إذا ألقيتم نظرةً على انحراف الأمم عن دين الإسلام القويم؛ امتلأت قلوبُكم من شكر الرَّب الرحيم.
فلم تجدوا عندنا- ولله الحمد- قبة على قبر ولا مشهداً، ولا توسلاً بالمخلوقين, ولا مولداً ولا معبداً، أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجلها؟
بينما ترون الأقطار الأخرى، محشوة بالشرك, والكفر, والإلحاد الصراح. مملوءة من ...
الحمد لله الذي مَنَّ بظاهرِ النَّعَمِ, وفرُوعِها وأصولِها، فأعْطى النفوسَ من سوابغ نعمائه غاية منيتها, ومنتهى سُؤُلِها، وأشهدُ أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار.
وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل على محمد, وعلى آله وأصحابه الأخيار, وعلى التابعين لهم بإحسان بالأقوال والأفعال والإقرار، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس, اتقوا الله تعالى, واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء، واعلموا أنكم لا تقدرون على العدّ لها والإحصاء، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها.
فإنكم إذا ألقيتم نظرةً على حالة الأمم، وانحرافهم عن دين الإسلام القويم, امتلأت قلوبُكم من شكر الرَّب الرحيم، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام وبالسنة, وبالصراط المستقيم.
ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام, وتفرُّقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة، إلاَّ أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها.
فيا لها أكبر منحة, وأسبغ منة، ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك، وسلمكم من وسائل الشرك, وطرق الغيّ والهلاك بوسائل وأسباب يَسَّرها الرَّبُ الكريم.
حيثُ أقام لكم كل إمامٍ قد استقام على الصراط المستقيم، فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل, إمام نصر السنة والكتاب, وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السُّني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب.
حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن تيمية تقي الدين، فجاهد الكفّار المنافقين, وسائر الملحدين, وفرق المبتدعين، وأظهر من صريح السنة وأعلامها وعلومها, ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين.
وسلك طريقته تلامذته, من فحول العلماء المحققين،حتَّى جاءت النَّوبة لشيخ الجزيرة, وإمامها الأوَّاب, شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فقام بهذا الأمر أتمَّ القيام.
ولم يزل في جهاده مع الأعداء وجلاد، حتى نشر التوحيد الخالص, والسنة المحضة بين العباد، وقمع الشرك ووسائله والبدع والفساد.
فخلصت الجزيرة -ولله الحمد- وانصبغت بالسنة والتوحيد، وسلمت بمساعيه المشكورة, ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد.
فلم تجد فيها -ولله الحمد- قبة على قبر ولا مشهداً، ولا توسلاً بالمخلوقين, ولا مولداً ولا معبداً، أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجلها؟
إحسانه الواصل إليكم، أن قَّيض لكم هؤلاء السادة الغُرر، الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح, وتحقق وانتشر, حتى نشأ.
ثم أنتم وآباؤكم وأولادكم, تشربون من معين الشريعة, أصفى شراب، وتغترفون من زلالها, أحسن اغتراف، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم, ولا قوة علم وذكاء, وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء.
بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك, والكفر, والإلحاد الصراح. مملوءة من البدع, وبناء المشاهد على القبور, والأخلاق القباح.
فاحمدوا ربكم على هذه النعمة التي لا تستطيعون لها عدّاً, ولا شكوراً، واستغفروه من تقصيركم, وتوبوا إليه؛ إنه كان غفوراً قديراً.
وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات, وأن يحببكم في عافية مما أحاط بكم, من الشرور, والأمور المهلكات؛ إنه قريب مجيب الدعوات، قال تعالى: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 65].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي