أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله، عُد على أخيك المعدم، وترفّق لحاله، فالراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا أخوانكم الذين تلفت مواشيهم، وقلت أموالهم... ارحموا أناساً كانوا بالأمس أغنياء واجدين؛ فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين؛ يرحمكم الرحمن في حالة ..
الحمد لله الذي وعد المنفقين أجراً عظيماً وخلفاً، وأوعدَ الممْسكين لأموالهم عن الخير عطباً وتلفاً، وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الجواد، الرؤوف بالعباد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل الرسل وخلاصة العباد، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وآله وأصحابه أولي الفضل والعلم والانقياد.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق تقواه، وارحموا عباده تفوزوا بثوابه ورضاه؛ قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل كل صباح يوم ملكان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" رواه البخاري.
أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله: عُد على أخيك المعدم، وترفّق لحاله؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
ارحموا إخوانكم الذين تلفت مواشيهم، وقلَّت أموالُهم.
ارحموا عباداً اختلت أمورهم، وتضعضعت أحوالهم.
ارحموا أناساً كانوا بالأمس أغنياء واجدين، فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين.
ارحموا أناساً أصابهم الجهد والفقد والضراء، يرحمكم الرحمن في حالة السراء والضراء.
أيها المؤمنون: ألا تثقون بوعد من لا يخلف الميعاد؟! ومن ليس لخيره وفضله نقص ولا نفاذ؟! فإن الله وعد على الإنفاق الأجر ومضاعفة الثواب، ومدافعة البلايا والنقم والعذاب، بالخلف العاجل في المال والبركة في الأعمال، ووعد بفتح أبواب الزرق، وصلاح الأحوال.
فكونوا بوعده واثقين، وببره طامعين، فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة، يكون كثيراً، وينيلُ الله صاحبه مغفرة وأجراً كبيراً؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من تَصدق بعدل تمرة، من كسب طيب – ولا يقبلُ إلا الطيب- فإن الله يتقبلُّها بيمينه، ثم يُربيها لأحدكم كما يُربي أحدكم فُلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل العظيم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقُّوا النار ولو بشق تمرة". ليتصدَّق أحدكم من درهمه، من ديناره، من صاع بُره، من صاع شعيره.
كيف يشبع أحدنا، وأخوه المسلم جائعٌ؟! كيف يتقلبُ أحدنا في نعيم الدُّنيا، وأخوهُ معدم فاقد؟!
أين أهل الرحمة والشفقة؟! وأين من يقتحم العقبة؟! قال تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:12-16].
لقد قست قلوبنا، فما ينفع فيها وعظٌ ولا تذكيرٌ.
ولقد قلَّت رغبتُنا في الخير، فما يَؤثِّر فيها تشويق، ولا تحذير.
أين نحن من أهل الصدقة والإحسان، الذين حنَّوا- بما في قلوبهم من الرحمة- على نوع الإنسان؟ يسارعون إلى الخيرات، وإخراج المخبوءات، ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات، وأولئك الذين حازوا الأجر والثواب الجزيل، وسلموا من العقاب والعذاب الوبيل، فليُبشروا بالخلف العاجل من المولى الجليل، وبالبركة في أعمالهم وأعمارهم والخير الجميل؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:29-30].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي