ولم يبتلِ الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب الديار عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء فنكَّل بهم نكالاً لم ينكله أمةً سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد....
الحمد لله أهل الثناء والإجلال، الحمد لله القوي المتين الكبير المتعال، أحمده وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له جل عن النقائص والظنون والأمثال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي أزال الله به عن هذه الأمة الآصار والأغلال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الهدى الذين تميزوا بحسن المتابعة والإقبال، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا مثيرًا ما تعاقبت الأيام والليال.
أما بعد:
أيها المؤمنون: لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، على الفطرة الطاهرة النقية، ومن حكمته سبحانه أن خلق من كلٍ زوجين اثنين، وركب في كل زوجٍ خصائصه، وشهواته، وجعل بين كل زوجٍ وزوجٍ ميولاً فطريًا، ليعمم بقاء الجنسين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وإنَّ مما وقع في هذه الخليقة من الابتلاء منذ زمن بعيد الشذوذ الجنسي، وانتكاسُ الفطرة السوية، وذلك بميل الذكر إلى الذكر ميولاً جنسيًّا شهوانيًّا، فارتطمت الحياة البشرية بهذه الفعلة الشنيئة إلى الحضيض، وانغمست في أوحال الشهوة المنتنة البهيمية.
ولم يبتلِ الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب الديار عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء فنكَّل بهم نكالاً لم ينكله أمةً سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض أن تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتعج إلى ربها -تبارك وتعالى-، وتكاد الجبال أن تزول من أماكنها.
ولقد بيّن سبحانه شناعة هذه الجريمة، بأوصاف أطلقها على قوم لوط، فقد قال سبحانه عنهم: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)، وقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ)، وقالت الملائكة لإبراهيم: (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)، وقال سبحانه: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ).
كل ذلك لشناعة فعلتهم: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
فيا ترى ما العقوبة التي نزلت عليهم؟! لقد أرسل الله إليهم جبرائيل -عليه السلام-، فاقتلع قريتهم بأكملها مع طلوع الصبح، ورفعتهم إلى السماء، حتى إنَّ الملائكة لتسمع صياح ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلّبهم على الأرض، وأتبعوا بحجارة من سجيل مسومة، فذهبت اللذاتُ، وأعقبتها الحسرات، وانقضت الشهوات، وأورثت الشقوات، تمتعوا قليلاً وعذبوا طويلاً، ورفعوا مرتعًا وخيمًا، فأعقبهم عذابًا أليمًا.
ولقد قرّب الله سبحانه مسافة العذاب بين هذه الأمة وبين إخوانهم في العمل، فقال مخوفًا لهم أن يقع الوعيد: (وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
أيها المسلمون: لقد ورد في هذه الجريمة النكراء نصوصٌ محذرةٌ ومبينةٌ لمن عمل عمل قوم لوط.
أخرج أهل السنن من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط...". ثلاثًا.
ولقد أطبق الصحابة -رضوان الله عليهم- على وجوب قتله، وإنَّما اختلفوا في كيفية قتله.
فقيل: يحرق بالنار، وقيل: يقتل ثم يحرق، وقيل: يلقى عليه حائط، وقيل: يلقى من أعظم بناءٍ في البلد ويتبع بالحجارة، وقيل غير ذلك.
هذه عقوبته في الدنيا، وما عند الله أشد وأبقى.
أيها المسلمون: إنَّ جريمة اللواط تقع بين فاعل ومفعول به، فأما الفاعل فذئب شرسٌ منكوس الفطرة، وإلى مثل هذا نقول: اتق الله، وإياك أن تكون في المخذولين، فإنَّ حُبَّ هذه الفاحشة لا يجتمع مع محبة الله تعالى في قلب مؤمن، واحذر غضب الله تعالى، فإنَّه شديد العقاب، وانظر وتفكر في مصارع العصاة كيف أبادتهم الذنوب وأحلتهم دار البوار، وألبستهم الهوان بعد العزة، وكيف أصبحوا أثرًا بعد عين، واعلم أنَّ هذه المعصية وأشباهها من أسباب اسوداد الوجه، وظلام الصدر، وحصول الوحشة بين العبد وبين ربه سبحانه.
وعليك -يا أخي- بالإقلاع عن ذلك، والعلاج السريع قبل أن تحل عليك العقوبة، ونقول لك كما قال نبي الله لوط –عليه السلام- لقومه: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)، فعليك بالزواج من النساء العفيفات اللاتي يحصل بهن قطع أواصر الشهوة المحرمة، وعليك بالدعاء والتفرغ بين يدي الله لينقذك من هذه المستنقعات الوبائية.
اللهم إنا نسألك العفة والعفاف، وصلاح النية والذرية، والتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاَّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون الغيورون: إنَّ جريمة اللواط جريمة بشعة، تشمئز منها قلوب المؤمنين، وتنفر منها الطباع السليمة، قال بعض خلفاء بني أمية: "لو لم يحدثنا الله عن قوم لوط، لما صدقنا أنَّ رجلاً يعلو رجلاً".
وإنَّ جريمة اللواط تكمُن في عدة أمور: من أهمها:
صحبة الشباب الأمرد الحدث لمن هو أكبر منه؛ فإنَّ ذلك هو أكبر دواعي العشق واللواط، ولقد حذّر السلف الصالح من صحبة الأمرد مهما بلغت ثقتك بنفسك، قال بعض العلماء: "لا يشتغل بالأحداث إلاَّ من باعده الله عن قربه".
وقال بعض الحكماء: "صحبت ثلاثين شيخًا كلهم أوصاني: اتق معاشرة الأحداث".
وقال الحسن بن ذكوان: "لا تجالسوا أولاد الأغنياء؛ فإنَّ لهم صورًا كصور العذارى، وهم أشد فتنة من النساء".
وقال بعض التابعين: "ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سَبُع ضارٍ من الغلام الأمرد يقصد إليه، وكان يقول: لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد".
وقال يحيى بن معين: "ما طمع أمرد بصحبتي".
وقال أحمد المؤدب: "رأينا مَنْ إذا رأى الحدث أقبل؛ فرّ فراره من العدو".
وقال بعض العلماء: "من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصيحة أداه ذلك إلى البلاء، فكيف بمن يصحبهم على غير وجه السلامة".
ولقد حرّم العلماء الخلوة في بيتٍ أو حانوتٍ أو حمام مع الأمرد، قياسًا على المرأة، وفي المُرد من يفوق النساء لحسنه، والفتنة به أعظم.
فيا أيها الأولياء: اتقوا الله في أولادكم، وانظروا مع من يسيرون، قبل حصول البلاء والنقمة، فإنَّ الصبي الصغير، قد يُعجب ويفتن بأصدقاء السوء لأي غرض دنيوي، ولا يزالون به حتى يكون فريسة لهم.
فينبغي للولي أن يربي ابنه على الحياء وقلّة الخلطة بالأجانب وأن يَعرِف أصحابه، وأن يختار له أهل الخير والعفاف، ويحذره من أهل الشر والفساد منذ نعومة أظفاره، وأن يُعلّمه أخلاق الرجال والآداب الحسنة، وأن يجنبه التجمل المتكلّف، والاغترار بجماله إن كان له، وأن يحذره من القصات المحرمة المشابهة للنساء، فإنَّها هي مفتاح اللواط، وأن يجنبه اللبسات الفاتنة، المشابهة للنساء.
أيها الآباء والأبناء: إنَّ اللواط مرضٌ معدٍ، وعلاجه بعد وقوعه من أصعب الأمور، فعليكم بالوقاية قبل العلاج.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا داءٌ أعيى الأطباءَ دواؤه، وعزَّ عليهم شفاؤه، وهو لعمر الله الداء العضال، والسم القتَّال الذي ما علِق بقلبٍ إلاَّ عزّ على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلاَّ وصعُبَ على الخلق تخليصها من ناره". اهـ.
أيها المسلمون: إنَّ انتشار أسباب الإغراء في أواسط الشباب من أكبر دواعي اللواط، واعلموا -عباد الله- أنَّ أبناءكم أمانةٌ في أعناقكم، وستسألون عنها يوم القيامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
اللهم أعنّا على أداء أمانتك، واجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك أواهين، منيبين، اللهم اهدنا وسددنا، ووفقك الهدى لنا، واسلل سخيمة قلوبنا.
وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم فرج عن المستضعفين في كل مكان، سبحانك لا إله إلاَّ أنت إنا كنا من الظالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي