إمام المتوكلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته جلية محفوظة؛ فقد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهَرَ في بعض غزواته بين درعين، وتعاطى الدواء، وقال: ((من يحرسنا الليلة)) ، وأمر بغلق الباب وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة ((أعقلها وتوكل)).
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه رحمكم الله، واعتصموا بحبله حقَّ الاعتصام، واستمسكوا بالعروة الوثقى التي ليس لها انفصام. حبل الله الإقرار بتوحيده، وأداء فرائضه، وإقامة حدوده، والتصديق بوعده ووعيده؛ (وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَنتَهُواْ) [الحشر:7].
أيها المسلمون: طلب الرزق غريزةٌ عند كل الأحياء، فما إن تَبدوَ بوادرُ الصباح حتى يستعد الفلاحون والتجار، وأصحاب الصنائع والحرف، وأرباب الوظائف والإدارات، يستعدون للدخول في كدحٍ طويلٍ كي يحرز كلُّ امرئٍ منهم قوته وقوت عياله.
وهذا الكدح الطويل والسعي الحثيث محكٌّ قاسٍ للأخلاق والمسالك، والثبات واليقين، والطمأنينة والرضى.
إن اللهف على تأمين العيش، واللهاث من أجل سدِّ أفواه الصغار والضعاف قد يلجئ بعض النفوس إلى الختل والتلون، والكذب والحيف، والتدليس والغش. وربما وُجد ضعاف يتملقون أقوياء، وأذلاء يذوبون في أعتاب كُبراء.
إن إلحاح الرغبة في طلب الكفاف أو طلب الثراء مع وعورة الطريق، وطول المراحل والمنازل في هذه الحياة، وشعور المرء بالحاجة إلى ناصرٍ ومؤنسٍ مع ما قد يلاقي من أعداء ومتربصين؛ كل ذلك قد يدفع إلى اللؤم والذلة وسلوك المسالك الملتوية.
ولكن دين الإسلام يأبى ثم يأبى أن يكون الكدح وراء الرزق مزلقةً لهذه الآثام كلِّها، وينهى ويكره أن يلجأ المسلم أبداً إلى غشٍ أو ذلٍَ أو ضيم ليجتلب به ما يشاء من حطامٍ.
وفي سدِّ هذا الطريق يقول عليه الصلاة والسلام: "لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوا بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته".
إذن ما هو المخرج؟ وما هو الحل من هذه المعضلة التي يعيشها فئامٌ من الناس على ظهر هذه البسيطة؟ يتهارشون ويأكل بعضهم بعضاً، ويظلم بعضهم بعضاً؟؟ وفي عصرنا شاهدٌ كبيرٌ وأنموذج ماثلٌ على هذه الصورة المزرية!!.
اسمعوا إلى هذا الحديث من نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً" .
وابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن من ضعف اليقين أن ترضيَ الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله، لا يجرُّه حرصُ حريصٍ ولا ترده كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الرَّوْحَ والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشك والسخط" .
أيها الإخوة: إنه التوكل على الله. التوكل شعورٌ ويقينٌ بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجود والأفلاك والأكوان. فكل ذلك محكومٌ بحوله وقوته سبحانه.
التوكل قطع القلب عن العلائق، ورفض التعلق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوِّل الأحوال ومقدِّر الأقدار لا إله إلا هو. إنه صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
التوكل صدقٌ وإيمانٌ، وسكينةٌ واطمئنان، ثقةٌ بالله في الله، وأملٌ يصحب العمل، وعزيمةٌ لا ينطفئ وهجُها مهما ترادفت المتاعب. بالتوكل تُرفع كبوات البؤس، وتُزجر نزوات الطمع. لا يكبح شَرَهَ الأغنياء ولا يرفع ذل الفقراء سوى التوكل الصادق على الحي الذي لا يموت.
يقول سعيد بن جبير رحمه الله: "التوكل على الله جماع الإيمان. المتوكل على الله ذو يقظةٍ فكريةٍ عاليةٍ ونفسٍ مؤمنةٍ موقنةٍ. قال بعض الصالحين: متى رضيت بالله وكيلاً وجدت إلى كل خير سبيلاً".
وقال بعض السلف: "بحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك حسن توكلك عليه".
التوكل إيمان بالغيب بعد استنفاد الوسائل المشروعة في عالم الشهادة. تسليم لله بعد أداء كل ما يرتبط بالنفس من مطلوباتٍ وواجباتٍ.
أيها الإخوة: وأول بواعث التوكل ومصادره توحيد الله وإفراده بالعبادة؛ فالرب المعبود سبحانه: له الأسماء الحسنى والصفات العلى: (اللَّهُ خَـالِقُ كُـلّ شَىْء وَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَـاوتِ وَلأرْضِ وَلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـاتِ اللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَـاسِرُونَ) [الزمر:62-63]. (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان:85. (وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّـاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء:217-220].
التوكل أجمع أنواع العبادات، وأعلى مقامات التوحيد، وأعظمها وأجلها. وما ذلك إلا لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة، والرضى العميق، واليقين الثابت.
ولقد جاء الأمر به في كتاب الله في أوجه مختلفة، وسياقات متعددة، ومناسبات متكاثرة. بل لقد جعله شرطاً للإسلام والإيمان فقال سبحانه: (إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ) [يونس:84].
وقال سبحانه: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:23]. قال أهل العلم: فدل ذلك على انتفاء الإسلام والإيمان بانتفائه.
وقال عن أنبيائه ورسله: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم:12].
وقال لنبيه محمد: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقّ الْمُبِينِ) [النمل:79]. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِللَّهِ وَكِيلاً) [الأحزاب:3]. (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51] (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَلْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل:9].
وقال عن أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].
وقال عن أوليائه: (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [الممتحنة:4].
وقال في صفات المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـاناً وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
وقال في جزاء المتوكلين: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً) [الطلاق:3]. (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى:36].
أيها الإخوة: هذا هو التوكل في حقيقته، وأثره، وجزائه، وصفات أهله لكنه ما كان تواكلاً ولا اتكالية، وما كان ضياعاً ولا إهمالاً للسنن والأسباب.
إن تحقيق التوكل لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب البتة. إن السعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل على الله بالغيب إيمانٌ بالله.
إن المتوكلين في كتاب الله هم العاملون: (نِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [العنكبوت:58-59].
وإمام المتوكلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته جلية محفوظة؛ فقد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهَرَ في بعض غزواته بين درعين، وتعاطى الدواء، وقال: "من يحرسنا الليلة" ، وأمر بغلق الباب وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة "أعقلها وتوكل".
وقال سبحانه لنبيه لوط عليه السلام: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الَّيْلِ) [هود:81]. وأوحى إلى نبيه موسى: (أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ) [الشعراء:52]. ونادى أهل الإيمان (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ) [النساء:71].
فليس التوكل بإهمال العواقب واطِّراح التحفظ، بل ذلك عند العقلاء والعلماء عجزٌ وتفريطٌ يستحق صاحبه التوبيخ والاستهجان.
ولم يأمر الله بالتوكل إلا بعد التحرز واستفراغ الوسع فقال عز شأنه: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران:159].
إن العبد المؤمن ليجمع بين فعل الأسباب والاعتصام بالتوكل، فلا يجعل عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً. إن تعسر عليه شيء فبتقدير الله وإن تيسر له شيء فبتيسير الله.
يقول سهل التستري: "من طعن في الحركة والسعي فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته".
والمسلم المتوكل يخرج من بيته متوجهاً إلى عمله ومهنته، تزدلف قدمه من عتبة بابه وهو يقول: "باسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أَزِلَّ أو أُزل، أو أَضل أو, أُضل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل علي".
وقد كان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
ومن قال: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له حينئذٍ كُفيت ووقيت وهُديت، وتنحى عنه الشيطان. وهو يقول لشيطان آخر: ما تريد من عبد قد هُدي وكُفي وحُفظ؟؟ . وفي التنزيل العزيز: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99].
أيها الإخوة: وثمة موطن من مواطن العمل لا يكون على وجهه، ولا تتحقق غايته والحق الذي يحمل عبأه أنبياء الله عليهم السلام ومن اقتفى أثرهم من أهل العلم والإيمان والصلاح والإصلاح.
إن كل أولئك يتعرضون لمخاوف مزعجة، لا يثبتون لعي الروع والغبن إلا لأملهم في الله واستنادهم إليه، لا يثبتون إلا بالتوكل الذي ينير أمامهم ظلمات حاضرهم، ويعينهم على مواجهة الأخطار بعزم وثقة واطمئنان.
وما يلاقيه الأنبياء شيءٌ عظيمٌ يجسده قول موسى وأخيه عليهما السلام وقد أمرهما ربهما أن يذهبا إلى فرعون فقالا: (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى) [طه:45]. فجاءهما الدواء البلسم (لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه:46].
إنه الشعور الكبير والعميق بمعية الله وعنايته، ذلكم هو المؤنس في الموحشات، والمشجع في الرهبات. وهذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: نظرتُ أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلتُ يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". والله عز وجل يقول في محكم كتابه: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].
وحينما (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا) [إبراهيم:13].
جاء الجواب على لسان خطيب الأنبياء شعيب عليه وعلى نبينا وعلى جميع أنبياء الله الصلاة والسلام (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِلْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَـاتِحِينَ) [الأعراف:89].
إنه المجد الشامخ لا يخطه إلا نفرٌ من المؤمنين المتوكلين (قُلْ هُوَ الرَّحْمَـنُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ) [الملك:29].
الحمد لله لا شريك له في ملكه، ولا مانع له في أمره، ولا مقاوم له في عزه، هو المتفرد بالأمر كله. سبحانه وبحمده جل ثناؤه، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَـافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [هود:123].
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى، ومن لم يكن كذلك فهو يظن أن حظوظاً عمياء هي التي تقرر مصائر الحياة والأحياء.
إن المقطوعين عن الله هم عبيد الحظوظ الشاردة والأسباب المبتورة.
وقد قال بعض أهل العلم: إن الفلاسفة والماديين لا يصح منهم توكل كما لا يكون ذلك من القدرية النفاة الذين يعتقدون أنه يقع في ملك الله ما لا يريد ولا يشاء. تعالى الله عما يقول الظالمون الجاحدون علواً كبيراً.
إنه التوكل على الله لا يعرفه العاطلون البطالون.
ضعيف التوكل لا هو عند الوجود يشكر رتبته، ولا هو عند العدم يرضى حالته.
وإن من الجهل بالله وصفاته وضعف الإيمان بوعده ووعيده أن يتوقع أحدٌ الخذلان والضياع وهو مرتبط بربه معتمدٌ عليه، والله يقول: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوّفُونَكَ بِلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ) [الزمر:36-37].
(وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:49].
والمحروم لن يدرك مهما طلب، والمرزوق سوف يأتيه رزقه مهما قعد.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأجملوا في الطلب، ولا تفرطوا في السبب، وتوكلوا على الله فإن الله يحب المتوكلين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي