كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (2)

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. فضل الرفق وقيمته التربوية .
  2. ثمرات التعبُّد بالتربية واستحضار النية الحسنة فيها .
  3. اقتران النية الحسنة بتعليم الأبناء الأسباب الحميدة .
  4. إحياء مراقبة الله تعالى في قلوب الأبناء .
  5. الاعتدال في الظن بالأبناء .
  6. الاقتصاد في الوعظ والتوجيه. .

اقتباس

لقد كان الحديث في الجمعة الماضية عن أهمية تربية الأبناء, وذكرنا أهمّ قاعدةٍ في التربية, وهي بَرُّ الآباء. ونستكمل بعض القواعد والوسائلِ في التربية... ومن ربَّى أبناءه على قواعد صحيحة, وأساليبَ مدروسة فالغالب أن مقصودَهم من ذلك, أنْ يكون أبناؤهم متميزين دراسيًّا وسلوكيًّا, وأنْ يكونوا مُطيعين طيبين, وأنْ يَسلموا من شرِهم وأذاهُم, وهذه...

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإِنَّ أصْدقَ الْحَدِيثِ كلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وَكُلَّ ضلالةٍ في النار.

عباد الله: لقد كان الحديث في الجمعة الماضية عن أهمية تربية الأبناء, وذكرنا أهمّ قاعدةٍ في التربية, وهي برُّ الآباء.

ونستكمل بعض القواعد والوسائلِ في التربية, فمن ذلك: الرفق واللينُ في التعامل, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شيء إِلاَّ زَانَهُ, وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شيء إِلاَّ شَانَهُ" رواه مسلم.

فالرفق في كلِّ شيءٍ يَزينُه ويُصلحه, حتَّى في حال الغضب والعتاب, واللومِ والعقاب, وهذا يدل على أنه من أفضل ما تحلَّى به العبد, واسْتعمله في أموره كلِّها.

بل أوصى به عَائِشَة -رضي الله عنها- فقال: "يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ" رواه أحمد وصححه الألباني.

فقَرَن الرفق بتقوى الله -تعالى-؛ لأنه بالتقوى يُصلح ما بينه وبين الحق, وبالرفق يُصلح ما بينه وبين الخلق.

فحريٌّ بمن حُرم الرفقَ واللِّين أنْ يُحرَم الخير في دينه ودُنياه, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ" رواه مسلم.

والرِّفق: لين الجانب بالقول والفعل، والأَخذُ بالأَسهل، وهو ضد العنف، وهو الشدة والقسوة.

فصاحب الرفق يدرك حاجته أَو بعضها، وصاحب العنف لا يدركها، وإِن أَدركها فبمشقة، وحريٌّ أن لا تتم.

ومن القواعد والوسائل أيضاً: أنْ يكون هدف الْمُربي من تربيته لأبنائه: أنْ يكونوا صالحين مُصلحين, مُستقيمين لله طائعين, وأنَّه يريد إنقاذهم من النار, مُستحضراً أمر الله -تعالى- له بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة) [التحريم:6].

ومن كانت هذه نيته, وهذا مَقْصِده: فإن الله تعالى يُعينه ويسدده, وتَسْهُلُ عليه تربيته لأبنائه, فإنَّ مِن أعظم الأشياء التي تعين العبد: صلاح نيتِه ومقصدِه.

وأكثرُ الآباء يَغْفُلون عن هذه النية, ولا يَستحضرون معنى العبادة في تعاملهم وتربيتهم, فيُحرَمون خالص الأجر والثواب, ويُحرمون التوفيق والإعانة والسداد.

فهم يُربونهم بعشوائيةٍ وتخبُّط, حتى إنهم لا يستحضرون النية عند جلب الطعام والكساء لهم, وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ, وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ, وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ, وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ, أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ " رواه مسلم.

ومن ربَّى أبناءه على قواعد صحيحة, وأساليبَ مدروسة فالغالب أن مقصودَهم من ذلك, أنْ يكون أبناؤهم متميزين دراسيًّا وسلوكيًّا, وأنْ يكونوا مُطيعين طيبين, وأنْ يَسلموا من شرِهم وأذاهُم, وهذه النية لا تكفي؛ فأين نيتهم أن تكون تربيتهم لأجل الله؟ وأنْ يُعلموهم تعاليم الإسلام؟ وأنْ يُصلح الله بهم العباد والبلاد؟.

فحريٌّ بمن لم تكن هذه نيته أنْ لا يُعان, وأنْ يجد جُهداً وعنتاً في التربية, ولو نشؤوا كما أراد فلن يَعودوا عليه بالنَّفعِ والْبِرِّ الْعظيم, فرُبَّما اسْتقلّوا في كِبرهم, وانْشغلوا في عملهم, فإنْ أحسنوا إليه رأوه في السنة مرةً أو مرتين.

ولا تكفي النيةُ الصالحةُ وحدها في التربية, دون فعل الأسباب, ومن أعظم الأسباب: أنْ نُربِّيَهم ونُدرِّبهم على الأخلاق الحسنة, والآداب الطيبة, كأدب الاستئذان, وآداب الطعام والسلام, وزيارة الأقارب, وعيادة المرضى, واحترام الآخرين.

ونُربِّيهم ونُدرِّبهم على العبادات, كالصلاة والصيام والصدقة؛ فهذا واجبٌ على جميعِ الآباء والأمَّهات.

 قال ابن عمر -رضي الله عنه- لرجل: يا هذا، أحسن أدب ابنك؛ فإنك مسؤولٌ عنه, وهو مسؤولٌ عن برِّك. رواه ابن أبي الدنيا.

ومن القواعد والوسائل أيضاً: أنْ نُعودهم على مراقبة الله لا مراقبتِنا. فمن المعلوم -معاشر الآباء- أن الطفل والمراهق, سيحصل على الكثير من الحريات والامتيازات, في الوقت المعاصر، أكثرَ مما كان عليه الوالدان في السابق، وهذا ناتجٌ عن الْمُتغيرات والْمُستجدَّات, التي تحدث كلَّ يومٍ في الحياة.

 فأكثر أوقات الْمُراهق لا يكون فيها مُراقبا, فلا يُمكن للوالدين أنْ يُراقباه في مدرسته, وأثناءَ الزياراتِ العائلية, وخلالَ وجودِه مع الشبكةِ العنكبوتيةِ, ومع التلفاز, فلن ينفع إغلاقُ القنوات ولا الجوالات؛ لأن هذا العصر, عصرُ الانفتاح على العالم من حولنا.

فبدلاً من إخباره دوماً أننا نُراقبه, وأننا إذا علمنا عن أيِّ تصرفٍ سيِّءٍ يقوم به, سَنَمْنعه من الخروج, أو من الجوالِ وما شابه ذلك, فنحن جعلناه يُراقبنا, ويُثبت لنا أنه لا يقترف إثماً أو خطأً, وهو يستطيع فعل ذلك بكلِّ سهولةٍ, ونحن لن نتمكن من منعه مهما كان, إذن؛ فلماذا لا نُعلقه بالله؟ ونُخبره بأننا لن نطلع عليه, ولكنَّ الله وحده هو المطلع؟.

إننا إذا فعلنا ذلك فسنغرس في قلبه الخوف من الله, ومراقبتَه، والحياءَ منه.

وينبغي كذلك, أنْ لا نُبالغ في إحسان الظن بالأولاد, ولا إساءةِ الظنّ بهم, [قال الشيخ: محمد الحمد في كتابه: (التقصير في تربية الأبناء)]: "فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم؛ وذلك لفَرطِ ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلاً ولا صرفاً في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحدٌ منهم في بلية، أو انحرف عن الجادة السوية، ثم نُبِّه الأب عن ذلك؛ بدأ يدافع عنهم، ويلتمس المعاذير لهم، ويتهم مَن نبَّهه أو نصحه بالتهويل، والتَّعَجُّل، والتدخلِ فيما لا يعنيه.

وهناك من يسيء الظن بأولاده، ويبالغ في ذلك مبالغة تُخرجه عن طوره، فتجده يتهم نيَّاتِهِم، ولا يثق بهم أبداً، ويُشعرهم بأنه خلفهم في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، دون أن يتغاضى عن شيءٍ من هفواتهم وزلاتهم"

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:28].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق الْمُبين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الْمُصطفى الأمين, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.

 أما بعد: أيها المسلمون: ومن القواعد والوسائل أيضاً: أنْ لا نُكثر من الوعظ والتَّوجيه, فإن القلب يَمَلُّ ويَتَبَلَّدُ بكثرة الوعظ والتَّوجيه.

ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخوَّل أصحابه بالموعظة مخافة السآمة، ويراعي أوقات النشاط, واللحظات المناسبة في تذكيرهم, ولا يفعل ذلك كلَّ يوم.

والذين يكثرون التوجيه والنصح, يتحاشى أبناؤُهم الجلوس معهم, خوفاً من العتاب وكثرةِ التوجيه.

واعلم أنَّ أشدَّ مرحلةٍ, يكره فيها الابنُ النصائحَ المباشرةَ من والديَه, هي مرحلة المراهقة، وكثيرٌ من الآباء يُكثرون من النصائح والتوجيهات حال جلوسهم مع أبنائهم، فالأب الفطن الْمربي هو الذي يكون كلامه معهم مختصرًا, وبأهدافٍ مُحدَّدة.

نسأل الله تعالى, أنْ يبارك في أهلِنا وأولادنا, وأنْ يُقرَّ أعيُنَنَا بصلاحهم ويهدايَتِهم, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.

كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (1)

كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (3)

كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (4)

كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (5)


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي