هاتان السورتان توجيهٌ من الله تعالى لنبيِّه -عليه السلام- ابتِداءً، وللمُؤمنين من بعده جميعًا؛ للعِياذ بكنَفِه، واللِّياذ بحِماه من كل مخُوفٍ خافٍ وظاهرٍ، مجهولٍ ومعلومٍ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل. وكأنما يفتحُ اللهُ تعالى للمُؤمنين حِماه، ويبسُط لهم كنفَه، ويقول لهم في مودَّةٍ ورحمةٍ: تعالَوا إلى الحِمَى، تعالَوا إلى مأمنِكم الذي تطمئِنُّون فيه، تعالَوا...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- بما وصَّى الله به الأُممَ الغابِرة، كما وصَّى الأمةَ الحاضِرة: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
من تنبَّه سلِم، ومن غفَل ندِم، وسوف يُبعث الناس، وتُنصَبُ الموازين، فأعِدُّوا لذلك اليوم عُدَّته: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون: كانت الجنةُ موطنَ الإنسان الأول، والجنةُ هي الخيرُ الذي لا شرَّ فيه، كما أن النارَ هي الشرُّ الذي لا خيرَ فيه، أما الدنيا ففيها الخيرُ والشرُّ.
ولما كانت الشُّرور تعرِضُ للإنسان في مسيرة حياته من حيث لا يحتسِب؛ فقد تعلَّق الإنسانُ الجاهلُ بما يعتقِدُ أنه يدفعُ تلك الشُّرور من غير خبرٍ من السماء، ولا إشارةٍ من أنبياء، فزادَ الشرُّ وفسدَت الأديان، كما قال الله -عز وجل-: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6].
ثم إن الله تعالى برحمته ولُطفه شرعَ لخلقه وأخبرَهم بمن يلوذون، وكيف يستعيذُون؛ لتصلُحَ أديانُهم وتسلمَ أبدانُهم.
روى عقبةُ بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألم ترَ آياتٍ أُنزلَت هذه الليلة لم يُرَ مثلهنَّ قط: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق: 1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1]". رواه مسلم.
هكذا وصفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- السورتَين العظيمَتَين. وإذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الكلمات، فإنه يعني أنها تحوِي سرًّا إلهيًّا كبيرًا، وحِصنًا من الله عظيمًا، وسلاحًا يدفعُ به المؤمنُ شياطينَ الجنِّ والإنس، ويُواجِهُ بها شُرورَ الحياة ومصاعِبها وشدائدَها، والكائدِين فيها والحاسِدين، والسحرةَ والمُشعوِذين، وما يعترِضُه من أخطاءٍ تُؤثِّرُ في حياتِه، وتضرُّه وتُؤذِيه.
وسورةُ الفلق وأختُها سورةُ الناس آياتٌ بيِّناتٌ تذكُر الداء والدواء، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُولِيهما عنايةً خاصَّةً، ويتعوَّذُ بهما كما أمرَه ربُّه -عز وجل-.
عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوَّذ من الجانِّ وعين الإنسان، حتى نزلَت المُعوِّذتان، فلما نزلَتا أخذَ بهما وتركَ ما سِواهما". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن".
أيها المسلمون: هاتان السورتان توجيهٌ من الله تعالى لنبيِّه -عليه السلام- ابتِداءً، وللمُؤمنين من بعده جميعًا؛ للعِياذ بكنَفِه، واللِّياذ بحِماه من كل مخُوفٍ خافٍ وظاهرٍ، مجهولٍ ومعلومٍ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل.
وكأنما يفتحُ اللهُ تعالى للمُؤمنين حِماه، ويبسُط لهم كنفَه، ويقول لهم في مودَّةٍ ورحمةٍ: تعالَوا إلى الحِمَى، تعالَوا إلى مأمنِكم الذي تطمئِنُّون فيه، تعالَوا فأنا أعلمُ بضعفِكم وما حولَكم من مخاوف، وأقدرُ على عدوِّكم. وفي كنَفِ الله الأمنُ والطمأنينةُ والسلام.
والمُتأمِّلُ في السورتَين يجِدُ أنهما حِصنٌ من شُرورٍ خفيَّةٍ غير ظاهرةٍ، وتُصيبُ الإنسانَ دون أن يُعرَف من قامَ بها في كثيرٍ من الأحيان، ولذلك جاء الأمرُ الربَّانيُّ يخصُّ هذه الشُّرورَ بالذكر من بين الأخطار والآفات المُحدِقة بالإنسان، وجاءَ الأمرُ الربَّانيُّ بطلَبِ الغوثِ والمعونة والاستِجارةِ والاستِعاذَة بالله -سبحانه- من كل الشُّرور بشكلٍ عامٍّ، ومن هذه الشُّرور المذكورةِ بشكلٍ خاصٍّ.
والقصدُ: هو تعميقُ التوحيد في النفوس، وذلك لحاجتِها لمن يحفَظُها ويدفعُ عنها أنواعَ الشُّرور والأذَى، وتعلُّقُها بمن يحمِيها ويدفعُ عنها الشرَّ. فتضمَّنَت هاتان السُّورتَان الاستعاذَة من هذه الشُّرور كلِّها بأوجَزِ لفظٍ وأجمعِه، وأدلِّه على المُراد، وأعمِّه استِعاذة.
ومعنى (أَعُوذُ) أي: ألُوذُ وألتجِئُ وأعتصِمُ بالله، وأطلبُ منه الحماية.
فالاستِعاذةُ عبادةٌ نسترضِي بها من نستعيذُ به -سبحانه-، وهي الثقةُ بأنه وحده القادرُ على دفع الخطَر ورفعِه.
ففي المُعوِّذة الأولى أمرَ الله نبيَّه أن يستعيذَ ويحتمِي بربِّ الفلق، وهو الله -سبحانه- ربُّ الصباح المُنفلِق عن الليل، الكاشِف لظلامه.
وتخصيصُ الصُّبح بالتعوُّذ هو أن انبِثاق نور الصُّبح بعد شدَّة الظُّلمة كالمثَل لمجِيء الفرَج بعد الشدَّة، فكما أن الإنسانَ يكونُ مُنتظِرًا لطلُوع الصباح، فكذلك الخائِفُ يترقَّبُ مجيءَ الفرَج والأمان، فقال -عز وجل- لنبيِّه ولكل مؤمنٍ به: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) أي: من شرِّ خلقِه إطلاقًا وإجمالاً، وهو عامٌّ لكل شرٍّ في الدنيا والآخرة، وشرِّ الإنس والجنِّ والشياطين، وشرِّ السِّباع والهوامِّ، وشرِّ النار، وشرِّ الذنوب والهوَى، وشرِّ النفس، وشرِّ العمل، وشرِّ كل ذي شرٍّ.
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) الغسقُ شدَّةُ الظلام، والغاسِق هو الليلُ أو من يتحرَّكُ في جوفِه، ومعنى (وَقَبَ) أي: دخل.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هو الليلُ إذا أقبلَ بظلامِه".
قال مُجاهد والزهريُّ: "هو وقتُ غروب الشمس".
والمقصودُ: الاستِعاذةُ من الليل وما فيه، والليلُ إذا غمرَ الأرضَ بجلاله فهو حينئذٍ مخُوفٌ بذاتِه، ويتحرَّكُ في جُنحِه الهوامُّ والوُحوشُ، وينشطُ المُجرِمون والكائِدون، وتشتدُّ الغرائزُ والشهواتُ، وتهيجُ الوساوسُ والهواجِسُ والهمومُ والأشجانُ التي تتسرَّبُ في الليل، وتخلقُ المشاعرَ والوِجدان.
والشيطانُ تُساعِدُه الظُّلمةُ على الانطِلاق والإيحاء، لذلك أمرَ الله تعالى نبيَّه بالاستِعاذة من الليل وما فيه من شُرورٍ، فقال -سبحانه-: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، وهنَّ النساءُ الساحِراتُ، الساعِياتُ بالأذَى بالنَّفثِ على عُقَدٍ يعقِدنَها في خيوطٍ ونحوِها على اسمِ المسحور، فيُؤذِي بذلك، (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102].
وقد عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- السحرَ من كبائر الذنوبِ المُوبِقات التي تُهلِكُ الأُممَ والأفرادَ، وتُرضِي أصحابَها في الدنيا قبل الآخرة.
ومن ابتُلِي بمرضٍ أو سحرٍ فلا يجوزُ له أن يلجَأَ إلى السَّحَرة والمُشعوِذين، وقد برِئَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن يفعلُ ذلك، وشرعَ الله لنا الاستِعاذةَ به -سبحانه-، والرُّكونَ إليه، والاستِعانةَ به.
(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق: 5]، الحسدُ خُلُقٌ مذمومٌ طبعًا وشرعًا، وهو تمنِّي زوال النعمة التي أنعمَ الله بها على المحسُود، وشرُّ الحاسِدِ ومضرَّتُه إنما تقعُ إذا أمضَى حسدَه فأصابَ بالعين أو سعَى للإضرار بالمحسود، لذلك أمرَ الله تعالى بالاستِعاذة من شرِّه فقال: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
ولو أن الناسَ توكَّلُوا على الله، وحصَّنُوا أنفسَهم بهؤلاء الآيات؛ لكانُوا في مأمنٍ من الحسَد، وسلامةٍ من الإصابةِ بالعين، كما أن سُورةَ الفلق من أكبر أدوِية المحسُود؛ فإنها تتضمَّنُ التوكُّلَ على الله، والالتِجاءَ إليه، والاستِعاذَةَ بوليِّ النعم ومُولِيها من شرِّ حاسِدِ النعمة، ومُولِي النعم -سبحانه- هو حسبُ من توكَّل عليه، وكافِي من لجأَ إليه.
أيها المسلمون: وفي المُعوِّذة الثانية أمرَ الله الناس أن يستعيذُوا بربِّهم الذي يصُونُهم، وبملِكِهم الذي أمرَهم ونهاهم، وبإلههم الذي يعبُدونَه، من شرِّ الشياطين التي تحُولُ بينهم وبين عبادتِه؛ فإن الشيطانَ هو أصلُ الشرِّ الذي يصدُرُ منهم والذي يرِدُ عليهم.
وإنما قال: (مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ) [الناس: 2، 3]؛ لأن في الناسِ مُلوكًا فذكرَ أنه ملِكُهم، وفي الناسِ من يعبُدُ غيرَه فذكرَ أنه إلهُهم ومعبودُهم، وأنه هو الذي يجبُ أن يُستعاذَ به ويُلجَأَ إليه دون المُلوكِ والعُظماء، فهو -سبحانه- ربُّهم الحقُّ، والملكُ الحقُّ، والإلهُ الواحدُ المُستحقُّ للعبادة وحدَه، وما دونَه فهو مربوبٌ لا يلمِكُ لنفسِه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.
والاستِعاذةُ من شرِّ الوسواس الخنَّاس -وهو الشيطان- تعمُّ كلَّ شرِّه، لكنَّه وُصِفَ بأخطَر صِفاتِه، وأشدِّها شرًّا، وأقواها تأثيرًا، وأعمِّها فسادًا، وهي: الوسوسةُ التي هي بدايةُ الإرادة؛ فإن القلبَ يكون فارِغًا من الشرِّ والمعصِية، فيُوسوِسُ إليه ويُحسِّنُ له الشرُّ، ويُرِيه إيَّاه في صورةٍ حسنةٍ، ويُنشِّطُ إرادتَه لفعلِه، ويُقبِّحُ له الخيرَ ويُثبِّطُه عنه.
وهو دائمًا بهذه الحال يُوسوِسُ ويخنَسُ، ويجرِي من ابن آدم مجرَى الدم، كما ثبتَ في الصحيحين.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدم؛ فإذا سهَا وغفلَ وسوسَ، وإذا ذكرَ اللهَ خنَس". أي: هربَ وتراجَع.
والوسواسُ كما يكونُ من الجنِّ، يكونُ من الإنس، ولهذا قال تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، وفيه تذكيرٌ بخُطورة شياطين الإنس، وقلَّ من يتنبَّهُ لخُطورتهم، مع أن الله تعالى أمرَ نبيَّه في هذه السورةِ بالاستِعاذة من شرِّ نوعَي الشياطين: شياطين الإنس والجنِّ.
عباد الله: قراءةُ المُعوِّذتين تُشرعُ في كل وقتٍ، وتتأكَّدُ قراءتُهما في المواطن التي وردَت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنها: ما رواه عقبةُ بن عامر -رضي الله عنه- قال: "أمرني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقرأَ بالمُعوِّذات دُبُر كلِّ صلاة". أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وصحَّحه الحاكم وغيرُه.
ومنها: ما روَته عائشةُ -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أوَى إلى فِراشِه كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيه، ثم نفثَ فيهما فقرأَ فيهما: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق: 1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1]، ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسَده، يبدأُ بهما على رأسِه ووجهِه وما أقبلَ من جسَده، يفعلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ". أخرجه البخاري.
كما تُسنُّ قراءةُ المُعوِّذتين ثلاثًا في أذكار الصباح والمساء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن خُبيبٍ -رضي الله عنه-: "قل". قلتُ: ما أقول؟! قال: "(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، والمُعوِّذتين حين تُمسِي وتُصبِحُ ثلاث مرَّات، تكفيكَ من كل شيءٍ". أخرجه الإمامُ أحمد وأبو داود والترمذي -واللفظُ له-، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وصحَّحه النووي وغيرُه.
عباد الله: والمُعوِّذتان رُقيةٌ يرقِي بها المُسلمُ نفسَه، ويرقِي بها غيرَه؛ عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا اشتكَى يقرأُ على نفسِه بالمُعوِّذات وينفُث. قالت: فلما اشتدَّ وجعُه كنتُ أقرأُ عليه وأمسَحُ بيدِه رجاءَ بركتِها". متفق عليه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: "كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مرِضَ أحدٌ من أهلِه نفَثَ عليه بالمُعوِّذات".
بل إن المُعوِّذتين تُقرآن لتحصينِ النفسِ قبل نُزول البلاء؛ عن أبي سعيد -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوَّذُ من أعيُن الجانِّ وعين الإنسان، فلما نزلَت المُعوِّذتان أخذَ بهما وتركَ ما سِواهُما". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وجُملةُ ذلك: أن قراءةَ المُعوِّذتين تتأكَّدُ بعد الصلوات الخمسِ، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء، وللرُّقية وللتَّحصين.
نسأل الله تعالى أن يُعيذَنا جميعًا من الشُّرور والآثام، وأن يُعيذَنا من الفتن والأسقام.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، يُجيبُ من ناداه، ويُجيرُ المُستجيرَ بحِماه، ويُعيذُ العائِذَ بكنَفه ويحمِيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
وبعد:
أيها المسلمون: من اللطائِف في سُورة الفلق: أن الاستِعاذةَ في مُستهلِّها كانت بربِّ الفلق، والفلق هو الصُّبحُ؛ بل هو كل ما ينفلِقُ بالخير والبُشرى، وفي تخصيصِ الفلق بالذِّكر إيماءٌ بأن القادرَ على فلقِ الصُّبحِ وإزالَة ظلُمات الليل عن العالَم قادرٌ على أن يُزيلَ كلَّ ظلامٍ، وأن يرفعَ الظُّلمَ عن كل مظلومٍ. فلا يأسَ ولا قُنوطَ مع القويِّ القادِرِ: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) [الأنعام: 95].
والصُّبحُ يرمُزُ للأمل الذي يُولَدُ من رحِمِ المأساة، ويأتي الإصباحُ والإشراقُ بعد شدَّة الظلام، كما يأتي الفرَجُ إذا ضاقَت الأمورُ وبلغَت غايتَها، فهو هُتافٌ لليُسر والفرَج.
وهذا هو الذي نُؤمِّلُه ونرجُوه هذه الأيام، ومهما ضاقَت الحالُ على أهلِ سُوريا بُطغيان عدوِّهم، وتكالُب إخوانِه من أهلِ ملَّتِه في الخارِج، إلا أن صبرَ المُؤمنين وتعليقَ أملِهم بالله وحدَه بعد ما خذَلَتهم القُوَى التي تزعُمُ نُصرةَ الضعيف، وهي لا تنتصِرُ إلا لمصالِحِها.
ذلك مُؤذِنٌ بفرَجٍ -إن شاء الله- قريبٌ؛ فإن الفرَجَ مع الكرْبِ، وإن النصرَ مع الصبرِ، وإن مع العُسر يُسرًا.
والمطلوبُ هو صدقُ اللَّجوء إلى الله، والإكثارُ من الاستِغفار الذي هو من أهمِّ مفاتيح الفرَج، وتوحيدُ الكلمة، ونبذُ الخلاف. وإنما الشجاعةُ صبرُ ساعة.
وعلى المُسلمين القادِرين نصرُ إخوانهم -سيَّما الحُكَّام- فإن الناسَ لهم تبَعٌ، وفي الأمة خيرٌ كثيرٌ. فلا تألُوا جُهدًا في كفِّ العُدوان، وإيقافِ الفساد؛ فإن إسلامَ الأخِ أخاه في ساعة الشدَّة مُؤذِنٌ بعقوبةٍ عاجلةٍ ومُماثِلة، والدفعُ عن إخواننا في سُوريا دفعٌ للبلاء عنَّا في العاجِلة والآجِلة.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: محمدِ بن عبد الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين، اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم أصلِح أحوالَهم في مصر وفي كل مكان، واجمَعهم على الهدى، واكفِهم شِرارَهم، وأصلِح أحوالَهم.
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا، اللهم اجمَعهم على الحق والهُدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي