يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ما فائدة هذه الأطباق الفضائية؟! وقنوات الإنترنت التي ساء استخدامها عند كثير من الناس؟! إن هاتين الشهوتين هنا من أكبر عوامل انتشار الجريمة، من الذي علم الشباب سرقة السيارات؟! من الذي علم الشباب الانغماس في المخدرات؟! من الذي علم الشباب...
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن أهل الخير يجتهدون في طرق الخير، ودلالة الناس إليها، رغم صدود الخلق عن ذلك، لما حُف به طريق الخير من المكاره.
وعلى الاتجاه الآخر نجد أن أهل الشر يجتهدون في نشر ضلالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، مع أنهم يدعون إلى أشياء هي من الشهوات التي تميل إليها النفوس البطالة، ويساعدهم في ذلك الهوى والشيطان.
وإذا نظرنا إلى المجتمع بأسره نجد أن الشريحة العظمى منه متذبذبة بين الطريقين، إلا أنه يجب على العاقل أن يعرف أعداءه من أصفيائه، حتى لا يوضع له السم في العسل، فيكون من الهالكين.
أيها المسلمون: إن اليهود والنصارى وأبناء كل ملة باطلة يسعون جاهدين لإفساد عقول المسلمين، وإخراجهم عن دينهم: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا)، ولقد تغيرت أساليب القتال في الحاضر عنها في الماضي، فأعداء الدين أصبحوا يغزون المسلمين غزوا فكريًّا يدب إلى المسلمين عبر وسائل الإعلام، فيفتت في قلوبهم العقيدة الصحيحة التي غرست فيها، وإن الواقع الملموس، يظهر فيه ذلك جليًّا واضحًا لمن أنار الله بصيرته، ولم تعمه الشهوات.
عباد الله: إن القنوات الفضائية التي شغلت حياة المسلمين -إلا من رحم الله- لتعج بالفساد العقدي والخلقي والعفن، وإن كثيرًا من أبناء المسلمين أصبحوا يتعلمون منها مناهج حياتهم، وذلك تحت الهزيمة النفسية التي تقبع في نفوس المغلوبين.
فمن أمثلة عبثهم بالعقيدة: أن هذه القنوات تظهر أحيانًا بصورة القاضي العادل لتدحض الحق وتبرز الباطل، فهم يعرضون حوارًا بين شخصين أحدهما يتزعم فكرًا باطلاً، والآخر يتزعم المنهج الإسلامي، وإنك لتجد الضعف الظاهر على ذلك المسلم، والقوة الظاهرة على متزعم الفكر الباطل، وفي النهاية ينتصر الضال المضل على المسكين المسلم، وتتهاوى تحته عقول كثير من المسلمين لجهلهم بذلك.
وانظر إلى مسائلهم التي يطرحونها للنقاش، إنها مسائل عقدية، إما في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في الأمور الغيبية؛ ما يجعل بعض المسلمين في حيرة من أمور دينه لقلة علمه وعقله.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن اليهود والنصارى وأعداء الدين ليدفعون الأموال الطائلة في سبيل هدم الإسلام، فهم ينشئون قنوات فضائية خاصة لهدم الإسلام، والآخرون يستأجرون القنوات الفضائية لنشر الرذيلة في أوساط المسلمين.
ومع هذا كله تجد أن المسلمين في غفلة من ذلك، فالشباب يسيرون وراء هذه القنوات، وأولياء الأمور في غفلة من ذلك، وإهمال للمسؤولية العظمى.
أيها المسلمون: إننا بحمد الله تعالى نستبعد أن يتهود أحد من أبناء هذه البلاد أو يتنصر، وذلك لوضوح الحق في الإسلام، وظهور الباطل والتحريف في غيره، إلا أنه وللأسف -وهو ما يسعى إليه أعداء الله- قد فتن بعض المسلمين في دينهم وزُعزعت عقيدة الحق من قلوبهم حتى كثر بين المسلمين من له اسم الإسلام الظاهر وهو منسلخ منه تمامًا، وفي عقيدته وأفكاره، فالبعض يشكك في عدالة بعض الصحابة، والآخرون يتكلمون في جفاء الدين وغلظته، والبعض من الناس قد فتن بالحضارة الغربية وصار يدندن بها في كل مكان.
كل هذا -عباد الله- من جراء وسائل الإعلام الفاسدة، فيجب على كل مكلف من الجن والإنس المحافظة على عقيدته، وحفظ عقله مما يفسده ويدنس عليه أخلاقه.
وإن مما يتعجب منه الإنسان ولا ينقضي عجبه صدور فتاوى أهل العلم بتحريم الأطباق الفضائية، وهو ما يسمى بالدشوش، فإنه يحرم شراؤها كما يحرم بيعها، والتعامل بها، ولو قال المتجاهل: إنه اقتناها للأخبار، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بسد الذرائع والأمر بحفظ العقل والدين، ومع ذلك تجد أن هذه الأجهزة في بيوت ضعاف الدين والإيمان غير مكترثين بتلك الفتاوى وكأنها نشرت لغيرهم، وحتى لقد أصبح بعض من رانت على قلبه الغفلة يباهي به أمام الناس على منزله وهو يطاول منارات المساجد والعياذ بالله.
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنكم في دار فتنة وغرور، واعتبروا بمصارع الهالكين، فإنما هي سويعات وأيام ثم نرحل من هذه الدار إلى دار لا فناء فيها ولا عمل، إنما هي دار المجازاة، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه).
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرانا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
عباد الله: إن من أكبر معاول الهدم لدين المرء المسلم وزعزعة عقيدته، فتنة الشبهة وفتنة الشهوة، وإن أعداء الله لا يفتؤون في زرع هاتين الشبهتين في أوساط المجتمعات الإسلامية.
فليحذر كل مسلم عاقل فَطِنٍ على عقيدته، ولا ينجرف خلف تيارات أعداء الدين، وذلك بتسليمه عقله لتلك الأجهزة الإعلامية الفاسدة عبر القنوات الفضائية، وليجتهد كل مؤمن في تثبيت شجرة العقيدة في قلبه، وقلب من يعول من المسلمين، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
أيها المؤمنون: إن مما لا يقل خطره عن فتنة الشبهة وهي طريق لزرعها: فتنة الشهوة، التي يستخدمها أعداء الدين سلاحاً لاقتناص شباب الأمة، وتحريف عقيدتهم، فليحذر كل مسلم ومسلمة على نفسه وعلى من يعول، خصوصًا أولياء الأمور، فإن أبناءنا هم شباب المستقبل الذين يرجى منهم نصر الأمة، ورفع رايتها، فأين يذهب ابنك في ساعات فراغه؟!
إنه وللأسف نرى كثيرًا من أولياء الأمور لا يعلمون عن أبنائهم إلا القليل، ولربما جلب الأب لابنه الشر في عقر داره، زعمًا منه أن ذلك من الحفاظ عليه.
إن مقاهي الإنترنت، والمقاهي العامة، هي الأماكن التي يقبع فيها أكثر شباب الأمة، وما ذاك إلا جريًا منهم وراء الشهوة والصور الفاتنة.
وإن المقاهي العامة التي يدار فيها الدخان والشيش، لتسعى جاهدة في جلب الشباب لجني المال منهم، ولذلك هم يتسابقون في عرض القنوات الفضائية التي فيها من الفتن ما الله به عليم، فضلاً عن تجمُّع سفلة الناس فيها، خصوصًا أهل المخدرات.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ما فائدة هذه الأطباق الفضائية؟! وقنوات الإنترنت التي ساء استخدامها عند كثير من الناس؟! إن هاتين الشهوتين هنا من أكبر عوامل انتشار الجريمة، من الذي علم الشباب سرقة السيارات؟! من الذي علم الشباب الانغماس في المخدرات؟! من الذي علم الشباب الخطف والسطو المسلح على الأماكن التجارية وبيوت المسلمين؟! من الذي علم الشباب أساليب الإغراء وهدم الأخلاق الإسلامية، والتهديد والاغتصاب؟!
إنها حضارة الغرب، المبثوثة إلينا عبر تلك القنوات، وأجهزة الإنترنت، فهل من عاقل لبيب يعطي الأمور مقاديرها؟!
أيها المسلمون: إن حركات شباب الأمة ولباسهم وهيئتهم لَتنبئك بالأثر السريع، الذي يكسبه شباب الأمة من أعداء الدين، عبر تلك القنوات.
وإن مما انتشر بين شباب الأمة -وهي أكبر عوامل انحراف الشباب ووقوعهم فيما لا تحمد عقباه- السهر حتى طلوع الشمس، فإن الليل بظلامه مما يستغله أصحاب النفوس الشريرة لنشر شرهم بين الشباب، فليجعل كل مسلم حظرًا على الجوال بعد منتصف الليل على أبعد حدٍّ على جميع من يعول، فإن ذلك يزيح عنك أكثر الشرور بإذن الله تعالى.
أيها الغيورون: إن الله سبحانه قد وهبنا عقلاً وفطرة يدلان على الحق والإيمان، فإياك ثم إياك أن تسعى في إفسادهما بما يبثه أعداء الملة من شبهات وشهوات.
فإن ديننا الحنيف جاء بمنع كل ما يفضي إلى فساد العقل والدين، أيًّا كان ذلك الممنوع، وإن الخير كل الخير في اتباع القرآن والسنة؛ فهما العصمة والنجاة لمن أرادهما.
اللهم هيّأ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم اهدِ شباب المسلمين وردهم إليك ردًا جميلاً.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي