والدعاء من أفضل العبادات، بل هو العبادة، أخرج الترمذي من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: "إن الدعاء هو العبادة". بل إن الداعي ليكون في معية الله تعالى، ومن كان الله معه فقد أفلح ونجح، أخرج الإمام أحمد من حديث أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني".
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المؤمنون: لقد ركب الله سبحانه في غريزة الإنسان العبودية والتذلل، فمن لم يعبد الله ويتذلل له تعبد وتذلل لغيره من المخلوقين؛ فمن كان تعبده وتذلـله لله سبحانه وحده، فقد حاز العزة في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
فالعبد ينال من العزة بقدر ما لسيده، فمن تذلل لله أعزه الله بعزه سبحانه، والخلق كلهم محتاجون إلى الله سبحانه، مقرون بعجزهم وفقرهم، ولكن منهم من يقر بذلك عمليًّا في السراء والضراء، ومنهم من لا يعرف ربه إلا في الشدة والعياذ بالله.
أيها المسلمون: إن من فضل الله تعالى على عباده أن لم يجعل بينه وبين خلقه وسائط، فمن أراد حاجته من ربه رفع يديه وسأله: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
ووالله إن هذا لمن عظيم فضل ربنا وكرمه، أن يذب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة، كرم على كرم، بل أعظم من ذلك أنه سبحانه يحب من يدعوه ويناجيه ويغضب على من ترك ذلك.
كان سفيان الثوري -رحمه الله- يقول في دعائه: "يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله، وليس كذلك غيرك يا رب".
أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يدع الله -عز وجل- غضب الله عليه"، وفي رواية له: "من لا يسأله يغضب عليه"، وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه".
والدعاء من أفضل العبادات، بل هو العبادة، أخرج الترمذي من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: "إن الدعاء هو العبادة".
بل إن الداعي ليكون في معية الله تعالى، ومن كان الله معه فقد أفلح ونجح، أخرج الإمام أحمد من حديث أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني"، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، وقال لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، وقال -جل ذكره- حكاية عن قول نبي من الأنبياء: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ).
وهذا سمع خاص، وهو سمع الإجابة والقبول، لا السمع العام؛ لأنه سبحانه سميع لكل مسموع، وقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)، فهذا قرب خاص بالداعي.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس: اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".
أمة الإسلام: إن الدعاء سلاح المؤمن، فبه يرفع المكروه، ويجلب المطلوب، ويأمن الخائفون، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه، الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا، الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه".
أخرج ابن ماجه من حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
فيا من أصيب بالبلاء: عليك بالدعاء، فإن الدعاء ينفع مما ينزل ومما لم ينزل، ويا من تكاثرت ديونه وهمومه: عليك بالدعاء، فإن الفرج بيد الكريم المنان، ويا من أصيب بالمرض: علق قلبك بمسبب المرض: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
أيها المؤمنون: إن المغبون حقًّا هو الذي إذا نزل به البلاء، أو أصابته اللأواء، هرع إلى المخلوقين الضعفاء، وأخذ يشكو همه لغير ربه، فيزداد بلاءً على بلاء، إن كثيرًا من المسلمين ليغفلون عن الدعاء وبعضهم يتثاقله، فقل أن تجد متضرعًا متخشعًا يناجي ربه، ويسأله حاجاته إلا من رحم رب العالمين.
ولقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- أعلم الأمة بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأفقههم في دينه، وكانوا يدعون الله تعالى في الرخاء والشدة.
وكان عمر -رضي الله عنه- يستنصر بالدعاء على عدوه، وكان أعظم جنده، وكان يقول لأصحابه: لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء، وكان يقول: "إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكن همّ الدعاء، فإذا ألهمتم الدعاء، فإن الإجابة معه".
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع.
عباد الله: إن الدعاء هبة من الله تعالى يهبه الله تعالى لمن شاء من عباده، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
ألا إنه ينبغي للمؤمن أن يعلم أن للدعاء أوقاتًا تكون الإجابة فيها أحرى، كما أن للدعاء آدابًا ينبغي للعبد أن يتحلى بها، فمتى ما تم ذلك حصل المقصود، بإذن ربنا المعبود.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وإذا جُمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقت إجابة وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلاً له وتضرعًا ورقّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثاء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا". اهـ.
أيها المسلمون: مما يلحظ على كثير من الداعين لله العجلة في الدعاء، وعدم الإلحاح فيه، مع أن الله يحب الملحين في الدعاء، ويحب أن يسمع شكوى عبده إليه، والإلحاح بالدعاء من أسباب الإجابة.
قال مورق العجلي -رحمه الله-: "ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة فهو يدعو: يا رب، يا رب، لعل الله أن ينجيه".
كما ينبغي للداعي أن يدعو الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فإنه أحرى للإجابة، وأن تكون الصفة موافقة للدعوة، كأن يقول المسلم: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، أو أن يقول: اللهم استجب دعائي يا سميع الدعاء، أو أن يقول: اللهم فارج الهم ومغيث المضطر فرج عني، ونحو ذلك.
قال سبحانه: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، قيل: إن المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به كمنازل الأنبياء، وغير ذلك، أو أن يسأل ما لا يجوز من المحرمات، أو أن يسأل ما لا يفعله الله، كطلب الخلد في الدنيا أو رفع لوازم البشرية، كالأكل والشرب، ونحو ذلك، وأعظم الاعتداء أن تدعو غير الله تعالى، فإن ذلك هو الشرك، كالذين يدعون الأولياء ويتمسحون بالأضرحة.
ومن أسباب الإجابة: خفض الصوت عند الدعاء، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)، وإن الله ذكر عبدًا صالحًا ورضي بفعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً)". اهـ.
عباد الله: إن العبد إذا دعا ربه خفية إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه وذلت جوارحه وخشع صوته، حتى إنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكتنه وكسره وضراعته، إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق، فقلبه سائل طالب مبتهل، ولسانه لشدة ذله وضراعته ومسكنته ساكت.
أيها المؤمنون: قال أهل العلم: إن للدعاء أوقاتًا تكون الإجابة فيها أحرى، فمن تلك الأوقات: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وحال السجود، وعند نزول المطر، والمسافر، وعند الفطر من الصيام، وغيرها.
فعلى المسلم أن يحرص أن تكون مسألته لربه في كل وقت خصوصًا هذه الأوقات، ثم اعلموا -عباد الله- أن للدعاء موانع وصوارف توجب عدم الإجابة، فمن ذلك: العجلة بأن يدعو ويدعو ثم يستحسر فيدع الدعاء، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
ومن ذلك: أكل الحرام؛ فإنه صارف للإجابة، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة ذكر رسول الله "الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ذلك".
ونحن في هذه الأزمنة التي تكالبت الشرور فيها على المسلمين، ينبغي للمؤمن أن يدعو، وأن يبتهل إلى ربه لنصرة المسلمين، وإهلاك الكافرين.
اللهم إنا نعوذ بك أن ننزل حاجتنا بغيرك، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي