لقد كانت المعاكسات والوقوع في جريمة الزنا قضية مضيقًا عليها قبل تطور التقنيات، لكنها دخلت في الآونة المتأخرة مرحلة حرجة وخطرة لم يكن يدري ( جرهام بل) مخترع الهاتف أن الناس سيشوهون ويفسدون وظيفة ما اخترعه، فالهاتف نعمة عظيمة من نعم الله به يتواصل بها الأقارب والأرحام وهو أداة…
الحمد الله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم وتسليمًا كثيرا.
أما بعد: عباد الله: نقف معكم اليوم بإذن الله- عز وجل- مع موضوع مهم وحساس ومنتشر بين أوساط المجتمع نتعرف على أهميته وأضراره وأسبابه وحكم الشرع فيه، ثم العلاج الناجع لهذا الداء العضال..
هذا الموضوع: هو المعاكسات الهاتفية بين الشباب والشابات … فأقول مستعينا بالله وبه التوفيق: إن هذا الموضوع يهدد الأسرة ويهدد العلاقات السوية بين الجنسين وهو كالشرارة الصغيرة التي تضرم النار وفي ثياب العفة والشرف.
فقضية ميل الرجل للمرأة والعكس أمر فطري جبل عليه الإنسان كما قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران : 14].
فإذ تأملنا في خلق الله- سبحانه وتعالى- تجد أمرًا عجبًا، فالله تعالى كما ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله- خلق الخلق على ثلاثة أصناف:
1- الصنف الأول لهم عقول، ولكن ليس لهم شهوات وهؤلاء الملائكة.
2- الصنف الثاني لهم شهوات، ولكن ليس لهم عقول وهؤلاء البهائم.
3- الصنف الثالث لهم عقول وشهوات، وهؤلاء أهل التكليف الإنس والجن.
وفي هذا ابتلاء وامتحان، فإن قدم شهوته على عقله فقد هلك والتحق بالبهائم وإن قدم عقله على شهوته فقد تجاوز والتحق بالملأ الأعلى.
أيها الإخوة: لقد كانت المعاكسات والوقوع في جريمة الزنا قضية مضيقًا عليها قبل تطور التقنيات لكنها دخلت في الآونة المتأخرة مرحلة حرجة وخطرة لم يكن يدري ( جرهام بل) مخترع الهاتف أن الناس سيشوهون ويفسدون وظيفة ما اخترعه. فالهاتف نعمة عظيمة من نعم الله به يتواصل بها الأقارب والأرحام وهو أداة للإنقاذ والنجدة.
لقد جاء في أحد البحوث أن:
1- ربع الراتب يذهب للجولات.
2- أن المعاكسات الهاتفية هي الوسيلة المفضلة للإناث بدرجة تفوق الذكور.
وفي السنوات الأخيرة تطورت وسائل الاتصال والمعلومات، وبالتالي تطورت المعاكسات بأشكال مختلفة، ومن المعلوم أن عاطفة المرأة مرهفة، فعن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حادٍ جيد الحداء، وكان حادي الرجال وكان أنجشة يحدو بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا أنجشة رويدًا سوقك بالقوارير».
3- إن من المحزن أن نرى بعض شبابنا لا همّ لهم سوى ملاحقة الفتيات في الشوارع والأسواق، وما علم أولئك أن لهذه المعاكسات أضرار ومفاسد كثيرة فمن أضرارها:
1- أنها وسيلة للوقوع بالفاحشة: فبداية المعاكسات تكون بالخضوع بالقول، ثم العشق والحب والغرام ثم المواعيد، وهكذا كما قيل: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.
إنها خطوة من خطوات الشيطان وقد نهانا الله -عز وجل- من تتبع خطوات الشيطان، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21].
2- انهيار الأسر ووقوع الطلاق: كثيرًا من الخلافات الأسرية وحالات الطلاق تقع بسبب بلاء المعاكسات.
3- إيذاء المسلمين في بيوتهم: فبعض الشباب ليس له همّ إلا إزعاج الناس في بيوتهم، والله سبحانه وتعالى حرّم أذية الآخرين بأي شكل كان قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
4- إنها من أسباب التعاسة حتى بعد الزواج: فيظل الشاب تدور في مخيلته ذكريات الماضي فيشك في زوجته إذا تكلمت بالهاتف ويسيء الظن بها.
فيا ترى ما هو الحكم الشرعي لمثل هذه المعاكسات؟
تعلمون أيها الإخوة -حفظكم الله- أن حفظ العرض أحد مقاصد الشريعة الخمسة حول هذا المقصد تدور جملة من الأحكام الشرعية؛ تهدف كلها إلى الحفاظ على تماسك الأسرة والنسل والنسب وتطهير المجتمع من الرذيلة والأحكام الشرعية المتعلقة بهذا المقصد على قسمين:
الأول: تحرم الفاحشة بمختلف صورها.
الثاني: سد الذرائع عن طريق قطع السبل الموصلة إلى الفاحشة؛ لذا حرم الله النظر والاختلاس والخلوة والتبرج والسفور والمعاكسات من الذرائع المؤدية إلى الفتنة.
وقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة بتحريم هذا النوع من المعاكسات. فقد حذّر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم النساء من الخضوع بالقول للرجال صيانةً لهن عن أسباب الانحراف والفتنة فقال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]، وقال سبحانه: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
وتُعتبر المعاكسة في حكم الخلوة وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، قال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: أفريت الحمو؟ قال: «الحمو الموت».
ولهذا يجب أن نعلم أن المعاكسات الهاتفية محرمة في الشرع، فهي من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة:
عباد الله: ينبغي أن نعلم أن هناك أسبابًا للمعاكسات منها:
1- ضعف الإيمان وعدم مراقبة الله- سبحانه وتعالى- فلا شك أن المعاكسات لا تصدر إلا ممن ضعف إيمانه وغلبت عليه نار الشهوة وفتنة المعصية.
2- ضعف التربية والتوجيه ففي غياب التوجيه والتربية تنمو الظواهر السيئة والأخلاق لاسيما في سن المراهقة.
3- جهل الفتيات بحقيقة هذه الظاهرة، فبعض الفتيات تعتقد أن الأمر مجرد تسلية أو علاقة بريئة مؤقتة تنتهي بانتهاء المعاكسة.
4- عدم التزام المرأة بالضوابط الشرعية أثناء التحدث بالهاتف كأن ترقق حديثها أو تستعمل بعض العبارات مثل مرحبًا أهلا وما شابهها.
5- رفقاء السوء وهو من أهم الأسباب فالله يعلم كم أفسدت رفقة السوء من شباب وكم أعانت على المنكر!!
6- إطلاق النظر المحرم: فقد قرن الله- عز وجل- الأمر بغض البصر وحفظ الفرج قال سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…) [النور: 31].
كما قيل:
كل الحوادث مبدأها مـن النظـر *** ومعظم النار من مستصغر الشــرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السـهام بلا قـوس ولا وتـر
والعبـد مـادام ذا طـرف يقلبه في *** أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مـرحبا بسـرور عـاد بالضرر
7- عدم احتشام بعض النساء وخروجهن لغير حاجة: فبعض الأخوات يذهبن إلى الأسواق بلا حشمة بملابس فاتنة وعباءات مزخرفة وأنواع العطور وغير ذلك.
8- تأثر بعض وسائل الإعلام والاتصال: فهناك أفلام وبرامج هابطة تعلم الحب الهابط والتعرف على الأصدقاء وغير ذلك.
9- الفراغ فبعض الشباب يكون فارغًا من الأشغال، وفارغ القلب من ذكر الله فيمضي وقته في المعاكسات.
10- تأخر الزواج فالزواج فطرة الله وهو السبيل الشرعي للعلاقات السوية وبالتالي كبح جماح الشهوة.
إذا فما هو العلاج لمثل هذه الظاهرة؟
أن العلاج يكمن في التالي:
1- الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حفاظًا على سفينة الأمة من الغرق.
3- تيسير أمور الزواج وعدم المغالاة في المهور أو تأخير زواج البنات بدعوى التعليم.
4- البعد عن أسباب الإثارة كإطلاق النظر ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والمجلات الساقطة.
5- دور التربية الأسرية: فالأسرة هي الحصن الحصين للأبناء والبنات.
أخيرا أيها الإخوة: أختم هذا اللقاء المبارك ببعض التوجيهات السريعة لإصلاح البيوت من ذلك:
1- عدم السماح للأبناء بأخذ جهاز الهاتف في أحد الغرف بحجة الرغبة في سماع التحدث أو البعد عن الإزعاج.
2- الحرص على عدم ذهاب الفتيات لوحدهن إلى الأسواق والأماكن المختلفة.
3- منع الفتيات من التبرج وإظهار المحاسن عند الخروج من المنزل.
4- ملاحظة أي تصرف مريب من الأبناء أو البنات: مثل: الكلام والهمس أو في المكالمات آخر الليل.
وهذه رسائل نجاة لمن وقع أو وقعت في المعاكسات:
1- مداومة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
2- اجتناب كل ما يثير الشهوة ويهيج الغريزة.
3- أن تجتنب المرأة الرد على الهاتف وتترك ذلك لأهل البيت.
4- أن تحرص الأخت المسلمة على مصاحبة الصالحات.
5- ملء الفراغ بالنافع..
نسأل الله- عز وجل – أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته..
لم ترد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي