وفي عام ألفٍ وأرْبَعمِائَةٍ وثلاثٍ وثلاثين من الهجرة, تمكَّن أهل الأزواد من تحرير بلدهم، وأعلنوا الاستقلال وتحكيمَ الشريعة، وهدموا الأصنامَ والمشاهدَ التي تُعبد من دون الله, فأدار الغرب ظهره للشعب السوري, الذي يُذبح بأبشع الأسلحة والْمُبيدات, وأدار ظهره عن شعبِ أركان, الذي تُغتَصب نساؤه, ويُحرق أهلُه ويُبادون من قِبل الحكومةِ البوذية في بورما, وانْتفضوا وغَضِبُوا على هذا الشعب, الذي اختار حرِّيَّته وعقيدته...
الحمدُ لله الذي حرَّم على عباده الظلمَ والعدوان, وتوعَّد مَن فعل ذلك بالذُّلِّ والهوان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يشغله شأن عن شأن, ولا تخفى عليه نوايا الإنس والجان.
وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، بُعث بالرحمةِ والخُلُقِ والإحسان, وقاتل الْمُجرمين بلا حيفٍ أو عدوان, صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، الذين جاهدوا في سبيل الله الكفارَ وعُبَّادَ الأوثان, فمحتْ سيوفهمُ التجبُّرَ والطغيان, ومحتْ أخلاقُهمْ وبيانهم الخوف والشك والبهتان, وسلم تسليما كثيرا عددَ ما أضمره الجَنان، ونطق به اللسان، وتحركت به الأركان.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعْلموا أنَّ الغربَ الصليبيَّ والعلمانيّ, بعد حروبه الاستعمارية الغاشمة, في غالبيَّةِ الدول الإسلامية, التي حاول من خلالها تغييرَ مُعتقدات الْمُسلمين وأخلاقِهم, ونَهْبَ ثرواتِهم ومُمْتلكاتِهم, فنجح نجاحاً لا يَشْفي عليله, ولا يَرْوي غليله, حيث بقي أكثرُ الْمُسلمين على عقائدهم, وتمسَّكوا بِقِيَمهم وأخلاقهم, بل قاوموا هذا الاحتلال الصليبي, والاستعمار الهمجيّ, فخرج الْغُزاةُ من بلاد الإسلام, يجرون أذيال الهزيمةِ والهوان, فما كان منهم, إلا أنْ فكَّروا بغزوٍ لا يُريق الدماء, ولا يُقطِّع الأشلاء, فنصَّبوا على الْمُسلمينَ الجبابرةَ والدَّهماء, وأشاعوا بينهمُ الفاحشةَ ونزعوا عنهمُ الحياء.
فأخذوا على ذلك ردْحاً من الزمن, فأغرقوا المسلمين بصُنوفِ الْمُلهِيات والفتن, فتوالتِ البَعثاتُ والزيارات, التي تسبَّبتْ في تغْيِيْرِ الأخلاق والْمُعتقدات, وشاع بين الْفتياتِ التبرُّجُ والسفور, وانْتشر في الْمُجتمعاتِ الكفرُ والفجور, ولوَّثتْ عقولَهمُ الْمُسْكراتُ والخمور.
فذاق الغربُ نشوةَ الفرحِ والسرور, بما حلَّ بالمسلمين من الضعف والذلّ, والتبعيَّةِ الْمُطلقةِ لهم, عدا دوَلٍ قليلةٍ تُعدُّ بالأصابع.
وخُيِّل إلى أعداء الإسلام, أن الأمة بأجمعها قد استجابت لجهودهم, وأزمعت أن تودع الإسلام إلى غير رجعة.
وإذا بعلماء الأمة الربانيين, من الطائفة الظاهرة المنصورة, يتصدون لأعداء الإسلام, ويبشرون الذين تسرب اليأس إلى قلوبهم بقوله -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].
وإذا بشبابٍ في مشارق الأرض ومغاربها, ينسابون من كلِّ حدبٍ وصوب، ينضمون إلى ركب الإيمان، ينادون بالعودة إلى كتاب الله ودينه، حاملين أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم, وزهرات شبابهم على أكفهم، باذلين ذلك كلَّه في سبيل إعلاء كلمة الله, متحملين العذاب والاضطهاد, والتشريد، والتنكيل, واثقين بوعد الله، موقنين بوعد الله بالنصر والتمكين.
وانْتَشر الْمُصلحون والدعاة, وتاب الكثيرُ مِن الْمُجرمين والعتاة.
فعاد الإسلامُ إلى أبنائِه من جديد, واسْتنارتِ القلوبُ بالإيمانِ والتوحيد, وردَّدوا آياتِ العزيز الحميد: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) [آل عمران:193].
ووقف أحدُ هؤلاء الدعاةِ الْمُخلصين, وفي حشدٍ حاشد, فرفع المصحف بيمينه, ونادى على المسلمين بأعلى صوته، وهو يشير إلى المصحف: الطريق ها هنا.
فأذهلت الصحوةُ الإسلاميةُ العالمَ أجمع, شرقيَّه وغربيَّه، عربيَّه وأعجميَّه، وجُنَّ جنونُهُم, وتبدَّدت آمالُهم, وتعاظَمَتْ آلامُهم, وبدأ الرعب من الإسلام يَنْخَرُ أجسادهم, فأخذت التصريحات والمخططاتُ تتوالى لوأد الصحوة، والقضاء على أنفاسها, فأطلقوا صيحات الإنذار, وتوعَّدوا مَن يُنادي بالإسلام بالهلاك والبوار.
ومِن أشهر صيحاتهم, وأسرع تحذيراتِهم, ما قاله اِبِنْ غُوريُون, أولُ رئيسِ وزراء إسرائيلي: "نحن لا نخشى الاشتراكيات, ولا القوميات, ولا الديمقراطياتِ في المنطقة، نحن نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً, وبدأ يتملْمَلُ من جديد".
فعاد الكفارُ إلى سالفِ عهدِهم, وأماطوا اللثام عن حقيقةِ أمرِهم, فبدؤوا بِحَمَلاتِهمُ الصليبيَّة, واجْتياحاتِهم الهمجية.
ومن آخر حملاتهم وقتالِهم: ما قامت به فرنسا ضدَّ الشعبِ الْمُسلم في أزواد, في شمال مالي.
وقد اعتنق هذا الشعبُ الإسلام في القرن السابع الهجري, أثناء حركة المرابطين, وعددُ سُكِّان تلك المنطقة عشرةُ ملايين, تسعون بالمائةِ منهم مسلمون.
وتقعُ في وسط أفريقيا جنوب الجزائر, ويتحدَّثُ أهلُها اللغةَ الفرنسية؛ لأنها احْتُلَّتْ مِن قِبل فرنسا, في أواخر القرن التاسعِ عشر, ومارست فيها أبشع الجرائم, ثم غادروها بعد أنْ لاقوا مُقاومةً من العرب والمسلمين المتواجدين في منطقةِ أزواد, لكنَّهم سلَّموا حُكم البلاد لنظامٍ عميل, يكفل لها باسْتمرار سيطرتها على مالي, ونهب ثرواتها.
وقد قامت الأنظمة المتعاقبة على مرِّ السنين, بقهر أبناء الشعب المسلم, وخاصةً الطوارقَ والعربَ منهم, الْمُتواجدين في شمال مالي وفي دولٍ مُجَاورة.
وفي عام ألفٍ وأرْبَعمِائَةٍ وثلاثٍ وثلاثين من الهجرة, تمكَّن أهل الأزواد من تحرير بلدهم، وأعلنوا الاستقلال وتحكيمَ الشريعة، وهدموا الأصنامَ والمشاهدَ التي تُعبد من دون الله, فأدار الغرب ظهره للشعب السوري, الذي يُذبح بأبشع الأسلحة والْمُبيدات, وأدار ظهره عن شعبِ أركان, الذي تُغتَصب نساؤه, ويُحرق أهلُه ويُبادون من قِبل الحكومةِ البوذية في بورما, وانْتفضوا وغَضِبُوا على هذا الشعب, الذي اختار حرِّيَّته وعقيدته, فأعلنتْ فرنسا الحرب عليهم؛ لأنه أراد أنْ يُحكِّم الشريعة الإسلامية, والرجوعَ إلى الكتاب والسنة الصحيحة.
والعجب -يا عباد الله- أنَّهم قاموا بهذا العُدوانِ السافر, دون إذنٍ من مجلسِ أمنهم المزعوم, فكيف أقدموا وتجرَّؤوا على ذلك؟ علماً بأن المسلمين في مالي لم يعتدوا عليهم أو يقتلوا أحداً منهم!.
ويا لَلْعجَب! يُنادي الغربُ باحترام الحريات, ورعايتِها والوقوفِ مع أصحابها, ولكنْ ؛حينما تكون الحُرِّيَّةُ في اختيار الإسلام, وتطبيقِ الشريعةِ السمحةِ العادلة, تُوصَدُ في وجهها الأبواب, ويُرمى أصحابها بالغلوِّ والإرهاب, ويُحاربونهم ويُعذِّبونهم أشدَّ العذاب.
فها هم يتباطؤون في التدخل في سوريا, خوفًا من الإسلاميين، ويتعجلون التدخل في مالي, خوفًا من الإسلاميين أيضًا, فهم لا يُراعون مصالح الشعوب, ولكنَّهم يُحاربون من يُحكِّم شريعة علاَّم الغيوب.
نسأل الله تعالى أن يلطف بالمسلمين في سوريا ومالي, وأنْ ينصرهم على أعدائهم, ويُهلك مَن بغى عليهم, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام, ووعد بإظهارِه على سائرِ الأديان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, لا ندَّ له ولا ولد ولا أعوان.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيدُ ولد عدنان, صلّى الله وسلم عليه, وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد: أيها المسلمون: ومن أعظم أسباب حقدِ الكفار علينا, وعداوتِهم وقتالِهم لنا، ما يرونه مِن غزو الإسلام بلادهم, ودخولِ الآلاف في الإسلام, بالحجةِ والبيان, لا بالسيفِ والسنان.
تقول دراسةٌ أعدَّتْهَا وزارةُ الداخلية الفرنسية: إنَّ أكثر من ثلاثةِ آلاف شخصٍ فرنسي يعتنقون الإسلام سنويًا، وفيها أكثر من ألفَيْ مسجد, وستة ملايين مسلم، ليصبح الإسلامُ الديانةَ الثانية بعد المسيحية بفرنسا, بل ودخل في الإسلام شخصياتٌ كبيرةٌ مؤثرة, فمن ذلك إسلامُ مطربةٍ شهيرةٍ, ولاعبٍ لِلمنتخب الفرنسي.
وفي ألمانيا: تقول الإحصائياتُ الرسمية إنه في كلِّ سنةٍ تقريباً يَدْخُلُ في الإسلام أكثرُ من أربعةِ آلاف شخصٍ.
وفي إيطاليا, يقول أحدُ القائمين هناك, على الشؤون الإسلامية والدعوة إلى الله -تعالى-: إنه في كل سنةٍ تقريباً, يُنْشَأُ أكثرُ من مائة مسجدٍ ومصلَّى جديد.
وفي أمريكا وبريطانيا وغيرِهما من الدول الغربية, التي سَهُل على هذه الشعوبِ الماديَّة الْمُتحيِّرة أنْ تتعرَّف على الإسلام الصحيح, من خلالِ القراءةِ في الكتب والشبكةِ العنكبوتيَّة, ومن خلال الدعاةِ والْمُصلحين, فانْبهروا بهذا الدين الذي لا يعرف التعقيدات, السالمِ من الخرافات والضلالات, فدخلوا في دين الله أفواجاً, بل وأصبح الكثيرُ منهم دعاةً ومُبشرين.
فهذا هو السرُّ الأكبر في غضب الساسةِ الغربيين, والصهاينةِ والقساوسةِ والْمُلحدين, على الإسلام والمسلمين, فحاربوهم بأموالهم وإعلامهم وسلاحهم.
والقرآن الكريم -يا أمةَ الإسلام- يُبينُ لنا في آياتٍ كثيرة أنَّ أعداءَنا يكيدون بنا ويمكرون، ويَبْذُلون كلَّ جهدٍ ليردّونا عن ديننا، ويحبّون كلَّ ما يُسبب لنا العنت والضرر.
من ذلك قول الله - تعالى -: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا) [البقرة:109]، وقوله -تعالى-: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، وقولُه - تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال:36].
فلْنحذرْ من مولاةِ الكافرين, وتقليدِهم والإعجابِ بهم, ولْنقم بمولاةِ المؤمنين في كلِّ مكان, ومُساعدتِهِم، والوقوفِ معهم.
واللهُ -تعالى- يبتلي الْمسلمين جميعاً بالسراء والضراء, فالمظلومُ والْمنكوبُ يختَبِرُ صبرَه وثباتَه, والْمُعافى والآمنُ يختَبِرُ نُصْرتَه لإخوانه.
فليخترْ كلٌّ منَّا مكانه من هذه الْمصائب, التي حلَّتْ بهذه الشعوب الْمُسلمة، فمن أسهم فيها بسهمِ خيرٍ وعطاء, فهنيئاً له والله, ومن أسهم فيها بسهمِ شرٍّ وبلاء, فالله متم نوره ولو كره الكافرون، ومن وقف متفرجاً, فلْيُعِدَّ لموقفٍ شديدٍ أمام الله تعالى.
اللهم انصر مَن نصر الدين, واخذل مَن خذل الدين وتنَاسى إخوانه المؤمنين يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي