الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ياسر الطريقي
عناصر الخطبة
  1. آثار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
  2. حثُّ الشريعةِ على هذه الشعيرةِ .
  3. ارتباط خيرية المسلمين وفلاحهم بها .
  4. وجوبها على جميع المسلمين حتى العصاة .
  5. تأكُّدها على أولي الأمر والمربين والمسؤولين .
  6. رؤية السلف لتاركيها .
  7. إنكار الاحتفالات المتضمنة للّهو والرقص والاختلاط .

اقتباس

وإذا تَعَطَّلَ الأمرُ بالمعروفِ, والنهي عن المنكرِ، ودُكَّ حِصْنُه، وحُطِّمَ سِياجُه، فويلٌ يومئذٍ للفضيلةِ من الرذيلة! وويلٌ لأهلِ الحقِّ من المُبطلين! وويلٌ للصالحينَ من سَفَهِ الجاهلين، وتَطاولِ الفاسقين!. عباد الله: الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ جميعِ المسلمين، لا يَقْتَصِرُ وجُوبُه على رجالِ الحِسْبَة, أو طائفةٍ مُعينة؛ بل يجبُ على كُلِّ مَنْ رَأَى مُنْكَراً أَنْ يُنْكِرَهُ حَسَبَ...

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها المؤمنون: الناسُ في المجتمعِ كأبناءِ بيتٍ واحد، ورُكَّابِ مَرْكَبٍ واحدٍ، الخللُ من أَحدِهم قَدْ يُلْحِقُ الهلاكَ بجميعهم؛ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

وفي الصحيحين، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رضي الله عنها- قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: "نَعَمْ؛ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".

الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ  إذا فَشَا في المجتمعِ تَميزتِ السُنَّةُ من البدعة، وعُرِفَ الحلالُ من الحرام، وأَدْرَكَ الناسُ الواجبَ والمسنون، والمُباحَ والمكروه، ونَشَأَتِ الناشئِةُ على المعروف، وَأَلِفَتْهُ، وابتْعَدَتْ عن المُنكرِ، واشمأزّتْ مِنْه.

وإذا تَعَطَّلَ الأمرُ بالمعروفِ, والنهي عن المنكرِ، ودُكَّ حِصْنُه، وحُطِّمَ سِياجُه، فويلٌ يومئذٍ للفضيلةِ من الرذيلة! وويلٌ لأهلِ الحقِّ من المُبطلين! وويلٌ للصالحينَ من سَفَهِ الجاهلين، وتَطاولِ الفاسقين!.

الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر شَعِيرَةٌ من شَعَائِرِ الدين، جاء الحثُّ عليها -بل والأمرُ بها- في كتابِ الله، وأشادَ بها وأهلِها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في سُنته.

وهي سببٌ لحصولِ كُلِّ خير، والوقايةِ من كل شر، وَصَفَ اللهُ بها نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- مُبيناً كَمَالَ رِسَالَتِه, فقال: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157]

وَوَصَفَ بها الصالحين من أَهْلِ الكتاب: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران:113-114].

ووَصَفَ بها الصالحين من هذه الأُمَّة في غير ما موضعٍ من كتاب الله، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71].

ووَصَفَ المنافقين بنقيض ما وَصَفَ به المؤمنين, فقال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة:67].

خَيرِيَّةُ هذه الأُمة مرتبطةٌ بهذه الشعيرة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران:110]، وفَلاحُها مُعَلَّقٌ بالتمسكِ بها: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].

وتَرْكُهَا سَبَبٌ للمَقْتِ واللَّعنة, قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79].

أَجْمَعَ أهلُ العلمِ على وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وأَنَّهُ من شعائرِ الإسلامِ الظاهرة، تُقاتَلُ الطائفةُ المُمتنعةُ عنه.

عباد الله: الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ جميعِ المسلمين، لا يَقْتَصِرُ وجُوبُه على رجالِ الحِسْبَة, أو طائفةٍ مُعينة؛ بل يجبُ  على كُلِّ مَنْ رَأَى مُنْكَراً أَنْ يُنْكِرَهُ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِه وقُدْرَتِه.

في صحيح مسلم عن أبي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمان".

وجَعَلَ -صلى الله عليه وسلم- الأمرَ بالمعروفِ والنهي عن المنكر مِنْ حَقِّ الطريقِ الذي يُنهى عن الجُلُوسِ فيها مَنْ لَمْ يُعْطِهَا حَقَّهَا, ففي البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ!"، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ! إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا, قَالَ: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ".

الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر مَسؤوليةٌ يقومُ بها الوالدانِ مع أولادِهِما، والمعلمون مع طُلابِهم، والمسؤولُ في عملٍ أو على فئةٍ مع من يتولى مَسؤولِيَّتَهُم، والعالمُ مع الجاهل، والمُعافى مع المُبتلى، والجارُ مع جارِه، والمسلمُ مع أخيهِ المسلمِ حِينَ يرى مِنْهُ خَطَأً أو انْحِرافاً، أو يَدْعُوهُ إلى معروفٍ وخيرٍ غائبٍ عنه، أو كان جاهلاً به.

وليس من شَرْطِ الناهي أن يكون سَلِيمًا عن المعاصي، بل يَنْهَى العُصاةُ بَعْضُهُم بعضًا, قال بعضُ العُلماء: "فَرْضٌ على الذين يَتَعاطَون الكُؤوس-أي يشربون الخمر- أن يَنْهَى بعضُهم بعضًا؛ لأنَّ قولَه -تعالى-: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) يقتضي اشتراكُهم في الفعل وذَمُّهُم على تركِ النهي".

قال النووي: "قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِر وَالنَّاهِي أَنْ يَكُون كَامِلَ الْحَال، مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُر بِهِ، مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ, بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ, وَالنَّهْيُ وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ; فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْئَانِ: أَنْ يَأْمُرَ نَفْسَهُ وَيَنْهَاهَا, وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ, فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا؛ كَيْف يُبَاح لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ؟".

وكان السلفُ يرون من لا يأمر ولا ينهى في عداد الموتى، سُئِلَ حُذَيفَةُ -رضي الله عنه-: ما مَيِّتُ الأَحياء؟ قال: "لا يُنْكِرُ المنكرَ بيدِه ولا بلسانِه ولا بقلبِه".

وقيل لابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: مَن مَيِّتُ الأحياء؟ فقال: "الذي لا يعْرِفُ معروفاً، ولا يُنْكِرُ مُنْكَراً".

وتَأَمَّلْ -عَبدَ الله- قولَ الله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله على إحسانِه, والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه, وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له تعظيماً لشأنه, وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.

أما بعدُ: أيها المؤمنون: حُضُورُ أَمَاكِنِ الباطلِ, واللَّهْوِ, ومَيادِينِ الَّلغْوِ والمُنْكَرِ, كَتِلْكَ الاحتفالاتِ المُتضَمِّنةِ لبرامجِ الغِناءِ, والرَّقصِ, ورُبما اخْتَلَطَ الرِّجَالُ فيها بالنساء، منكرٌ عظيمٌ يُنْهَى عَنه, وعارٌ يَمْتَنِعُ الكرامُ وأصحابُ المُروءَةِ من الإِذنِ لأَهْلِيهِم ومَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهم بالذهابِ إليه, ولا يَجُوزُ الحُضُورُ ما دامتِ المُنكراتُ قَائِمَة فيه, إلا لمُحْتَسِبٍ يَأْمُرُ بالمعروفِ, ويَنْهَى عن المُنْكَرِ.

فالباطلُ والمُنْكَرُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِه وشَتَّى صُوَرِهِ وأَصْنَافِه زورٌ ولغوٌ لا يَشْهَدُهُ المؤمنون عَمْدَاً, وإذا مَرُّوا بهِ دُونَ قَصْدٍ مَرُّوا مُعْرِضِينَ عَنْه مُكَرِّمِينَ أَنْفُسِهِم عن الوقوفِ عليه, والخوضِ فيهِ, قال الرحمنُ -تعالى- في وصفِ عبادِه: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72].

عبادَ الله: صلوا وسلموا على محمدِ بنِ عبدِ الله، كما أمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم ارْضَ عن الخلفاء الراشدين... 

اللهم أعز الإسلامَ والمسلمين...

اللهم انصر عبادَك الموحدين ...

اللهم انصر من نصر دينَك, وأيِّد بالحق من أرادَ وجهَك ورضوانَك.

اللهم عليك بدُعاة الفساد, ومن يُؤيدُهم, ويناصِرُهم.

اللهم طَهِّرْ بلادَنا من أرجاسِ المنافقين والكافرين وأنجاسِهم, وعليك بالذين يسعون لإفسادِ عقائدِ المسلمين وأخلاقِهم من اليهود والنصارى، وأذنابِهم من المنافقين والحيارى.

اللهم وأصلح إمامنا, وولي أمرنا, وارزقه البطانةَ الصالحة التي تعينه على الحق, وتدله إليه.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته يا حي يا قيوم.

اللهم ادفع عنا الغلاء, والوباء، والربا والزنا, والزلازل والمحن, وسوء الفتن, ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا, وعن سائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان, ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا, ربنا إنك رؤوف رحيم.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي