الفراغ عند الشباب وخطورته

علاء الشال
عناصر الخطبة
  1. الوقت هو حياة الإنسان .
  2. خطورة الفراغ في حياة الشباب .
  3. من أسباب التفريط في الوقت في حياة الشباب .
  4. المشاكل التي تترتب على فراغ الشباب .
  5. من أنواع الفراغ .
  6. الأمور المعينة على حفظ الوقت وطرد الفراغ .

اقتباس

والفراغ مفسدة للمرء إن لم يستَغلَّ فيما يعود على المرء بالنفع في حياته وبعد مماته: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى. عدم اهتمام كثير من الأسر بأبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة، وتوجيه أفكارهم التوجيه الصحيح ومراقبة تحركاتهم وتصرفاتهم من غير مبالغة وإشغالهم بأعمال تساعد في بناء شخصياتهم وأهدافهم في...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد:

أيها المسلمون: اعلموا أن أيامكم التي تمر بكم تقربكم من ربكم، وتدنيكم من أجلكم، وتسرع بكم إلى قبوركم، وكم من مضيع لأوقاته! ماضٍ في غفلاته! فلم يُفقْ ولم يَصْحَ إلا في معسكر الموتى! فندم على ما قصر في الحياة الدنيا!

الوقت هو حياة الإنسان ولا بد من استغلاله فيما يعود على الإنسان بالنفع، وفيما يدفع عنه الضر، ولعمري كم من أناس يقضون أوقاتهم في غير فائدة تذكر، أو منفعة تسطر!! ولما كان الفراغ قاتلاً للأوقات، خاصة وقت الشباب الذي هو أغلى من كل شيء؛ كان الاهتمام به أبلغ وأشد.

إن الفراغ في حياة الشباب أمره خطير، وشره مستطير؛ لما خص به الشباب من خصوصيات كثيرة تختلف عن بقية مراحل عمر الإنسان.

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة

عباد الله: فالشباب مفسدة للمرء إن لم يوجه في الخير، ومن هنا عني الإسلام بهذه المرحلة العمرية أيما عناية، ووجه الشباب إلى ما يقضون به أوقاتهم.

والفراغ مفسدة للمرء إن لم يستَغلَّ فيما يعود على المرء بالنفع في حياته وبعد مماته: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيم أبلاه...".

والجدة والمال والغنى أيضًا من أسباب فساد الإنسان: "هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيًا، أو فقرًا منسيًا، أو مرضًا مفسدًا أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال -فالدجال شر غائب ينتظر-، أو الساعة -والساعة أدهى وأمر-". قال الألباني: فيه نظر.

ومن أسباب التفريط في الوقت في حياة الشباب:

الرفقة السيئة التي لا يسلم منها كثير من الشباب إلا من سلمه الله -تعالى-، الرفقة السيئة التي ليس لهم هم إلا تضييع الأوقات في أي أمر كان! وإذا اجتمع مع هذا السعة والجدة والمال فإنه الوبال والخبال؛ جريمة وفاحشة وفساد عريض. والله المستعان.

مرحل المراهقة وما يرتبط بها من انفعالات، وهي مرحلة الانتقال من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، ولذلك ترتبط بها بعض التغيرات العضوية والنفسية في حياة الشباب، وبالتالي يجد نفسه مضطرًا للتفكير في أمور مثل الزواج؛ والمستقبل المأمول وغير ذلك، والانشغال به مما يضيع الكثير من أوقاتهم.

عدم اهتمام كثير من الأسر بأبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة، وتوجيه أفكارهم التوجيه الصحيح ومراقبة تحركاتهم وتصرفاتهم من غير مبالغة وإشغالهم بأعمال تساعد في بناء شخصياتهم وأهدافهم في المستقبل.

عدم تقدير قيمة الوقت، من قبل بعض الآباء والأبناء فلا يعرف كثير منهم قيمة الوقت وأنه رأس مال الإنسان، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". رواه البخاري.

وقال الحسن البصري: "يا ابن آدم: إنما أنت أيام؛ إذا ذهب يومك ذهب بعضك".

والوقت أعظم ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع

إلى غير ذلك من الأسباب...

يا شباب الإسلام: إن الفراغ في حياتكم إذا لم يستغل فإنه يسبب مشاكل كثيرة؛ ولذا لا بد أن تملؤوا أوقاتكم بما يفيدكم ويفيد أمتكم.

إن المشاكل التي تترتب على فراغ الشباب عديدة:

منها: ضعف الأمة وهوانها؛ لأن النصرة والمنعة والبناء والتفكير والإبداع لا يكون إلا بسواعد الشباب؛ فالشباب قوة وحيوية ونشاط، فإذا أهملت هذه الطاقات والقدرات ذبلت المجتمعات، وقرب انقراضها من ذاكرة الأجيال.. إن الشباب هم عماد الأمم، وإذا تعطل هؤلاء ولهوا وتركوا الواجب عليهم -كما هو الحال اليوم في كثير من المجتمعات- فويلٌ ثم ويلٌ لأمتهم المنتمين إليها!!

ومن المشاكل: انصراف الشباب من النافع إلى الضار، ومن الطاعة إلى المعصية، فإن المغريات والمفتنات في هذا الزمن كثيرة وكثيرة؛ وإن الشهوات قد ضجت منها الأرض، واسودّ بها الزمن! فإذا انصرف الشباب إليها نتيجة لفراغهم، فسدت أخلاقهم، وانتكست فطرهم، وشوهت سمعتهم.

أيها الشباب: إن الفراغ الذي تجدونه في حياتكم مع وجود الشهوات ليعد أمرًا خطيرًا على حاضركم ومستقبلكم، يقول بعض الصالحين: "فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة، بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في قياد الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه".

وقال بعض السلف: "الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل، ثم لا تتوجه إليه، وتقل عوائقك ثم لا ترحل إليه". يعني: الله -جل جلاله-.

أيها المسلمون: لقد كان سلفكم الصالح يكرهون من الرجل أن يكون فارغًا، لا هو في أمر دينه، ولا هو في أمر دنياه، وهنا تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة، أي: محرك للغريزة والتفكير في أمر الشهوة! وهل كان تعلق امرأة العزيز بيوسف -عليه السلام- وشغفها، وتدبير المكايد لإيقاعه في شباكها، إلا نتيجة الفراغ الذي تعيشه!!

ويشتد خطر الفراغ إذا اجتمع مع الفراغ الشباب الذي يتميز بقوة الغريزة والجدة، أي القدرة المالية التي تمكن الإنسان من تحصيل ما يشتهي... وفي هذا يقول الشاعر:

لقد هاج الفراغ عليه شغلاً *** وأسباب البلاء من الفراغ

والفراغ: منه الفراغ العقلي، هذا العقل إذا لم يستخدمه الإنسان فيما خلق له؛ فإنه يعد كالبهيمة؛ لأنه بهذا الفراغ العقلي ساوى الأنعام في كونها لا تعقل (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) [الأنفال: 22].

فلا بد من إدراك أهمية ملء الذهن بما ينفع، فإذا عاش الشباب في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته الفناء، كما أنه قد كتب على آخرته البوار، لذلك يعترف أهل النار يوم القيامة بفراغ عقولهم حينما يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10]. فهذا مصير من عاش منعوتًا في فراغ عقلي، وأما من ملأ عقله بما ينفعه في دنياه وآخرته، فإنه يفوز فوزًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.

ومن أنواع الفراغ: الفراغ القلبي:

إن القلب مضغة، بحياتها يحيا الجسد، وبموتها يموت؛ فهو وعاء الإيمان كما أنه وعاء الهوى؛ قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات: 7].

يا معشر الشباب: إن فراغ القلوب من الإيمان، يلزم منه امتلاؤها بالهوى والعصيان، من ملأ قلبه بحب الله ورسوله، فرغ القلب من الهوى والزيغ والضلال، ومن ملأه بالشهوة فقد فرغ من تقوى الله مرضاته، فيا له من فراغ قاتل، ويا له من تدبير سافل، أتظن -أيها الشاب- أنك بترك قلبك للهوى والشيطان سوف تكون غدًا من الناجين!! ما أظنك ستبلغ تلك المرتبة وتلك المنزلة! إن بلوغ المنزلة العالية يكون لمن ألزم نفسه عبودية الله وملأ قلبه بحبه وتقديسه!

ومن أنواع الفراغ: الفراغ النفسي:

إن النفس إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وشغلها بالحق يكون بتزكيتها، وتهذيبها، وإلجامها عن الباطل.. وإلا تعودت على السوء، واستمرت بالانحراف، فخاب بذلك صاحبها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وتاب عليَّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي حقق الإسلام قولاً وعملاً، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس: إن المخاطر التي تترتب على الفراغ إذا لم يستغل الوقت فيما ينفع الإنسان في دنياه وأخراه، وخصوصًا وقت الشباب، كثيرة جدًّا، ولكن نأتي الآن على بيان الأمور التي يقضي بها الشباب أوقاتهم حتى يفوزوا بالرضا والجنان.

إن أهم ما يشغل به الشاب وقته فيما يعود عليه بالخير في أمر الدنيا والآخرة، ولا بد من ذلك؛ فإن انصرفت النفس إلى غير ذلك، فقد جانبت خير المسالك، ودخلت طريق المهالك.

ومن الأمور المعينة على حفظ الوقت وطرد الفراغ القاتل:

الحركة الهادفة: فعلى الشاب أن يكون داعية رحالاً سائحًا في محلات مدينته، ومدن قطره، يبلغ دعوة الإسلام.

انظر -أيها الشاب- مثلاً كيف كانت رسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الإسلام وتبشر به، ولم يكن ثَمَّ انتظار ورودهم إلى المدينة، وهذا يعد مجالاً خصبًا لاستغلال وقت الإنسان فيه؛ حيث يكون الإنسان رحالاً حركيًّا يحمل كلمة الله إلى كل مكان -منزله، ومدرسته، وظيفته، بلدته قريته-، وإذا بلغ الشاب المسلم هذه المرتبة فلا يجد الفراغ إليه سبيلاً.

حب المساعدة وقضاء الحاجات: إننا عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!! أما عندما نعيش لغيرنا، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة! تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض.

يقول أبو عثمان شيخ البخاري -رحمه الله-: "ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان!!".

هكذا -أيها الشباب ويا معشر الناس جميعًا- كان السلف يعرفون بماذا يستغلون أوقاتهم، وكيف يقضون حاجات الناس بسعة صدر ورضا نفس!!

هذا هو إسلامنا، دين معايش للواقع، لا دين نظريات ومُثُل!!

دين حركة وجهاد.. لا دين خيال وافتراض!!

لهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- موجهًا البشرية على التحرك في قضاء الحاجات: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني: مسجد المدينة- شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه -ولو شاء أن يمضيه أمضاه- ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل". وقال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".

ومما يستغل به الشباب وجميع الناس أوقاتهم: القراءة؛ قراءة القرآن، وقراءة كل ما ينفع: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء:9].

أيها الشباب: اخرجوا من ضيق الذاتية إلى رحابة الحياة، لقد ضيع الكثير أوقاتهم، وقتلوا أعمارهم، وخسروا حظهم!! فبئس الثمن وبئست البضاعة! أين أنتم يا شباب الإسلام؟! هاكم القرآن فاقرؤوه، ورتلوا آياته الحسان!! هاكم مجدكم وعزتكم وسؤددكم!

لا تضيعوا الأوقات!! هل استغنت الأمة المجروحة عن الطاقات حتى تضيع؟! وهل ارتفعت الأمة بقدراتها حتى لا تحتاج إلى الشاب الرفيع؟!

أين أنتم من القراءة والتفكير والإبداع والتنوير؟! لا أراكم يبطئ بكم الهوى عن المسير! وتقعدكم الأماني والآمال عن الإنجاز والتعمير! لا تتكلوا على آبائكم ومن يقيت نفوسكم ويشبع بطونكم. ولم تعرفوا خطورة الاتكال! فإنه ما بددت الأوقات ومزقت اللحظات إلا من سوء التدبير وقلة التفكير.

مما يشغل به الشاب وقته: كيف يكون نافعًا لأمته؟! فهو يدرس ليفيد ويستفيد، وينهي دراسته ليبدع ويخترع، ويكون قدوة في ذلك الفعل الجميل، وهذا كله بعد أداء فرائض الله -تعالى- وشرائع دينه، كالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها، والصيام، وغير ذلك لأنه لا يمكن أن يخدم أمته أو ينفع مجتمعه قاطع لحبل الله. فمن قطع حبل الله قطعه الله، ولذلك فإن الذين يحاولون أن يخدموا أمتهم دون مبادئ ولا شرائع ولا دين يفسدون أكثر مما يصلحون.

فيا شباب الإسلام: أنتم عماد الأمة وأملها المنشود؛ فإياكم وإهدار الأوقات وتبديد الطاقات.

مما يستغل به الإنسان وقت فراغه: الرياضة والألعاب الرياضية: وهذا مصرف من مصارف الوقت النافعة، ولنا أصل في الشريعة يدل على ذلك؛ حيث كان السلف الصالح يدربون أنفسهم وأولادهم على القوة والشجاعة، وقد أوصى عمر فقال: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل". وفي رواية: "وأن يثبوا على الخيل وثبًا". أي قفزًا.

ولا يعني هذا أن يصرف الشاب كل وقته في الرياضية، فإن في ذلك تضييعًا للحقوق الأخرى: حقوق الله، وحقوق نفسه ومن لهم عليه حق، ولكن تكون مقدارًا بمقدار.

نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين وشاباتهم ورجالهم ونساءهم جميعًا.

اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي