نعمة إقامة الحدود

عبد الرحمن بن صالح الدهش

عناصر الخطبة

  1. الحكمة من الحدود الشرعية والعقوبات الربانية
  2. أهم أسباب استقرار بلاد الحرمين
  3. الفرح بإقامة الحدود
  4. الفرق بين الفرح المحمود والشماتة
  5. أهمية الحدود لوقاية المجتمع من الشرور.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله…

أما بعد: أيها الإخوة الدنيا دار ابتلاء واختيار, والنفوس لها إقبال إلى ربها وإدبار. ولا يصلح الناس إلا رب الناس ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].

وإن مما أصلح الله به الناس وردّ شاردهم، ودفع به بغيهم، وأخذ به على أيدي سفهائهم هذه الحدود الشرعية والعقوبات الربانية جزاء للمعتدين، ونكالاً للظالمين، والله عزيز حكيم.

وفي كتاب الله وسُنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- من زواجر الوحي، وتذكير النفوس ما هو ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وقد وعد الله من أطاعه بالثواب والكرامة، وتوعد من عصاه بالعقوبة في الدنيا ويوم القيامة بالمهانة، قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14)﴾ [النساء: 13- 14].

ولكن مع ذلك لبعض النفوس نزوات، وتختار لنفسها مركب الصعوبات، فجاء الشرع حماية للجميع، ومراعاة للمصلحة العامة على الرغبات الخاصة.

فجاء حدّ الزنا وحد القذف حماية لأعراض الناس وحفظ نسلهم، وشرع الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حد السرقة حماية لحرمة المال، وجاء حدُّ الحِرابة أغلظ الحدود؛ لأن الحرابة تجتمع فيها كل الانتهاكات والاستخفاف بحقوق المجتمعات ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

وشرع القصاص في النفس والأطراف حمايةً لحرمة النفس، وشرع عقوبة الخمر حماية لحرمة العقل، بل جاءت الشريعة بالعقوبات التعزيرية، وهي العقوبات التي يراها ولي الأمر على الجرائم التي لم يرد فيها حدّ شرعي، فيجوز له أن يعاقب صاحبها بما يقضي على فساده، ولو بلغت العقوبة القتل؛ إذا كانت المصلحة تقتضيه.

ومن الجرائم التي تقلب موازين الناس، وتحولهم إلى مجتمع فوضوي فتُفسد أديانهم، وتتعطل دنياهم هي جريمة نزع يد الطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين والخروج عليه، وتفريق كلمة الجماعة، وتنزيل نصوص الكفار على المسلمين، وتحويل آيات الجهاد إلى تبرير ترويع الآمنين، واستحلال قتلهم.

فهو يبدأ بتفكير قائدة الهوى، ثم يصل به صاحبه إلى تكفير, والناس حوله كفار ومرتدون، ثم تقتيل وتفجير، ولخطورة هذا المبدأ، وكونه عداء للإنسان، بل للكون كله ساكنه ومتحركه جاء النص النبوي بتنبيه استباقي، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم، أو يفرِّق جماعتكم، فاقتلوه».

أيها الإخوة: استقرار الأمة، وحياة أفرادها الحياة الكريمة لا يكفي لها وفرة المال، وتيسر السكن، وجودة الوظيفة بل هذه لا قيمة لها إذا اختلَّ نظام الأمن.

ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179]، فحقيقة الحياة التي يهنؤا بها الناس هي في الأخذ على يد الظالمين، والاقتصاص من المعتدين.

وإن كان هناك مفروح به في هذه الدنيا بعد الإيمان فهو في إقامة حدود الله، ورفع السيف في وجوه الظالمين، وإمراره على رقاب أصبح بقاء الرءوس فوقها ضرر على كل من حولها.

فما أعظم شرع الله وإن شرق به المبطلون ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، وعند ابن ماجه وابن حِبَّان في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا"،

والحديث له طرق وشواهد يتقوى بها.

أيها الإخوة: لقد علم المنصفون، وليس بخافٍ على الناقمين والحاسدين أن مِن أهم  هذه البلاد المترامية الأطراف، المتعددة السكان والمتغايرة في العادات والأعرف هو تحكيم شرع الله، وإنزال العقوبات الشرعية بالمجرمين، وبه تميزت، وصارت مهوى أفئدة كثير من الناس في شتى بقاع الأرض، ففرصة القدوم لهذه البلاد أُمنية في قلوبهم سواء في ذلك المسلم والكافر، والصادق من الوافدين لا يستطيع أن يغالط في هذه الحقيقة.

وسلوا المتخلفين والمستخفين عن نظام الدولة والفارين من التسفير!

لِمَ كل هذا؟

بل من نالهم شيء من الحيف من كفلائهم والظلم ممن استقدمهم رضوا بالدون وصبروا على الضيم مقابل أن يَبقى ولا يُسَفَّر!!

فاللهم لا تغير علينا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا.

أيها الإخوة: حق على مسلم أن يفرح بإقامة الحدود في هذه البلاد ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، وفرحتنا هذه هي جزء من فرحنا بديننا، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

وكيف لا يفرح المسلم وهو يرى شرع الله يطبق؟، ويرى أن شرًّا انزاح عن المسلمين حتى استراحوا منه، قال ابن كثير – رحمه الله- وقد ذكر بعض الظالمين الذين آذوا عباد الله، وأنه لما مات أراح الله المسلمين منه فلله الحمد والمنَّة.

قال: "وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله". (البداية والنهاية 12 / 338).

والنقولات عن السلف في هذا كثيرة!

أقول قولي هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد:

ليعلم الفرق بين الفرح المطلوب، وهو إنما فرح بما شرع الله، وأما الشماتة بمن طُبِّق عليهم الحكم الشرعي والتندر عليهم، وتداول الصور والمقاطع التي تسخر بهم؛ فهذا لا يجوز، وليحمد الإنسان ربه على العافية..

فهم قوم قدموا إلى ما قدموا، والله أولى بهم.

والمرجو بعد كل هذا العظة من حالهم، والردع لمن لم يرتدع بالقرآن عله أن يرتدع بسيف السلطان.

وفيه أيضًا أخذ بسببٍ لبقاء هيبة السلطة، وقوة القضاء الشرعي.

وأما ما تسمعون من التهويش من قوم ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أو لا يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فهؤلاء إن اعتصمنا بديننا، وتوكلنا على خالقنا فإن الله سوف يخرس ألسنتهم، وينكس رءوسهم ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الأعراف: 227].

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "والرافضة أمة مخذولة، ليس لها عقل صحيح ولا نقل صريح ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة". ا.ه

وإنما نخشى يا عباد الله: أن يكون فينا سمّاعون للمرجفين, مروّجون للمبطلين، ولنقبل على ربنا، ولنحذر ذنوبنا أن تجرئ علينا أعداءنا.

فالله أدم علينا نعمتك، واحفظنا بحفظك, اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا.


تم تحميل المحتوى من موقع