وصلاةُ الليل عاصِمةٌ -بإذن الله- من الفِتَن، قالت أمُّ سلمة -رضي الله عنها-: استيقظَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ليلةً فزِعًا يقول: "سُبحان الله! ماذا أنزلَ الله من الخزائِن؟! وماذا أُنزِلَ من الفتن؟! من يُوقِظُ صواحِبَ الحُجُرات؟!". يُريدُ أزواجَه لكي يُصلِّين، "رُبَّ كاسِيةٍ في الدُّنيا عارِيَةٍ في الآخرة". رواه البخاري. فيها انشراحُ الصدر، وراحةُ البال، وسُرور القلبِ، قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: "في صلاةِ الليل سرٌّ في...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فتقوى الله منارُ الهُدى، والإعراضُ عنها سبيلُ الشَّقا.
أيها المسلمون: خلقَ الله الخلقَ لعبادته، وهو -سبحانه- غنيٌّ عنهم ولا غِنَى لهم عنه، ولحاجتِهم إليه أوجبَ عليهم عبادتَه؛ فأولُ أمرٍ في كتابِه هو الأمرُ بعبادته: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 21].
وأمرَ الرُّسُل بالعمل الصالح فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51].
وقال لموسى -عليه السلام-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14].
وقال لنبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 66].
وكلُّ رسولٍ قال لقومِه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59].
ومن الميثاق الذي أُخِذ على بني إسرائيل: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) [البقرة: 83].
وأمرَ الله قريشًا بالتعبُّد فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) [قريش: 3]، وأمرَ المُؤمنين به في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) [الحج: 77].
ووصفَ الله صحابةَ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بكثرةِ التعبُّد، وظهرَ أثرُ ذلك على جوارِحِهم، فقال في وصفِهم: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح: 29].
وشرفُ العبد في عبوديَّته لله، ولمنزلتِها دعا سليمانُ -عليه السلام- ربَّه أن يكون منهم، فقال: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل: 19].
وكان نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- إذا رفعَ رأسَه من الرُّكوع قال: "أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لك عبدٌ". رواه مسلم.
وكلُّ مسلمٍ يُعاهِدُ ربَّه في الصلاةِ المفروضَةِ سبعَ عشرة مرَّةً على عبادتِه وحدَه، يقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5].
وعبادةُ الله وحده سببُ دخول جنَّات النعيم دون ما سِواها من الأسباب. جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنةَ. قال: "تعبُدُ اللهَ لا تُشرِكُ به شيئًا". متفق عليه.
ومن فضلِ الله على عبادِه: أن نوَّعَ لهم العبادات؛ فشرَعَ لهم صلاةً لا أفضلَ منها بعد الفريضة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أفضلُ الصلاة بعد الفريضة: صلاةُ الليل". رواه مسلم.
والله يُحبُّها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أحبُّ الصلاةِ إلى الله: صلاةُ الليل". متفق عليه.
وأداؤُها بإخلاصٍ من علامة التقوى، قال -سبحانه-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات: 15- 17].
وهي مُكفِّرةٌ للسيِّئات، ماحِيةٌ للخطايا، قال -عليه الصلاة والسلام- لمُعاذٍ -رضي الله عنه-: "ألا أدلُّك على أبوابِ الخير؟! الصومُ جُنَّةٌ، والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئَةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجلِ في جوفِ الليل". أي: تُطفِئُ أيضًا الخطيئةً كما يُطفِئُ الماءُ النار. رواه الترمذي.
وهي سببُ رحمة الله للعبدِ، قال -عليه الصلاة والسلام-: "رحِمَ الله رجلاً قامَ من الليل فصلَّى". رواه أبو داود.
وهي من العبادات التي تُؤدَّى لشُكر نِعَم الله الوافِرة، كان -عليه الصلاة والسلام- يقومُ من الليل حتى تتفطَّرَ قدَماه، ويقول: "أفلا أحبُّ أن أكون عبدًا شَكورًا؟!". رواه البخاري.
وأقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليل، قال -عليه الصلاة والسلام-: "فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكُرُ اللهَ في تلك الساعة فكُن". رواه الترمذي.
وصلاةُ الليل عاصِمةٌ -بإذن الله- من الفِتَن، قالت أمُّ سلمة -رضي الله عنها-: استيقظَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ليلةً فزِعًا يقول: "سُبحان الله! ماذا أنزلَ الله من الخزائِن؟! وماذا أُنزِلَ من الفتن؟! من يُوقِظُ صواحِبَ الحُجُرات؟!". يُريدُ أزواجَه لكي يُصلِّين، "رُبَّ كاسِيةٍ في الدُّنيا عارِيَةٍ في الآخرة". رواه البخاري.
فيها انشراحُ الصدر، وراحةُ البال، وسُرور القلبِ، قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: "في صلاةِ الليل سرٌّ في طِيبِ النفس".
وهي من أسباب دخولِ الجنة، قال -سبحانه-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16، 17].
قال عبدُ بن سلامٍ -رضي الله عنه-: أولُ شيءٍ سمِعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلَّم به حين قدِمَ المدينة: "يا أيها الناس: أفشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلوا الجنةَ بسلامٍ". رواه الترمذي.
بل من أدَّاها كان في أعلَى منازِلِ الجنة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن في الجنةِ غُرفًا تُرَى ظهورُها من بُطونِها، وبُطونُها من ظهورِها". فقامَ أعرابيٌّ فقال: لمن هي يا رسول الله؟! قال: "لمن أطابَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليل والناسُ نِيام". رواه أحمد.
واللهُ أمرَ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- أن يتعبَّدَه بتلك الصلاةِ ليَنالَ أعلى المقامات، قال -عز وجل-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 79]. فكان -عليه الصلاة والسلام- لا يترُكها لا سفرًا ولا حضرًا.
وأُمِر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُحيِيَ بتلك العبادة نصفَ الليل أو يزيدَ أو ينقُصَ عنه قليلاً: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [المزمل: 1- 4].
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وكان لا تشاءُ أن تراهُ من الليل مُصلِّيًا إلا رأيتَه". رواه البخاري.
وقرأَ ابنُ عمر -رضي الله عنهما-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر: 9]، قال: "ذاك عُثمانُ بن عفَّان".
قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: "وذلك لكثرة صلاةِ أميرِ المُؤمنين عُثمان بالليل وقراءتِه، حتى إنه رُبَّما قرأَ القُرآنَ في ركعةٍ".
وأحبُّ الأعمال ما داومَ عليه صاحِبُه وإن قلَّ، وصلاتُها في البيت أفضل، "خيرُ صلاةِ المرء في بيتِه إلا الصلاة المكتوبة". متفق عليه.
وقيامُ الليل كما هو مسنونٌ للرجال فهو سُنَّةٌ أيضًا للنساء، طرقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنتَه فاطمةَ -رضي الله عنها- وزوجَها عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليلاً، وقال لهما: "ألا تُصلِّيَان؟!". متفق عليه.
قال الطبريُّ -رحمه الله-: "لولا ما علِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- من عِظَم فضلِ الصلاةِ في الليل ما كان يُزعِجُ ابنتَه وابنَ عمِّه في وقتٍ جعلَه الله لخلقِه سكَنًا، لكنَّه اختارَ لهما إحرازَ تلك الفضيلة على الدَّعَة والسُّكون".
ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمةِ لمن أيقظَ أهلَه ليُصلِّيَها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "رحِمَ الله رجلاً قامَ من الليل فصلَّى وأيقظَ امرأتَه". رواه أبو داود.
وكان عمرُ -رضي الله عنه- يُصلِّي من الليل ما شاءَ الله، حتى إذا كان آخرَ الليل أيقظَ أهلَه للصلاةِ ثم يقول لهم: الصلاةَ الصلاةَ، ويتلُو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132].
وصلاةُ الليلِ رِفعةٌ للشابِّ كما هي نورٌ ووقارٌ للكبيرِ، قال -عليه الصلاة والسلام- لعبدِ الله بن عمر -وكان إذ ذاك شابًّا-: "نِعمَ الرجلُ عبد اللهِ لو كان يُصلِّي من الليل". متفق عليه.
قال ابنُه سالِم: "فكان عبدُ الله بعد ذلك لا ينامُ من الليل إلا قليلاً".
قال ابنُ حجر -رحمه الله-: "من كان يقومُ الليلَ يُوصَفُ بأنه نِعمَ الرجل".
وحذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله بن عمرو أن يترُك قيامَ الليل وهو غُلام، فقال له: "يا عبد الله: لا تكُن مثلَ فلانٍ؛ كان يقومُ الليلَ فتركَ قيامَ الليل". رواه البخاري.
وكان السَّلَفُ يُحيُون الليلَ وهم صِغارٌ، قال إبراهيم بن شمَّاس -رحمه الله-: "كنتُ أرى أحمدَ بن حنبل يُحيِي الليلَ وهو غلامٌ".
ولشرفِ الليل أنزلَ الله كتابَه فيه، وتلاوتُه بالليل من أسبابِ إتقانِ حفظِه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "وإذا قامَ صاحبُ القُرآن فقرأَه بالليل والنهارِ ذكرَه، وإذا لم يقُم به نسِيَه". رواه مسلم.
ومما يُغبَطُ عليه المرءُ قيامُه بالقُرآن ليلاً، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا حسَدَ إلا في اثنتَين: رجلٍ آتاه الله القُرآن فهو يقومُ به آناءَ الليل وآناءَ النهار، ورجلٍ آتاه الله مالاً فهو يُنفِقُه آناء الليل وآناءَ النهار". متفق عليه.
وقراءةُ القُرآن في الليل مُعينةٌ على فهمِه وتدبُّره، قال -جل وعلا-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) [المزمل: 6].
وثوابُ التلاوةِ في الليل مُضاعَف، فقليلُها يُزيلُ عن العبد وصفَ الغفلة، ووسطُها يكسُوه نعتَ القانتِين، وكثيرُها يجلِبُ القناطِيرَ من الأجور، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من قامَ بعشر آياتٍ لم يُكتَب من الغافِلين، ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كُتِبَ من القانِتين، ومن قامَ بألفِ آيةٍ كُتِبَ من المُقنطَرين". رواه أبو داود.
وشأنُ الدعاءِ في الليل عظيمٌ، "وفي الليلِ ساعةٌ لا يُوافِقُها عبدٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا إلا أعطاه الله إياه". رواه مسلم.
وفي الثُّلُث الأخير من الليل ينزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا فيقول: "من يدعُوني فأستجيبَ له؟! من يسألُني فأُعطِيَه؟! من يستغفِرني فأغفِرَ له؟!". متفق عليه.
ومن استيقظَ من الليل فقال ذكرًا ودعا استُجيبَ له، فإن صلَّى قُبِلَت صلاتُه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تعارَّ من الليل -أي: استيقظَ- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له المُلكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، الحمدُ لله، وسُبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفِر لي، أو دعا استُجيبَ له، فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَت صلاتُه". رواه البخاري.
وتعلُّقُ القلوبِ في آخر الليلِ أرجَى، وتنزيهُ الله عن كل عيبٍ ونقصٍ بالتسبيحِ في جوفِ الليل من التقوَى.
والاستِغفارُ خيرُ ما يختِمُ به العبدُ أعمالَ ليلِه، قال -سبحانه-: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [آل عمران: 17]، "ونزلَت توبةُ الذين خُلِّفُوا في الثُّلُث الأخير من الليل". رواه البخاري.
وكلُّ الليل من بعد صلاةِ العشاء إلى الفجر زمنٌ لصلاةِ الليل، وأقلُّه ركعةٌ، ولا حدَّ لأكثرِه، وآخرُ الليل أفضلُه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "صلاةُ آخر الليل مشهودةٌ". رواه مسلم.
ولأهمية قِيامِ الليل من نامَ عنه شُرِع له أن يقضِيَه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من نامَ عن حِزبِه أو عن شيءٍ منه فقرأَه فيما بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظُّهر كُتِبَ له كأنَّما قرأَه من الليل". رواه مسلم.
وقراءةُ أذكارِ النوم مُعينةٌ للاستِيقاظ إلى صلاةِ الليل، والسَّهرُ قد يمنَعُ قيامَ الليل، وإن قامَه أفقدَه الخشوعَ فيه، ومن نامَ على معصيَةٍ لم يقُم -في الأغلَبِ- إلى طاعةٍ.
وبعد:
أيها المسلمون: فالدُّنيا زمنُها قصير، والمُكثُ فيها يسير، والليلُ بما فيه من صلاةٍ وتلاوةٍ ودُعاءٍ وتسبيحٍ واستِغفارٍ من خيرِ ما يعمُرُ به المُسلمُ آخرتَه، ومن أعظمِ ما يدَّخِرُه من الأعمالِ الصالحةِ للِقاءِ ربِّه، واللَّبيبُ من يغتنِمُ آخرَ الليلِ لإصلاحِ دينِه ودُنياه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الإنسان: 25].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: مما يجلِبُ الرِّزقَ: قيامُ الليل، وكثرةُ الاستِغفار بالأسحار، وتعاهُد الصدقة، والذكرُ أول النهار وآخره.
وشرفُ المُؤمنِ قيامُه بالليل، قال سعيدُ بن المُسيَّب -رحمه الله-: "إن الرجلَ ليَقومُ الليلَ فيجعلُ الله في وجهِه نورًا يُحبُّه كلُّ مسلم".
وقيامُ الليل عزيزٌ، وهو أولُ ما يُفقَدُ من العبادة، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أولُ ما ينقُصُ من العبادة: التهجُّد بالليل".
والمُؤمنُ يدَّخِرُ ساعةً من ليلِه للتهجُّد، ويغتنِمُ نهارَه لعباداتٍ أُخرى ولنفعِ الخلق.
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي