هكذا فقدنا القمم .. عندما ضاعت القيم

معيض محمد آل زرعة
عناصر الخطبة
  1. ارتباط قيمة المرء بما يحمله من قيم .
  2. بعض القيم الحميدة التي يرتقي بها المجتمع .
  3. آثار غياب القيم على المجتمع .
  4. التربية النبوية الاجتماعية بالصبر على غرس القيم .
  5. تنعُّم مجتمع السلف الصالح بتحلِّيهم بالقيم العظيمة .
  6. المصادر التربوية لتلقّي القيم .
  7. إعادة استقراء التربية الاجتماعية للعودة للقمم بالقيم. .

اقتباس

إنّ القيم هي المؤشر الذي يحدد مسار الشخص، وهي البوصلة التي ترسم اتجاه مِلاحة الشخص في اليوم والليلة؛ لذا يجب علينا أن نعيد النظر في أهمية غرس القيم في أبنائنا وبناتنا؛ حتى نأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، ونبني بهم حضارة، ونحيي بهم الأمة، كما فعل...

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

وبعد: أوصيكم ونفسي أحبتي بتقوى الله جل جلاله، ففيها السعادة والفلاح، والنجاة والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.

أيها الأفاضل: نعلم وتعلمون أن شخصية الإنسان هي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ، وهذه القيم هي النافذة التي من خلالها ينظر الشخص للآخرين، ويتعامل معهم، ويؤثر فيهم، ويحاورهم.

وهذه القيم هي المعيار الذي من خلاله ترتفع قيمة الشخص بناءً على ما يملكه من خير وإحسان ونفع للآخرين، أو تهبط قيمة الشخص بناءً على ما يملكه من جوانب شر وحسد وظلم.

لذلك؛ فإن الإيمان بالله وتعظيمه، ومراقبته، والخوف منه، والالتزام بشرعه، هي قيمٌ عظيمة يجب أن تتربى عليها النفوس العظيمة.

وكذلك فإن الصدق، والعدل، والحياء، والأمانة، وبذل المعروف، وكف الأذى، وحب الخير وأهله، وكراهية الشر وأهله، والإحسان إلى الآخرين، ومساعدة الفقراء والمحتاجين؛ كل هذه قيم بها يسعد بها الأفراد، وتسعد الأسر والمجتمعات؛ بل وتسعد الدول.

ولمّا ضعفت هذه القيم -بل لربما فقدت- رأينا تغيراً في واقع شباب الأمة الإسلامية، رأينا ضعف الهمم، والاهتمام بالأمور التافهة التي لا تخدم الدين، ورأينا الوقوع في بحار المخدرات والتقليعات، ومعصية فاطر الأرض والسماوات، ورأينا كثرة القضايا السلوكية والأخلاقية والاجتماعية، ورأينا التقليد الأعمى لطوائف الكفر والزندقة والبعد عن شرائع هذا الدين العظيم، ورأينا التساهل في أمور الطاعة، وتقديم المباحات على الطاعات في معظم المواقف، وإلى الله المشتكي من هذا الواقع!.

ولنا في رسولنا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- أسوة، فقد بقي ما يقارب العشرين عاماً يغرس القيم والمبادئ في نفوس أصحابه -رضي الله عنهم-، حتى أتى الوقت المناسب لهدم الأصنام كما ورد في عام الفتح، وأتى الوقت المناسب لتحريم الخمر، وهكذا.

ويمر -صلى الله عليه وسلم- على جارية ويقول لها أين الله قالت : في السماء فقال -صلى الله عليه وسلم- (اعتقوها فإنها مؤمنة)، نعم هذه الجارية وإن كانت جارية إلاّ أنها تحمل قيما عظيمة.

ومما ورد في سيرة عمر -رضي الله عن عمر وعن الصحابة عموماً- أنه بقي عاماً كاملاً لم يحكم في قضية بين المسلمين، فذهب إلى خليفة المسلمين أبي بكر -رضي الله عنه- وقال: يا أمير المؤمنين، أعفني من هذه الوظيفة؛ ليس لي حق في هذا المال الذي آخذه من بيت مال المسلمين، فأنا عاماً كاملاً لم أحكم في قضية، فقال له أبو بكر: كيف أتولى أمر المسلمين  وتريدون أن تتخلوا عني؟ والله لا أعفيكم!.

الشاهد في هذا أنه مر عام كامل لم تحصل فيه خصومات أو منازعات؛ لأن القيم عالية في نفوس أصحاب رسول الله -صلى اله عليه وسلم-.

وفي قصة عمر -رضي الله عنه- المشهورة لمّا خرج ذات ليلة يتفقد أحوال الرعية، وبينما هو يسير في إحدى طرقات المدينة في آخر الليل، إذا به يسمع تلك المرأة التي تقول لابنتها: قومي فامزجي اللبن بالماء. قالت هذه الفتاة التي امتلأ قلبها بتعظيم الله تعالى والخوف منه ومراقبته: ألم تسمعي منادي عمر يقول: لا تمزجوا اللبن بالماء؟ قالت الأم : إن عمر لا يرانا، فقالت هذه الفتاة الصالحة هذه المقولة التي تكتب بماء الذهب؛ بل تكتب بدموع العيون، قالت: إن كان عمر لا يرانا؛ فإن رب عمر يرانا.

لا إله إلا الله! ما عظم هذه الفتاة! وما أعظم ما تحمله من قيم! لنا أن نتساءل: هل هذه الأسرة غنية؟ طبعاً لا! فهي أسرة فقيرة من أفقر  أسر المدينة. هل هي غير محتاجة؟ طبعا لا! فهي في أشد الحاجة. هل هذه الفتاة تتكلم والناس يسمعون فقالت هذا الكلام؟ طبعاً لا! فهي تراقب الملك العلام سبحانه وتعالى.

لذلك عمر بكى في تلك اللحظات، وأمر خادمة أن يعرف هذا البيت، فما كان منه -رضي الله عنه- إلا أن زوجها ابنه عاصماً، فأنجب  ابنةً تزوجها عبد العزيز بن مروان، فأنجب عمر بن عبد العزيز، الخليفة العادل المعروف.

وفي عام الرمادة أصاب المسلمين من الجوع والفقر والحاجة ما الله به عليم، فأتت قافلة لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- قوامها ألف بعير محمّلة بالتمر والزبيب والحبوب وغيرها، فتلقاها تجار المدينة وقالوا لعثمان: نعطيك بكل درهم درهمين، فقال لهم: لقد أعطيت أكثر من هذا. قالوا: نعطيك الدرهم بخمسة دراهم. فقال: أعطيت أكثر من هذا. قالوا: مَن أعطاك ونحن تجار المدينة وأعرف بمن فيها؟ قال لهم: ألم تقرؤوا قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)؟ أُشهدكم أني قد بعتها لله ورسوله، ثم أنفقها على المسلمين. لأنه يحمل قيما عظيمة في حب المسلمين، وبذل المعروف، وكف الأذى.

فلو كان -رضي الله عنه- يحمل الجشع والطمع لوجدها فرصة مع فقر وحاجة الصحابة في ذلك الزمن -وحاشاه رضي الله عنه- فهو ليس كتجار هذا الزمان الذين يتحكمون في الأسعار، مما أدى بالمستهلكين إلى تحمل القروض والديون  الكثيرة التي أثقلت كواهلهم.

أيها الإخوة: وهذا رجل سارق كان يقطع الطريق، وفي يوم من الأيام يوقف هذا السارقُ غلاماً ويقول له: كم معك من النقود؟ فيقول ذلك الغلام الذي تربى على الصدق والقيم العظيمة: عندي أربعون ديناراً؛ فيقول السارق: تعلم أيها الغلام أني سأسرق ما معك، وتخبرني بما معك؟! فقال الغلام: نعم، أمي ربتني على أن لا أقول إلا الصدق. فقال ذلكم السارق: سبحان الله! أمك علمتك أن تقول الصدق فتصدق؛ وربي يقول لي لا تسرق فأسرق؟ فأنا من هذه  أُشهدك أني تائب إلى الله -تعالى-، ثم أمر بإرجاع كل ما سرق من أموال إلى أصحابها.

لا إله إلا الله! كيف كان ذلك الشاب سببا في توبة هذا السارق عندما تربى على الصدق وعلى هذه القيمة العظيمة؟!.  

كم نحتاج وتحتاج الأمة إلى تربية الجيل على هذه القيم في هذا الزمن العجيب!.

والأفراد والمجتمعات  تتربى على هذه القيم من مصادر مختلفة، هي كما يلي:

أولاً: البيتُ والأهل والأسرة والوالدان،  فكما جاء عند مسلم والبخاري في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

لذلك؛ فدور البيت دور عظيم في زرع هذه القيم في نفوس الأبناء والبنات من خلال الجلسات الأسرية، والمواقف، وسرد القصص، حتى ينشؤوا عليها، وعندها يسعد البيت والمجتمع والأمة.

ثانيا: المسجد، وهو المكان الذي كان ينطلق منه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في كل شؤونه، والمسجد هو المكان الذي نؤدي فيه العبادة، ونسمع فيه الأذان والخطب والمحاضرات والدروس؛ وبهذا يجب أن نستغل المسجد في غرس القيم الصالحة التي يبنى عليها صلاح المجتمع والأمة.

ثالثاً: وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وكذلك وسائل التقنية الحديثة والمطورة التي أصبحت تشغل أوقات أبنائنا بشكل مخيف، فعلينا أن نربي في أبنائنا وبناتنا مراقبة الله، والخوف منه، والحذر من مزالق هذه التقنية؛ وكم من القصص سمعنا بها عن انحراف الشباب  خلقيا وسلوكيا مما يندى له الجبين.

رابعاً: المناهج والمقررات المدرسية التي تصدرها وزارة التربية والتعليم، وهي بلا شك تغرس في نفوس البنين والبنات قيماً كثيرة، فإن حادت هذه المقررات عن طريق الصواب فسوف تخرج لنا جيلا هشاً ضعيفاً لا يحمل قيما، ولا ينفع أمة، ولا يبني حضارة.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله الداعي إلى رضوانه.    

وبعد: أحبتي في الله: إن القيم هي المؤشر الذي يحدد مسار الشخص، وهي البوصلة التي ترسم اتجاه مِلاحة الشخص في اليوم والليلة؛ لذا يجب علينا أن نعيد النظر في أهمية غرس القيم في أبنائنا وبناتنا؛ حتى نأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، ونبني بهم حضارة، ونحيي بهم الأمة، كما فعل أسلافنا في تربيتهم لأبنائهم.

والعجيب أن ماليزيا تفوقت على معظم دول العالم عندما وضعت عشر قيم مهمة  لفترة عشر سنوات، وفعلا؛ حققت النجاح عندما حققت هذه القيم، وقفزت من مصاف الدول المتأخرة إلى  الدول المتقدمة على مستوى العالم.

اسأل الله تعالى -أيها الإخوة- أن يصلح أبناءنا وبناتنا وشباب المسلمين في كل مكان، وأن يقيهم شر الفتن والشهوات والمغريات،  ونسأل  الله تعالى أن ينصر  دينه وكتابه وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي