والإشاعةُ من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للأشخاص والمجتمعات، وهي حرب مستترة لجأ إليها الأعداء، واتخذوها وسيلة من وسائل الهدم والتّدمير للمجتمع المسلم؛ لتحطيم معنويات وزعزعة نفسيته، بل يدخل العدو بالإشاعات إلى الجبهة الدّاخلية فيحاصرها، ويصيبها بالبلبلة والتّفكك والضّعف.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإنّ اللسان من أخطر ما خلق الله في جسم الإنسان؛ لذا يقول -تعالى- منبهًا المؤمنين: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء:53].
سأل الصّحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- عن العمل الّذي يُدخله الجنّة، ويُباعده عن النّار، فأخبره -صلّى الله عليه وسلم- برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟"، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه وقال: "كفّ عليك هذا". فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟" رواه التّرمذي وصححه الألباني.
إن تطهير اللسان من الآفات، والتثبُّت قبل القول، ووزن الكلام قبل التّكلم به، أمرٌ ذو شأنٍ؛ إذ به تُضمن الجنّة، كما قال النّبيّ -صلّى الله عليه سلم-: "مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة" رواه البخاري.
قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ) [النّور:11].
لقد أظهرت حادثة الإفك مدى خطورة عدم التّثبُّت والإشاعة على المجتمع المسلم، فقد افترى عبد الله بن أُبي على عرض رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، فرمى أحبّ نسائه إلى قلبه، وبنت أحبّ أصحابه إليه بالإفك، واتهم صحابيًّا كريمًا بهذه التّهمة النّكراء.
وماجت المدينة شهرًا كاملًا بالفتنة، وانتقل الحديث من لسانٍ إلى لسانٍ ومن بيتٍ إلى بيتٍ، حتى وصل خبره إلى الرّسول -صلّى الله عليه وسلم-، وعلم به أبو بكر الصّديق، ثم عرفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فما بال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- توقف في أمرها، وسأل عنها، واستشار، وهو أعرف بالله وبمنزلته عنده وبما يليق به؟ وهلا قال: سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ! كما قال فضلاء الصّحابة؟.
فالجواب: أنّ هذا من تمام الحكم الباهرة الّتي جعل الله هذه القصة سببًا لها وامتحانًا وابتلاءً لرسول الله -صلّى عليه وسلم- ولجميع الأمّة إلى يوم القيامة؛ ليرفع بهذه القصة أقوامًا ويضع بها آخرين، ويزيد الله الّذين اهتدوا هدى وإيمانا، ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا.
واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حُبس عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الوحي شهرًا في شأنها، ولم يُوح إليه في ذلك شيءٌ؛ لتتم حكمته الّتي قدرها وقضاها، وتظهر على أكمل الوجوه، ويزداد المؤمنون الصّادقون إيمانًا وثباتًا على العدل، والصّدق، وحسن الظّنّ بالله ورسوله وأهل بيته، والصّدّيقين من عباده، ويزداد المنافقون إفكًا ونفاقًا.
ويظهر لرسوله وللمؤمنين سرائرهم، ولتَتمَّ العبودية المرادة من الصّدِّيقة وأَبويها، وتتمّ نعمة الله عليهم، ولتشتد الفاقة والرّغبة منها ومن أبويها والافتقار إلى الله، والذّل له، وحسن الظّنّ به، والرّجاء له، ولينقطع رجاؤها من المخلوقين، وتيأس من حصول النّصرة والفرج على يد أحد من الخلق، ولهذا وفَّت هذا المقام حقّه.
ولما قال لها أَبواها: قومي إليه وقد أنزل الله عليه براءتك، فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الّذي أنزل براءتي" انتهى كلامه رحمه الله.
ثم عاتب القرآن من خاض في الإفك عتابًا مُرًّا أليماً: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النّور:15].
حديثٌ تلوكه الألسنة والأفواه كأنّها آلات بغير عقلٍ ولا تفكيرٍ، كيف يُستهان بكلمة تُقال، وفيها إشاعةٌ للفاحشة، واتهامٌ بالباطل، وفسادٌ للبيوت؟.
وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ علم، بأفواهكم لا بوعيكم، ولا بعقلكم، ولا بقلبكم؛ إنّما هي كلمات تقذف بها الأفواه، قبل أن تتلقاها العقول.
التّثبُّت في الأمور كلها دليلٌ على حسن الرّأي وقوة العقل، فمن تحقق وعلم كيف يسمع وكيف ينقل، وكيف يعمل، فهو الحازم المصيب؛ ومن كان غير ذلك، فمآله النّدامة والحسرة.
التّثبُّت دليلٌ على الإخلاص وحسن المقصد، إذْ مَنْ ... في قلبه غلٌّ وحسدٌ يفرح بما يسمعه، فيذيعه وينشره دون بحث عن صحةِ وقوعه وثبوته عن قائله.
أما الصّادق في عمله؛ فكما قيل: "المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثرات إخوانه".
قال -تعالى-: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) [الإسراء:36].
قال قتادة: "لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم؛ فإن الله -تعالى- سائلك عن ذلك كلّه".
"زعموا" و"قالوا" سلوكٌ يتنافى مع أصول التّثبُّت، وفي الحديث: "بئس مَطِيَّةُ الرّجل زعموا!" رواه أبو داود وصححه الألباني؛ لأنّ زعموا في الواقع ما هي إلا مطيّة الكذب، فكلّ صاحب غرض، أو هوًى لا يجد متنفسًا لما في صدره من شرور إلا تلفيق الأكاذيب، ورواية الأخبار المغرضة تحت ستار "زعموا" و"قالوا"، وهيهات أن يسلم من جريرة الفرية، وإشاعة ما فيه بلبلة ومفسدة لمصالح الأمّة.
إنّ في البشر طفيليّات حول أفراد المجتمع، ليفسدوا أمره، وليفرقوا كلمته، وليُوغِرُوا الصّدور، فتحدث الشّحناء و البغضاء، وليست الشّحناء والبغضاء من خلق المسلم.
من أصول التّثبُّت أن لا ينقل المسلم كل ما يسمع؛ فقد صحّ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلّ ما سمع" رواه مسلم؛ لأن كلّ ما يسمعه المرء يختلط فيه الصّدق بالكذب، فتحدث روايته اضطراب الأحوال، وبلبة الأفكار، وعدم الهدوء والاستقرار.
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6]، أيّ: تثبَّتُوا منه، ولا تصدقوه لأول وهلة؛ فقد يكون المخبر به جعله وصلةً إلى تحصيل مراده الفاسد، أو ليجر به إليه مغنمًا، أو لينال به حظوة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6] أي لئلا تحملوا على أبرياء، وأنتم تجهلون حالهم، فتصبحوا على ذلك نادمين.
إن سوء الظّنّ من أسباب عدم التّثبُّت، يقول ابن قدامة: "فليس لك أن تظنّ بالمسلم شرًّا إلا إذا انكشف أمرٌ لا يحتمل التّأويل، فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورًا"؛ ولكن أشار إلى قيد مهم فقال: "بل ينبغي أن تبحث: هل بينهما عداوةٌ وحسدٌ؟".
ومن لم يتخلّق بخلق التّثبُّت ابتُلي بالحكم على المقاصد، والنيّات والقلوب، قال الشّافعيّ: "الحكم بين النّاس يقع على ما يسمع من الخصمين، بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك".
ومن التّثبُّت عدم الأخذ بالقرائن، ما دام هو ينكر ولا يقرّ.
وإذا اتُهم شخص بتهمةٍ فنفاها، أو بيّن عذره فيها، فليس من أصول التّثبُّت الاستمرار في الحديث عنه، فحاطب بن أبي بلتعة حين صدر منه إفشاءٌ سرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، طلب عمر أن يقطع عنقه، غير أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- استمع إليه، حتى إذا انتهى قال: "صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا" رواه البخاري.
والنّمام لا يعرف التّثبُّت، وعدم الاستماع إليه استئصالٌ لشرّه.
فلا تجعلوا بطانتكم النّمامين، قال ابن قدامة: "لا تصدّق النّاقل؛ لأنّ النّمام فاسقٌ، والفاسق مردود الشّهادة"، فإن ركنتم إلى النّمامين، وأصبتم إخوانكم بجهالةٍ فلا بد أن تصبحوا على ما فعلتم نادمين.
ومن الغلط الفاحش قبول قول النّاس بعضهم في بعض، ثم يبني عليه السّامع حبًّا وبغضًا، ومدحًا وذمًّا، فكم أشاع النّاس عن النّاس أمورًا لا حقائق لها البتة، فنميت بالكذب والزّور.
وقد يكون الرّجل عدلًا لكنّه لا يعرف كيف يسمع الأخبار ولا كيف ينقلها، فلا يحسن السّمع ولا يحسن الأداء، فيقع تحت غائلة الكذب.
وأكثر النّاس يقعون في تصديق الأخبار من حيث لا يشعرون؛ ولبعض مَهَرَةِ الكذَّابين حيلٌ قد تخفى على أشدّ النّاس تثبُّتًا، وعقلًا، وحكمةً، وإدراكًا، وخصوصًا في زماننا هذا، فقد أصبحت أسلحة الدّعاية والكذب فيه من أفتك ما نحارب به، بل أصبح للكذب معامل ومصانع تهيّئ الكذب وتجمّله وتصقله، ثم تدسّ سمّه في الدّسم، وتُقدِّمه طُعمةً للغافلين الأبرياء من النّاس، فتوقعهم في شباك الكذب من حيث لا يشعرون.
وإذا كان رجال الأمس يتثبَّتون للخبر مرةً واحدة، فيجب علينا نحن أن نتثبَّت ألف مرة ومرة، وقد كثرت بيننا الوشايات، وساءت بيننا العلاقات، وتفرقنا على أيدي الكذابين، والنّمامين، والنّاسُ جميعًا في أشدّ الحاجة إلى العمل بهذه الآية الكريمة؛ لتستقيم أقوالهم، وترتاح ضمائرهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6].
عن عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه- قال: "إذا جاءني الخصم وفي يده عينه مفرغة لا أحكم وأقول إنّه مظلوم حتى أسمع لخصمه؛ فلعل هذا قد أفرغ عيني ذاك!".
إنِ عدم التّثبُّت وعدم التّأني يؤديان إلى كثير من الأضرار والمفاسد، فقد يسمع الإنسان خبرًا، فيسارع بتصديقه، ويعادي ويصادق، ثم يظهر أنّه كان مكذوبًا، أو محرفًا، أو مزورًا، أو مبالغًا فيه، أو مرادًا به غير ما فهمه الإنسان؛ فيكتوي المتسرع بلهب النّدم، ويتململ على فراش الحسرة؛ بسبب استعجاله وعدم تثبُّته.
عن أسامه بن زيد -رضي الله عنهما- قال: بعثنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجلٌ من الأنصار رجلًا منهم: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته.
فلما قدمنا بلغ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- فقال: "يا أسامة، أقتلتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟". قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. رواه البخاري.
وفي رواية: قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفًا من السّلاح. قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟". فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. رواه مسلم.
وفي رواية: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟" فجعل لا يزيده على أن يقول: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟" رواه مسلم.
وفي غياب التّثبُّتِ تروجُ الإشاعات، ويستفحل ضررها، فتترسب بين النّاس، وتشتعل اشتعال النّار في الهشيم؛ فكم من إشاعةٍ أطلقها مغرضٌ، وسمعها متعجلٌ، تركت جراحًا لا تندمل، ودمعًا لا يرقأ، وفرقةً لا تجتمع!.
والإشاعةُ من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للأشخاص والمجتمعات، وهي حرب مستترة لجأ إليها الأعداء، واتخذوها وسيلة من وسائل الهدم والتّدمير للمجتمع المسلم؛ لتحطيم معنويات وزعزعة نفسيته، بل يدخل العدو بالإشاعات إلى الجبهة الدّاخلية فيحاصرها، ويصيبها بالبلبلة والتّفكك والضّعف.
والواجب على المسلم إذا نقل له نمامٌ أو سمع في أخيه مقالا أو إشاعةً أن يذبّ عن عرض أخيه.
لما كان النّبيّ في غزوة تبوك وتخلّف كعب بن مالك سأل عنه النّبيّ، فقال رجل: "يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه". فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً. رواه البخاري ومسلم.
فهذا الرّجل دفع عن عرض أخيه، وذبّ عنه، فأقره النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- في ذلك، وهكذا ينبغي للمسلم أن يدفع عن عرض أخيه وأن يذب عنه، ولو فعلنا ذلك لارتدع النّمامون.
أخرج البخاريُّ أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج لزيارة بعض أصحابه، فقال قائل منهم: أين مالك بن الدّخيشن أو ابن الدّخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: "لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله؟". قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: فإن الله قد حرم على النّار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله. رواه البخاري.
والمؤمن، وإن كان قد ارتكب كبيرةً من كبائر الذّنوب، فله حرمته بالإسلام ومنزلته، فلا يجوز لأحد أن ينال منه ولو كان عاصيًا.
والمرء محاسب على كل كلمة يقولها، وصدق الله العظيم: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) [الانفطار:10]، وقال -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] وقال -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، وقال -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19].
ويقول-تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) [النّساء:83].
تأديبٌ من الله وعتاب للمؤمنين على فعلٍ لا يليق بهم، وهو التّسرع بالإذاعة لخبر أمرٍ من الأمور المهمَّة والمصالح العامة تتعلق بأمن وسرور المؤمنين. وفيه خوفٌ عليهم وإرشادٌ لهم أن يتثبتوا وينُهوا الأخبار إلى الرّسول وإلى أولى الأمر منهم الّذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح؛ ليضعوه مواضعه، ويعلّموهم محامله، فإن رأوا في إذاعته مصلحةً ونشاطًا للمجتمع وسرورًا لهم وكيدًا لأعدائهم نشروه، وإن لم يكن فيه ذلك بل فيه ضرر على المؤمنين فإنّهم يتركونه.
فما أحوجنا إلى التّثبُّت من أخبار كثيرة تُنقل إلينا! وما أحوجنا إلى محاسبةٍ دقيقةٍ لأعمالٍ جمّةٍ تكسبها جوارحنا! فهل نعي ذلك، ونحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب؟.
هذا والله أعلم، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمّد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي