الثورة الإيرانية قبل خمسة وثلاثين عامًا، وبقوة النظام والسلطان، قبلت بعض المفاهيم في الفكر الشيعي، وأدخلت تعديلًا -وليس تغييرًا- في النظرة الشيعية، أمْلتها الظروف، وغذتها الأهواء، وفرضتها براجماتا السياسة كما يقال، وهي أن للفقيه ولايةً مطلقة للتصرف بالنيابة عن الإمام المعصوم في غيابه، فامتزجت السياسة بالأهداف الرئيسية الكبرى لحركة الرفض، وولدت ممارساتٍ طابع الكثير منها يعتمد العنف.
أما بعد: خلال العقود الثلاثةِ الماضيةِ صدرت صيحات ونذر، وتحذيرات من الغيورين، والمعنيين بالدعوة والإصلاح، وممن لديهم خبرةٌ ومعرفة وسبرٌ لعقيدة الرافضة.
ولا يزال يتجدد، وعبر منابر مختلفة: كتبٍ ورسائلَ ومقالات وخطابات وخطب ولقاءات وندوات.
وكان قد سبق ذلك دعواتٌ للتقارب مع الرافضة عام ثمانية وستين وثلاثمائة وألف بعد الهجرة، أي: قبل خمس وستين سنة، تبنتها بعض الجهات الشرعية لأهل السنة، وتم ذلك، وأنشئ لهذا الغرض دار في أكبر العواصم الإسلامية القاهرة، تُعنى بهذا الأمر.
ومن الغريب واللافت للنظر أن الذي ينفق على تلك الدار دولة إيران من ميزانيتها الرسمية! مما يؤكد أن لها هدفًا مبطنًا حقيقته ليس التقارب، وإنما نشر المذهب الشيعي في أوساط السنة! وإلا؛ لماذا لم يختاروا مقر الدار في طهران أو قم أو النجف ونحوها ما داموا ينفقون عليها من أموالهم؟!.
أيها المسلمون: الفكر الرافضي يعتمد عقائد يغذي بها أفراده:
أولاها: الشعور بالمظلومية؛ من أجل أن يظل دافعًا لهم للبحث عن حقوقهم! وما حقوقهم تلك؟ الثأر لدم الحسين؟ وممن يثأرون، وقتلته ماتوا منذ عشرات القرون؟!.
وثانيها (مما يغذي الفكر الرافضي): أن أي سلطة سياسية تحكم فليس لها شرعية عندهم أبدًا في غياب الإمام المعصوم، وهي راية ضلال! وعليه، فإن هذه الهوية ستظل مناهضة لأي سلطة ونظام مهما كان إذا قدروا على التحرك.
ومن هنا يجب على الدارسين، بل على كل من يهمه الأمر، أن يتعامل مع الفكر الرافضي مراعيًا عقيدتهم المذكورة آنفًا، حتى تؤتي الجهودُ المحشودة للتصدي للمد الرافضي أُكلَها.
وفي المقابل؛ فإن إهمالَ ذلك، أو التغافلَ عنه، واعتمادَ النظرة السياسية المجردة المبنية على المصالح المادية وعلى تقارير أجهزة معينة يجذّر المشكلة، ويعمقها.
والحال القائم خير شاهد ودليل؛ فالجميع يلاحظُ تصاعدَ وتيرةِ الرفض، والنشاطِ الرافضي، وارتفاع سقف مطالبهم، وجرأتهم في ذلك، إلى درجة أن فصائل منهم حملت السلاح وأطلقت النار؛ فمهما نالوا من التكريم وأعطوا من التنازلات فلن تتوقف مطالبهم، ما دام أنها تُشحن ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا.
معشر الأفاضل: الثورة الإيرانية قبل خمسة وثلاثين عامًا، وبقوة النظام والسلطان، قبلت بعض المفاهيم في الفكر الشيعي، وأدخلت تعديلًا -وليس تغييرًا- في النظرة الشيعية، أمْلتها الظروف، وغذتها الأهواء، وفرضتها براجماتا السياسة كما يقال، وهي أن للفقيه ولايةً مطلقة للتصرف بالنيابة عن الإمام المعصوم في غيابه، فامتزجت السياسة بالأهداف الرئيسية الكبرى لحركة الرفض، وولدت ممارساتٍ طابع الكثير منها يعتمد العنف.
وهذا التوجه المعاصر ابتدعه الخميني، وإن كان مسبوقًا إليه من بعض علماء الشيعة، وهو ليس محل إجماعٍ، بل ولا حتى اتفاقٍ لدى المرجعيات الشيعية، لكنه حاليًا هو التوجه الأعلى صوتًا، والأقوى صولة.
ولعل ما جرى في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة وما يجري هذه الأيام من دخول منظماتٍ شيعيةٍ صراعاتٍ إقليميةً، وأضحت تلك المنظمات رقمًا يحسب له حسابه، خاصة وأنها مدعومةٌ من الغرب واليهود، والقبض بين فينة وأخرى على شبكات تخريبيةٍ أو تجسسيةٍ يندرج في المعنى المذكور، أو يصب في السياق المشار إليه.
والمهم في هذا الشأن، أو الأهم، أن يُعتمد خيارُ دعوةِ أولئك الأقوام إلى دين الإسلام الصحيح؛ إنقاذًا لهم من براثن البدع وظلمات الشرك، واللهثِ وراءَ سراب السياسة الضالة، وقيامًا بواجب الدعوة والبلاغ لدين الله تعالى.
يتعين ذلك على الجهات الرسمية، والجمعيات الدعوية والإغاثية والخيرية، أن تقوم وتنهض بهذه الفريضة.
وقد لمس المهتمون بهذا الشأن ورأوا كيف أثرت الجهود الدعوية الموجهة إلى أولئك، فأدخلت أعدادًا منهم مذهب أهل السنة، وحيّدت آخرين، ولن تزال آثارها تؤتي أكلها ما ظلت الدعوة نشطةً، وبلغةٍ يفهمها أولئك، خاصة إذا علمنا أن نسبة الشيعة بمختلف طوائفهم وتوجهاتهم العقدية والفكرية إلى أعداد المسلمين غيرهم في العالم كله، يتراوح بين عشرة إلى خمس عشرة بالمائة فقط، والباقي كلهم سنة، فلماذا نهن ونحزن، ونحن الأعلون؟.
اللهم رب جبرائيل...
الحمد لله، ينصر من ينصره، وهو القوي العزيز، وأشهد أن لا إله إلا الله، الحكيم، العليم، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ورضي الله عن التابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فلقد تمكنت السياسة من الإخلال بالهدف الرافضي البعيد، وتعويقه؛ وهدفُهم البعيد: هدم الإسلام، وزرعُ بذور الشك والنفاق في المجتمعات الإسلامية.
وهذا الهدف هو الذي قامت من أجله حركات الرفض – كذراع من أذرع النفاق – منذ نشأتها على يد اليهودي عبد الله بن سبأ الذي تظاهر باعتناقه الإسلام أيامَ الخلفاء الراشدين، وعمل جاهدًا أن يظل الفكر الرافضي، والعقيدة الرافضية -كما الفكر والعقيدة عند اليهود- متفرغًا لنفث السموم، بعيدًا عن الدخول المباشر في السياسة لئلا تشغلهم، وتستنزف طاقاتهم، وتثير الآخرين ضدهم.
خصص إبليس لهم أدوارًا ليلعبوها، ووظائفَ وواجباتٍ ليؤدوها، لكن الجرعة ربما كانت قوية، فهيجتهم لإثارة مطالب تنادي بالانفصال، أو تكوين وطن مستقل لهم.
وأعلنت أقلام وأفواه منهم ولاءَهم الصريح لإيران وآيات قم، واستقووا بها على الدول التي ينتمون إليها!.
عباد الله: علينا نحن المسلمين، أهلَ السنة والجماعة، أتباعَ محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أن نعود إلى أصول ديننا، ونتمسكَ به، ونفخرَ بالانتماء إليه، والاعتزاز بهويتنا.
ولا يقتصر موقفنا على الدفاع دائمًا، فالمدافع ضعيف، وأعداؤنا كثيرون، والمتربصون بنا ينشطون متى علموا ضعفنا، ولن يرحمونا.
علينا أن نعي أن الانسياق والتأثر بموجات التغريب، والاستجابة لهم، أو الضعفَ في مقاومتها والتصدي لها، يفقدنا هويتنا، ويقطع الحبل بيننا وبين الله تعالى القوي المتين.
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي