وقد تكون المشكلة بين الزوجين معضلة لا تحتمل، ومزمنة لا تنتهي، ككراهية أحد الزوجين للآخر، وحينئذ شرع الله تعالى الطلاق؛ لأن استمرار الحياة الزوجية والحالة هذه سيرجع على الزوجين بالشقاء، ويقلب البيت إلى جحيم لا يطاق. وحين حرم رهبان النصارى الطلاق فشت الفواحش في الأزواج والزوجات، وعزف الشباب والفتيات عن الزواج؛ إذ كيف يوثق الإنسان نفسه برباط لا فكاك له منه.
الحمد لله الحكم الحق المبين؛ قسّم الأرزاق وقدر الآجال، وجعل النساء سكنًا للرجال، وفطر كل جنس منهما على الميل للجنس الآخر، ووثّق العلاقة بينهما بميثاق غليظ، نحمده على ما هدانا وكفانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دلنا على ما يرضيه، وشرع لنا من الأحكام ما يرتضيه، وعلّق فلاحنا في الدنيا والآخرة على التزام شرعه (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة:138]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى رحمة لعباده، فجاء بدين الرحمة، وأمر الناس بالتراحم فيما بينهم، وحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعرفوا ما لكم وما عليكم، وأعطوا كل ذي حق حقه؛ فإن لله تعالى حقوقًا عليكم، وللخلق حقوقًا وجبت بإيجاب الله تعالى لها، فمن فرط فيها وجد خصومه يوم القيامة ينتظرون القصاص، ويتقاضونه من الحسنات والسيئات، "فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". رواه مسلم.
أيها الناس: حين شرع الله تعالى الزواج أراد سبحانه أن يتمم به سعادة البشر، ويستمر به النسل، فيعيش الأزواج والزوجات والأولاد في مودة ورحمة ووئام واستقرار.
وقد تتعكر الحياة الزوجية بمشكلات يمكن حلها فتحل وتكون ملحًا يعطي للأسرة نكهتها، وتجديدًا يكسر رتابتها، ويطرد مللها، ويجدد العلاقة بين الزوجين، ويحس كل واحد منهما بحاجته إلى الآخر.
وقد تكون المشكلة بين الزوجين معضلة لا تحتمل، ومزمنة لا تنتهي، ككراهية أحد الزوجين للآخر، وحينئذ شرع الله تعالى الطلاق؛ لأن استمرار الحياة الزوجية والحالة هذه سيرجع على الزوجين بالشقاء، ويقلب البيت إلى جحيم لا يطاق. وحين حرم رهبان النصارى الطلاق فشت الفواحش في الأزواج والزوجات، وعزف الشباب والفتيات عن الزواج؛ إذ كيف يوثق الإنسان نفسه برباط لا فكاك له منه.
إن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، فلعل في التحلل من زواج لم يكتب له الاستمرار أن تجد المرأة خيرًا من طليقها، ولعل الرجل يجد خيرًا من طليقته، فيعيش كل واحد منها حياة جديدة سعيدة: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء:130].
ولأن عصمة النكاح بيد الرجل، وهو الذي يملك الطلاق، وهو أقدر من المرأة على الفراق؛ شرع الله تعالى للمطلقة حقوقًا تجبر كسر قلبها، وتكمل نقصها، وتطيب خاطرها؛ فإن ضرر المرأة بالطلاق أكثر من ضرر الرجل. وهي حقوق على المطَلِّق، وحقوق على أهل المطلَّقة، وحقوق على جماعة المسلمين تجاه المطلقات.
فحق على من طلق زوجته أن يحفظ لها حقوقها التي أعطاها الله تعالى إياها، وأن لا يجعل حقوقها سلاحا يبتزها به، أو طريقًا إلى الانتقام منها؛ لأن الله تعالى لم يجعل الطلاق في أيدي الأزواج يلوحون به لإخافة زوجاتهم، أو ابتزازهن، أو سلبهن حقوقهن، ولم يشرعه سبحانه سلاحًا للانتقام من الزوجة، وإنما شرعه الله تعالى للتحلل من زواج بدا ضرره على الزوجين وأولادهما أكبر من نفعه.
وحق على أهل المطلقة أن لا يضجروا من ابنتهم حينما تعود إليهم، ولا سيما إذا لم تكن سببًا للطلاق، فيجعلون كربها كربين، ويحملونها همين، بل عليهم أن يظهروا الفرح بها كما كانت قبل زواجها.
وواجب على المجتمع أن يزيل شعور المطلقة بأنها فاشلة أو ناقصة أو لا تصلح زوجة، بل يشجعها على الزواج مرة أخرى، ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، فنصف زوج وثلثه وربعه خير لها من بقائها بلا زوج؛ فإن العزوبة ليست من دين الإسلام كما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.
وما جاءت ثقافة عزوف المطلقات عن الزواج إلا من المسلسلات الهابطة، والقنوات الماجنة، والثقافة المنحرفة التي تشربت بأفكار الغرب، وإلا فإن الصحابيات -رضي الله عنهن- ترملن وطلقن وتزوجن أكثر من مرة، وأسماء بنت عميس -رضي الله عنها- تزوجت جعفرًا، ثم أبا بكر، ثم عليًّا -رضي الله عنهم أجمعين-.
وما خاف المطلقات من القبول بمعددي الزوجات إلا بسبب ظلم كثير من المعددين لزوجاتهم؛ فإما مال إلى الثانية لأنها جديدة أو أصغر أو أجمل، وأهمل الأولى وأولادها، وإما مال إلى الأولى لأنها أم أولاده أو قريبة له.
ولا يمنعنّ مطلقة الزواج برجل متزوج خوفًا من دعاء زوجته الأولى عليها؛ فإنه دعاء بإثم فلا يستجاب، فمن حق الرجل أن يعدد، ومن حق المطلقة أن تتزوج، ولو أن كل متزوجة تشبثت بزوجها فحبسته عن التعدد فمن إذن للمطلقات والمترملات والعوانس؟!
وكون المرأة تكره الزواج عليها وتتأثر به فذلك من جبلتها، ولا تلام عليه، ولكن يلام على ذلك مطلقات وأرامل وعوانس يخطبهن معددون فيرفضن بحجج واهية ليست من شرع الله تعالى في شيء، حتى تمضي أعمارهن ولما يتزوجن.
كما يجب على جماعة المسلمين أن يرفعوا الظلم عن المطلقات إن وقع عليهن ظلم؛ فقرابة المطلق الظالم لطليقته يعظونه، وينكرون عليه، ولا يتركونه حتى ينصفها. وأولياء المطلقة يترافعون عنها لاستخراج حقوقها، وأما أن تترك المطلقة لهمومها وأحزانها، وتسلب حقوقها، وترمى كما يرمى المتاع فذلك ظلم لا يرضاه الله تعالى، وحريّ بعقوبة عاجلة مجتمع تظلم فيه المطلقات فلا يُنصفن، ولا يُنتصر لهن.
وحين يتأمل المؤمن كتاب الله تعالى يجد فيه عناية بالغة بالمطلقات وحقوقهن؛ ففي سورة البقرة آيات في معالجة الفراق بين الزوجين وأحكامه وأنواعه، ثم خص سبحانه النساء بسورة في القرآن دون الرجال، وبث في سورتهن شيئًا من أحكام النكاح والطلاق، ثم خص الطلاق بسورة سميت به، ذكر سبحانه فيها أحكام الطلاق والرجعة وأنواع العدة، وحقوق المطلقة.
وفي سورتي البقرة والطلاق عولجت مشكلة أولاد الطليقين، في حضانتهم ورضاعتهم والإنفاق عليهم، وهذا يدل على عناية الشارع الحكيم -تبارك وتعالى- بالزواج وبناء الأسرة، وبالطلاق وأحكامه، حتى تحفظ الحقوق، ويرفع الظلم. ولو فقه الناس ما في هذه السور من أحكام الفراق، وأدركوا أهمية ذلك عند الله تعالى؛ لكان النكاح يسيرًا، والطلاق يسيرًا؛ ولحفظت الحقوق، واستقامت الأسر، وقضي على الشقاق والنزاع؛ ولعاش أولاد المطلقين والمطلقات في أجواء هادئة بعيدة عن الشحن النفسي والعداوة والبغضاء؛ ولما غصت المحاكم بمشاكل الأزواج والزوجات والمعلقات والمطلقات.
إن الله تعالى فصل في أحكام الطلاق تفصيلاً يقضي على النزاع، ولكن الناس بجهلهم يجترئون على الله تعالى، ويعطلون حدوده، ولا يأبهون بأحكامه في الطلاق، فيحدث النزاع والشقاق حتى يصار إلى الشرط والقضاء، فما أعظم جناية الناس على أحكام الطلاق!! وما أشد جرأتهم على الله تعالى!! وفي أول آية من سورة الطلاق قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطَّلاق:1]، وكُرر ذكر التقوى في ثلاثة مواضع من السورة، كل هذه المواضع تعالج مشكلة الطلاق وتبين أحكامه.
ولو اتقى المطلقون ربهم في طليقاتهم لما وقع النزاع، ولما صير إلى المحاكم، ولما سلبت حقوق المطلقات، ولما تقاطعت الأسر وتشتت الأولاد، ولكنه الجهل بالله تعالى، والجهل بعظم الجناية، وفداحة الجرم، وضعف الإيمان، وضعف التقوى، وإجلاب الشيطان على كثير من الرجال، وإلا فمن اتقى راعى حدود الله تعالى فلا يتعداها.
وفي خلال آيات الطلاق يقول سبحانه: (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ) [الطَّلاق:2]، وفي سورة البقرة مثلها، وهي أيضًا في آيات الطلاق، وفي أخريات آيات الطلاق من سورة الطلاق يقول الله سبحانه: (ذَلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) [الطَّلاق:5]، فهذه الأحكام في الطلاق هي أوامر الله تعالى إلى من يطلقون زوجاتهم، فعليهم تعلمها ومعرفتها، والعمل بها، والسؤال عما أشكل عليهم منها لئلا يقعوا في الظلم وهم لا يعلمون، فإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم لم يأخذوا بموعظة الله تعالى لهم، ولم يعملوا بأمره، ولم يلتزموا حدوده: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطَّلاق:1-3].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أوامره، وقفوا عند حدوده، وخذوا بدينه كله في العبادات والمعاملات والنكاح والطلاق وسائر الشرائع والأحكام، واعملوا بحكم الله تعالى سواء كان لكم أم عليكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:135].
أيها المسلمون: في آيات الطلاق من سورة البقرة مواعظ تلين منها الجبال الصلاب، وتتأثر بها القلوب لو ذكرت بها فوعتها.
ذكر الله تعالى عَدَد الطلاق، وحقوق المرأة المالية، وأنه لا يحل للرجل أن يسلبها حقها، ثم ختم الآية بقوله سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:229].
يا له من زجر وتخويف يجب على كل مطلق أن يضعه نصب عينيه؛ لئلا يتعدى حدود الله فيكون من الظالمين!! ويليها مباشرة قول الله تعالى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة:230].
وبعد هذه الآيات والمواعظ يحرم الله تعالى الإضرار بالمرأة سواء بتعليقها، أو تطليقها ومراجعتها ولا رغبة له فيها، وإنما يريد التلاعب بها، واستفزاز أعصابها، وتدمير مشاعرها، وإطالة عدتها، وحبسها وهو لا يريدها، فقال سبحانه: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:231]، فأمر سبحانه بإمساك الزوجة بمعروف أو تسريحها بإحسان، ونهى عن الإضرار بها، وبيّن أنه ظلم، ونهى عن اتخاذ آياته هزوًا بالتلاعب بأحكام الطلاق، أو التحايل لإسقاط حقوق المطلقات، وبيّن أن فاعل ذلك ظالم لنفسه، وأمر بتذكُّر نعمته سبحانه على المؤمنين بما أنزل من الآيات، وما فصّل من الأحكام، وذكر تعالى أن هذه الآيات موعظة لمن قبلها ووعاها، ثم أمر -عز وجل- بالتقوى، وأخبر سبحانه بأنه عليم بكل شيء، فهو عليم بتحايل المطلقين وكيدهم بالمطلقات للإضرار بهن، أو سلب حقوقهن. وكفى بهذه الزواجر المتعددة المتنوعة التي انتظمت في سياق واحد عظة للأزواج أن لا يضاروا زوجاتهم، وللمطلقين أن يحسنوا إلى طليقاتهم، وأن يوفوا لهن حقوقهن.
ثم بعدها بآيات وفي ذات السياق ذكّر الله تعالى المطلقين والمطلقات بما كان بينهم من العشرة والفضل أيام زواجهم فقال سبحانه: (وَلَا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة:237]، وفي هذا إرشاد للمطلقين والمطلقات وأهلهما بطيِّ صفحة السيئات ولو كانت معتمة، وفتح صفحة الحسنات؛ فإن ذلك من الفراق بإحسان، فلا تعتلج الصدور بالكراهية، ولا تنطق الألسن بالبغي والغيبة والنميمة؛ فإن أثر ذلك يعود على الأولاد، فالمذكور بسوء أحد والديهم، ولا يرضى بشر سوى أن يذكر أحد والديه بسوء.
ثم يختم الله تعالى آيات الطلاق في سورة البقرة بقوله -عز وجل-: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة:242].
والمطلوب من كل مطلق أو عازم على الطلاق أن يقرأ آيات الطلاق بتدبر، ويطالع تفسيرهن، ويتعلم أحكامهن، ويسأل عما له وما عليه؛ لئلا يقع في الظلم وهو لا يشعر، فيدمر حياة امرأة ضعيفة أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقابل إحسان أهلها له حين قبلوه زوجًا لها بإساءته هو لهم حين يضطرهم إلى المحاكم لأخذ حقوق ابنتهم.
وواجب على المطلقات أن ينسين الماضي، ويتفاءلن بمستقبل مشرق، ويقبلن الأكفاء إذا تقدموا لهن، ولا يتوجسن خيفة من الزواج مرة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك.
وواجب على جماعة المسلمين أن يخففوا نسب الطلاق ببحث أسبابه وعلاجها كل بحسب طاقته ووسعه، وأن يحتووا المطلقات بالسعي في تزويجهن، وتذليل العقبات أمامهن، واستخراج حقوقهن، ورعاية أولادهن، وإلا انتشر الظلم والبغي الجالبان للعقوبات العاجلة والآجلة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ".
ألا وصلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي