هذا العالم المخوف الراعب جعل كثيرًا من الناس وهم يرون ما حل بغيرهم من القتل والتشريد ينظرون نظرة قاتمة لمستقبل مجهول مأزوم، يخافون أن تنزل بهم العقوبات، وتحل بهم المثلات، ولن ينجيهم من خطر ذلك، أو يثبتهم فيه إلا الله تعالى؛ فإنه مالك الملك، مدبر الأمر، مقلب القلوب. مرت الشدائد والمحن بأفاضل البشر فقابلوها بالتوكل واليقين، والثبات على الحق المبين، وقد سطر رسل الله تعالى في تحقيق التوكل ما يجل عن الوصف؛ لثقتهم بالله تعالى، ويقينهم به، وعلمهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، فكانت عاقبة أمرهم فلاحًا وفوزًا.
الحمد لله العليم القدير، العزيز الحكيم؛ خلق خلقه فابتلاهم، وجعل حاجتهم إليه فكفاهم، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، أعطانا ما سألنا وما لم نسأل، ودفع عنا ما حذرنا وما لم نحذر، ونعمه فينا لا تحصى ولا تعد، وألطافه بنا لا تحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أمضى قدره في خلقه بعلمه وحكمته، ولا يخرج شيء عن إرادته وفعله: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:2]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وأفضل الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأنيبوا له وأسلموا، ولوذوا به واعتصموا، واعتمدوا عليه وتوكلوا؛ فإن الإيمان جنة المؤمن، وإن الإنابة برهان الصدق، وإن التوكل حرز وحصن: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159].
أيها الناس: في أحوال الفتن التي تموج موج البحر، وعندما يختلط على الناس الأمر، وحينما يحسون بخطر قادم، أو يشعرون بمكر عدو غاشم؛ فإنه لا معاذ لهم إلا الله تعالى، ولا حول لهم ولا قوة إلا به سبحانه. فلا قوة لهم من دون الله تعالى تنفع، ولا حلفاء يركنون لهم فيغنون عنهم من الله تعالى شيئًا؛ فإن البشر أهل ظلم وأثره، والساسة أهل مكر وخديعة، فكيف إذا كان النظام العالمي السياسي اليوم لا مكان فيه للدين والأخلاق، إن هي إلا المصالح فقط. ولا عجب والحال هذه أن نرى تبدل المواقف، وتحول التحالفات، وانقلاب الصداقات إلى عداوات، وقد أبصرنا ذلك وعشناه في كثير من الأزمات والمشكلات.
إن العالم اليوم مليء بالمشكلات المعقدة، ورياح الفتن والمحن تهز أركان الدول والأمم، والبؤر المتحركة المشتعلة أكثر من الساكنة، وهي تزيد ولا تنقص، ويزداد اشتعالها يومًا بعد يوم حتى ليُخشى من بركان مدمر يغير خرائط الدول، ويفني كمًّا كبيرًا من البشر، وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فتن في آخر الزمان تدع الحليم حيران، وعن قتل في الناس ذريع، وعن تمنٍّ للموت من شدة المحن والفتن وعظيم الابتلاء.
إن عالم اليوم ليس كعالم الأمس، إنه عالم تتفاقم فيه المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، عالم تزداد فيه المعاصي الموجبة للعقوبات، عالم تتسيده المصالح، وتغيب عنه الرحمة، عالم أضحى فيه البشر وحوشًا في صور أناسي، فلا تتحرك قلوبهم بمشاهد القتل والسحل والتعذيب التي تصلهم في بيوتهم، عالم قست فيه القلوب، وفسدت النفوس، وضعفت الديانة، وتلاشت الأخلاق، عالم يزحف نحو ملاحم آخر الزمان.
هذا العالم المخوف الراعب جعل كثيرًا من الناس وهم يرون ما حل بغيرهم من القتل والتشريد ينظرون نظرة قاتمة لمستقبل مجهول مأزوم، يخافون أن تنزل بهم العقوبات، وتحل بهم المثلات، ولن ينجيهم من خطر ذلك، أو يثبتهم فيه إلا الله تعالى؛ فإنه مالك الملك، مدبر الأمر، مقلب القلوب.
مرت الشدائد والمحن بأفاضل البشر فقابلوها بالتوكل واليقين، والثبات على الحق المبين، وقد سطر رسل الله تعالى في تحقيق التوكل ما يجل عن الوصف؛ لثقتهم بالله تعالى، ويقينهم به، وعلمهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، فكانت عاقبة أمرهم فلاحًا وفوزًا.
مكث نوح في قومه قرونًا تباعًا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدًا عظيمًا، ومكروا مكرًا كبارًا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71]، يا لها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم.
ولما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود:55-56].
وتبرأ الخليل -عليه السلام- من شرك قومه، وهو يعلم ما قد أضمروه من الشر له، وما قصدوه من البطش به، ولم يكن له سلاح يواجه كيدهم به إلا التوكل على الله تعالى؛ فقال -عليه السلام- داعيًا ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [الممتحنة:4]. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله: حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:69-70]، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته.
ولما ألمت بيعقوب -عليه السلام- الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ لم يكن له مفزع يفزع إليه إلا الله تعالى، فألقى عن كاهله حمله، وأخلص لله تعالى قلبه، وملأه بالتوكل واليقين، وقال بحزم وعزم، ويقين وتصديق: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.
وقابل شعيب -عليه السلام- تكذيب قومه وصدودهم وتهديدهم بإعلان التوكل على الله تعالى، فقال -عليه السلام-: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا) [الأعراف:89]، وقال أيضًا: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
وبالتوكل واجه الكليم أعتى طاغية ادعى الربوبية، وعبّد لذاته كل البشرية، وامتحن الناس على ذلك بالقتل والتعذيب، حتى مسّ المؤمنين منه بلاء شديد، وأصابهم كرب عظيم، فدعاهم موسى -عليه السلام- للتوكل حصنًا يتحصنون به من الفتنة، وطوقًا ينجون به في شدة البلوى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ) [يونس:84-86]، فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم.
وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعًا توكلهم على الله تعالى، وقالوا مستنكرين على المشركين: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].
إن التوكل حالة إيمانية يستسلم فيها القلب لله تعالى، ويسلم الأمر إليه، ويفوضه له، ويعتمد عليه، ويتبرأ من حوله وطوله وقوته، ومن البشر أجمعين، فتسكن نفسه بالتوكل، ويطمئن قلبه، ويزول الخوف، فكيف يخاف قلب ليس فيه مكان لمخلوق، قد عمر بتعظيم الخالق وعبوديته والاستكانة له، والتضرع إليه؟!
وأما نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ما أعظمه من أمر رباني بالتوكل، قد علّل بأن المتوكَّل عليه حي لا يموت، فكم من بشر توكلوا على بشر مثلهم فماتوا!! توكل ملأ فرعون وجنده على فرعون وقوته فغرق أمامهم، وتوكل موسى والمؤمنون معه على الحي الذي لا يموت فنجاهم، وتوكل ملأ من الناس في عصرنا على زعماء كانوا يملكون من السلطة والبطش والقوة ما ظن معه الأتباع أنهم يخلدون، فأزيحوا من عروشهم أذلة صاغرين فمنهم من قتل أمام ملئه، ومنهم من حبس، ومنهم من هرب، وبقي للمتوكلين على الله تعالى ربهم ومليكهم، حي لا يموت، قوي لا يهزم، قدير لا يقهر، فسبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة!!
وموافقةً لآية التوكل على الحي الذي لا يموت كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ". رواه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَ الأَمِيرَ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَبَكَى الرَّبِيعُ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْ أَخِي: اقْصِدْ إِلَى اللَّهِ فِي أَمْرِكَ تَجِدْهُ سَرِيعًا قَرِيبًا، فَإِنِّي مَا ظَاهَرْتُ أَحَدًا فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ إِلَّا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَأَجِدُهُ كَرِيمًا قَرِيبًا لِمَنْ قَصَدَهُ وَأَرَادَهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ) [الزُّمر:38].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطَّلاق:3].
أيها المسلمون: ينشأ التوكل على الله تعالى في قلب العبد إذا قدّم دينه على دنياه، فكان دينه في نفسه أعز ما يملك، فبذل دونه كل شيء، فهذا يرزق التوكل، وينجو من الفتن. وأما مفتون القلب الذي يبذل دينه لأجل دنياه، ويعتمد على قوة البشر من دون الله تعالى، فحري أن يخذل ويذل ويهان، ويحيط به الخوف من كل مكان، وفي مصارع المبدلين لدين الله تعالى آيات للموقنين.
إن من الناس من يضعف أمام قوة الكفار والمنافقين وجبروتهم، فيبدل دين الله تعالى خوفًا من سطوتهم، أو طلبًا لحظوتهم، فهذا قد جعل بينه وبين التوكل مفازًا عظيمًا، وهو مع بيعه لدينه سيفقد دنياه، ولو بدا للناس غير ذلك.
تأملوا أمر الله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- حين قال له: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ) [النمل:79]، لتعلموا أن الدين الحق هو أغلى ما يملك العبد فلا تنازل عنه، ولا مساومة على الحق، ولا ضعف في تبليغه والصدع به، مع التسلح بالتوكل على الله تعالى.
وفي غزوة الأحزاب حين اجتمعت أمم الكفر على أهل الإيمان، وتآزر الكفر مع النفاق، في حال يشبه حالنا اليوم، ما أمر الله تعالى المؤمنين بغير التوكل عليه سبحانه، ولم يرخص لهم في ترك شيء من دينهم، فنهاهم عن طاعة الكفار والمنافقين بخطاب حاسم جازم واضح جلي، أعقبه بالأمر باتباع الوحي وعدم ترك شيء منه، ثم ثلّث بالأمر بالتوكل عليه سبحانه؛ وهذا يدل على أن أخذ عزائم الدين وتبليغه ومواجهة الكفار والمنافقين لا يقوم بها إلا المتوكلون: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا) [الأحزاب:1-3].
ما أحوج أهل الإيمان في هذا الزمن إلى الترنم بهذه الآيات الكريمات، وكثرة ترديدها، وقراءة تفسيرها، وفهم معانيها، والعمل بها!! ما أحوجهم إلى ذلك في زمن اجتمع عليهم فيه الكفار والمنافقون يريدون تبديل دينهم، ومسخ شريعتهم، وإفساد مجتمعاتهم، وجرهم إلى الإلحاد والفساد، وفرض ذلك عليهم بقوة القرار السياسي، والخنق الاقتصادي، والتدخل العسكري.
وفي وسط السورة الكريمة يؤكد الله تعالى هذا النهي والأمر، النهي عن طاعة الكفار والمنافقين، والأمر بالتوكل عليه سبحانه: (وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا) [الأحزاب:48]، فهذه عزيمة لا رخصة فيها، ولا عذر لأحد في التخاذل عن القيام بها؛ فإن طاعة الكفار والمنافقين تركس أصحابها في الذل والمهانة والتبعية، وتوجب لهم العقوبة العاجلة والآجلة، والتوكل على الله تعالى يقتضي الثبات على الحق وإن كان أهله قلة مستضامين، ومقارعة الباطل وإن كان أصحابه كثرة متسلطين، وما أشبه مقولات منافقي اليوم بمقولات منافقي الأمس!! ولا مواجهة لها إلا بالتوكل على الله تعالى؛ فهو سبحانه يعز من يشاء، ويذل من يشاء: (إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:49].
وصلوا وسلموا على نبيكم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي