ولم يتعلَّمِ الطُّغاةُ الآخَرون من هذا الدرس، فها هي بلادُ الرافدَين، وعاصمةُ خلافةِ العباسيِّين، يتعرض أهلُ السنة فيها لأبشع الظلم والقتل، مِنْ حُكُومةٍ وضعها أدْعياءُ الحضارة والعدالة، ويتفرج العالم بأسره على ذلك، ومعه مُنظماتُه وهيئاتُه الحقوقية، بل ويُفْرحهُم ذلك أشدَّ الفرح؛ ليقينِهِم بأنَّ اسْتقرارَ العراقِ، هو اسْتقرارٌ وقوَّةٌ للمنطقة. وكيف لدولِ العالم ومُنظَّماتِه وهيئاتِه، أنْ ..
الحمد لله الذي أخذ على نفسه العهد والميثاق، بأنْ ينصُرَ من نصرَ الدين، ويُجاهدَ في سبيله أهلَ الكفر والنفاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مانحُ الأرزاق، وفاتحُ الأغلاقِ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وعد المسلمين بفتحِ خراسانَ والعراق، وأخْبرهم أنَّ منها ومِن ناحيتها، تموجُ الفتنُ ويَحْدُثُ الشقاق، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى الآلِ والأصحاب، الذين كانوا عَلَى أَعْلى حبٍّ ووفاق، وجاهدوا في مرضاةِ الله الكفَّارَ والفُسَّاق، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم التلاق.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنَّ هذا الدين منصورٌ، وإنْ تكاثر أعداؤُه، وتخاذلَ أتْباعُه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].
أمةَ الإسلام: إنَّ تكالبَ الأعداءِ على الأمة الإسلامية، وحربَهم على كلِّ مَنْ يحمل همَّ الإسلام، والتضييقَ عليهم بكلِّ وسيلة، أحدث ردَّةً عكسيَّةً عليهم، وولَّد التضييقُ على المسلمين انفجارًا أصابهم، وهزَّ كيانهم، كما حصل في كثيرٍ من الشعوب، التي ثارتْ على حكامها الطغاة الظالمين.
ولم يتعلَّمِ الطُّغاةُ الآخَرون من هذا الدرس، فها هي بلادُ الرافدَين، وعاصمةُ خلافةِ العباسيِّين، يتعرض أهلُ السنة فيها لأبشع الظلم والقتل، مِنْ حُكُومةٍ وضعها أدْعياءُ الحضارة والعدالة، ويتفرج العالم بأسره على ذلك، ومعه مُنظماتُه وهيئاتُه الحقوقية، بل ويُفْرحهُم ذلك أشدَّ الفرح؛ ليقينِهِم بأنَّ اسْتقرارَ العراقِ، هو اسْتقرارٌ وقوَّةٌ للمنطقة.
وكيف لدولِ العالم ومُنظَّماتِه وهيئاتِه، أنْ تتحرك وتستجيبَ لصَيْحاتِ الْمُستَضْعفين في العراق، وهي لم تستجبْ لدمائِهم وأعراضِهم في سورْيا.
يا ألف مليـون تكاثـر عدّهـم *** إن الروافضَ في العـراقِ تُدمِّر
فالحرب دائرة على الإسـلام يـا *** قومي فهل منـكمْ أَبَيٌّ يثـأرُ
يتقاسـم الأعـداء أوطـاني على *** مرأى الْورى وكأننا لا نشعرُ
أيـن النظـام العالَميُّ ألا يَـرى *** شعبًا يُبـاد وبالقـذائف يُقبرُ
أين العدالـة أم شعـارٌ يحتـوي *** سفكَ الدماء وبالإدانـة يُسْتِرُ
مادام أنَّ الشعب شعـبٌ مسلـمٌ *** لا حَلّ إلا قولُهمْ: نستنـكرُ
يا أمتي والقلـب يعصـره الأسى *** إن الْجِراح بكل شبرٍ تُسـعِرُ
والله لـنْ يَحمِي رُبَـا أوطاننـا *** إلا الْجهادُ ومصحفٌ يتقـدَّر
إن العراق -عباد الله- مَنْبَعٌ للعلم والعلماء، والفقهِ والفقهاء، والحكمةِ والحكماء، بلدُ أمير المؤمنين هارون الرشيد، والقائدِ المظفّر المثنّى بنِ حارثة.
إنه بلدُ الإمامِ أبي حنيفةَ النعمان، وإمامِ أهلِ السنة وناصرِ القرآن، الإمامِ أحمدَ -عليهما الرحمةُ والرضوان-.
في العراق سقطَ عَرْشُ الفرس، ودُمّر البيت الأبيض إيوانُ كسرى، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ، بَيْتَ كِسْرَى". رواه مسلم.
ومن العراق انطلقت ألوية فتح الهند والسند، والصينِ وخراسان.
لقد اجتاح العراقَ احتلالٌ صليبيّ، فقتلوا كثيرًا من شعبه، ونهبوا كثيرًا من خيراته، فسلَّموا ما بقي من شعبه وخيراته، لاحتلالٍ أخطر وأفظع، إنه الاحتلال الصفويّ الرافضيّ.
فساموا أهل السنة سوءَ العذاب، وهَجَّروا منهم مئاتِ الآلاف، وسجنوا عشرات الآلاف، واغتصبوا الحرائر العفيفات، على مرأى ومسمعٍ من كافةِ الْمُنظَّمات.
ورحم الله شيخ الإسلام ابنَ تيميةَ الحرانيّ، الذي كشف حقيقتهم ودينهم، حيث قال: "وهم يتولون الكفار الذين غضب الله عليهم، فليسوا مع المؤمنين، ولا مع الكفار، كما قال تعالى: (ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [المجادلة: 14].
ولهذا هم عند جماهير المسلمين نوعٌ آخر، حتى إن المسلمين لما قاتلوهم بالجبل، الذي كانوا عاصين فيه بساحل الشام، يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون أموالهم، ويقطعون الطريق استحلالاً لذلك، وتدينًا به، فقاتلهم صنفٌ من التركمان فصاروا يقولون: نحن مسلمون، فيقول التركمان لهم: لا، أنتم جنسٌ آخر، فهم بسلامة قلوبهم، علموا أنهم جنسٌ آخر، خارجون عن المسلمين، لامتيازهم عنهم.
ثم قال -رحمه الله وكأنه ينظر إلى حالنا اليوم-: "وكذلك إذا صار لليهود دولةٌ بالعراق وغيرِه، تكون الرافضةُ من أعظم أعوانهم، فهم دائمًا يوالون الكفار، من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم". انتهى كلامه.
وهذا يدل على نظرتِه المستقبليةِ -رحمه الله-، حيث فهم من خلال النصوص الشرعية، ومن خلال تعامله مع الرافضة، أنه سوف يكون لليهود دولةٌ مستقلَّة، كما هو الواقع في فلسطين اليوم، وسيكون الرافضة أكثرَ الناس نصرةً لهم، وهذا الذي حدث بالفعل تمامًا، فهذا دَيْدَنُ الرافضة في التاريخ، وها هم اليوم، لما صار لهم دولةٌ في إيران، كانوا من أعظمِ الناس مساعدةً لأعداء الإسلام، ضد أهل السنة والجماعة، وأخلصِ الناس لأعدائهم، وخاصةً في أفغانستان والعراق، إذ لم يستطع أعداء الإسلام احتلالَهُمَا، لولا مساعدة الرافضة، وهم الآن الذراعُ الأيمنُ لليهودِ والنصارى وغيرِهم، يذبحون أهل السنة في العراق، ويُسْلِمُونَهم للكفارِ والفجار، ويفعلون بهم الأفاعيل.
فيا لَلَّه، ما أشدَّ عداوتَهَم لأهل السنة!! وما أفظع جرائِمَهم في حقِّ أهلنا!! لقدْ غيَّروا مناهج التعليمِ في العراق، وغيَّروا مُسمَّيَات الطُرُق والشوارع، بل وغيَّر كثيرٌ من أهل السنةِ أسماءَهَم، خوفًا على حياتِهم وأرواحِهم.
كم طفلةٍ ظُلمتْ من غير ما اكْتسبت *** وكم رضيعٍ على الأكفان قد وُسِم
وحُرَّةٍ طالـتِ الأقـزامُ عـورتهـا *** فسالـتِ الدَّمـعَ مـن عُيونها ألمًا
الحقدُ قائدهم، والظـلمُ سائقهـم *** قد أنكـروا العهد والأخلاق والذِّممَ
وتحمَّل أهلُ العراقِ الضيم والظلم، مِن الاحتلال الصليبيِّ والصفويّ، وصبروا على شتى أنواع العذاب والذلّ، والقتل والإعدامِ والسجن، إلا أمرًا واحدًا لم يتحمَّلوه، وأثار في قلوبهمْ نارَ النَّخْوَةِ والغَيْرةِ والعِزَّةِ، وذلك حينما امْتدَّتْ يدُ الرافضةِ القذرة، لعفةِ وشرفِ نساءِ المسلمين، ودنَّسوا وهتكوا أعراضهنّ، فها همْ أهل العراق، توحَّدوا بعد التفرُّق والشقاق، فخرجوا جميعًا، رجالًا ونساءً وأطفالاً، مُطالبين باسْترداد شرفهم وكرامتهم، وإخراجِ الحرائر من سجون الظلم والعذاب.
ومطالبُهم مشروعةٌ في كلِّ قوانين العالم، لكنَّ القانون الصفويَّ والرافضيّ، لا يعتبر ذلك حقًّا مشروعًا؛ لأنهم يعتبرون أهلَ السنةِ أنجاسًا، وأموالهم ودماءهم حلالاً عليهم.
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله مُبيِّنًا أوجُهَ التشابُهِ، بين دينِ الرافضةِ ودينِ اليهود-: "واليهود يستحلون أمول الناس، وقد نبَّأنا الله عنهم أنهم قالوا: "ليس علينا في الأميين سبيل"، وكذلك الرافضةُ يستحلون مال كلِّ مسلم، واليهود يستحلون دم كلِّ مسلم، وكذلك الرافضة". انتهى كلامه.
وقد ذكروا في كتبهم ومراجعِهم، بأنَّ الناصبيَّ حلالُ الدم والمال.
ومن هو الناصبيُّ في نظرهم؟! اسْمعوا إلى أحد علمائهم وهو يقول: "بل أخبارُ الأَئِمَّةِ -عليهم السلامُ- تنادي بأن الناصب، هو ما يقال له عندهم: سُنِّيًّا".
وهذا ما عليه علماؤُهم قديمًا وحديثًا.
فالنَّواصبُ هم أهل السنة والجماعة في اعْتقادِهِم، أيْ أنتم -يا معاشر المسلمين-، وعمومُ المسلمين في كلِّ مكان.
وما موقفُهم منكم -يا أهلَ السنة والجماعة- الذين يعتبرونكم نواصبَ كفارًا؟! روى شيخهمُ القُمِّيُّ، والملقبُ عندهم بالصدوق، أنه قيل لجعفرَ الصادق: ما تقول في قتل الناصب -أي السُّنِّيّ؟! قال: "حلال الدم، ولكني أتَّقي عليك -أي أخاف عليك-، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا، أو تغرقه في ماءٍ، لكيلا يشهد به عليك فافعل، قيل: فما ترى في ماله؟! قال: خذ ما قدرت عليه".
وهذا إمامُهمُ الخميني، في كتابه تحريرُ الوسيلةِ يقول: "والأقوى إلحاق النواصب بأهل الحرب، في إباحة ما اغْتُنِم منهم، بل الظاهر جوازُ أخذ ماله أين وجد".
فهذه عقيدتُهم وديانَتُهم، فكيف نستغرب ما يقومون به، ضدَّ أهلِ السنة والجماعة في سوريا والعراقِ وإيران؟!
فلذلك هدَّدوا أهل السنةِ في العراق، حينما طالبوا بحقوقهم، واسْتخراجِ نسائِهِم من سجونهم، بأنْ يَسْحَقُوهم بالقوة والسلاح.
فلكُمُ الله يا أهل العراق، كم غدر بكمُ الروافضُ أيام الوزيرِ ابنِ العلقميّ، وأيامَ إسماعيلَ الصفويّ، وأيامَ العدوانِ الخمينِيِّ، وأيامَ الغزوِ الصليبيّ، وأيامَ نوري المالكيّ.
نسأل الله تعالى أنْ يُمَكِّن لأهل السنة في كل مكان، وأنْ ينصرَهم في العراقِ والشام، وأنْ يرفع عنهمُ الظلمَ في إيران، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
الحمد لله رب العالمين، أوْجَبَ الترابطَ بين الْمُؤمنين، والوقفَ مع الْمُحتاجين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاعلموا -أيها المسلمون- أنَّ الواجب على المسلمين جميعًا أنْ يقف بعضهم مع بعضٍ عند المصائب، وأنْ يُعينُوهم بما يستطيعون من مالٍ وغيرِه، وإنَّ مصر الشقيقةَ -حرسها الله- تمرّ بأزمةٍ ماليةٍ شديدة، نتيجةً لِتَكالُبِ الأعداءِ عليها، من عَلْمانيِّيْن ودولٍ لا تريد لها الاستقرار؛ لأنها حكومةٌ منتخبةٌ من شعبها المسلمِ الحرّ، فها هي المملكةُ -رعاها الله- بِحُكومتِها وشعبِها وعُلمائِها، يُجسِّدون معنى التلاحمِ والترابطِ في صورٍ شتى، ومن أعظمها: تقديمُ حكومةِ خادمِ الحرمين الشريفين -رعاه الله- لأربعةِ ملياراتٍ دعمًا لمصرَ واقْتصادِها، وقد احتذى بحذوها بعضُ دول الخليج والحمدُ لله، وممَّا يُؤْسَف له، إساءةُ بعض الدول القريبة لمصرَ وشعبِها، بالسبِّ والشتمِ لرموزِها وقادتِها، وتمْكينِ أعْدائِها من الهجومِ عليها، عَبْرَ وسائلِها الإعْلاميَّة، وهذا لا يليقُ أبدًا.
فنسأل الله التوفيقَ لمصرَ وشعبِها، والاسْتقرارَ والنماءَ والخيرَ لهم.
وتجدر الإشارة -معاشر المسلمين- إلى أنَّ فترةَ الاختبارات للطلاب، يحصل فيها فراغٌ كثيرٌ لدى بعضهم؛ ما يجعله مُعرَّضًا لجلساء السوء، فينبغي لكلِّ أبٍ يريد صلاح أبنائه، أن يَحْرصُ على حفظ أوقات ولده، وأنْ يكون تحت عنايته ونظره، لقد انتشر مع جلساء السوء حبوبٌ مخدِّرة، وتبدُرُ منهم تصرفاتٌ أخلاقيَّةٌ قذرة.
فيجب علينا أنْ نحفظ أبناءنا منهم، وأنْ لا يُخْتلطوا قدرَ الإمكان، فكم من طالبٍ نجيبٍ انتكس!! وانقلب صلاحُه فسادًا، وجده هزلاً، بتأثير الزملاء، كما نشاهد عكس ذلك، طلابًا يتفوقون في دراستهم، وينجحون في حياتهم، بفضل الله تعالى، ثم بتأثير زملائهم الصالحين المجتهدين، وصدق الشاعر إذ يقول:
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُـلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَـدِي
إذَا كَـانَ ذَا شَـرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً *** وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ يهْتَدِي
نسأل الله تعالى أنْ يحمي شبابَنا وبناتِنا من كلِّ مكروه، وأنْ يُعينهم ويُصلحَهُمْ، إنه على كل شيء قدير.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي