إنه لو لم يسخّر لنا الله المطر، ولم يسق به هذه الأرض، لانتهى أمرنا، وانعدم زرعنا، وماتت بهائمنا التي منها نفعنا قال...فلنحمد الله كثيرا أيها المسلمون، ولا ننسب النعمة لغير المنعم، فلا ننسب نعمة المطر لغير الله كما يفعل البعض من أبناء جلدتنا بقولهم: جادت علينا الطبيعة بالمطر، أو غضبت...
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أما بعد: أيها المسلمون والمسلمات...
إن الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي مظهر من مظاهر رحمة الله القائل في محكم التنزيل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء:30].
يشربه الإنسان فيروي عطشه، ويستعمله وسيلة لإيجاد طعامه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:99]؛ فالشكر لله!.
والماء أيها -المؤمنون- وسيلة لوجود حدائق حولنا تبتهج لها النفوس، قال تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا) [النمل:60]؛ فالشكر لله!.
والمطر -أيها المؤمنون- علامة لرحمة الله بنا، يُدخل به علينا الفرح، ويدفع به عنا اليأس والقنوط؛ فشكرا لله الذي قال: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].
ويسألنا الله عز وجل عن مصدر هذا المطر فيقول: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70]. فهل تنسينا النعمة شكر المنعم؟.
أيها المؤمنون: إنه لو لم يسخّر لنا الله المطر، ولم يسق به هذه الأرض، لانتهى أمرنا، وانعدم زرعنا، وماتت بهائمنا التي منها نفعنا، قال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة:27]؛ فشكرا لله!.
ومن أعظم منافع الماء لك أيها الإنسان استخدامه في حاجاتك اليومية: في المطبخ، والطهارة للعبادة، وحسن المظهر الموصل إلى مرضاة الله، (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان:48]؛ فالشكر لله!.
والمطر -أيها المسلمون- علامة لغفران الذنوب، وتأملوا قول الذي ينزل الغيث: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) [نوح:10-11]، (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52].
وتأملوا -أيها المسلمون-، مع الشكر لصاحب الأمر، تأملوا أن من لطيف قدرة الله ورأفته ورحمته بعباده أن الأمطار تهطل على شكل قطرات، ولو أنزل الله علينا المطر دفعة واحدة لأتلف حياتنا وأنفسنا وما نملك... ؛ فالشكر لله!.
ولنحذر معشر المسلمين! فكما أن المطر رحمة من الله فإنه كذلك جندي مطيع لله من جنود رب العالمين التي لا يعلمها إلا هو، يسلطها متى شاء على العصاة والمذنبين من عباده الكافرين.
فدعوة نوح -عليه السلام- لقومه والتي دامت ألف سنة إلا خمسين عاما، واجهها القوم بالإعراض والتكذيب والعناد، فكان المطر حربا عليهم ونقمة لا رحمة ونعمة؛ قال تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر:11-12]، لا اله إلا الله محمد رسول الله! فشكرا لله! ماذا كان مصير قوم نوح؟ الغرق!.
فلنحمد الله كثيرا أيها المسلمون، ولا ننسب النعمة لغير المنعم، فلا ننسب نعمة المطر لغير الله كما يفعل البعض من أبناء جلدتنا بقولهم: جادت علينا الطبيعة بالمطر، أو غضبت الطبيعة بالفيضان.
ولنقرأ في السيرة العطرة أنه بعد ليلة ممطرة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما مَن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوءِ كذا أو كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". فقد كان أهل الجاهلية يظنون أن المطر منحة من كوكب اسمه: نوء.
ونستنكر من على هذا المنبر ما يقوم به بعض المستهترين من سائقي السيارات المسرعة التي يقودونها فوق برك تجمُّع ماء المطر، في حفر الطرقات المغشوشة، فيؤذون المارة من بني البشر، ويرشون أجسامهم وثيابهم بما على الأرض من القاذورات. فلا نحول نعمة الله من المطر والماء إلى نقمة.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلب خير ونفع الريح والمطر بقوله: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به".
وإذا رأى المطر قال: "اللهم صيبا نافعا".
نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله حمدا كثيرا على ما أسداه من النعم...
أيها الإخوة المسلمون: لا بد أن نقف هذه الأيام ونحن نعيش أيام الخير والرحمات والبركات، على حقيقة يغفل عنها الكثيرون، وهي: هل نستحق هذه النعمة و هذه الرحمة؟.
وهل يصدق علينا قول ربنا سبحانه: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16]؟
فهل استقمنا فعلا على طريق الهدى قولا وعملا؟ هل استقامت أحوالنا حتى نستحق هذا الفضل الكثير؟ أم أننا مذنبون، عصاة، مقصرون؟ فما السر إذن لإرسال هذه الرحمة؟.
اسمعوا قول حبيبنا: "لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم ما أمطروا".
فلولا رحمة الله بنا وببهائمنا، ما رأينا هذا الخير.
فلنشكر الله -أيها المؤمنون- كما علمنا رسول الله، فقد كان يقول: "مطرنا بفضل الله ورحمته"، وكان إذا نزل المطر وخشي منه الضرر دعا بقوله: "اللهم حوالينا ولا علينا".
وإذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته!".
واعلموا أيها المؤمنون أن الدعاء عند نزول الغيث مستجاب. قال: اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول المطر.
فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا في مستوى شكر نعمتك، وطهر اللهم قلوبنا -كما طهرت الأرض بالمطر- من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة.
وأغننا اللهم بالقناعة والعلم، وزيِّن أقوالنا وأفعالنا بالحلم.
اللهم إنا نعوذ بك من خليل ماكر، عيناه ترقبنا وقلبه يرعانا، إن رأى حسنة دفنها وأن رأى سيئة أذاعها.
اللهم اجعل بلدنا الحبيب هذا وسائر بلاد المسلمين في دوام الأمن والاستقرار، وافضح اللهم كل مفسد فتان، وأشغله بنفسه.
ووحد اللهم صف المسلمين على الصلاح، واشف أمراض شباب الأمة، وأعنهم على الاستقامة يا ذا الجلال والإكرام.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي