والبعض من الناس يهجر ويعرض عنها، حتى ولا يسلم على من لقي من أقاربه كأنه مجرم عنده، أو ناكب عن الإسلام، أو مرتكب لكبيرة من الذنوب والآثام، وهذا لا يليق منه، وهو عليه حرام، وقد يرى صاحب المعصية من غير ذي رحمه، فيهش إليه ويسلم عليه
الحمد لله الملك القهار، العزيز الغفار، عالم السر والجهار.
وأشكره سبحانه على ما أعطى من نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل ولا ند له، مكوّر الليل على النهار.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المجتبى المختار، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد المشركين والكفار، نبي أنعم الله على المؤمنين برسالته، ورحم الخلق ببعثته، ودعاهم إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، وبلّغ ما أُنزل إليه، وما يحتاجون إليه، حتى صار الأمر جلياً ليس عليه غبار، وبين ووضح لأمته الحلال والحرام، وحكم المشتبهات، وحث على بر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وبين كل شيء حتى صار الليل كالنهار، فقال: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته وعضوا عليها بالنواجذ باختيار، وجاهدوا في الله حق جهاده، حتى خضعت للإسلام رقاب كل فاجر كفار.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، ونفذوا أوامر الكريم الغفار.
عباد الله إن بين المسلمين أخطاء كثيرة قد تفشت وانتشرت، ويا للأسف وهي تغضب عليهم الملك القهار. فمنها: قطيعة الرحم التي أمر الله بصلتها، وقد اعتنى الإسلام بها وحذر من قطيعتها.
والبعض من الناس يهجر ويعرض عنها، بل ولا يسلم على من لقي من أقاربه كأنه مجرم عنده، أو ناكب عن الإسلام، أو مرتكب لكبيرة من الذنوب والآثام، وهذا لا يجوز له ولا يليق منه، وهو عليه حرام.
وقد يرى صاحب المعصية من غير ذي رحمه، فيهش إليه ويسلم عليه، ويلين له الكلام ويبادره بالسلام، وإذا لقي ذا رحمه أعرض عنه، وعبس في وجهه عند مقابلته، وأحب أنه لم يره ولم يقابله في يوم من الأيام، نعوذ بالله من الغرور والآثام.
وهذا يقع بين أفراد وجماعات من رجال ونساء، ويتعود أولادهم من بنين وبنات أعمالهم السيئة في قطيعة. وتجد أسباب ذلك أشياء تافهة، أو توهمات غير صحيحة. حتى ولو قدر أنها صحيحة، فيجب أن يتوصل إلى حلها وعلاجها، ويبدأه بالسلام.
وتجد أكثرها أشياء نفسية، أو أموراً دنيوية ليست تساوي عند الله شيئاً، ولا عند الناس، ولكن يعظمها الشيطان عنده حتى يوجد القطيعة، وذلك لما توصل إليه معصية الله والقطيعة من الخلاف والتنافر والتقاطع والتدابر والآثام، ثم توصل القاطع إلى النيران.
وهذا شيء يحبه الشيطان، ويدعو إليه؛ لأن الشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه- يحب الفساد ويدعو إليه، ويحب الذنوب والشرك بالله، ثم قتل النفس بغير حق، ثم عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام.
ورحمك -أيها الإنسان- هي قرابتك؛ سواء من جهة الأب، أو من جهة الأم أو كليهما، كإخوانك وأخواتك وأعمامك وعماتك وأبنائهم وأخوالك وخالاتك وأبنائهم، ونحو ذلك.
وقد قال الله محذراً من قطيعتهم ومرغباً في صلتهم: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25].
وأي فائدة -يا عباد الله- في قطيعة الرحم، إلا معصية الله وحلول عقابه؟ وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له مثل البغي وقطيعة الرحم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع"، قال سفيان: يعني قاطع رحم، متفق عليه.
فاتقوا الله عباد الله وصِلُوا أرحامكم، وابذلوا المعروف بينكم تجدوه عند الله، وأحسنوا إلى الناس -خصوصاً الأقارب- يحسن الله إليكم، يقول الله تعالى في كتابه الكريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:13-14].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي