القوامة

صالح بن محمد الجبري

عناصر الخطبة

  1. المقصود بالقوامة
  2. تحريف معنى القوامة
  3. مفهوم القوامة
  4. الأسرة النموذجية
  5. أضرار اختلال الأدوار في الأسرة
  6. القوامة مسؤولية وتكليف

الخطبة الأولى:

يقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[النساء: 34].

وهذه الآية أصل في العلاقات الزوجية، قَوَّامُونَ مفردها قوّام، لا نقول: قائم، بل قوّام، فهو قوام دائما على هذه الأسرة ليلا ونهارًا، يسعى لتأمين رزقها، لصيانة زوجته وأولاده من كل خلل، يصون علمهم، يصون أخلاقهم، يصون تربيتهم، يصون أولاده. وكلمة: "قوّام" تعني أنه لا يستريح أبدًا، فحينما يقول الله -عز وجل-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ يعني: هم يتعبون بلا كلل وبلا ملل، بشتى الاتجاهات في كسب الرزق، وفي مراقبة الأسرة، وفي صون الأخلاق، وفي متابعة تحصيل الأولاد، وفي العناية بالزوجة. فكلمة قوّام تعني شديد القيام، لا يرتاح إلا إذا رأى أولاده في أعلى مقام، لا يرتاح إلا إذا رأى زوجته عرفت ربها، واستقامت إليه.

هذا معنى القوامة، لكن مع الأسف الشديد هناك من يفهم القوامة أنه أعلى منها، وأنه يستطيع أن يذلها، يستطيع أن يطلقها، يستطيع أن يستهين بها.

إن بعض المسلمين فهموا القوامة استعلاء، فهموها تعسفًا، فهموها قهرًا وإذلالاً واحتقارًا؛ لذلك تحررت بعض النساء وخرجن عن الطوق بسبب التعسّف والاستبداد والقهر في تطبيق القوامة.

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ وقد يفهم أحدنا أن معنى القوامة هي قوامة الزوج على زوجته فقط، بل يتعداه إلى أبعد من ذلك، فهي تشمل قوامة الزوج على زوجته، وقوامة الوالد على أولاده، وقوامة الأخ الأكبر على أخواته، وقِوامة أي مؤمن على من أناطهم الله به، فإذا كان لك إخوة صغار فأنت قيوم عليهم، أو لك أخوات عوانس أنت قيوم عليهنّ، ينبغي أن تكرمهن وترعاهن، ولك في ذلك الجزاء العظيم، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار"[صحيح الجامع (5372)].

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ هناك نقطه دقيقة أشار إليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما قال: "لست خيرًا من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً".

ومثاله الأب، هو ربُ الأسرة، فهو ليس خيرًا من أحد أفراد أسرته إلا أنه أثقلهم حملاً، فالأسرة في مركبةٍ واحدة، وكرامتهم واحدة، لكن هذه الأسرة لا بد لها من قائد، وهذا القائد هو الأب.

انظروا إلى أسرة نموذجية: الأب في عمله، والأم تطبخ الطعام، والابن يأتي بالأغراض من السوق، والبنت تنظّف البيت، وفي الساعة الثانية ظهرًا الأربعة على مائدة واحدة وفي مكانة واحدة، وفي محبة متبادلة وفي إخلاص فيما بينهم مع توزيع رائع للأدوار، وتوزيع الأدوار لا يعني انتقاص الإنسان من كرامته، فإذا أناط الله القيادة لإنسانٍ في هذه الأسرة فينبغي أن يُطاع من باقي الأفراد. فلا بد في كل مؤسسة أو شركة أو عمل من صاحب قرار، والله جعل الزوج صاحب قرار، إذا قال: لا؛ لا.

لكن المؤسف أن معظم الأسر ليس فيها صاحب قرار، العلاقات ليست واضحة، كلام الزوج لا يُنفذ أحيانا، كلام الزوجة هو النافذ حتى لو كان مخالفًا للشرع، الزوجة اليوم هي التي تتحكم في الدخل، وتتحكم في البيع والشراء، وتتحكم في أمور الخطبة والزواج والعرس، وتتحكم في ابنها عندما يتزوج، وتتحكم في ابنتها عندما تتزوج، وتجعل حياة زوج الابنة جحيمًا لا يطاق، والزوج لا يملك حولاً ولا قوة، فأين ذلك من قول الله -تعالى-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾؟!

نعم، القيادة للرجال، بل بينهم وبين النساء درجة ولو غضب أنصار المساواة كما يزعمون: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾[البقرة: 228].

وليس معنى ذلك أن الزوجة أصبحت لا شيء كما يفهمه البعض، بل إن الذي قال: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ قال أيضًا: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ﴾[الطلاق: 6] يعني: تلك درجة القيادة لكن لا تستبد بالرأي: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ﴾ يعني: تأمرها وتأمرك، تستشيرها وتستشيرك، تأخذ وجهة نظرها وتأخذ وجهة نظرك، لكن الكلمة الأخيرة هي لك، ألم يقل الله -عز وجل-: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾[آل عمران: 159] ولم يقل: فإذا عزمتم فتوكلوا على الله؟!

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ وهذه تعني معاني دقيقة جدًا، فهو مفضل عليها أنه صاحب قرار، مفضل عليها أنه هو الذي يكسب الرزق، الأصل أنه يخرج من البيت، وهي مفضلة عليه أنها سكن له، يجب أن يعود إلى البيت ليرى زوجه تنتظر، ليراها متزينة له، ليرى طعامه معدًا، ليرى أولاده في حلّة جيدة، هذه هي وظيفة المرأة الأولى، عن أبي هريرة أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "كل نفسٍ من بني آدم سيدٌ، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها"[صحيح الجامع (4/ 183)].

بل هي عبادتها الأولى، نعم عبادة المرأة الأولى أن تحسن القيام على زوجها وأولادها، فاعلمي ـ

أيتها المرأة : واعلمي من دونك من النساء أن بإطاعتك لزوجك تدخلين من أي أبواب الجنة تشائين؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا صَلَّت المرأة خمسها، وصامَتْ شَهْرَها، وحصنت فرجها، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخلت مِنْ أَي أبواب الْجَنَّةِ شاءت"[صححه الألباني فِي صحيح الجامع (660)].

ويفهم كثير من الناس أن جلوس المرأة في البيت يعني أنها جاهلة، لا، فقد تكون الزوجة في أعلى مستوى ثقافي، وقد تكون في أعلى درجات الإيمان، لكنها متفرغة لزوجها وأولادها، وهنا أعظم وظيفة للمرأة على الإطلاق.

انظروا إلى الصحابية العاقلة التي تعرف وظيفتها جيدًا في الحياة، تقول للرسول –صلى الله عليه وسلم- في خصامها مع زوجها، وخوفها من الطلاق على أولادها: يا رسول الله، إن تركتهم إليه ضاعوا، وهو لا يريبهم، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، هو ينفق عليهم.

لذلك هناك أدوار رسمها القرآن الكريم، حينما تحترمها تقطف ثمارًا يانعة، أما حينما لا تحترمها وتريد أن تنافس المرأة الرجل في كل شيء تفقد السباق وتفقد أنوثتها.

تُرى ما الذي جنته المرأة من خروجها للعمل؟!

التي تعمل تأتي الآن إلى البيت ظهرًا منهكة القوى، أعصابها متوترة، تعاني مما يعاني منه الرجل من مشكلات العمل ومن منافسه، ومن تجبر بعض الأشخاص ومن تحرش بعض الأشخاص أحيانًا إذا كان عملها مختلطًا، ومن ثم تأتي إلى البيت منهكة متعبة، وعليها أن تطبخ أيضًا، وعليها أن تربي، فأعصابها متوترة دائمًا، فهي لم تعد سكنًا للزوج.

نأتي للدخل من يأخذه؟ هو أم هي؟

تقول له: هذا لي، وهو لم يعد يأخذ منها كل اهتمامها، أربعة أخماس اهتمامها لعملها؛ فهناك تداخل، الحياة المعاصرة فيها تداخل، لو أن النساء كن متفرغات لأزواجهن متفرغات لتربية الأولاد فوقتَها تدفع المرأة بابنٍ إلى المجتمع عقيدته صحيحة، جسمه صحيح، أخلاقه سليمة؛ لذا فهي تقدم أكبر خدمة للمجتمع بإنشاء طفل يغدو قائدًا، يغدو باحثًا، يغدو مصلحًا في المستقبل، فمن الذي سوف يربيه في البيت؟! أيعقل أن يُترك للقرين لأصدقاء السوء، أم لخادمه لا تفقه في التربيةِ شيئًا؟!

لا يعقل ذلك! ولكن للأسف الشديد صار العكس هو الواقع، وأصبح الكلام عن وظيفة المرأة الأساسية في تربية الأبناء وكأنه كلام غير واقعي وغير منطقي، مع أنه هو الكلام الواقعي والمنطقي.

نحن لسنا ضد عمل المرأة إذا احتاجت إليه ولم يكن مخالفًا للشرع، ولكن من الواجب علينا أن نرسخ هذا المفهوم في أذهان النساء عاملات أم غير عاملات: إن أول عبادة لكِ -أيتها المرأة-: هو حسن رعاية الزوج والأولاد، وللذين يظنون أننا نبالغ في هذا الكلام نسوق لهم هذا الحديث العظيم وهو في الأدب المفرد للإمام البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أنا أول من يفتح باب الجنة، إلا أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك؟ ومن أنتِ؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامٍ لي"[صحيح الترغيب والترهيب (3742)].

سبحان الله! كم هي تربية الأولاد عند الله عظيمة، وحينما تعبد المرأة الله فيما أقامها يمكن أن تصل إلى أعلى مرتبة في الجنة، والرجل حينما يعبد الله فيما أقامه يمكن أن يصل إلى أعلى مرتبة في الجنة.

فيا أيتها المرأة: لا تتمني أن تكوني كالرجل، ويا أيها الرجل: لا تتمنّ أن تكون كالمرأة؛ حتى تستقيم الحياة معكما وتعيشان دون منغّصات: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾[النساء: 32].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه كان غفارًا.

الخطبة الثانية:

 ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

القوامة عبء معنوي ومادي يتحمله الرجل في الدنيا، ثم يُسأل عنه يوم القيامة: "إن الله -تعالى-سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"[صحيح الجامع (1774)].

وقد تكونين -أيتها المرأة- آسفة متألمة متذمرة ومتمردة أحيانًا؛ لأن الرجل قوامٌ عليكِ، وقد يكون الرجل مسرورًا بسُلطته تلك.

أما يوم القيامة فستُسرين أنتِ وتشكرين الله إذ أعفاكِ من مساءلة إضافية تحاسبين عليها، وقد تزيد في سيئاتك، قال ابن مسعود: "يؤتى بالعبد أو الأمة يوم القيامة، فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بنُ فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه؟ فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها".

وسيأسف هو إن قصر في هذه القوامة أو ظلمهن مثقال ذرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾[النساء: 40].

ومن ذلك يتضح لنا: أن الرجل الظالم لزوجته يُدين نفسه عندما يردد هذه الآية: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾؛ لأنها تلزمه تحمل مسؤولية القوامة، والقيام بأعبائها؛ لذا نقول له: هل قمت فعلاً بأعباء القوامة كما أراد الله؟

من القوامة أن تعاشر زوجتك بالمعروف، فهل فعلت؟! من القوامة تربية وتنشئة أبناء صالحين، فهل فعلت؟! من القوامة تعليم زوجتك أمور دينها، فهل قمت بذلك؟! من القوامة حماية زوجتك وأولادك من الأفكار الهدامة، فهل قمت بذلك؟! من القوامة إلزام زوجتك وبناتك بالحجاب الشرعي والستر والبعد عن التبرج والاختلاط والسفور، فهل قمت بذلك؟! من القوامة أن تفرض احترامك على الزوجة بالمعروف من خلال احترامها، لا من خلال الشتم والضرب والإساءة، فهل أنت كذلك؟! أم أنك تركت الحبل على الغارب لها ففقدت احترامها لك؛ لأن المرأة لا تحترم الرجل الذي لا يقوم بدوره في القوامة، ولا تحترم الرجل الذي يفهم القوامة على أنها تسلط واستبعاد وإذلال وعنف وقسوة.

وقد يقول قائل: ماذا تفعل المرأة المسلمة إن أساء زوجها فهم القوامة واستعملها على غير وجهها؟!

ونقول لها: إن أداء الواجبات هو الذي يوصل إلى نيل الحقوق، فالمرأة التي تحرص على القيام بواجبها نحو الرجل وتحرصُ على الود والرعاية له لا بد أن تحصل على الثمار ولو بعد حين، ولقد قال بعضهم: إن الرجل باب مغلق ومفتاحه المرأة، واستعمال الذكاء والحكمة في الموقف والتصرفات أمر هام هنا، فكيف تستخدم المرأة ذكاءها في سبيل الوصول إلى أشياء دنيوية ولا تفعل ذلك في سبيل الله؟!

يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم"[صحيح الجامع (3620)].

إننا بحاجه إلى أناس يقومون بواجباتهم لا إلى أناس يطالبون حقوقهم، لو أن الرجال اهتموا بمعرفة حقوق زوجاتهم عليهم أولاً لبادرت الزوجات بتأدية حقوقهم عليهن، ولو أن النساء اهتممن بمعرفة حقوق أزواجهن عليهن لبادر الرجال بتأدية حقوقهن عليهم، ولكن الكل يريد حقوقه فقط ولا يهتم بحقوق الآخر، ومن هنا غرقت الكثير من البيوت في المشاكل ودخلت التعاسة إلى حياة كثير من الرجال والنساء، وحين تعود المرأة إلى طريق الواجبات تصبح جديرة بالاحترام والتكريم، وحين يعود الرجل إلى طريق الواجبات يصبح جديرًا بالاحترام والسمع والطاعة.

فهل يفهم المسلمون ذلك؟!

نرجو ذلك ونتمناه، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.


تم تحميل المحتوى من موقع