قال بعض المحققين: حسن الخلق يكون على أربعة أركان: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل؛ فالصبر يحمله على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، وعدم الطيش والعجلة. والعفة تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول. والشجاعة تحمله على عزة النفس وقوتها. والعدل يحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه فيها بلا...
الحمد لله الرب العظيم، الرؤوف الرحيم، ذي الفضل العظيم والإحسان العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم القويم.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه، واعملوا بطاعته ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عباد الله: إن من أعلى المنازل وأعظم الدرجات منزلة حسن الخلق، وقد ورد في عظم هذه المنزلة آيات كثيرة في كتاب الله جلا وعلا، وأحاديث كثيرة في سنة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
فمن الكتاب العزيز: قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وقوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]، وقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34].
ومن السنة أحاديث كثيرة، من ذلك: عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا. متفق عليه.
وجاء عند مسلم أن هشام بن حكيم سأل عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت:" كان خلقه القرآن".
وعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقا" متفق عليه.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق"، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: "الفم، والفرج" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" رواه أبو داود.
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" حديث صحيح رواه أبو داود.
وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون"، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ففي ما تقدم من الآيات والأحاديث بيان لعظم هذه المنزلة، فالدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- حول قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، أي: لعلى دين عظيم. وقال الحسن- رحمه الله-: هو آداب القرآن. وقال قتادة- رحمه الله-: ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله.
وقد جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: أن يكون كثير الحياء، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، بارا، وصولا، رضيا شكورا، حليما، رفيقا، عفيفا، شفوقا، غير لعّان، ولا سبّاب، ولا نمام، ولا شتّام، ولا مغتاب، ولا عجول، ولا حقود، ولا بخيل، هشاش، بشاش، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى لله، ويبغض لله.
نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة سيد المرسلين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الملك القهار، العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين الأبرار، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار.
أما بعد: فمن كمال حسن الخلق أن تعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتجعل كبير المسلمين بمنزلة أبيك، وصغيرهم بمنزلة ابنك، ونظيرهم محل أخيك.
قال الفضيل بن عياض- رحمه الله-: "لأن يصحبني فاجر حسن الخلق خير لي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق".
قال بعض المحققين: حسن الخلق يكون على أربعة أركان: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل؛ فالصبر يحمله على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، وعدم الطيش والعجلة. والعفة تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول. والشجاعة تحمله على عزة النفس وقوتها. والعدل يحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه فيها بلا إفراط ولا تفريط.
قال ابن القيم- رحمه الله-: ومنشأ جميع الأخلاق السافلة ونماؤها على أربعة أركان: الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب؛ فالجهل يُريه الحسن في صورة القبيح، والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، والشهوة تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة، والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعداوة.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن خير الحديث كتاب الله، وأن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة.
وصلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي