِزارَتَيْ الشؤونِ الاجتماعية والتعليم؛ لتوفير حضاناتٍ في جميع الأحياء بأسعارٍ مُيَسَّرة؛ حتى تتمكن المرأة العاملة من إلحاق أطفالها بها.
نسأل الله أن يُصلح أُسرنا وأبناءنا، وأنْ يحميهم من كيد الكائدين، وشَرِّ الحاسدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي