وثارت عراق العز

مراد كرامة سعيد باخريصة
عناصر الخطبة
  1. إذلال الرافضة لأهل السنة .
  2. خروج الثورة من رحم المعاناة والظلم .
  3. الأنبار شرارة الانطلاقة ومرعبة قوى الاستكبار .
  4. أعظم بشائر الثورة العراقية .
  5. رسائل عاجلة لثوار الرافدين. .
اهداف الخطبة
  1. ربط المسلم بقضايا إخوانه المسلمين
  2. بث الأمل في قلوب المسلمين عامة وأهل الرافدين خاصة
  3. حث الثائرين على جعلها ثورة إسلامية
  4. بيان اجتماع الفرس والروم على أمة الإسلام.

اقتباس

تشهد عراق العز والمجد في هذه الأيام انتفاضة شعبية، وهبة ثورية، على غرار الثورات التي شهدتها عدد من الدول العربية، والتي تنفجر غالباً من...فالغرب والشرق اليوم في حيرة من أمره، وصدمة في عقله، من جراء اشتعال هذه الثورة من تلك المنطقة، خوفاً من عودة تلك الملاحم والبطولات، ورعباً من تلك الليالي والأيام السوداء التي أذاقها إياهم أهل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله؛ والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

أيها المسلمون: تشهد عراق العز والمجد في هذه الأيام انتفاضة شعبية، وهبة ثورية، على غرار الثورات التي شهدها عدد من الدول العربية، والتي تنفجر غالباً من جراء الظلم والكبت والإحساس بالمذلة والمهانة.

لقد أذل الرافضة -أذلهم الله وأخزاهم- أهل السنة غاية الإذلال، وأهانوهم أيما إهانة، فذبحوا أبناءهم، واعتقلوا نساءهم، ونهبوا ممتلكاتهم، وسرقوا خيراتهم، ومارسوا ضدهم أبشع جرائم القسوة والتعذيب في السجون والمعتقلات التي تعج بها العراق الحبيبة، وتغص بأهل السنة دون غيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى، في الأعم الأغلب.

لقد ظن الروافض المجوس أنهم أحكموا السيطرة، وأحاطوا بعراق العز والكرامة إحاطة السوار بالمعصم، وفازوا به وحدهم دون غيرهم، وحسبوا أنه لن يحاسبهم أحد، ولن يعترض عليهم معترض، فأمريكا في أيديهم، وإيران ومن حالفها هم منها وهي منهم، وأهل النفاق من أبناء العراق -وخاصة من المحسوبين على أهل السنة- قد احتووهم، وصاروا لا يتحركون يمنة ولا يسرة إلا بأوامرهم؛ فأعجب الرافضة بأنفسهم، واغتروا بقوتهم، واستعظموا آلة حربهم وبطشهم، فبطشوا بأهل السنة، وقدموهم للمحاكمات الظالمة، والتحقيقات المظلمة، وعلقوهم على أعواد المشانق وأعناق المقاصل، وأعدموا أعداداً كبيرة منهم بتهم سخيفة، ووشايات ملفقة.

ومن شدة حقد الرافضة وقوة مكرهم بأهل السنة قاموا بالانقلاب على حلفائهم من المنافقين وأهل الصحوات، الذين قدموا لهم كل الخدمات، وسهلوا لهم كل التسهيلات، فلما رأى الرافضة اليوم أن لا حاجة لهم بهم، وأن مهمتهم انتهت، وصلاحيتهم نفدت، انقلبوا عليهم، وانتزعوا السلاح منهم، ولم يقدموا لهم شيئاً مما وعدوهم به من المناصب والوظائف وغيرها، بل ولم يكتفوا معهم بهذا؛ وإنما قاموا بمطاردة كبارهم، وإذلال قادتهم ومحاكمتهم، كما فعلوا مع الهاشمي والعيساوي وغيرهم.

أحس الصادقون والمظلومون والمقهورون من أهل السنة بقمة القهر، وشدة المكر، وهول الظلم الواقع عليهم، بعدما نكّل بهم الروافض، وأضاعهم وسلمهم إليهم المنافقون من أبناء السنة أنفسهم، فقرر المخلصون أن يثوروا ضد الظلم، ويقفوا بالمرصاد لهذا المكر، ويعيدوا لأنفسهم ومجتمعهم أياماً مشرقة، وسنوات حافلة بالعزة والجهاد والمقاومة، كانوا يومها يقودون ولا ينقادون، ويأمرون ولا يأتمرون، فلما تخلوا عن الجهاد وتركوا مقاومة العدو الفارسي والرومي -إلا مَن رحم الله منهم- صار عزهم ذلاً، ورفعتهم صغاراً.

ونحسب اليوم أنهم قد قرروا بهذه الثورة المباركة العودة إلى أيام العز والتمكين التي كانوا ينعمون بها، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" رواه أبو داود.
 

فسبب الذل والهوان إذاً هو ترك جهاد هؤلاء الفجَرَة من الرافضة المجوس الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، والروم الأنجاس الذين لا يرقبون في مؤمن إلَّاً ولا ذِمَّةً، ولا سبيل إلى الخلاص من شرهم وقهرهم إلا بإظهار العداوة لهم، وعدم السكوت عن جبروتهم وظلمهم، وتحريض الناس عليهم، وجهادهم بكل أشكال وأنواع الجهاد، (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء:84].

عباد الله: إن أول بلد تحرك، وأول منطقة ثارت في هذه الثورة العراقية المباركة هي منطقة "الأنبار"، عرين السنة، ورباط الليوث، ومصنع الآساد، وفي كل مرة تنطلق منها شرارة الثورة والجهاد، يعرفها الأمريكان جيداً، ويرتعبون من ذكرها وذكر فلّوجتها وأهلها أهل الصافنات الجياد، الذين لقنوا الفرس والروم دروساً قاسية لن ينسوها إلى يوم التناد.

فأخوف ما يخيف قوى الشر والاستكبار في العالم أن الثورة العراقية انطلقت من هذه البلدة الفذة، التي شهدت قبل سنوات قليلة أعظم الصولات، وأقوى المعارك والجولات، ورأوا فيها جحيماً أسود وأياماً حمراء داميات، ومنها انطلقت جحافل المجاهدين تدك قواعد الأمريكان والمجوس بالمفخخات والعبوات.

فالغرب والشرق اليوم في حيرة من أمره، وصدمة في عقله، من جراء اشتعال هذه الثورة من تلك المنطقة، خوفاً من عودة تلك الملاحم والبطولات، ورعباً من تلك الليالي والأيام السوداء التي أذاقها إياهم أهل الأنبار أهل الولاء والبراء.

كيف لا؛ وهم أصحاب البوابة الغربية التي يمكن من خلالها الوصول إلى القدس الشريف مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وما أمريكا وإيران إلا وجهان لمهمة واحدة ألا وهي تأمين أمن إسرائيل من أن يمس به أحد، أو يصل إليه أسد، فكيف إذا ثارت أسود الأنبار كلها؟.

إن من أعظم بشائر هذه الثورة المباركة أنها ضيقت الخناق على الروافض المجوس، وقطعت أطماعهم، وشتَّتت شملهم، وخبطت خططهم، وبخرت أحلامهم، وشغلتهم بأنفسهم، فهم اليوم يعيشون في إيران في ورطة سياسية واقتصادية، وفي سوريا يعانون أزمة عسكرية وأمنية وأخلاقية، ويشتكون من تأديب مجاهدي الشام لحزب اللات، ومن شاركه من العناصر الحوثية، والمليشيات الطائفية.

وأما العراق التي حسبوا أنها لقمة انتهوا من بلعها وهضمها فقد تفاجأوا مفاجأة عظيمة عندما رأوا تلك التظاهرات العارمة التي لم تشهدها العراق من قبل في مدن عديدة، وبأعداد ضخمة في الموصل أكبر مدن محافظة نينوى، وسامراء وتكريت، وفي محافظة صلاح الدين والرمادي والفلوجة وغيرها من مدن محافظة الأنبار ذات الكثافة السنية والعربية.

ولأول مرة يشهد العراق مليونية تنادي بإسقاط النظام، ولأول مرة يطلق العراقيون اسمًا على جمعهم مثلما يفعل إخوانهم في بلدان الربيع العربي، ولأول مرة يشهد العراق اعتصامًا شعبيًّا يقطع الطريق الدولي الذي يربط بين العراق والأردن وسوريا والسعودية، وهو الطريق الذي يشهد تدفق السلاح والعتاد الإيراني والروسي على بشار وجنوده، ولأول مرة ترفع أعلام كردستان في المدينة العربية الباسلة مدينة الفلوجة للمطالبة بتجاوز الخلافات العرقية بين العرب والأكراد من أجل تكوين تحالف سني ضد تحديات المالكي الطائفية، وأحرقوا في مظاهراتهم الأعلام الإيرانية، ورددوا الهتافات التي تندد بالأعمال القذرة التي ترتكبها الحكومة الصفوية.

هذا كله يبشرنا -بإذن الله- بقرب سقوط تحالف المجوس، وانطفاء نارهم، وخمود ثورتهم الخمينية المجوسية عما قريب إن شاء الله، فإذا سقط النظام المالكي، وانهار النظام السوري، وتلاشى التآمر الإيراني والروسي، فإن بسقوطهم سقوط الدور الشيعي في المنطقة كلها، وهم يعلمون هذا جيداً؛ ولذلك فإنهم يستميتون من أجل بقاء هذه الأنظمة، لأن المسألة مسألة بقاء أو فناء.

ثم يكون بعد سقوط الفرس سقوط الروم ومن حالفهم من أهل الشرق والغرب، مما يجعل الكيان الصهيوني في النهاية ... ضيقًا محاصرًا من كل مكان.

ثم تكون بعدها الخلافة المنتظرة على منهاج النبوة التي بشر بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَة عَلَى مِنْهَاجِ النُبُوَّةٍ، ثُمَّ سَكَتَ" رواه أحمد.

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ المُسْلِمونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَو الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ" رواه مسلم.

هكذا وعدنا الله، وبهذا بشرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

عباد الله: إن انطلاق الربيع العراقي في هذا الوقت بالذات، مع قرب الانتصار الكامل لثورة إخواننا المجاهدين في سوريا، لَهُو من أعظم المحفّزات والبشائر لأهل السنة في العراق، ومن أعظم الفوائد لهم ليستفيدوا من ثورة إخوانهم في الشام إيجاباً وسلباً، خاصة وأن إخواننا في العراق لهم الباع الأسبق في قتال المحتل ومعرفة أدوات مكره وأساليب خططه، فالعدو واحد، والمطالب واحدة، والطريقة تكاد تكون واحدة، فما عليهم إلا استثمار الفوائد، والاستفادة من الدروس والعبر من ثورتهم السابقة، وثورة إخوانهم في شام الصبر والفداء.

والنصر حليفهم بإذن الله إن نصروا الله، وأخذوا بأسباب العزة والقوة، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج40-41].

كما يجب عليهم أن يجعلوا ثورتهم إسلامية، ومنطلقاتهم شرعية، فإن العدو -شاءوا أم أبوا- ينطلق من معتقدات دينية، وأفكار عقدية، وأحلام مجوسية؛ ولهذا فلا ينبغي أن يتعامل معه ببهلوانية وطنية، أو طائفية عرقية، أو فلسفات ومبادرات سياسية.

وهاهي الثورة السورية بدأت سلمية، وظلت ستة أشهر كاملة السلمية، حتى أيقن السوريون أن الصفويين الروافض لن تنفع معهم أوهام السلمية، ولن يتحقق خير من وراء إظهار الصدور العارية لهم، فحملوا لهم السلاح، وواجهوا حديدهم بالحديد، فكسروا شوكتهم، وهزموا قوتهم، وفتحوا مطاراتهم، وجعلوهم يحسبون أيامهم المتبقية بأيديهم.

وعلّموا العالم الإسلامي كله درساً مفاده أن داء الرفض مرض لا دواء له إلا السيف والسنان، والقتال والنزال، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25].

إننا ننادي إخواننا في عراق العز والكرامة أن يجعلوا المطالبة برحيل المالكي المجرم هدفاً ضمن الهدف العام، الذي هو إسقاط النظام بكل تشريعاته القذرة، وسياساته المعتدية، ورموزه الأنذال.

فالحذرَ الحذرَ من المطالبة بإسقاط شخص ساقط عميل جمع بين الانتهازية السياسية، والطائفية الدينية، والعصبية الحزبية، والطموحات الديكتاتورية، والأطماع الدنيوية والاستبدادية، واستبداله بشخص آخر يظل عميلاً مخلصًا، وجوادًا مسرعاً في سباق تمزيق وتدمير العراق الكبير، وإخضاعه لأعداء الله في الشرق أو الغرب، حتى لو كان من المحسوبين على أهل السنة.

إن أعداء الله لا يهمهم إزاحة عبدهم المخلص إذا رأوا أن صلاحيته انتهت، وإنما يهمهم استبداله بعبد آخر يرعى مصالحهم، ويحفظ لهم حقوقهم، بغض النظر عن انتمائه وولائه، (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:42].

إن الفرس والروم يفكرون اليوم تفكيراً جاداً وسريعاً بتغيير هذا الشخص إذا رأوا أن الاحتجاجات استمرت، وجذوة الثورة اشتعلت، والاعتصامات والمظاهرات تثبتت وتمددت، فهنا سيتخلون عنه كما تخلوا عمن قبله؛ لأنهم يعلمون أن سقوطه تحت وطأة الاحتجاجات قبل أن يتوفر البديل المناسب أمريكيًّا وإيرانيًّا معناه إعادة ترتيب المنطقة بأسرها من جديد من قبل القوى الإسلامية السنية التي يعدونها إرهابية، وهذا أخشى ما يخشونه، وأخوف ما يخافونه.

فكونوا على حذر من مكرهم الكُبار، وكيدهم كيد الماكرين الأشرار، (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم:46]، (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43].

يا إخواننا المسلمين في بلاد الرافدين: إن الرافضة لا يفرقون بين أحد منكم طالما أنه ليس منهم، ولا يفرقون في الحكم بين سنيٍ موحد وآخر محسوب على أهل السنَّة حتى لو كان مواليًا مناصرًا لهم، معاديًا محاربًا لأهل السنَّة، فأوصدوا الباب في وجوههم، وأغلقوا باب الولاء نهائياً معهم، وإياكم ثم إياكم أن يؤتى الإسلام من قبلكم! فإن دماء أهل السنة وأعراضهم وأموالهم أمانة في أعناقكم.

ولئن تخاذلتم أو تقهقرتم وتخليتم عن ثورتكم فاعلموا أن القوم سيستأصلون شأفتكم، وسيبيدون من تبقى منكم، فلا تخيفنكم مؤامراتهم، ولا تفزعنكم تهديداتهم، فقد رأيتم جبنهم، وعاينتم عجزهم، وجربتم شجاعتهم، فكونوا يداً واحدة عليهم، وكونوا على يقين بأنهم لن يصمدوا أمامكم إن اتقيتم، وصبرتم، وصابرتم، (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].

إنّ العملية السياسية المزعومة التي قبلتم بها وسكتم عنها ودخلتم فيها ما هي إلا شماعةٌ أمريكية كاذبة, ومؤامرةٌ صهيونيةٌ حاقدة, وخدعةٌ رافضيةٌ مجوسيةٌ قذرة, علق عليها الصليبيون انتصاراتهم الموهومة الكاذبة، وصرتم بها ألعوبة ودمية يحركها الروافض كيف شاءوا، فطلِّقوها، واهجروها، وأعلنوا ولاءكم لله وحده.

وانبذوا كل الدساتير الأرضية والقوانين الوضعية، وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو خير لكم، وبهذا تكونون كتلةً صلبةً أمام المخطط الرومي الصليبي، والمد الإيراني المجوسي، وتسترجعون مقدساتكم وخيراتكم, وتعود لكم عزتكم وكرامتكم وسيادتكم التي لن تعود لكم حتى تعودوا إلى دينكم، وتصححوا أوضاعكم، فهذا هو التغيير الحقيقي الذي أمر الله به وحث عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد:11].

فأروا الله منكم خيراً، وبيضوا وجوهنا كما بيضتموها من قبل، وكونوا خير خلف لخير سلف، (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:35].

اللهم انصر عبادك الموحدين على أعدائك أعداء الدين، اللهم افتح لهم فتحًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم اجمع شملهم، ووحِّد كلمتهم، ورُصَّ صفوفهم، وثبِّت أقدامهم.

اللهم زلزل من عاداهم، وأدخل الرعب في قلوبهم، واستأصل شأفتهم، واقطع دابرهم، وأَبِد خضراءهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وكن لنا وليًّا، وبنا حفيًّا، وأصلح لنا شأننا كلَّه، وأصلح نيَّاتنا وتبعاتنا، واجعلنا لأنعُمك شاكرين، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وثبِّتنا اللهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ربَّنا أفرغ علينا صبرًا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم أنت عضدنا وأنت نصيرنا، بك نحول، وبك نصول، وبك نجول، اللهم أرنا في الرافضة غضبك، اللهم إنهم جعلوا لك أندادًا وآذوا نبيك وأولياءك, اللهم لا تبق لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، أنت حسبنا ونعم الوكيل.

وصلِّ اللهم على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي