خطبة الاستسقاء

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. لا ملجأ من الله إلا إليه .
  2. مقام الاستسقاء مقام تضرع وتوسل .
  3. من وسائل التوسل إلى الله تعالى .
  4. وجوب الصدق مع الله والإخبات له .
  5. دعاء خطبة الاستسقاء .
  6. التأسي بالنبي فيه .

اقتباس

إنّكم والمسلمون شكوْتم جدب الديار، وتأخُّر نزول الأمطار، وشكوتم ما بالأرض من بلاءٍ ولأواءٍ وشدة، وكلُّنا نعلم أن لا ملجأ للعباد ولا مفزع إلا إلى الله -تبارك وتعالى-؛ فهو -جل وعلا- المعطي المانع، القابض الباسط، الخافض الرافع، المعِز المذِل، الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض، والخلائق...

الحمد لله الغني الشكور، الرحيم الغفور، أحمده -تبارك وتعالى- بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله، لا رب سواه ولا إله غيره، إليه وحده تصير الأمور. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، اتقوا الله -جل وعلا- في سركم وعلانيتكم، اتقوا الله -جل وعلا- في جميع شؤونكم؛ في حلِّكم وترحالكم، اتقوا الله -تعالى- تقوى من يعلمُ أن ربه يسمعه ويراه.

وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله؛ وتركٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله، خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون عباد الله: إنّكم والمسلمون شكوْتم جدب الديار، وتأخُّر نزول الأمطار، وشكوتم ما بالأرض من بلاءٍ ولأواءٍ وشدة، وكلُّنا نعلم أن لا ملجأ للعباد ولا مفزع إلا إلى الله -تبارك وتعالى-؛ فهو -جل وعلا- المعطي المانع، القابض الباسط، الخافض الرافع، المعِز المذِل، الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض، والخلائق كلها طوع تدبيره وتسخيره، جل في علاه، فهو -عز وجل- المفزع، وإليه المفر، ولا ملجأ من الله إلا إليه.

ومقامنا هذا -عباد الله- مقام ضراعةٍ ولجوءٍ إلى الله، ومقام توسل وتذلل بين يديه، مع يقينٍ وإيمان بأنه -سبحانه- لا يرد عبدًا دعاه، ولا يخيِّب مؤمناً ناجاه.

أيها المؤمنون: مقامنا هذا مقام عظيم من مقامات التذلل والتوسل والخضوع إلى الله -جل وعلا-؛ فإن نبيكم -صلوات الله وسلامه عليه- خرج إلى الاستسقاء خاضعاً متخشِّعا متبذِّلا متواضعا داعياً ملتجئا إلى الله -تبارك وتعالى-.

فأحسِنوا -عباد الله- إلى ربكم الوسيلة، وأحسنوا ابتغاء الوسيلة إليه، (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57]، ويقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35].

نعم عباد الله؛ ما أعظم التوسل إلى الله -جل وعلا- بكل الوسائل التي يحبها ويرضاها وشرعها لعباده -جل في علاه-.

وأعظم ذلكم: التوسل إليه -سبحانه- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأنه (اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) [طه:98]، (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) [الإسراء:110]، (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180].

(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:22-24].

عباد الله: ومن أعظم الوسائل إلى الله أن تتوسل إلى الله -جل وعلا- بافتقارك إليه، واحتياجك إليه، واعترافك بأنك لا غنى لك عنه طرفة عين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].

ومن الدعوات العظيمة: (ربِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83]، (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:24].

فالتوسل إلى الله -عز وجل- بالذل والافتقار والخضوع إليه -جل وعلا- وإظهار الفاقة والحاجة من أعظم الوسائل معاشر المؤمنين.

ومن التوسل إلى الله -عز وجل-: التوسل إليه -سبحانه- بطاعته ولزوم عبادته، وأطْرِ النفس على ذلك؛ بأن يكون عبداً ذليلاً مطيعا محافظاً على فرائض الإسلام وواجبات الدين، وما تقرَّب متقرب إلى الله بشيءٍ أحب إلى الله مما افترض على عباده، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله.

قال -جل وعلا- في الحديث القدسي: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ".

أيها المؤمنون: ومن الوسائل العظيمة إلى الله -جل وعلا-: التوسل إلى الله -سبحانه- بمحبة النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- القائل: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، مع الإكثار من الصلاة والسلام عليه -صلوات الله وسلامه عليه-، فإن في الإكثار من الصلاة والسلام عليه تفريجاً للهموم، وتنفيساً للكربات، وحلول خيراتٍ وبركات.

أيها المؤمنون: ومن التوسل إلى الله -تبارك وتعالى-: الإحسان بعبادة الخالق، والإحسان في معاملة الخلق؛ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [البقرة:195].

ومن الوسائل عباد الله: أن تتوسل إلى الله ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والمعاملة الحسنة الكريمة مع عباد الله بالأخلاق الفاضلة، والآداب الكاملة.

ومن الوسائل أيها المؤمنون: أن تتوسل إلى الله بالحنوِّ على الفقراء، والعطف على المساكين، ومساعدة المحتاجين، ومعاونة الأيتام؛ إلى غير ذلكم من وجوه النفقات والصدقات والإحسان، والتي تطفئ غضب الرب، وتكون سبباً لحلول الخيرات، ونزول البركات.

أيها المؤمنون؛ ومن أعظم الوسائل إلى الله -جل في علاه- أن تتوسل إليه بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله، وملازمة الاستغفار: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].

ويقول الله -جل وعلا- فيما ذكره عن نبيه نوح في دعوته لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) [نوح:10-12].

أيها المؤمنون عباد الله: ومن أعظم الوسائل إلى الله -جل وعلا-: حُسن الظن به، وتمام الثقة به، وحُسن التوكل عليه، وتمام الالتجاء إليه؛ فإنه -تبارك وتعالى- يغيث من استغاث به، ويكفي من التجأ إليه، فإنَّ من التجأ إلى الله كفاه وأعانه ووقاه وسدَّده في أمور دينه ودنياه (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:36].

أيها المؤمنون عباد الله: توجَّهوا إلى الله بقلوب صادقة، ونفوس مخبتة، مع الثقة بالله -جل وعلا-.

ادعوا الله -سبحانه- دعاءً فيه ثقة بالله، وحضور قلب، ادعوا الله -أيها المؤمنون- وأنتم موقنون بالإجابة، ادعوا الله -تبارك وتعالى- وأنتم تستحضرون قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].

اللهم بك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك.

اللهم أنت ربنا ومولانا وسيدنا وخالقنا، اللهم لا إله إلا أنت تحكم ما تشاء وتفعل ما تريد، اللهم لا إله إلا أنت الأمر أمرك، والحكم حُكمك، والخلق خلقك، وأزمَّة الأمور بيدك، ونحن عبيدك فقراء إليك، لا غنى لنا عنك طرفة عين.

اللهم يا ربنا وفقنا أجمعين لحُسن الضراعة إليك، وحُسن الالتجاء إليك، وحُسن الدعاء يا رب العالمين.

اللهم يا ربنا وفقنا أجمعين لدعواتٍ خالصة، ودعواتٍ صادقة، وحُسن التجاءٍ إليك، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، يا من وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلما، نسألك يا ربنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت، نسألك يا رب العالمين أن تنزل علينا رحمة من رحماتك، اللهم أنزل علينا رحمة من رحماتك، اللهم أنزل علينا من بركاتك يا رب العالمين، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض يا رب العالمين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدرارا، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو ونتوب إليه، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دِقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، علانيته وسره، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أسرفنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفر ذنوب المذنبين، وتب على التائبين، اللهم إنا نسألك توبةً نصوحا، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مُغيثا، هنيئاً مريئا، سحًّا طبقا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم يا ربنا لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقُصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

اللهم هذه أيدينا إليك مدَّت، ودعواتنا إليك رُفعت، وأنت يا الله لا تردُّ عبداً دعاك، ولا تخيِّب مؤمناً ناجاك.

اللهم لا تردنا خائبين، اللهم أعطنا سؤلنا، اللهم مُنَّ علينا بتحقيق رجائنا وما أمَّلنا، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبادٌ من عبادك، ولا غنى لنا عنك طرفة عين.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم اسقنا الغيث واجعل ما أسقيتنا قوةً وبلاغاً إلى حين يا رب العالمين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

معاشر المؤمنين: تأسوا بنبيكم -صلوات الله وسلامه عليه- بقلب الرداء تفاؤلاً في تغير الأحوال، وألحُّوا على الله بالدعاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي