العلاقة الزوجية

صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك
عناصر الخطبة
  1. الأسرة أساس الحياة في جانبها الاجتماعي .
  2. عمق العلاقة بين الزوجين .
  3. آية من آيات الله .
  4. ميثاق يحفظ الحقوق والواجبات .

اقتباس

والقرآن يشير إلى ذلك الاتحاد واللصوق بين الزوجين الذي ينبثق عنه وحدة الشعور والعواطف، ووحدة الأمل والعمر، ووحدة الرؤية لجمال الحياة، اقرأ... إنها علاقة عظمها القرآن بهذا التشبيه الدقيق، إنها علاقة حياة وأهداف تجمل الحياة وتزينها، إنها متعة أعلى وأجلّ من متعة الجسد، إنها علاقة الغريزة والعاطفة، فهي أقوى الروابط، وبذلك أشار الحديث الشريف: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"، لم يربط المتعة بالأنثى وإنما...

الخطبة الأولى:

خلق الله الحياة وأوجد فيها الزينة والمتعة التي تكسوها بالجمال والراحة، وأساس هذه الحياة في جانبها الاجتماعي هو الأسرة، تلك اللبنة التي عليها يقوم المجتمع الذي فيه حركة الإنسان الدائبة ونشاطه الإنساني، ولهذا حرص الإسلام حرصًا لا مزيد عليه بشأن الأسرة وأسس تكوينها وأسباب دوام ترابطها وأدائها لوظيفتها على خير وجه وأكمله.

ولم يكتفِ الإسلام ببيان الحقوق إلى كلٍّ من الزوجين على الآخر، وإنما اهتم بوضع قوقعه تنصهر فيها الأثرة والأنانية، وتذوب فيها صفات الغلبة والاستعلاء لتصفو من شوائب الكدر والنكد.

فترى القرآن الكريم يثير في نفوس الأزواج من الجنسين الشعور بأن كلاً منهما ضروري للآخر لا غنى عنه في تحقيق وجوده؛ قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، فالنفس الواحدة هي نفس آدم، وزوجته حواء.

والقرآن يشير إلى ذلك الاتحاد واللصوق بين الزوجين الذي ينبثق عنه وحدة الشعور والعواطف، ووحدة الأمل والعمر، ووحدة الرؤية لجمال الحياة، اقرأ هذه المعاني في قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)، واللباس كما يكون حسًّا في الثياب يكون معنى في عمق الامتزاج لكل من الزوجين بصاحبه لانضمام الجسدين وامتزاجهما، فشبهه القرآن بالثوب.

إنها علاقة عظمها القرآن بهذا التشبيه الدقيق، إنها علاقة حياة وأهداف تجمل الحياة وتزينها، إنها متعة أعلى وأجلّ من متعة الجسد، إنها علاقة الغريزة والعاطفة، فهي أقوى الروابط، وبذلك أشار الحديث الشريف: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"، لم يربط المتعة بالأنثى وإنما بالمرأة الصالحة.

أيها المسلمون: إنَّ العلاقة الغريزية الفطرية والوجدانية العاطفية التي جعلها الله بين الزوجين عدَّها القرآن الكريم آية من آيات الله، نعمة من نعمه كما قال -جلَّ شأنه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). إن حقيقة الحياة الزوجية وسعادتها هو سكون الرجل لزوجته، ووجود المودة والرحمة، وذلك أساس الجمال في تلك الحياة، وهل جعلت الحياة الزوجية إلا للوصول إلى تلك السعادة؟! وإن فقدان المودة والرحمة يعني فقدان جمال الحياة ورونقها، فيصبح الزوجان أشبه بالأشباح ليس بينهما سوى قضاء الوطر!! فهي أقرب إلى الحياة البهيمية.

نعم قد تفتر العلاقة ويدخلها نفور بسبب إهمال كل من الزوجين أو أحدهما أسباب دوام المحبة، لكن يجب أن لا يسمحا بطول هذا الفتور حتى لا يخيم ذلك الجو القاتم على تلك الحياة المراد لها السعادة والسكون.

إن الرجل -وكذا المرأة- إذا فقد هذه المودة والرحمة فهل يمكن أن يتحصلا عليها في غير مسكن الزوجية!! فلا بديل لها ولا عوض عنها إذا تشتتت النفس وتفرق البال.

فيجب على الزوجين أن يتخليا عن كبرياء النفس واحتقار الآخر، فإنه لا سعادة لهما إلا بالتوفيق، ولا مودة إلا بالتراحم.

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن العلاقة الزوجية تبدأ بذلك الاجتماع المهيب الذي فيه كلمات الله يستحل بها الرجل نكاح المرأة، ويملك أمرها وشؤونها، إنه عقد الزواج الذي يضع الرجل أمام عهد قوي، ذلك العهد الذي سماه القرآن ميثاقًا غليظًا، يستشعر الزوج أنه أمام عهد مع الله قبل أن يكون مع المرأة، فإذا أخذ ببعض ما يوجبه عقد الزواج يكون ناقض عهدٍ ويعد خائنًا وغادرًا.

إن القرآن يتحدث عن هذه القضية في معرض إرادة الرجل انقطاع عشرته بزوجته، وأن عليه أن لا يأخذ من صداقها شيئًا؛ قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً)، وهكذا يصوِّر القرآن الرابط العظيم بين الزوجين، ويُذكِّر الرجل به ولو كان على أبواب المفارقة والطلاق.

معاشر المؤمنين: إن ذلك الميثاق يضع كلاً من الزوجين أمام حقوق وواجبات ومسؤوليات لا يجوز التفريط فيها، فالتفريط جناية على الحياة الزوجية.

وأهل العلم عندما يتحدثون عن حقوق الزوجين يبدؤون بحق الزوجة؛ لأن جانبها هو الجانب الأضعف والأحوج إلى العطف والحنان، ولأنها تعد الرجل مقصدها وقبلتها في الحياة، بسعادته تسعد هي وأطفالها، وبشقاوته يخيم على بيتها الشقاء.

لقد أوجب الشرع المطهر على الرجل الاعتناء بالمرأة التي جلبها من بيت أهلها، وأن يراعي حقوقها كاملة بموجب العقد الذي به يملك شؤونها، حقها في النفقة والسكن واللباس، وهذه يمكن اعتبارها من الحقوق المادية.

وفي الحديث في المسند وغيره: أن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟! قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". حديث حسن.

وهناك حقوق معنوية يكون بها دوام العشرة والمودة وهي المعاشرة بالمعروف كما أكد عليها القرآن: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، وحسن العشرة يعني الإحسان إليهن ولين الكلام والرفق بهن وكفّ الأذى عنهن الجسدي والمعنوي، وحس العشرة واجب على كل من الزوجين، والقرآن يؤكد على هذه الحقوق المشتركة بينهما فيقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

قال ابن عباس: "أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليه من الطاعة فيما أوجبه عليهن أزواجهن".

وقد أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجال بحق المرأة وأكد عليه في أكبر تجمع للمسلمين في حجة الوداع فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا"، وقال: "...فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله".

وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوة العظمى في ذلك، فكان جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطَّف بهن، ويوسع عليهن بنفقته، ويضاحك نساءه، حتى كان يسابق عائشة -رضي الله عنها-، وكان ربما جمع نساءه للعشاء في بيت التي عندها مبيته، كان يقول -عليه الصلاة والسلام-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

أيها المسلمون: ومما يجب أن يعلمه الرجل أن المرأة على ما فيها من ضعفٍ، فيها أيضًا عوج ذاتي خلقي لا يمكن إصلاحه، وأخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها"، والمعنى أن الله خلقها من ضلع معوج، فهي بطبيعتها مستعدة للخطأ أكثر من استعداد الزوج لذلك، وهذا مبدأ عام، فإذا أراد الرجل أن يحيا مع زوجته حياة طيبة فليدرك أن خطأ زوجته أمر طبيعي، فلا يكثر من اللوم والتأنيب والمؤاخذة، ولا يحاسب على كل صغيرة وكبيرة.

فإذا فكَّر أن يحبها يومًا بلا أخطاء فإنه لن يجدها كذلك، فهو يحاول عبثًا نتيجة تصلبه وتشدده كسرًا للحياة الزوجية.

قال أحد الفضلاء: "وما يدريك لعل هذا الاعوجاج في الطبع عند المرأة هو سرّ جاذبيتها وسرّ جمالها وسرّ التصاقها بالرجل وحرصها عليه".

وعلى العموم فإن الحقوق بين الزوجين عظيمة جدًّا، جديرة بالمراعاة لتطيب الحياة.

نسأل المولى أن يصلح أمورنا عامة، ويصلح أزواجنا وذرياتنا...

هذا؛ وصلوا وسلموا...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي