إِنَّ الْعُمُرَ يَمْضِي وَالْحَيَاةَ تَمُرُّ , وَالْعَاقِلُ مَنْ اسْتَغَلَّ وَقْتَهُ وَاسْتَفَادَ مِنْ عُمُرِهِ فِيمَا يُقِرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ , وَاسْتَمَعُوا مَاذَا يَقُولُ مَنْ فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَعَصَى رَبَّهُ وَحَارَبَ مَوْلاهُ , مَاذَا يَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ , كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا , وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)..
الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوت , الْحَمْدُ للهِ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوت , وَصَاحِبِ الْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت , الْحَمْدُ للهِ الذِي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَفُوت , أَشْهَدُ أَنَّهُ رَبُّنَا وَإَلَهُنَا الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ عَاجِزٌ يَفْنَى وَيَمُوت , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا لآخِرَتِكُمْ فَمَا خَلَقَنَا اللهُ إِلَّا لِلْعَمَلِ لَهَا , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الإِجَازَةَ مِنَ الدِّرَاسَةِ أَوِ الْوَظَائِفِ هِيَ وَقْتٌ مَحْسُوبٌ مِنْ أَعْمَارِنَا , وَزَمَنٌ مَعْدُودٌ مِنْ بَقَائِنَا فِي الدُّنْيَا , وَإِنَّنَا مُحَاسَبُونَ عَلَيْهِ , فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ , عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ , وَفِيمَ أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ :صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ الْعُمُرَ يَمْضِي وَالْحَيَاةَ تَمُرُّ , وَالْعَاقِلُ مَنْ اسْتَغَلَّ وَقْتَهُ وَاسْتَفَادَ مِنْ عُمُرِهِ فِيمَا يُقِرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ , وَاسْتَمَعُوا مَاذَا يَقُولُ مَنْ فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَعَصَى رَبَّهُ وَحَارَبَ مَوْلاهُ , مَاذَا يَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ , كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا , وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً , وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنَون , فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا , فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَدَاً حِسَابٌ وَلا عَمَل .
وَمِنَ التَّقْصِيرِ أَنْ تَكُونَ الإِجَازَةُ مَحَلَّاً لِلَّهْوِ , أَوِ السَّفَرُ وَقْتَاً لِلْغَفْلَةِ , فَلَيْسَ هَذَا سِمَةَ الْعُقَلاءِ وَلا دَأْبَ الْعُلَمَاءِ , أَلَمْ تَعْمَلُوا أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَتَبَ مُؤَلَّفَاتٍ فِي حَالِ السَّفَرِ مَعَ أَنَّ أَسْفَارَهُمْ كَانَتْ شَاقَّةً وَمُكِلِّفَةً بِعَكْسِنَا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ , فَهَذَا الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ كَتَبَ مُؤَلَّفَهُ الْعَظِيمَ زَادَ الْمَعَادِ فِي خَيْرِ هَدْيِ الْعِبَادِ وَهُوَ فِي حَالِ السَّفَرِ , وَلا يَزَالُ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ مُنْذُ أَلَّفَهُ رَحِمَهُ اللهُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الإِجَازَةَ فُرْصَةٌ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَزِيَارَةِ الأَقَارِبِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الأَهْلِ فِي الْفُرْجَةِ وَالْفُسْحَةِ , وَلَكِنْ مِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْعَلُ الإِجَازَةَ لِأَصْدَقِائِهِ أَوْ زُمَلائِهِ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ أَهْلُهُ مِنْ وَالِدَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ مَحْرُومُونَ مِنْ بَقَائِهِ مَعَهُمْ وَسَفَرِهِ وَإِيَّاهُمْ , فَهَذَا خَطَأٌ وَتَقْصِيرٌ فِي حَقِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ الأَوْلَى بِعِنَايَتِهِ , فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
كَمَا أَنَّهُ مِنَ الْخَطَأِ أَنْ يُسَافِرَ الإِنْسَانُ فِي الإِجَازَةِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إِخْلالٌ بِعَمَلِهِ أَوْ وَظِيفَتِهِ , كَمَنْ يُقَدِّمُ طَلَبَاً بِإِجَازَةٍ اضْطِرَارِيِّةٍ بِحُجَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بِأَهْلِهِ , فَهَذَا غَلَطٌ وَكَذِبٌ لا يَجُوزُ , لِأَنَّ الإِجَازَةَ الاضْطِرَارِيَّةَ وُضِعَتْ لِلْحَالاتِ الطَّارِئَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي النِّظَامِ , فَمِنَ التَّزْوِيرِ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُوَظَّفُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَمِنَ الأَخْطَاءِ أَيْضَاً أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يُسَافِرُ فِي الإِجْازَةِ وَهُوَ إِمَامُ مَسْجِدٍ ثُمْ يَتْرُكُهُ بِدُونِ تَوْكِيلٍ وَبِدُونِ إِشْعَارٍ لِإِدَارَةِ الأَوْقَافِ , وَرُبَّمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَحِلُّ الْمُكَافَأَةَ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ , فَلْيُنْتَبَهْ لِهَذَا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ أَحْكَامَ السَّفَرِ تَبْدَأُ حِينَ يُفَارِقُ الإِنْسَانُ عَامِرَ بَلَدِهِ , فَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ , وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ مَعَ الْعَصْرِ , وَيَجْمَعَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا , فَيَفْعَلُ الأَيْسَرَ لَهُ مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ , لَكِنْ إِذَا كَانَ نَازِلاً فِي الْبَلَدِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ , فَإِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ , فَيُتِمَّ الرُّبَاعِيَّةَ وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إِذَا صَلَّاهَا خَلْفَ الْمُقِيمِ , لَكِنْ لَوْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ أَوْ كَانَ هُوَ الإِمَامَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِلَّا إِذَا فَقَدَ الْمَاءَ تَمَامَاً أَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ يَضُرُّهُ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ شِبْهِهُ , قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمَاءَ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ !!!
فَمِنَ الأَخْطَاءِ : أَنْ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُجَرَّدَ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ , حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَتَيَمَّمُ وَهُوَ يَرَى الْبَلَدَ قَرِيبَاً مِنْهُ أَوْ مَحَطَّاتِ الْبَنْزِينِ ثُمَّ لا يَذْهَبُ يَبْحَثُ عَنِ الْمَاءِ , فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلاتَهُ , لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا التَّيَمُّمَ إِلَّا عِنْدَ عَدَمَ وُجُودَ الْمَاءِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)
وَإِذَا جَازَ التَّيَمُّمُ فَإِنَّ كَيْفِيَّتَهُ : أَنْ يَضْرِبَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الأَصَابِعِ , ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ أَوَّلاً ثُمَّ ظَاهِرَ الْكَفَّيْنِ , وَبِهَذَا يَكُونُ طَاهِرَاً , فَيُصَلِّى مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ حَتَّى يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ بِأَحَدِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ يَتَمَّكَنَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اَلصَّعِيدُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ , وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ , فَإِذَا وَجَدَ اَلْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اَللَّهَ , وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ" رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ , وَصَحَّحَهُ اِبْنُ اَلْقَطَّانِ وَالأَلْبَانِيُّ .
وَاعْلَمُوا : أَنَّ صِفَةَ التَّيَمُّمِ وَحُكْمَهُ وَاحِدٌ , سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ , فَلَوْ أَصَابَتِ الإِنْسَانَ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ تَيَمَّمَ , لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ , وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ , لَكِنَّ مَا أَدَّاهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلا تُشْرَعُ لَهُ إِعَادَتُهَا .
وَمِنْ أَحْكَامِ السَّفَرِ التِي يَحْسُنُ مَعْرِفَتُهَا وَتَطْبِيقُهَا : الصَّلاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّى النَّافِلَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهَذَا مِنْ اسْتِغْلالِ الْوَقْتِ وَحِفْظِهِ بِالطَّاعَةِ , فَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . زَادَ اَلْبُخَارِيُّ : يُومِئُ بِرَأْسِهِ , وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ فِي اَلْمَكْتُوبَةِ .
وَعَلْيِهِ فَيَحْسُنُ بِنَا التَّنَفُّلُ عَلَى السَّيَّارَةِ أَوِ الطَّائِرَةِ أَوْ غَيْرِهَا , وَسَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ سَائِقَاً أَوْ رَاكِبَاً ,,, وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْتَصْعِبُونَ تَنَفُّلَ السَائِقِ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُعْتَادَ , وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , لِأَنَّ رُكُوعَ وَسُجُودَ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالإِيمَاءِ الْخَفِيفِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ بِقَلِيلٍ مِنَ الرُّكُوعِ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ , وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِمَّا يَحْتَاجُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الإِجَازَاتِ وَرُبَّمَا هَذَهِ الأَيَّامِ بِخُصُوصِهَا أَحْكَامَ الصَّيْدِ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّ لَنَا الصُّيُودَ الْبَرِّيَّةَ مَا لَمْ نَكُنْ مُحْرِمِينَ أَوْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ فَحِينَئِذٍ لا يَجُوزُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
فَيَجُوزُ لَنَا أَنَّ نَصِيدَ بِالصُّقُورِ وَالْكِلابِ الْمُعَلَّمَةِ وَآلاتِ الصَّيْدِ الْمَعْرُوفَةِ كَالْبُنْدُقِيَّةِ أَوِ السِّهَامِ , وَلَكِنْ لا بُدَّ مِنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ إِطْلاقِ الْجَارِحَةِ أَوْ عِنْدَ رَمْيِ الْبُنْدُقِيَّةِ , فَإِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ لَمْ يَحِلَّ الصَّيْدُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ : وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الرَّمْيِ هِيَ إِذَا صَوَّبْتَ بُنْدُقِيَّتَكَ وَلَيْسَ عِنْدَ إِدْخَالِ الطَّلْقَةِ فِيهَا , وَأَمَّا الْجَارِحُ مِنَ الصُّقُورِ أَوْ كِلابِ الصَّيْدِ فَعْنَدَ إِطْلاقِهَا صَوْبَ الصَّيْدِ , ثُمْ إِنْ أَدْرَكْتَ الصَّيْدَ حَيَّاً فَلا بُدَّ أَنْ تَذْبَحَهُ وَتُسَمِّي عَلَيْهِ تَسْمِيَةً جَدِيدَةً , وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتَاً أَوْ حَيَّاً حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ فَإِنَّهُ حَلالٌ وَلا يَلْزَمُكَ تَذْكِيَتُهُ وَلا التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى , لَكِنْ إِنْ وَجَدْتَ الصَّيْدَ الذِي رَمَيْتَهُ غَرِيقَاً فِي الْمَاءِ أَوْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبَاً آخَرَ فَلا يَحِلُّ لَكَ ذَلِكَ الصَّيْدُ , فَعَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا أَرْسَلَتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اَللَّهِ , فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ , وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ , وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ : فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا قَتَلَهُ , وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اَللَّهِ , فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْماً , فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ , فَكُلْ إِنْ شِئْتَ , وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقاً فِي اَلْمَاءِ , فَلَا تَأْكُلْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِمَّا يَحْسُنُ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْتَغِلُّوا إِجَازَاتِهِمْ أَوْ بَعْضِهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ فِي الْهُجَرِ وَالْقُرَى وَيُرْشِدُوا النَّاسَ إِلَى مَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ , وَكَذَلِكَ حُضُورِ الدَّوْرَاتِ الْعِلْميَّةِ التِي تُقَامُ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ .
وَمِمَّا يَجْدُرُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الدَّوْرَةُ الْعِلْمِيَّةُ التِي سُتُقَامُ بِإِذْنِ اللهِ فِي الأُسْبُوعِ الْقَادِمِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ الشَّرِيفِ لِثُلَّةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ , نَفَعَ اللهُ بِهِمْ وَبَارَكَ فِي جُهُودِهِمْ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ , وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ عُيُونٍ لا تَدْمَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَع , اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاها وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنَّ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَادُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَامَعَادُنَا .
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فَي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ , رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيالْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَىنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي