الاستقامة بعد رمضان

صالح بن عبد الله الهذلول

عناصر الخطبة

  1. كيفية الاستقامة
  2. دلالة الاستقامة بعد رمضان
  3. حقيقة الاستقامة
  4. دعاء المسلم الدائم بالاستقامة
  5. أهمية الاستقامة
  6. ما يترتب على الاستقامة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد الحسنات، وتُغفر الزلات، الحمد لله على ما أولى وهدى، والشكر على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والألباب والنهى.  

أما بعد: وداعاً شهر رمضان، غير مقلي فارقناك، عليك منا تحية وسلاماً، أتراك تعود علينا بعد هذا العام؟ أم يدركنا المنون فلا تؤول إلينا؟ قال الربيع بن خثيم: أتدرون ما الداء؟ وما الدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ولا تعود.

فيا مَن أحدث توبةً في رمضان، امْضِ على توبتك، واثبُتْ على صالح عملك، واستقِمْ على طاعتك. عن سفيان بن عبدالله -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال -صلى الله عليه وسلم-: "قُل آمنتُ بالله، ثُمَّ اسْتَقِمْ" رواه مسلم.

والاستقامة -أيها الأفاضل- تكون على مداومة الطاعة بفعل المأمور، واجتناب المحظور؛ لأن رب الشهور واحد، وهو مطلع على العباد في كافة أحوالهم، ولا تدري -أيها العبد- متى يفجأك الموت.

إن استقامة المسلم بعد رمضان، وصلاح أقواله وأفعاله، لأكبر دليل على استفادته من شهر الصوم، ورغبته في الطاعة، وهذا عنوان القبول، وعلامة الفلاح، وسبب للتوفيق.

إن العبادة، وطاعة الله -جل وعلا-، ومنازلة الهوى والشيطان في الحياة ليست جولة وتنتهي، وحالاً ينقضي، إنه الكفاح الذي لا يهدأ، والثبات الذي لا يتزعزع، حتى يلقى المؤمن ربه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حّتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99].

أيها الأفاضل: الحذرَ الحذرَ مِن التكاسل والاسترخاء والفتور! وإياكم والاعوجاج بعد الاستقامة! رزقنا الله حسن العمل، وأكرمنا بالقبول، ومَنَّ علينا بالاستقامة حتى نلقاه وهو راض عنا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله القيوم، وغيره لا يدوم، كُل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: يقول المولى -جل شأنه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)﴾ [فصلت:30-33].

الاستقامة حقيقتها -عباد الله- عدم الاعوجاج، وعدم الميل، وهي تجمع معنى حسن العمل والسير على الحق، والصدق، وهي هنا في هذه الآية تشمل معنى الوفاء بما كلفوا به.

وأول ما كلف به الإنسان الثبات على أصل التوحيد، فلا يغيروا، ولا يرجعوا عنه، ولا يستوحشوا من الصدع به وإعلانه، ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللهُ﴾، فصرحوا بما في اعتقادهم، وما يختلج في صدورهم.

والصدع بالحق وإعلانه مهم لإثبات هوية المؤمن بعد أن عرف الحق واختاره إعلانه بكل مظاهره ومتطلباته، وما أنجزْتَ -أيها المؤمن- من توبة في رمضان داخلة في هذا المعنى، فاجعلها نقطة انطلاق للثبات على الحق والتعرف عليه، والثبات على ذلك.

ولقد جاءت في الآية الكريمة كلمة:﴿ثُمَّ﴾ بين كلمتي: ﴿قَالُوا﴾ وكلمة ﴿اسْتَقَامُوا﴾، دالَّة على أن الاستقامة على الحق قدر زائد على الإيمان والعمل، فليست القضية هياجاً نفسياً، ومشاعر وعواطف تجيش في أيام، وحماساً مؤقتاً يحدث في زمن ثم يختفي، وإنما هو الثبات الذي لا يتحول ولا يتبدل.

ولأهميته وضرورته يدعو المسلم ربه في كل ركعة من ركعات صلاته أن يمنحه ذلك في قوله -تعالى-: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6].

ولأهميته، وضرورة الاستقامة على العمل الصالح في حياة المسلم، تولى أقطاب الإسلام، الخلفاء الراشدون الأربعة -رضي الله عنهم- تفسير الاستقامة في الآية، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: استقاموا: لم يشركوا بالله شيئا. وقال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: استقاموا على الطريقة لطاعة الله، ثم لم يروغوا روغان الثعالب. وقال ذو النورين عثمان -رضي الله عنه-: ثم استقاموا: يعني ثم أخلصوا العمل لله. وقال أبو السبطين علي -رضي الله عنه-: ثم استقاموا: ثم أدوا الفرائض.

معشر المؤمنين: ولأهمية الاستقامة -أيضا- رتب الله عليها الأجر العظيم، والإنعام الكبير، قال -جل ذكره-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾ [فصلت:30-32].  


تم تحميل المحتوى من موقع