إنّه ليس أحسن للمرء من التَحَلِّي بخلق العفو، والتجاوز عن المخطئين، وضبط الأعصاب في مواطن الإثارة والانفعال، وفي مثل...إن الغضب يولد الحقد، ويورث الحسد، وهما مرضان خطيران يدمّران الفرد والأسر والمجتمعات، الغضب الذي لا تعصمه التقوى ولا تحده مبادئ يلتزم بها المسلم ويأخذ بها نفسه خوفا من الله ورغبة في رضاه، هذا الغضب داء وبيل، وشر مستطير؛ وقد...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
اتقوا الله -عز وجل-؛ فإن تقوى الله سبب سعادتكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة، اتقوا الله -عز وجل- بقلوبكم فاعمروها بالإيمان وبالخوف من الله وخشيته ومراقبته، اتقوا الله بأفعالكم وجوارحكم فلا تفعلوا إلا ما يقربكم من ربكم -سبحانه وتعالى-.
مَنّ الله -عز وجل- عليّ وعليكم بتقواه، وجنبنا جميعا أسباب غضبه وسخطه؛ إن ربي رحيم ودود.
أيها الإخوة المسلمون: إن من الخصال الذميمة والأخلاق الممقوتة التي ينشأ عنها كثير من المفاسد: سرعة الغضب والانفعال لغير مسوِّغٍ شرعي. هذه الخصلة الذميمة بسببها تقطعت أوصال القربى بين بعض الناس، وبسببها تفككت أسر، وضاقت صدور.
ولا غرابة في ذلك؛ فإن الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير؛ ولهذا جاءت وصية نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لذلك الرجل الذي قال له: أوصِني، فقال -صلى الله عليه وسلم- موصياً له: "لا تغضب"، ورددها مرارا، قال: "لا تغضب" رواه البخاري.
وروى الإمام أحمد أن رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله، أوصني، قال: "لا تغضب".
قال الرجل: ففكرت حين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
وهذا يؤكد -أيها الإخوة في الله- أن الغضب مفتاحٌ للشرّ، وسببٌ للفساد؛ لأن من غضب قد يصدر عنه من السباب والشتم وغير ذلك من قول المنكر ما يندم عليه في حال الرضا وهدوء الأعصاب.
روي في بعض الأحاديث أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبل وجهه، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: "حُسن الخلق"، ثم أتاه عن يمينه فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق"، ثم أتاه عن شمال فقال: أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق"، ثم أتاه من بعده -يعني من خلفه-، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما لك لا تفقه؟ حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت".
أيها الإخوة المسلمون: إن من طبع الإنسان أن يغضب إذا استُغضب، ويثور إذا تعرض لفعل أو قول أو تصرف لا يرضاه ويأنف منه، وقد ينفعل أشد الانفعال، ويرغي، وتنتفخ أوداجه، وتحمرّ عيناه، ويقذف بكلمات الشر.
ولكن الإسلام جاء ليهذب هذا الطبع، فبين أن المسلم مطالب مطالبة أكيدة بأن يضبط أعصابه قدر الإمكان، ويملك نفسه، ويكظم غيظه، ويخفي حنقه؛ بل عد الإسلام هذا الموقف من المسلم دليل الرجولة الفارعة، وعلامة القوة الفتية، وعنوان الشخصية الأبية؛ خلاف ما يفهمه بعض الناس من أن ذلك ضعف وخور.
يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "ليس الشديد بالصُّرَعةِ؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
وفي صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تعدُّون الصُّرَعَةَ فيكم؟" قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: "ليس الشديد بالصُّرَعَةِ؛ ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب".
وفي حديث رواه الترمذي بين فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طبقات الناس في هذه الخصلة، فعدّ من أفضلهم الرجل الذي يملك نفسه فلا يغضب سريعا مهما استثير أو استغضب؛ وفي الوقت ذاته سريع الرجوع إلى الحق والثواب، جاء في الحديث: "ألا وإن منهم -أي: الناس- البطيء الغضب سريع الفيء -يعني: سريع الرجوع إلى الصواب-، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء"، أي: بطيء الرجوع إلى الصواب بعدما يستبين له.
إن الغضب يولد الحقد، ويورث الحسد، وهما مرضان خطيران يدمّران الفرد والأسر والمجتمعات، الغضب الذي لا تعصمه التقوى ولا تحده مبادئ يلتزم بها المسلم ويأخذ بها نفسه خوفا من الله ورغبة في رضاه، هذا الغضب داء وبيل، وشر مستطير؛ وقد تكون آثار الغضب في بعض الأحيان هلاكا ودمارا وفسادا وخرابا.
تأملوا -رحمكم الله-: كم من شجار بين شخصين حصل بسبب كلمة أو تصرف يسير أدى إلى القتل؛ كان سببه الغضب! وكم فرق الغضب بين زوجين وتفرق أولادهما وتقطعت الأواصر بينهما وهدمت أسر كانت ترفرف عليها السعادة والوئام! كم تقطعت أرحام وساءت علاقات اجتماعية بسبب الغضب وسرعة الانفعال على أمور كان بالإمكان التعامل معها بغير الغضب! إلى غير ذلك من المفاسد التي يسببها الغضب وسرعة الانفعال.
إن الاندفاع وراء الغضب يفقد الإنسان الروية في الحكم والأناة في بحث الأمور بتعقل وهدوء.
عليك أخي المسلم إذا استغضبت أن تتذكر دائما ما أعده الله -عز وجل- للكاظمين الغيظ من عباده الذين يضبطون أعصابهم حتى لا تثور أو تنفعل: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].
ومما يبين فضيلة كظم الغيظ ما رواه الإمام أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تعالى".
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد وأهل السنن: "مَن كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أي الحور شاء"، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل كظم الغيظ.
ألا ما أعظمه من أجر! وما أكبره من فضل! وما أجزله من ثواب حري بكل مسلم أن يحرص على نيله وتحصيله!.
أيها الإخوة في الله: مما ينبغي التحذير منه في هذا المقام الدعاء في ساعة الغضب، فعلى المسلم أن يحذر من الدعاء على نفسه أو أهله أو ولده أو ماله عند الغضب؛ فإن ذلك ربما يصادف ساعة إجابة فيستجاب له.
جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم".
كما أنه ينبغي لمن انتابه الغضب ألا يصدر حكما، ولا يتخذ موقفا في هذه الحال التي هو عليها من سرعة الغضب وشدة الانفعال؛ لأنه لو أصدر حكما أو اتخذ موقفا والغضب يملك عليه أعصابه وشعوره فلربما تجاوز الحدّ، وضل طريق الحق والعدل.
كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى أحد عماله: "لا تعاقب رجلاً عند غضبك عليه؛ بل احبسه حتى يسكن غضبك، فإذا سكن فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا".
إنّه ليس أحسن للمرء من التَحَلِّي بخلق العفو، والتجاوز عن المخطئين، وضبط الأعصاب في مواطن الإثارة والانفعال، وفي مثل هذه الأحوال تظهر معادن الرجال، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأشجّ عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".
وإذا كان المرء عنده حدة مزاج وسرعة انفعال فإن هذا لا يعفيه من المسؤولية؛ بل عليه أن يعالج نفسه وأن يؤدبها ويروضها على كظم الغيظ وملك الأعصاب، عليه أن يحاسب نفسه على كل موقف يحصل منه سرعة غضب وانفعال فيه، عليه أن يستحضر دائما عواقب الغضب الوخيمة ونتائجه المدمرة وأخطاره السيئة حتى على صحته وعافيته، مستصحباً في ذلك كله المجاهدة الصادقة، والاستعانة بمن بيده قلوب العباد يصرفها كيف يشاء، فيلح بالدعاء والتضرع لله -عز وجل- في أن يخلصه ويعافيه من هذا الخلق السيئ، ويسأل ربه الحفظ والسلامة.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأن يرزقنا الحلم والأناة، إن ربي لطيف لما يشاء؛ إنه هو العليم الحكيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:201].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الحليم الكريم، لا تنفعه -سبحانه- طاعة المطيع، ولا تضرُّه معصية العاصي، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الرحمن المبعوث رحمة للعالمين، إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، وحبيب رب العالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن من أشد الناس حاجة إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ الدعاة إلى الله، والمصلحين، والمحتسبين؛ ما أحوجهم وهم يعالجون انحراف المنحرفين وفساد المفسدين إلى الحلم والأناة! ما أحوجهم وهم يرون انتفاش الباطل وانتفاخه إلى كظم الغيط وشدة التحمل! ما أحوجهم وهم يرون صدود الصادّين، وإعراض المعرضين، وسخرية المستهزئين، ما أحوجهم مع ذلك كله إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ وعدم الانتقام للنفس! (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:43].
لقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أروع الأمثلة للدعاة والمصلحين في هذا المجال، ها هو -صلى الله عليه وسلم- يجد من أهله وعشيرته من أهل مكة الإعراض والصدود والتكبر والطغيان والسخرية واللمز والأذية وهو يدعوهم إلى ما فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
يأتيه ملَك الجبال في يوم من الأيام وقد ضاق صدره -صلى الله عليه وسلم- ويعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلان عظيمان بمكة، فيقول له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا، ولكني أستأني بهم؛ لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له".
وفي حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء أذاه قومه وهو يمسح الدمع عن وجهه ويقول: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
إنَّ همَّ الداعية والمحتسب والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، إن همّه وغايته إصلاح الناس ودلالتهم على الحق، وإرجاعهم إلى الدين، وهو في ذلك كله لا يبني مجدا شخصيا له، وإنما يسعى إلى كسب رضا الله -عز وجل-، وتجنيب المجتمع شرور المنكرات والموبقات، وشرور الانحراف عن صراط الله المستقيم، وهو لا يبالي بما أصابه في سبيل ذلك كله إذا كان الله راضيا عنه، ولسان حاله: "إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ -يا ربي- فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي".
إخوة الإسلام: إن العلاج الناجع لمن ابتلي بالغضب اتّباع ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سليمان بن صرد: استَبَّ رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبا قد احمر وجهه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنِّي لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
ومن العلاج للغضب ما جاء في حديث آخر: "ألا إنَّ الغضبَ جمرةٌ في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمَن أَحَسَّ بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض".
وفي حديث آخر: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلّا فلْيَضطجِعْ".
وفي حديث آخر: "إنَّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِقَ من نارٍ؛ وإنما تطفأ النار بالماء؛ فإذا غضب أحدكم فلْيَتَوَضَّأْ".
إن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وتغيير الحال التي عليها الغاضب، والوضوء، أسبابٌ نبوية، أسبابٌ شرعية، حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ووجَّهَ إليها في اتقاء شر الغضب وآثاره المدمرة، وهي أسباب كفيلة لتخفيف حدة الغضب أو إزالته.
هذا هو واجب المسلم مع خلُق الغضب: كظم الغيظ، والتحمُّل، والصبر، والحلم، والأناة.
واجبه في مقام الأُبُوَّةِ وهو يجد من أبنائه ما يُغْضِبُه ويُحْزِنُهُ ويشق عليه من تصرُّفاتهم وأقوالهم وأفعالهم، واجبه كظم الغيظ، والاستمرار على النصيحة، والتوجيه، والتقويم.
واجبه معلما أن يصبر على تعليم تلاميذه، ويكرر لهم الدرس والمادة مرة بعد أخرى؛ يصبر على قلة ذكاء الطالب، وعلى سوء فهمه، فيعيد له الدرس والموضوع مرة بعد أخرى بلطف ورفق وبُعد عن الغضب.
واجبُهُ وهو يعالج أخطاء تلاميذه وتصرفاتهم السيئة أن يستعين بالصبر والحلم والأناة وكظم الغيظ حتى يؤتي عمله ثماره الطيبة.
واجِبُهُ زوجاً أن يحلم ويعفو عن تقصير زوجته وأهله في حقه أو في حق أولاده.
واجبه داعية ومحتسبا يدعو إلى الله -عز وجل- أن يصبر على صدود الصادّين وإعراض المعرضين، ولا تمنعه مواقفهم من عدم قبول نصحه، أو قبول احتسابه من الاستمرار في طريق الاحتساب والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستحضرا أن مهمته ووظيفته إرشاد الناس، وتبليغ حكم الله -عز وجل-، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -عز وجل-.
وأما القلوب فأمرها إلى الله -عز وجل-، يقول الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56]، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) [المائدة:67].
وهو مع ذلك يراجع وسائله ويراجع أساليبه، فيبعد عن كل وسيلة فيها شبهة أو وسيلة لا تتناسب مع أحكام الدين وأحكام الشرع، يراجع أساليبه حتى يسلك الوسيلة والسبيل الأكثر نفعا والأبعد عن الضرر له ولمجتمعه.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي