اليوم نتكلم إن شاء الله -تعالى- على أساليب الدعوة، على أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه من المهم أن نعرف: ما هي الوسائل؟ ما الذي يجوز من الوسائل؟ وما الذي لا يجوز؟ وما هي الوسيلة النافعة؟ وما هي الوسيلة التي ضررها أكبر من نفعها؟.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً.
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) . [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإنه من المعلوم لدينا جميعاً أن هذه الأمة المحمدية اختارها الله -سبحانه وتعالى- واصطفاها من بين سائر الأمم، فهي خير الأمم التي أخرجت للناس.
وهي توفي سبعين أمة هي خيرها، وأكرمها على الله -سبحانه وتعالى-؛ كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله".
وأن هذه الأمة هي آخر الأمم وجوداً، وهي أول الأمم بعثاً وحشراً ودخولاً الجنة، وأن هذه الأمة يدخل منها ثمانون صفاً الجنة من مجموع مائة وعشرين صفاً، وأن هذه الأمة يوجد فيها ما لا يوجد في غيرها من العلماء والشهداء والسابقين إلى الخيرات والسابقين إلى كل خير.
ويوجد فيها من المزايا ما لا يوجد في غيرها؛ وما ذلك إلا بسبب ما تحملته هذه الأمة من أداء الرسالة الخالدة ألا وهي رسالة الإسلام، فهي خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله -سبحانه وتعالى-، قال جلّ جلاله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، فكل من اتبعه وادعى أنه مسلم وادعى أنه تبع للرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فعليه أن يكون داعياً إلى الله.
وبهذا يتعين أن هذه الأمة -ولله الحمد- لا يزال فيها رجال، ولا يزال فيها علماء، ولا يزال فيها دعاة إلى الله -سبحانه وتعالى- بالرغم مما وصلت إليه من تأخر ومن إعراض عن رسالة الله -سبحانه وتعالى- وعن القرآن و السنة، وتلقيها لدعوات أخرى جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان، فإن الله -جلّ جلاله- لا يزال يغرس في هذه الأمة غرساً، ولا يزال يزرع فيها زرعاً يستعملهم في طاعته.
ففي الوقت الذي يتأسف فيه من حالة العرب ومن حالة هذه الأمة، حيث استبدلوا برسالة الإسلام رسالة الاشتراكية، أو العلمانية، أو الإلحادية، أو رسالة القومية، عندما تسمع هذه الدعوات وعندما تسمع هذه المناهج، والدعوة إلى الإلحاد، لا يزال صوت الإسلام يدوي، ولا يزال صوت الحق يدوي في كل بلد، ولا يزال الفكر العام أو الفكر المسيطر في الساحة المسلَّم به الذي لا يعارض إلا من قبل الزنادقة والملحدين، هو الفكر الإسلامي، هو المنهج الإسلامي، هو الأطروحات الإسلامية.
فهذه الرسالة الاشتراكية لا يستطيع حملتها أن يعرضوها للناس باعتبارها مذهباً إلحادياً كفرياً يتعارض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، وإنما يحاولون بقدر الإمكان أن يلبسوها ثوب الإسلام، وأنها من الإسلام، وأنها من هذا الدين، وأنها تعني العدالة، وأنها تعني الرحمة.
أيّ رحمة يا أصحاب الأحداث المشهورة، يا أصحاب الوقائع المشهورة، حيث قتل بعضكم بعضاً، وأكل بعضكم بعضاً؟! وحيث تشتكي الشعوب من ظلمكم ومن سيطرتكم على كل موارد الأمور ومصادرها.
وأهدافهم التي قاموا من أجلها تتضمن ثلاثة أمور: الحرية، والاشتراكية، والوحدة.
والحرية عندهم ليست الحرية الإسلامية -أي الحرية التي في الإسلام: أن يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويخرج الناس من عبادة القوانين والدساتير الوضعية وعبادة الحزب الواحد وعبادة الطاغوت، وعبادة الرجل المستبد إلى عبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده، لا يقصدون بذلك هذا المعنى- وإنما يقصدون بالحرية: الخروج عن الدين، عن عقيدة الإسلام، إلى المذاهب والأفكار الإلحادية.
ويقصدون بالاشتراكية: الاشتراكية العالمية، وهي بذلك تلتقي مع الشيوعية الاشتراكية، إلا أن الشيوعية أممية، أما البعض منهم فهو في الأمة العربية، ويدعو في وسط الأمة العربية ومحيط العرب فقط، وليست رسالة عالمية كالاشتراكية والشيوعية، فهذا هو الفرق.
ويقصدون بالوحدة: أن يتحد العرب من حيث هم، بغض النظر عن أديانهم وعقائدهم، بغض النظر عن اختلاف مذاهبهم ومناهجهم! ألا وهم القائلون:
سلامٌ على كُفْرٍ يُوَحِّدُ بيننا *** وأهلاً وسهلاً بَعْدَهُ بِجَهَنَّمِ
فيقصدون ويحاولون أن يجمعوا بين المستحيل! ليلتقي اليهودي والنصراني والملحد والمسلم في بوتقة واحدة، وهذا محال! قال الله -سبحانه وتعالى-: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
فللاشتراكية رسالة، وللبعث رسالة، وللقومين رسالة، وللعلمانين رسالة، وللديمقراطيين رسالة، وللإسلام رسالة هو بريء كل البراء من هذه المناهج والأفكار، ومن حاول أن يخلط بينها فإنه كمن يخلط بين الخل والعسل، وبين لحم الخنزير وبين لحم المعز والضأن وما أباحه الله -تعالى- من الطيبات.
من حاول أن يخلط بين هذه المناهج وبين الإسلام فإنما يحاول بصريح العبارة أن يوفق بين اليهودية وأشد منها وبين دين محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-!.
وقد تكلمنا في مواقف سابقة وفي خطب سابقة عن صفات الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى-، ومن صفات الدعاة إلى الله كونهم ممن يجب عليهم الإخلاص، و كونهم من أهل العلم، أن يعرفوا ما هو المعروف، ويعرفوا ما هو المنكر، ويعرفوا ما هو الحق، ويعرفوا ما هو الباطل.
أيها المسلمون: اليوم نتكلم إن شاء الله -تعالى- على أساليب الدعوة، على أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه من المهم أن نعرف: ما هي الوسائل؟ ما الذي يجوز من الوسائل؟ وما الذي لا يجوز؟ وما هي الوسيلة النافعة؟ وما هي الوسيلة التي ضررها أكبر من نفعها؟.
فإن الله -سبحانه وتعالى- قد عاب على قوم من المشركين كان مقصدهم إرضاء الله -أي مقصدهم يتقربون إلى الله -تعالى-؛ ولكنهم اتخذوا وسائل غير شرعية، ووسائل قضت على الغاية، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ) [يونس:18].
وقال -سبحانه وتعالى-: (تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزُّمر:1-2]، يشرح فيه الوسائل مما يجوز وما لا يجوز، قال -تعالى-: (أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى..) [الزُّمر:3] يعني، لسان حالهم يقول: إننا لم نتخذ هؤلاء إلا وسائل ليقربونا إلى الله زلفى، فالغاية هي التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-, والوسيلة هي اتخاذ الوسائط والوسائل المحرمة التي ما أذن الله بها، فوقعوا في الشرك.
فلهذا ربما يقع بعض الدعاة اليوم في الشرك؛ هدفه وغايته إرضاء الله -سبحانه وتعالى-، ولكنه يستعمل وسيلة غير شرعية!.
ويجب علينا أيها الإخوة المسلمون أن ننتبه إلى أمر مهم، ويجب علينا أيها الدعاة، ويجب علينا أيها العلماء، أيها الوعاظ، أيها المرشدون، أن ننتبه إلى أمر مهم، ألا وهو: أن نفرق بين مضمون هذا الدين وبين مضمون هذه الدعوة وبين الوسائل التي تخدم هذا المضمون.
فمضمون الدعوة لا يقبل التغيير ولا التبديل، إن من مضمون الدعوة عبادة الله وحدة لا شريك له، بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وطاعته -سبحانه وتعالى-، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، والبراءة من كل دين ومن كل منهج ومن كل طريقة ومن كل وسيلة تخالف طريقة الله ووسيلته ومنهجه ودينه وشرعه، والبراءة من كل معبود أو متبوع أو مطاع لغير طاعة الله -سبحانه وتعالى-، هذا مضمون الدعوة.
ما أرسل الرسل إلا من أجل هذا، فإن الناس جميعاً على مر التاريخ وعلى مر الأزمان كلهم يعبدون الله، وربما هؤلاء الذين سيحرقون رئيس وزراء الهند ربما يقصدون بذلك التقرب إلى الله، ربما يقصدون بذلك إرضاء الله، وكل الأمم التي على مر التاريخ وقعت في الشرك فإنه لا بد أن يكون فيها شيء من الحق...
حتى فرعون ... الذي تظاهر بإنكار وجود الله ...: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ) [الشعراء:23]، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ) [النمل:14]، وقال في وقت الأزمة: (... قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ) [يونس:90]. فلهذا معشر المسلمين لا بد أن نعرف أنه لا يخلو أي دين أو أي أمة من قليل من الحق.
ولكن العبودية الصحيحة العبودية المقبولة هي أن تجرد الحق من جميع الشوائب، أن تجرد الحق من جميع البدع والخرافات، أن تجرد دين الله من جميع المحدثات، وأن تعبد الله وحدة لا شريك له باتباع أمره وإخلاص العبادة له، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ فهل فرقنا الآن بين المضمون والوسائل؟.
إن دين الأنبياء كله، من أوله إلى آخره، وآخرهم محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، مبناه على الطاعة والانقياد والاستسلام والخضوع لله -سبحانه وتعالى-.
فدين الإسلام هو دين الأولين والآخرين؛ لأن معناه الاستسلام، لا تعارض أمر الله ولا أمر رسوله بفكر ولا عقل ولا هوى، وإنما تستسلم؛ قال نوح -عليه السلام-: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ) [يونس:72].
وقال يعقوب -عليه السلام- لبنيه: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:133].
وقال موسى -عليه السلام-: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس:84].
وقال الحواريون: (آَمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:52]، وقالت بلقيس: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [النمل:44].
فالإسلام -ومضمونه الخضوع والانقياد- هو دين الأولين والآخرين، فمن مضمون هذا الدين الخضوع والانقياد والاستسلام لله ولأوامره، وأن تخالف من أجل الله أباك وأمك وشعبك وبلدك وعادات الأمم كلها عن بكرة أبيها، قال -تعالى-: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
وقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، هذا هو مضمون هذا الدين.
... الوسائل قد تختلف وتتطور ... كانت الوسائل في عهد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قائمة على الخطبة والوعظ أو الدرس ... الوسائل تقبل التطوير، وتقبل التحديث، في إطار هذا الدين، في إطار الإسلام، في إطار كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ...
ومن وسائل الدعوة الكتاب الكبير الذي يشرح الإسلام ويشرح الدين ويشرح محاسن الإسلام.
والكتب الصغيرة التي تعالج قضية معينة كقضية التوحيد أو الولاء والبراء، أو قضية الحجاب أو قضية الاقتصاد الإسلامي، أو يتكلم عن أحكام الحج، أو عن أحكام الصلاة، أو عن حقوق الوالدين، أو عن حقوق الجيران، إنه كتاب صغير يعالج قضية أو جزئية من قضايا هذا الدين، وجزئية من جزئياته، فهذا من وسائل الدعوة، وطبعاً هذا لم يكن موجوداً في زمن الصحابة رضي الله عنهم.
من وسائل الدعوة اليوم الشريط الإسلامي، هذا الشريط الذي أنعش الأمة الإسلامية، هذا الشريط الذي بث الوعي وبث الروح الإيماني في قلوب الكثيرين من هذه الأمة، ولهذا لا تسمع أو تركب في سيارة أو تدخل بيتاً إلا ووجدت شريطاً لعبد الحميد كشك، أو لأحمد القطان، أو لفلان وفلان من كبار العلماء والدعاة والوعاظ والمرشدين الذين أيقظوا روح الإيمان، والذين بثوا روح الانتماء إلى هذا الدين، والذين نفثوا في روح كل مسلم الرجوع إلى الدين وإلى محاسن هذا الإسلام.
كذلك الجريدة الإسلامية والمجلة الأسبوعية أو الشهرية والمجلة الحائطية، وهكذا النادي والرحلة والنشاط الرياضي والجمعيات الخيرية والخطبة والدروس والمحاضرات والمواعظ ندعو إلى الله -سبحانه وتعالى- من خلالها، وكذا بواسطة المدارس والجامعات والوظائف، ندعو إلى الله في كل مجال وبكل وسيلة أجازها الله -سبحانه وتعالى- وأباحها الشرع.
أما الوسائل المحرمة التي لا يجيزها الدين فلا, إذا كانت الغاية شرعية فلا بد أن تكون الوسيلة شرعية أباحها الله -سبحانه وتعالى- ورسوله، فلا بد أن نفرق بين مضمون الدعوة وبين أسلوبها.
فإذا كان كذلك فسنتعرف على ما ليس من الأساليب:
فليس من الأساليب الكذب على الناس بأن يدعي شخص أو حزب أنه يحمل رسالة الإسلام الصافية النقية وهو يحملها ويحمل معها غيرها من الباطل.
وليس من أساليب الدعوة الكذب، كأن تسمى حزبك حزب الحق وهو فيه كثير من الباطل، أو تسميه الإصلاح وفيه كثير من الفساد والانحراف.
وليس من أساليب الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- أن تدعو بواسطة الكذب بواسطة، التغرير، بواسطة التشويه.
وليس من أساليب الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- التي يجيزها الشرع، التي يجيزها الإسلام، أن تدعو إلى الله -تعالى- بواسطة الطعن في الآخرين من إخوانك في الله من طلبة العلم من الدعاة إلى الله، ليس من وسائل الدعوة أن تطعن بلا حق وبدون حق وبلا حجة أو بواسطة التعصب الحزبي.
لكن؛ إن كنت محقاً، إن كنت صاحب حجة ودليل، فلا بد أن تقول الحق ولو على نفسك.
وليس من وسائل الدعوة ولا من أساليب الدعوة أن ترفع الديمقراطية التي هي كفر وإلحاد أن ترفعها كشعار للدعوة الإسلامية؛ فإن بينها من المناقضة كما بين الكفر والإسلام، وإن بينها من المناقضة كما بين اليهودية والنصرانية والإسلام.
إن الديمقراطية تعني: أن يحكم الشعب نفسه بنفسه فيحل ما يحل ويحرم ما يحرم، يبيح الربا ويبيح الخمر، يبيح التبرج والسفور، يبيح الردة، ويبيح أن يتكلم الإنسان في القرآن في الإسلام في العقيدة الإسلامية، وكل يوم تنشر لنا الجرائد طعناً في الدين، مرة تقول: إن الإسلام يبيح لنا الردة، ومرة يقولون: إن الإسلام لم يحرم الخمر، ومرة يقولون: إن الإسلام يبيح كذا ويبيح كذا، فليس هذا من وسائل الدعوة، لا بد أن تكون الوسيلة شرعية.
كما يجب عليك أن تفهم المنكر وتفهم مرتكب المنكر وتكون على وعي بمرتكب المنكر، فإنه ليس كل من ارتكب المنكر ينكر عليه بطريقة واحدة، فليس من اعتقد الاشتراكية اعتقاداً علمياً كمن غره الشياطين وخدعوه وأعطوه حطاماً من الدنيا فتعلق بهم, وهو مستعد بأن يقبل الحجة والدليل وأن يقبل الحق وأن يرجع إلى الحق.
فيجب عليك أن تفرق بين الجاهل والعالم، العالم بدين الإسلام عندما يرتكب المنكر، عندما يدعو إلى غير الكتاب والسنة فهذا لا يجوز السكوت عنه، ولقد قال السلف الصالح: احذروا فتنة الجاهل وزلة العالم؛ فإنها فتنة لكل مفتون.
زلة العالم تزل بها أمة وشعوب وجماعات ومذاهب!.
ولهذا يجب أن نفرق بين هذا وذاك بين الجاهل والعالم، وبين المسر والمجاهر، فإن ممن يرتكب المنكر من يرتكبه سراً، وممن يرتكب المنكر من يجاهر به، فيجب الإنكار على من جاهر بالمنكر أكثر مما يجب على من أسر وأخفى، فإن المنكر إذا كان سراً لا يضر إلا صاحبه، أما المنكر إذا كان علناً فإنه يضر المجتمع كاملاً، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أو شك أن يعمهم الله بعقابه".
قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الأنفال:25]، لا تصيبن الظالمين خاصة وإنما تصيب الجميع.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ويل للعرب من شر قد اقترب". فقالت امرأة: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث".
قال -عليه الصلاة والسلام-: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم". قالت عائشة: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم من ليس منهم؟ قال: "يخسفون عن آخرهم ثم يبعثون على نياتهم".
فينبغي التفرقة بين المسر والمجاهر، وكذلك ينبغي التفرقة بين الداعية وغيره.
فمن الناس من يرتكب المنكر ثم يصبح داعية إليه، يجري الهوى في قلبه وفي لحمه وفي دمه وفي عظامه، يدعو ويوالي من أجل حزبه، ولا يحب أحداً أن ينتقد حزبه، ويحب أن يتستر الناس على جميع أخطائه، وأنه ليس الوقت وقت الانتقاد، وليس وقت كذا وكذا؛ فلهذا يجب التحذير من المنكر ولا سيّما المنكر الذي يدعو إليه صاحبه، كما يجب التحذير من المنكر بصفة عامة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
كما أنه يجب علينا أن نفرق بين مرتكب المنكر، بين المتأول وغير المتأول، فمن الناس من يرتكب المنكر متأولاً يظن أنه ليس حراماً، وأن هذا هو الطريق الصحيح، فإذا بيّنت له الحق ودفعت عنه هذا التأويل وبينت له أن هذا التأويل غير صحيح فإن رجع فهو أخوك، وإذا لم يرجع عن التأويل الباطل وأصر على ارتكاب المنكر فيجب عليك أن تحذر من منكره وتحذر ممن يرتكب ذلك المنكر.
كما أنه يجب علينا أن نفرق بين المنكر الصغير وبين المنكر الكبير، فليس الناس على ارتكاب المنكر على حد سواء.
ومن العجيب أن تجد بعض الدعاة يركز على بعض المنكرات، وتسمع التركيز على الخمر، إن هذا منكر لا شك في ذلك، ولكن؛ أين أنت من الاشتراكية؟ فإن الاشتراكية كفر! لو باع الخمر وهو يعتقد أنه حرام فهو مسلم، لو باع الخمر وهو يعتقد أنه حرام فهو لا يزال مسلماً عاصياً؛ أين أنت من الشرك والكفر؟.
وتراه ينتقد الدستور، وهو فعلاً دستور باطل وفكر باطل، ولكن؛ أين أنت من الديمقراطية التي تعني: حكم الشعب نفسه بنفسه، فأتى مجموعة من الناس ووضعوا دستوراً، وقالوا للشعب: أنت موافق، على الدستور؟ فقال: نعم، فهذا سلوك ديمقراطي!.
فالديمقراطية أصلاً هي الكفر بعينه، لكن إذا قال المسلم الداعية: إن الديمقراطية لا تتعارض مع ديننا ومعناها أن الشعب يحكم بنفسه ويختار الدساتير ويختار القوانين ويختار ما يشاء فهذا كفر.
أما المسلمون المؤمنون فإنهم لا يؤمنون بهذا، وإنما الحاكم عندهم هو الله. الحاكم في الحقيقة هو الله، وهم تبع دستور الله، كتاب الله وقرآن الله، ما أحله القرآن أحلوه، وما حرمه القرآن حرموه، وعندهم سنة، وعندهم شرع جاهز من قبل ألف وأربعمائة سنة، فلا يحتاجون إلى هذه القوانين والدساتير.
وما على الوالي إذا أراد الإسلام حقاً إذا كان يتبجح باسم الإسلام، ما عليه إلا أن يحكم بما في الكتاب والسنة، وكفى!.
فالإسلام عالج الشؤون الاقتصادية، والشؤون الاجتماعية، والشؤون السياسية، وكل شيء موجود بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فمن الأمور العجيبة أن تسمع الخطب والمواعظ على الدستور ولا تسمع كلاماً عن الديمقراطية؛ لماذا؟ لأن كثيراً من الدعاة قد أخذ وآمن بهذا السلوك الديمقراطي، بهذا النهج الديمقراطي، فإذا قام يذم الديمقراطية يقال له: كيف وأنت حزب ديمقراطي؟ أنت رضيت بالخيار الديمقراطي؟ ورضيت بالاستفتاء، ورضيت بالبرلمان, ورضيت بكذا وكذا، كيف تذم الديمقراطية وأنت غارق فيها إلى أعماقك؟!.
ولهذا لا ينكر المنكر من قال للناس: لا تشربوا الخمر وهو يشربه، فإن الناس لن يقبلوا منه ذلك. ومن قال: لا تسجدوا للصنم ثم هو يسجد للصنم، فإن الناس لن يقبلوا منه، ومن قال للناس: اتركوا هذا التحاكم إلى غير الكتاب والسنة وهو يتحاكم إلى غير الكتاب والسنة؛ فمن أين أن يقبل الناس منه؟.
فلهذا يجب على الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى-، وعلى الدعاة أن يفرقوا بين المنكر الكبير وبين المنكر الصغير، فيبدؤون بتغيير المنكر الأكبر بالقاعدة: من الحاكم؟ من الخالق؟ من الرازق؟ لمن الأرض؟ لمن السماء؟ مَن خلقك؟ هل أنتم مؤمنون بيوم القيامة؟ هل أنتم مؤمنون بالجنة والنار؟ هل أنتم مؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ هل أنتم مؤمنون بالقرآن؟.
اسألوا عن هذا، إن قال: إنه مؤمن وجب عليه أن يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وإلا فهو ليس بمؤمن! قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
وكذلك يجب على الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى- أن ينقد الأفكار، ولا ينقد شخصاً إلا إذا دعت الضرورة، لا يقول: فلان وفلان إنهم كذا وإنهم كذا، فليس هذا من الأساليب النبوية.
أسلوب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ما بال أقوام؟ ... والذي ارتكب الخطأ سيعرف، إلا إذا دعت الضرورة الملحة التي لا بد منها ولا يجزئ الكلام العام، فلهذا يجب عليه نقد الأفكار وليس الأشخاص إلا عند الضرورة.
كما يجب على الداعية إلى الله -تعالى- أن يكون داعية إلى منهج وليس إلى شخص، أن يدعو إلى منهج الكتاب والسنة، وأن يكون معتزاً به، لا ينهزم هزيمة نفسية، فبعض الناس مهزوم هزيمة نفسية ...
هكذا هزموا الإسلام بأيدي الكفر، ألبسوه ثوباً إسلامياً، فيجب البراء من كل فكر غير إسلامي، الديمقراطية والاشتراكية والقومية كل هذه أفكار غير إسلامية.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي