من ثمرات شهر رمضان

عبد العزيز بن داود الفايز

عناصر الخطبة

  1. إكرام الله للمسلمين بشهر رمضان
  2. بعض فضائل شهر رمضان وفوائده وثمراته

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فضل بعض الأزمنة على بعض، وفضل بعض الأمكنة على بعض، وربنا يخلق ما يشاء ويختار.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنه وعفوه وكرمه.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ واشكروه على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، ومنها: أن أكرمك الله -جل وعلا- بإدراك هذا الشهر المبارك، شهر الخيرات والبركات، هذا شهر الخيرات والبركات، شهر إجابة الدعوات، شهر إقالة العثرات، فقد اختص الله -جل وعلا- هذا الشهر عن سائر الشهور وجعله من الفضائل من الله به عليم.

من ذلك -يا عباد الله- أن المؤمن يحصل منه الخطأ هو الزلل، فجاء هذا الشهر الكريم فجاء هذا الشهر المبارك والله -جل وعلا- قدر فيه: أن من  صامه إيمانا واحسابا غفر له ما تقدم من ذنبه؛ فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" إيمانا بوجوبه وفرضيته واحتسابا للأجر من الله -جل وعلا- لا يصوم كما يصوم الناس فقط لا يصوم عادة، وإنما يستحضر النصوص والفضائل التي وردت في هذا الشهر الكريم، وينتظر من ربه -جل وعلا- الجزاء صام ذلك إيمانا بفرضيته وإجابة وينتظر جزاءه من عند ربي.

ومن فضائل هذا الشهر -يا عباد الله-: أن المؤمن يتزود به من التقوى والإيمان، قال الله -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

نعم يمتنع المؤمن عن ما نهى الله -جل وعلا- عنه، يمتنع عن المفطرات فيزداد إيمانه؛ لأنه استجاب لأمر الله -جل وعلا- يمتنع عن معصية الله فيزداد إيمانه "من لا يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، ترك هذا من أجل الله فزادا إيمانه وزاده تقواه لله -جل في علاه-.

ومن ثمرات هذا الشهر المبارك -يا عباد الله-: أن العطية على قدر معطيها؛ فقد جاء في الصحيحين من أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله -جل وعلا-: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزيه به" فأختصه الله؛ لأنه سر بين العبد وربه لا يعلم عن هذا الإنسان هل هو صائم؟ إلا ربه.

يكون الإنسان في خلوته وبين يديه ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، ويترك ذلك خشية من الله إجلال لله تعظيم لله رجاءً لصوابه، تقوم المرأة في مطبخها وبين يديها أصناف الطعام ولو أكلت لم يعلم عنها أحد تركت ذلك لله -جل في علاه-: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

ومن ثمرات الصيام -يا عباد الله-: أن الصائم يفرح عندما يلقى ربه -جل وعلا-، ويفرح الصائم عند فطره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" يفرح إذا أكمل صومه يفرح أن الله منَ عليه بإكمال هذا الصيام، يفرح بطبيعته البشرية أنه يأكل ما لذ وطاب من الأصناف التي أباحها ربه -جل وعلا-، ويفرح يوم القيامة بلقاء ربه، ويفرح بثوابه من عند ربه -جل وعلا-.

أيها الصائمون: احمدوا الله -جل وعلا- وتذكروا هذه النعمة، وهذا ليس ببعيد، ما إن -يا عباد الله- ينقطع حياة الإنسان، نفس يرتفع فلا ينزل أو ينزل فلا يرتفع إلا ويتنعم المؤمن يتنعم ويجد ثواب عمله، نعم يفرح المؤمن عند لقاء ربه.

فإذا أحس الإنسان بألم الجوع والعطش يتذكر هذه النعمة فليتحول التعب إلى لذة ومتعة يحول إلى أُنس بالله -جل وعلا-، نريد أن نتنعم وأن نتلذذ بعبادة ربنا؛ لأن المراد -يا عباد الله- ليس المنع فقط من الأكل والشرب إنما أن نتلذذ وأن نتقرب وأن نتعبد الله -جل وعلا- بهذه الشعيرة العظيمة.

نعم -يا عباد الله- فيفرح المؤمن بذلك كله.

أيضا من ثمرات -يا عباد الله-: أن الصائم مجاب الدعوة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا ترد دعوتهم" وذكر منهم "الصائم حتى يفطر" فالصائم يدعو ربه طوال النهار يدعو ربه بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وأتى قول الله -جل وعلا-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186] أتت هذه الآية بين آيات أحكام الصيام حتى يبين الله -جل وعلا- أن للدعاء ميزة في هذا الشهر الكريم، فأحضر قلبك -يا عبد الله- وأنت تنكسر بين يدي الله في نهارك وفي ليلك في سجودك، ولا تغفلوا عن الدعاء عند السَحَر وقت النزول الإلهي عندما تتسحر.

اسأل ربك -جل وعلا- بقلب حاضر خاشع، وأبشر بالخير من الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر والحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا يليق بجلال الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته ونهجه وعنا معهم بمنه وعفوه وكرمه.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله -جل وعلا- واستغلوا هذا الشهر الكريم بالخيرات والعبادات وسائر الطاعات لله -جل وعلا-؛ لأنه يذهب سريعا والمفرط والمحروم، من حُرم في هذا الشهر الكريم والنفس -يا عباد الله- تحتاج إلى جهاد: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [البقرة: 69].

ومن فضائل هذا الشهر الكريم -يا عباد الله-: أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر؛ كما جاء في صحيح مسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

نعم لا بد من اجتناب الكبائر، ومن وقع بكبيرة -يا عباد الله- يعلن التوبة في هذا الشهر الكريم حتى تُكفر جميع الذنوب والسيئات، فمن تاب لله -جل وعلا- غفر له جميع ذنوبه، فلنعلن التوبة -يا عباد الله- لله -جل وعلا-، قال الله وخاطب صفوة الخلق، خاطب صفوة الناس فيه، في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خاطب صحابة رسول الله -جل وعلا-، خاطب الصحابة -رضي الله عنهم- وقد قاموا بأعمال جليلة وفضيلة تركوا ديارهم تركوا مكة تركوا أموالهم هاجروا لله جاهدوا في سبيل الله، وأنزل الله -جل وعلا-: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

وقسَّم الله الناس إلى قسمين: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فأني أتوب في اليوم مائة مرة"، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه، فأهل العلم يقولون: يشترط لتكفير جميع السيئات التوبة، فنبادر بالتوبة، وربنا -جل وعلا- يقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53].

نعم، مهما عظم فإن رحمة الله -جل وعلا- أعظم، قال الله -جل وعلا-: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38]، وقال: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 74]، وهم قالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِد﴾ [المائدة: 73]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: 10].

حركوا المؤمنين بالنار ومع ذلك لو تابوا تاب الله عليهم، والذي قتل تسعة وتسعين نفسا فتاب توبة صادقة فغفر الله -جل وعلا- له.

فليعلم ربك منك فلير منك توبة وعمل صالحا بهذا الشهر الكريم.

اللهم تب علينا جميعا يا رب العالمين، اللهم تب علينا جميعا يا رب العالمين.

اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين، اللهم اجعلنا فيه من الفائزين، اللهم اجعلنا فيه من المرحومين، يا من يرانا ويسمع كلامنا ويعلم سرنا ونجوانا نسألك ونحن في بيت من بيوتك نسألك يا كريم نسألك يا الله ونحن في ساعة إجابة أن تبدل سيئاتنا بحسنات، اللهم بدل سيئاتنا إلى حسنات.

اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم يا رب يا الله يا كريم يا رحيم يا ودود يا لطيف يا سميع يا قريب نسألك أن تلطف بالمسلمين في كل مكان، اللهم ألطف بالمسلمين في كل مكان.

اللهم اجمع قلوبهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم ارحم نسائهم، اللهم ارحم أطفالهم، اللهم ارحم شيوخهم يا حي يا قيوم يا عزيز يا قهار يا ملك يا جبار يا عظيم نسألك أن تنتقم من كل ظالم، اللهم انتقم يا حي يا قيوم ممن ظلمهم وآذاهم وشردهم اللهم اجعله عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين.

اللهم أنزل عليه الأمراض والهموم والغموم والأحزان، اللهم سلط عليه جندك، اللهم ضيق عليه نفسه، اللهم يا حي يا قيوم اضرب الظالمين بالظلمين وأخرجنا من بينهم سالمين.

اللهم اجعل هذا الشهر شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين.

اللهم  من أرادنا أو بلادنا أو أحد من المسلمين يا رب بسوء اللهم فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا، اللهم من أراد بلانا أو سائر بلاد المسلمين بسوء، اللهم فأشغله بنفسه، اللهم ابطل كيده، اللهم اجعل كيده في نحره يا رب العالمين، وفق ولاة أمرنا لكل خير، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين.

اللهم من أراد عز لهذا الدين، اللهم فأعزه وسدد قوله وسدد فعله أو من أراد إساءة للمسلمين اللهم يا حي يا قيوم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر.

اللهم فرج هم المهمومين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اقض الدين عن المدينين.

اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تطهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وسائر الأمراض والأهواء والأدواء يا رب العالمين.

اللهم اجعل ما بقي من أعمالنا خيرا ممن مضى، اللهم أحسن لنا الختام، واجعل يا رب قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، اللهم أظلنا في ظلك يوما لا ظل إلا ظلك، بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود.

اجعلنا برحمتك ممن يبشر بروح وريحان ورب راض غير غضبان برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.


تم تحميل المحتوى من موقع