الحقيقة أن الإسلام -بالفتوح التي قام بها- حرر شعوبًا كانت سجينة، ورفع رؤوسًا كانت ذليلة، بل إن الأقباط في مصر استقبلوا الفاتح المسلم ببشاشة وحفاوة لأن الاستعمار الروماني كان قد عزل البطريرك وقتل أخاه حرقًا، ثم رمى بجثته في الإسكندرية على شاطئ البحر، ففرح الأقباط...
الحمد لله ذي الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير). (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
كل شيء هو خالقه، كل حي هو رازقه، كل نور هو مشرقه، سبحانه تبارك اسمه، سبح كل شيء بحمده، وخضع كل شيء لمجده، واحتاج كل شيء لعطائه ورفده، سبحانه في الأرض والسماء، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وأشهد أن محمدًا رسول الله، خيرة الله من خلقه، وصفوته من عباده، أمير الأنبياء، أول خلق الله دينًا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد
فنحن الآن نلقي نظرة إسلامية على أحوال أمتنا والمتغيرات العالمية حولنا، وهى نظرة نستلهم الله فيها الرشد، ونسأله أن يعيننا على الصدق، وأن ينفعنا بالعبرة التي ينبغي أن نستخلصها من هذا كله.
وقبل أن أخوض في بعض العناوين التاريخية أحب أن أقول للناس كلهم: إن الإسلام دين يقوم على الإقناع الحر والدعوة المجردة، لا يعرف ضغطًا ولا إكراهًا لا ماديًّا ولا معنويًّا، إنه يعرض ما عنده، ويترك لذوي الألباب أن يتخيروا ما شاؤوا، وفي حماس العرض قد يكون الإنسان شديد اللهجة قوي النبرة، لكن الله يقول لنبيه وهو يعرض ما عنده: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
وليس هذا حكرًا على دين محمد -صلى الله عليه وسلم- بل الأديان كلها منذ بعث نوح -عليه السلام- ترفض الإكراه وتقوم على الدعوة المجردة، ولذلك يقول نوح لقومه: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ).
منذ بدأ محمد دعوته ما أكره أحدًا على الدخول في دينه ولا عامل خصومه إلا بالبر والقسط: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
على هذا الأساس بدأت دائرة الدعوة الإسلامية تنداح في جزيرة العرب، ودخل عرب الجزيرة في الإسلام بعد عشرين سنة وهم داخرون يعلمون أن الحرية الدينية وحدها هي الباب الذي دخلوا منه في هذا الدين العظيم، ولكن العالم من حول الجزيرة لم يعامل العرب بالإنصاف ولا بالقسطاس، بل وجدنا شيئًا آخر، فإن الدولة الرومانية -وكانت الدولة الأولى في العالم يومئذ بعد أن انتصرت على الفرس في معركة هائلة استردت فيها الصليب الأعظم وفرضت سلطانها على الدنيا- أبت أن يأخذ الإسلام مده، فحاصرت جزيرة العرب من الشمال، ويقرأ المسلمون التاريخ -ولا أدري أيقرؤونه بعقل أم يرددون كالببغاوات ما سطر التاريخ لهم من وقائع- وفيه أن الرومان رفضوا أن تنطلق الدعوة الإسلامية من جزيرة العرب، وأنهم أرسلوا جيشًا لهم من نحو مائتي ألف مقاتل لقتال المسلمين في مؤتة وأرغمهم على الانسحاب جنوبًا، ومؤتة في جزيرة العرب تساوي بنها مثلاً أو طنطا في مصر.
نقول للرومان: من جاء بكم من قارتكم إلى داخل جزيرة العرب تقاتلون الإسلام وتقتلون القادة الثلاثة لهذا الجيش؟! جاء بهم الطغيان والتعصب، ثم انطلق المسلمون يثأرون لأنفسهم ويمدون دعوتهم وذهبوا إلى تبوك، وتراجع الرومان قليلاً كي يلتقطوا أنفاسهم ويجمعوا قواهم، وفوجئ المسلمون بأن النبي قد مات، ولكن خلفاءه -رضي الله تعالى عنهم- مضوا في نفس الخطة وقاتلوا الرومان.
لماذا قاتلنا الرومان؟! إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، فهل نفرض الإسلام على الناس؟! لا، لا، لا، قال تعالى: (فإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
أنا أعرض الدين -كما يعرض الناس الأزياء- وأقول للناس: هل يعجبكم هذا الدين؟! فإن أعجبهم ودخلوا فيه فأنا أخ لهم وهم إخوة لي، وإن قالوا: لا نريد دينك، اشبع أنت به، أقول لهم: أطلب منكم أمرين:
الأمر الأول: هل تتركونني بديني دون فتنة؟!
الأمر الثاني: هل تسمحون لي أن أعرض الدين على غيركم؟!
فإن قالوا: نعم: قلت لهم؟! أمرني الله: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا). أما إذا قالوا: إن نطقت بكلمة تدعو بها إلى الإسلام أغلقنا فمك بالسلاح، وإذا دخل أحد في الإسلام عذبناه حتى نرده، ضربت الحرب بيني وبينهم ولست معتديًا، إن قتال الاعتداء لا يعرفه ديننا أبدًا: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). فماذا نصنع إذا كان غيرنا يريد فتنتنا، ويريد إغلاق أفواهنا، ويأبى أن يترك الإسلام بالقلم واللسان يتحرك؟!
أوجه النظر إلى أمرين:
إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين.
لقد كان الاستعمار الروماني يضغط بصدره الثقيل على جزيرة العرب وعلى وادي النيل وعلى الشمال الإفريقي وعلى آسيا الصغرى، فإذا كان الإسلام قد قاتل الاستعمار الروماني وأطلق الشعوب السجينة من سجنها الكبير وأعطاها الحرية فهل يلام لأنه حرر الشعوب؟!
الحقيقة أن الإسلام -بالفتوح التي قام بها- حرر شعوبًا كانت سجينة، ورفع رؤوسًا كانت ذليلة، بل إن الأقباط في مصر استقبلوا الفاتح المسلم ببشاشة وحفاوة لأن الاستعمار الروماني كان قد عزل البطريرك وقتل أخاه حرقًا، ثم رمى بجثته في الإسكندرية على شاطئ البحر، ففرح الأقباط بدخول الإسلام لأنه دخل محررًا مقررًا حرية التدين.
إنني أقول بملء فمي وأقول بفخر واعتزاز: نحن -المسلمين- ابتدعنا الحرية الدينية في الأرض، وما كانت أوروبا تعرفها، بل يعرف العالم كله أن الكاثوليك في فرنسا -منذ قرنين اثنين- أوقعوا مذبحة بالبروتستانت قتل فيها ثلاثون ألف بروتستانتي في مذبحة سان بارثلميو، وهي مذبحة هائلة عندما وقعت فرح الفاتيكان بها وصك نقودًا تخليدًا لذكراها.
هذا عمل لا يعرفه الإسلام في تاريخه أبدًا، نحن ابتدعنا حرية الرأي وحرية الدين، ولا نزال حراس التدين الحر.
لكن أوروبا بعد خمسة قرون عادت مرة أخرى فأعلنت علينا حربًا صليبية ظلت ثلاثة قرون بعد أن جرت إليها التتر، والتاريخ الأوروبي يقول: إن إسقاط بغداد كان في معركة تترية صليبية، وسقوط بغداد كان سقوطًا رهيبًا.
والثلاثة قرون التي هوجمت فيها الأمة الإسلامية شهدت ثماني حملات صليبية، وأكتفي في تلخيص هذه الحملات بكلمات لفيليب حتى -وهو مستشرق ماروني أمريكي- قال: "في القرن الثاني عشر من الميلاد كان كل شيء يؤذن بزوال دين محمد، فقد نجح الصليبيون في اكتساح فلسطين، وتسللوا ودخلوا مصر، وتسللوا يبتغون طريقهم إلى الحجاز، ونجح التتار في إسقاط بغداد، ويوشك أن تلتقي ذراعا الكماشة على العالم الإسلامي فيموت".
لكن المسلمين إبان الأزمات العضوض وأيام الضوائق المهلكة يتجمعون على دينهم ويتساندون على صفوفهم، ويكونون جبهة تستميت في الدفاع عن موروثاتهم وعقائدهم.
ولذلك يقول فيليب حتى: "فلما جاء القرن الثالث عشر للميلاد كان هناك سؤال آخر: هل سيقف شيء أمام دين محمد؟!".
استعاد المسلمون بيت المقدس، ودخل التتر في الإسلام، وجاء القرن الثامن الهجري والأمة الإسلامية قد غسلت أرضها غسلاً من بقايا الصليبية الزاحفة، ونجا المسلمون من البلاء الذي أريد بهم. أكنا نحن في هذا معتدين؟!
غُزينا في عقر دارنا، قتل التتر مليوني شخص في بغداد، اسود النهر مرة بالكتب التي ألقيت فيه، واحمر مرة أخرى بالدماء التي سالت إليه.
حدث للأمة الإسلامية ما حدث، ثم شاء الله أن يقود الأتراك العالم الإسلامي فثأروا لما حدث وأسقطوا عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، واتجهوا في غرب أوروبا حتى وصلوا إلى فيينا، وظلوا نحو أربعة قرون يقاتلون على هذا الأساس، لكن الذي حدث بعد ذلك -وتلك الأيام نداولها بين الناس- أن الأوروبيين استردوا أنفاسهم وهجموا مرة أخرى، وسقط العالم الإسلامي بقضه وقضيضه.
لكن هذا العالم الإسلامي -كما قلت- مرن على أن تجتاح أرضه ثم يلتقط أنفاسه ويصطلح مع ربه ويعود إلى قواه، وبدأنا فعلاً حروب تحرير انتهت بأن مصر -ولله المنة- تحررت، وأن العلم الإسلامي انتشر في بلاد كثيرة واستقلت أرضون كثيرة منه، فماذا حدث؟!
حدث زحف آخر، فإن الصليبية العالمية اصطلحت مع الصهيونية العالمية وأسست دولة إسرائيل على أكبادنا وأنقاضنا، ورضي المظلوم ولم يرض الظالم، ورضي المقتول ولم يرض القاتل، ورضي المغتصب المسروق، ولم يرض السارق المغتصب، وأبى أن يترك للعرب مكانًا يعيشون فيه ثم قال: نريد إسرائيل الكبرى، وقبل أن أحدد ما هي إسرائيل الكبرى أقول لكم: إن هناك قساوسة إنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية -والولايات المتحدة الأمريكية فيها نحو أربعين مليون كاثوليكي- يقولون: إنه لابد من أن يدخل اليهود الأرض المقدسة أرض الميعاد، وأن يقيموا دولة لهم، ويجب أن ننتظر مسيحهم، بل إن قسيسًا اسمه إيفانز ومعه نفر من القساوسة أقنعوا مجلس الشيوخ والنواب في أمريكا بأنه لابد من أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل.
ولذلك تحولت تسعة أعشار أعضاء مجلس الشيوخ والنواب إلى دراويش للصهيونية العالمية، بل قرروا الإيمان بالمسيح اليهودي، أتعرفون من المسيح اليهودي؟! إنه المسيخ الدجال الذي حذرنا منه ومن فتنته، لقد آمن به دراويش مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي قبل أن يظهر المسيخ الملعون الإله الأعور الذي سيجيء إلى فلسطين ويحاول العبث بالمقدسات.
على كل حال، إن الحركة الآن تتجه إلى أن إسرائيل الكبرى -في العهد القديم- من الفرات إلى النيل.
ومعنى هذا أن إقامة إسرائيل الكبرى يجب أن تجتاح في فضائها الحيوي وامتدادها الديني مصر والعراق والسعودية والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، ومعنى هذا أيضًا أن المعركة التي يريد اليهود فرضها معركة دينية، إذا نجحوا فيها هلكنا جميعًا، وإذا هلك العرب هلك المسلمون من بعدهم.
أنا أعلم أن رؤساء العرب كلهم لا يريدون المعركة لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولكنى أقول: إن المعركة ستفرضها إسرائيل علينا شئنا أم أبينا. فماذا نصنع؟!
يجب أن تسد الفجوات بين الحكومات العربية كلها، يجب أن يصطلح العرب وأن يكونوا أسرة كأسرة أوروبا الغربية، لابد أن نردم الفجوات بين الدول العربية، يجب أن ينسى السوريون ما صنع العراقيون، وأن ينسى العراقيون ما صنع السوريون، وأن ينسى المصريون ما صنع غيرهم، يجب أن نتلاحم وأن نكون أمة واحدة. هذه واحدة.
ويجب أن يتحرك الإسلاميون حركة تقريب، وأنا أول من يتنازل عن حقوقه لدى من أساؤوا إليه، أنا أريد أن يتصافح الإسلاميون وأن يتعاونوا، وأريد أن لا تكون بين الشعب وبين حكومته فجوة أو جفوة أو خصومة.
إن هذه الفجوات والجفوات هى التي سيتسلل منها الزحف اليهودي لإقامة إسرائيل الكبرى ليطحن الجيل الحاضر والجيل القادم على سواء، إننا يجب أن نطرح الخصومات والعداوات تحت أقدامنا، يجب أن نعلم أن الأمة الإسلامية في خطر داهم.
إن الرئيس الأمريكي بوش يقول: "أنا فرح لأن القدر اختارنا لنشهد الخروج الكبير من روسيا إلى فلسطين".
إننا -أيها الإخوة- غافلون، إن بواعث دينية رهيبة وراء العداوات التي تبيت الشر لمستقبلنا والظلام لحاضرنا ويومنا وغدنا.
إننا يجب أن نصطلح وأن نتعاون وأن ننسى الخصومات وأن نتآخى وأن نتدارس كيف تنتهي هذه المحنة وكيف تتلاشى هذه المآسي، يجب أن يتحرك المسلمون حركة تقارب وتعاون وتآخٍ، لابد من هذا وإلا ضيعنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، موفق العاملين، وناصر المتقين، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ما دار في فضائه فلك، الله أكبر ما سبح بحمد الله بشر أو ملك، الله أكبر ما بسق في حقله نبات، الله أكبر ما اهتز في مهده طفل ينشد الحياة، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها الإخوة: انتهى رمضان، وأنا غير راضٍ على الطريقة التي انتهى بها رمضان، والله لقد أكلنا كثيرًا، وما كان ينبغي أن نأكل كثيرًا، فإن رمضان شرع للصيام لا للطعام، ووالله لقد سهرنا مع ليالٍ سخيفة فيها هزل ولهو ولعب، وما كانت ليالي رمضان إلا للقيام.
وإذا كنت أودع رمضان فإنني أقول للمسلمين بيتين قيل: إنهما للإمام الشافعي، وقبل أن أذكرهما أذكر هذا التمهيد لهما:
الأعمال قسمان: أعمال قلوب وأعمال جوارح، وقد اتفق علماء الإسلام على أن أعمال القلوب أخطر من أعمال الجوارح، أعمال القلوب هي الأساس، وأعمال الجوارح هي شيء ثانوي، معاصي القلوب هي الهلاك، ومعاصي الجوارح هي شيء ثانوي، معاصي القلوب مثل الكبر والرياء والحسد والحقد، ومعاصي الجوارح مثل السرقة والنظرة الدنيئة. يقول الإمام الشافعي:
وذرة من القلب العـلي *** من الرضا والصدق والتوكل
أثقل عند الله من جبـال *** شمـخن من ظواهر الأعمال
"ذرة من عمل القلب النقي النظيف البريء الذي يستهدف وجه الله، أفضل من جبال من الأعمال التي يقوم بها البدن في غيبة القلب، وأنا في الحقيقة لو يُسمع لقصيرٍ أمرٌ -وأنا قصير- لألغيت الأعياد في العالم الإسلامي كله وقبلت منها الشعائر الدينية فقط، أيُّ أعياد والقدس ليست بأيدينا؟! كان صلاح الدين مكتئبًا دائم الحزن، قيل له: ما أحزنك؟! قال: "كيف أفرح وبيت المقدس في يد الصليبيين؟!".
أطفال الانتفاضة يتضورون من الجوع، مسلمو أفغانستان يقاتلون وهم يتعرضون للتضور والعري، فما الذي يفرح المسلمين حتى يعيِّدوا ويطبلوا ويزمروا؟! والله هذا خراب قلوب.
خذوا من الأعياد الناحية الدينية فقط ثم قولوا: لا عيد لنا حتى نطهر الأرض ممن وسخ أرضنا، وأهان ديننا، وأسقط رايتنا، وجعلنا نعيش غرباء في هذا العالم.
إنني أطلب من المسلمين أولاً: أن يصلحوا ذات بينهم، وثانيًا: أن يجتمعوا حكومات وشعوبًا حتى يدرسوا كيف يغيرون عاداتهم، وكيف يغيرون تقاليدهم، وكيف يغيرون أحوالهم، وكيف يستعدون لعدو قرر ذبحهم وهو ينتظر الوقت المناسب لتنفيذ ما قرره، كأنه حكم علينا بالإعدام وهو ينتظر اليوم الذي ينفذ فيه هذا الحكم، أننام؟! أنلهو؟! أنضحك؟! أنتخاصم؟! أنتفرق؟! أنجري وراء القضايا الصغيرة؟! أنهتاج للأمور التافهة؟!
يا إخواني: يجب أن نغيّر أحوالنا وأعمالنا، وأنا كإنسان مسؤول عن الناحية الدينية سأقنع إخواني الإسلاميين أن يلغوا ما بينهم من فروق، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يقولوا كما قال المجتهد الأول: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأقول للحكومات العربية كلها: تآخوا، تعاونوا، التصقوا بشعوبكم، هذا هو المستودع الذي تأخذون منه الرجال، إن المتدين المتحمس هو الذي سيقتل الصهيوني الذي يريد قتلي، فانتفعوا به ولا تحرقوه.
"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أقم الصلاة.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي