هناك أسباب لانتشار بعض الأمراض الوبائية مثل: حمى الضنك التي تنتشر بسبب المياه المخزونة لأغراض الشرب أو السباحة، أو مياه الأمطار المحجوزة للزراعة، أو المتجمعة في الشوارع والطرقات، أو الراكدة في البراميل والإطارات، وتكون الوقاية منها ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام: لقد اهتمّ الإسلام وبالغ في أمر النظافة أكثر من غيره من الديانات؛ فالنصارى لا يعدون النظافة من الدين، بل يعدونها من أعمال الوثنيين.
عباد الله: المجتمع المسلم مجتمع نظيف، والنظافة ليست ذوقًا شخصيًّا، بل هي في المجتمع كله، وهي عبادة يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، فقد جعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- نصف الإيمان؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
لقد اهتم الإسلام بالنظافة أيما اهتمام، ومن ذلك نظافة الثوب والبدن والمكان.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ نَامَ وَفِى يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
وجاء عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قال -عليه الصلاة والسلام-: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ".
ومن وسائل نظافة البدن أنواع من الغسل؛ منها على سبيل المثال ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل".
وكذلك يجب عند الاحتلام؛ فعن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق؛ هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟!، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم؛ إذا رأت الماء".
ومنها غسل الجمعة: قال -عليه الصلاة والسلام-: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".
ومنها: الغسل من الحيض.
ومنها كذلك: الحث على سنن الفطرة، وهي لون من النظافة العامة؛ فقد جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب".
واعتنى الإسلام كذلك بنظافة الثياب: عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّى فِيهِ".
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: "َمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟!".
وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ".
بل إن الإسلام اعتنى بنظافة الباطن؛ فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ". قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟! قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ".
وهكذا اهتم الإسلام بنظافة المكان؛ فقد جاء عن سعيد بن المسيب يقول: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا -أراه قال- أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود".
وهكذا -عباد الله- في كل مرافق الحياة اهتم الإسلام بالنظافة، ومن ذلك اهتمامه بنظافة البيئة؛ فقد أرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى نظافة البيئة؛ فعن أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي: حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ في الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ؛ أَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْعَظْمِ عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".
واعتنى الإسلام بنظافة الغذاء؛ فعن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إذا رميت بسهمك فغاب ثلاث ليال فأدركته فكل ما لم ينتن".
وعن أبي قتادة: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه".
عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاء أبو حميد بقدح من لبن من النقيع، فقال له: "ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودًا؟!".
وأرشد إلى غسل اليدين قبل الأكل؛ ففي النسائي عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: "كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه".
أيها الإخوة: هناك أسباب لانتشار بعض الأمراض الوبائية مثل: حمى الضنك التي تنتشر بسبب المياه المخزونة لأغراض الشرب أو السباحة، أو مياه الأمطار المحجوزة للزراعة، أو المتجمعة في الشوارع والطرقات، أو الراكدة في البراميل والإطارات، وتكون الوقاية منها بإزالة بؤرة تراكم المياه ووضع شبك ضيق المسام على الأبواب والنوافذ للحماية من لدغات البعوض نهارًا، واستخدام الناموسيات في حال النوم خارج المنزل، وغير ذلك.
أما العلاج فيكون بعزل المصابين، وارتداء أقنعة للتنفس، وغسل الأيدي بصفة مستمرة.
أيها الإخوة: لا يخفى عليكم أن هذه الأمراض التي انتشرت في أيامنا هذه قد أخبر بها رسولنا -عليه الصلاة والسلام- بسبب ابتعاد الناس عن الدين، ومعصيتهم لرب العالمين، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس خصال -يا معشر المهاجرين- أن تنزل بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فشت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، وما منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخذوا فيما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم".
فاتقوا الله -عباد الله-؛ قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي