الثقافة والسلوك

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. مفهوم الثقافة .
  2. تجلي ثقافة الشعب في سلوكه .
  3. أهمية الثقافة .
  4. تجذّرها في المجتمع .
  5. ثقافتنا الحالية .
  6. مقارنة بين ثقافتنا وثقافة الغرب .
  7. أسباب انحرافنا عن حقيقة الثقافة الإسلامية .
  8. كيف نعيد لثقافتنا مكانها؟ .

اقتباس

إنّ عودة المجتمع إلى اعتماد ثقافته الأصيلة يستوجب تضافر الجهود لتحقيق هذا الهدف العظيم، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمدرسة، وانتهاءً بأعلى سلطة في البلد؛ فالهدف الجماعي يستوجب...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الثقافة مصدر ثقف، وثقَّف الشيء أقام اعوجاجه وسواه، والثقافة لها عدة تعريفات، ونقصد بالثقافة في هذا المقام منظومة العقائد والقيم والمبادئ والآداب والأخلاق التي ينتمي إليها المجتمع وينتسب لها أفراده. معنى ينتسب لها أفراده: يطبقونها، تلك المبادئ والأخلاق يطبقونها واقعا سلوكيا.

ومن ثم؛ فإن معالم الثقافة، ثقافة أي شعب، تعرف من سلوك وأخلاق أفراده؛ وكذلك من خلال المظهر العام للمجتمع، أي من فحوى النظام العام الذي يضبط الناس والهيكل الاجتماعي والسياسي.

والثقافة مهمة جدا لأمرين: الأول: لأنها بيان للهوية، فهي التي تميز شخصية المجتمع وتبرز محاسنه. والثاني: لأن للثقافة دوراً رئيسياً في التربية، وهي التي تشكل أخلاق الناس وقيمهم، وهي التي تؤثر في تشكيل الصفات الاجتماعية والأخلاقية للأجيال.

ومن أجل ذلك تبنت كثير من الدول إقامة وزارة خاصة لهذا الغرض: "وزارة الثقافة"، وإن تباينت الأغراض والأهداف من وراء إقامتها؛ لأن بعضهم ربط الثقافة بالفن والأدب فقط دون الأخلاق والقيم.

والثقافة تحصيل تراكمي، تستوجب زمنا طويلا حتى تتشكل وتتجزر، فهي ليست علوما طارئة، ولا معارف جاهزة؛ وإنما هي نتاج عقائد وعادات تراكمت في المجتمع عبر مراحل طويلة من الزمن ومارسها أفراده جيلاً بعد جيل، حتى استحكمت وصارت قيماً ومفاهيم وأعرافاً يتبناها المجتمع، ويعرف بها.

ولذا فإن تغيير ثقافات الشعوب يستدعي زمنا طويلا، وجهودا كبيرة مضنية في كل اتجاه.

معاشر الإخوة: ما هي ثقافتنا نحن المسلمين؟ يقول الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19]، فالدين عند الله هو الإسلام، الدين ليس صلاةً وصياماً فقط، الدين عقيدة وعبادة ومبادئ وأخلاق وتنظيمات تستوعب الحياة كلها.

فالإسلام هو الذي يشكل في العقل أدوات التمييز بين الحق والباطل، وبين الحسن والقبيح، وهو الذي يبني في الإنسان رؤيته للحياة بكاملها.

وبهذا المفهوم للدين يفترق الإسلام عن المسيحية المحرفة، وعن الملل والمذاهب الأخرى المادية التي تفصل بين الحياة وبين الدين، فهذه ميزة للإسلام، فهو معتقد وعبادة وثقافة وحضارة وخلق.

أما مدى تأثير ذلك في واقع الناس فليس شيئا واحدا، فكما أن أركان الجسد في الصلاة تخضع لمقدار الخشوع في القلب، كلما خشع القلب استقامت الجوارح في الصلاة؛ فكذلك يقاس مدى تأثير الإسلام على النظام الاجتماعي وعلى الأخلاق والسلوك العام، يقاس بمدى التزام ذلك المجتمع بالإسلام، بأحكامه وآدابه، وكونه مرجعا فعليا للأخلاق والأفعال والقيم، يقاس بمدى امتثاله لكل ما ينادي عليه، وينادي إليه، ويحث عليه، وتجنب كل ما ينهى عنه، ويحذر منه.

وحينها يعتبر الإسلام فعلا بحق هو ثقافتنا، وبذلك أيضا نكون كما قال الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110].

أيها الإخوة: ما هي ثقافتنا الحالية؟ أما نظريا: فهي الإسلام، وأما عمليا: فهي خليط من العادات الحسنة والعادات السيئة.

أما الحسنة: فتقدير الكبار، والكرم، وشيء من الحشمة والغيرة على العرض؛ وما شابه.

وأما السيئة فكثيرة، فما هو من ثقافتنا اعتماد الواسطة كأصل في إنهاء الأعمال، وكالعصبية الجاهلية: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب، والفوضوية، وشراسة الطبع والأثرة وحب الذات، واللامبالاة، والزهد في الأشياء والمنافع العامة، وكراهية الانضباط، والكسل.

من أمثلة هذه العادات السيئة ما يرى مثلا -وذكرناها من قبل- في الواجهة البحرية من النفايات المنتشرة على الأرض، نفايات منتشرة في كل مكان، وليس هذا يبدر من صغار السن والبطالين المتسكعين فقط؛ بل حتى من الكبار مع الأسف، وكفى بهم قدوة سيئة لأبنائهم!.

وتطل في البحر لترى الأكياس والقوارير طافحة على سطحه، وما في لمبات الإضاءة والأعمدة والكراسي من تكسير أو خلع أو تمزيق، ومن تلطيخ الجدران بالأسماء والعبارات وأبيات الشعر.

وكذلك ما نراه من أخلاق في قيادة كثير من الناس سياراتهم، وفي الفوضوية في أماكن خدمة الجمهور، وخشونة كلام المراجع، وخشونة كلام الموظف.

وفي سوء الوفاء بالعهود والمواعيد، وفي أنماط اللباس وتسريحات الشعر الغربية لدى الشباب والكبار أحيانا، كلها من العادات السيئة التي أصبحت من كثرة انتشارها ثقافة متوارثة، وكلها ليست من الإسلام في شيء.

طيب؛ ما هي أسباب الانحراف عن حقيقة الثقافة الإسلامية؟.

من الأسباب: انتشار الجهل بحقيقة الثقافة الإسلامية، وإخفاء تلك الثقافة عن الأجيال لسنوات عديدة.

ومن الأسباب: ضعف الإيمان؛ فكيف تنتظر من ضعيف الإيمان أن يخطر على باله أهمية الثقافة الإسلامية؛ فضلا عن أن يمتثل لها؟ إنها لا تخطر على باله؛ لأنه يعيش حياته بعيدا عنها.

ومن الأسباب: ندرة القدوات، وندرة القدوات تحيل الثقافة الإسلامية في أذهان الناس إلى حلم يصعب تحقيقه.

ومن الأسباب: الانفتاح على ثقافات أخرى من غير تحصين مما يؤدي إلى تقمص تلك الثقافات الدخيلة المخالفة لثقافتنا.

ونحن لا ننشد العزلة عن العالم؛ ولكننا ندعو إلى ترشيد ما نستفيده من الآخرين، فليتنا نأخذ عنهم الانتظام في كل شيء مثلا، ليتنا نأخذ عنهم جودة الأداء، والإحساس بالمسؤولية، ووضوح النظام لديهم، وسهولته، وجدية تطبيقه، والعدل على تطبيق النظام على جميع فئات المجتمع دون استثناء، والحرص على جهة استقلالية الجهات الرقابية وشفافيتها، وغيرها من الصفات والعادات الحميدة التي أمر الإسلام بها أصلا في نصوص الكتاب والسنة.

لكن كثيرا من الشباب -مع الأسف!- لم يأخذوا عنهم هذه الفضائل؛ وإنما أخذوا الآداب الغربية، والعادات الخليعة، والتقاليع السيئة.

أخذوا الآداب الغربية من تلك البلاد لأنها سهلة وشكلية ولا تستدعي جهدا، حتى أصبحت الهوية لدى كثير من الشباب حائرة لا تدري أين محلها.

ومن الأسباب: إهمال النظام العام في المجتمع للثقافة الأصيلة، وعدم توفير وسائل الحفاظ عليها، سواء الإعلام، وما يروج له، أو في المناهج، أو في ضوابط التجارة، وما يسمح ببيعه وتروجيه بين الناس، ويمكن أن نستكثر؛ فهناك أسباب أخرى.

لكن السؤال المهم هو: كيف نعيد لثقافتنا مكانتها؟ وكيف نجعلها فاعلة في المجتمع؟.

معاشر المسلمين: إنّ عودة المجتمع إلى اعتماد ثقافته الأصيلة يستوجب تضافر الجهود لتحقيق هذا الهدف العظيم، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمدرسة، وانتهاءً بأعلى سلطة في البلد؛ فالهدف الجماعي يستوجب تحقيقُه مجهوداً جماعياً.

ومن ذلك -أيها الإخوة- توفير جميع الوسائل الأهلية والرسمية دعويا وتربويا وإعلاميا ومنهجيا لتقوية الإيمان في قلوب أفراد المجتمع؛ لأن الإيمان إذا أنار القلب ارتقى به، وإذا ارتقى به أصبح القلب عامرا بحب الدين، وكل ما له علاقة بالدين ظاهرا وباطنا، وعندها يعتز بالكتاب والسنة بصدق، ويطبقها عمليا، ويتابع هو بنفسه ذاتيا، يتابع انتظام أقواله وأفعاله ورؤيته مع القرآن والسنة.

فالأمر الثاني: العلم بفضل الالتزام بثقافة الإسلام ونظرته للحياة وقيمه وأخلاقه، والقرآن يحث على أمهات الفضائل، وبالأخص العدل والأمانة والإحسان، يقول -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:58].

ويقول -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

ويقول -جل وعلا-: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]. ويقول -سبحانه-: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91].

فالعدل والأمانة والإحسان قوام ثقافة الإسلام، وأمة الإسلام لا تملك من أولئك إلا أقل القليل، فهي بحاجة ماسة جدا إلى إقامة العدل، وإحياء الأمانة، وتبني الإحسان.

أما الأخلاق الكريمة التي يشرف بها الإنسان فطالما أثنى القرآن عليها: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان:63]، فهذه هي المشية المحمودة التي يحبها الله، تلك التي ليس فيها كبر ولا خيلاء ولا غطرسة.

وقال -تعالى-: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) [البقرة:177]، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]، ويقول -سبحانه-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18].

ويقول -سبحانه-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]، ويقول -عز وجل-: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72].

أما السنة فهي مليئة بأحسن المبادئ وأجمل الأخلاق، ويجمعها قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح في مجمع الزوائد من حديث أبي هريرة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

أسأل الله تعالى أن يحسّن أخلاقنا، وأن يهدينا سواء السبيل.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

وبعد: فإنه؛ حتى نكون منصفين، ينبغي أن ندقق في الأسباب، فقبل أن نمدح الإنسان الغربي كون امتثاله للنظام جزءا من ثقافته ثم نجلد ذواتنا هكذا دون تشخيص ولا تحليل، نتساءل قبل ذلك: لماذا هو كذا ونحن هكذا؟.

أيها الإخوة: إن الإنسان في الغرب له قيمته، يعرف أنه سيحصل على الخدمة حتما لأنه يدرك أنها من حقه وحقه محفوظ، ولو لم ينل تلك المصلحة أو الخدمة فإن الشكوى في نظامهم يسيرة محترمة ومسموعة، ولهذا يبقى الغربي ملتزما هادئا في الطابور لأنه يحس بالأمن على حقه.

أما العربي فإنه لا يشعر بذلك في عالمه، وبالتالي يزاحم لأنه يشك ويظن أن الخدمة قد لا تصل إليه، أو ربما تصل لكن منقوصة؛ وبالتالي كلٌّ يتسابق، اعتاد على المزاحمة سنين عديدة حتى أصبحت لديه ثقافة.

حتى جنون القيادة وسوء أخلاق السائقين! لا بد من التعرف على جميع الأسباب التي أدت إلى ذلك، أليس هناك شح في وسائل المواصلات بحيث لا يجد الإنسان إلا سيارة أجرة أو سيارته الخاصة وسيلة لنقله؟ فليس لك إلا سيارتك، وبالتالي كثرت أعداد السيارات بشكل رهيب، والطرق ضيقة، والوقت يمضي، والرقابة المرورية ضعيفة؛ فماذا تنتظر؟.

فينبغي توسيع الأفق عند النظر في مسببات ثقافة الفوضى، وإلا؛ لماذا ركز القرآن على العدل والقسط والأمانة وإحقاق الحقوق؟ ولماذا قال عمر -رضي الله عنه-: "لو مات جدْي بالفرات لخشيت أن يحاسب به عمر؟".

حتى ثقافة الإهمال ورمي النفايات من السيارات أو في  المنتزهات، ينبغي تفهّم الظروف التي أدت إلى انحدار الناس إلى ذلك المستوى من اللا مسؤولية والاستهتار، هل كان يرمي النفاية لو كان في بيته؟ لا طبعا، لماذا؟ لأنه بيته الذي يحبه وينتمي إليه، فلابد من إيجاد الشعور بالانتماء إذاً.

ولذلك يمكن القول بأنه لن يفيد توجيه ووعظ وإرشاد، ولن تؤثر حملات توعية في إكساب الناس قيمة أو فضيلة دون أن يكون الواقع رافضا لهذا كله.

فالمجتمع بكافة أركانه من أعلاه إلى أدناه لا بد أن يعتني بالعطاء والعدل والتقدير الذي بهم تؤلف القلوب، ويُكسب ولاؤها وانتماؤها، ومن ثم لن يرضى أحد بأن يشوه ما يحبه ويكرمه وينتمي إليه؛ فالإنسان فطر على حب المحسن إليه، وتقدير من يقدره؛ قدِّرْني أُقَدِّرْك، أعطني أعطك، أنصفني أنصف لك، أشعرني بقيمتي أحبك وأوالي لك.

خذوا مثالا: معلمة في مدارس خاصة وهي جامعية، تلك المعلمة فوجئت بمرتب زهيد يقرره صاحب المدارس، ألف ريـال فقط، تعمل يوميا من الساعة السابعة صباحا إلى الثانية ظهرا، لم يكرمها، بل لم ينصفها، ومع ذلك فرضت عليها مراقبة صارمة، وإن تأخرت قليلا حوسبت وخصم من مرتبها الزهيد، وإن مرضت خصم عليها، ومع ذلك تحاول وتجتهد، فإذا جاء وقت التقييم قيل لها: أين الإبداع؟ أين الإحساس بالمسؤولية؟!.

أقول: سبحان الله! أين العقول؟! أين الإنصاف؟ أين مراعاة أبسط حاجات الإنسان الفطرية؟ كيف تنتظر إبداعا واستقامة وجهدا كبيرا ممن يحس بغصة الإجحاف في حلقه؟ وكيف تنتظر ثقافة راقية في ظل واقع صعب؟!.

إنه؛ إذا تحقق الانتماء استقام السلوك في الإنسان على محبة من ينتمي إليه، وعاد إلى ثقافته الأصيلة.

أسأل الله تعالى أن يعلي شأن الأمة، وأن يكشف عنها كل غمة؛ حتى تعود كما في القرآن: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي