إن انتشارَ المعاصي والفسقِ بينَ العبادِ، هو علامةٌ من علاماتِ هلاكِ البلادِ، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16]. ولكن وجودَ من يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ أمانٌ من العذابِ، فتأملوا قولَه -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، فلم يقلْ صالحونَ، بل مصلِحونَ لغيرِهم، يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ، ويمنعونَ المُترَفينَ من فِسقِهم حتى لا يَحل الدمارُ.
الحمدُ للهِ الذي جعلَ هذه الأمةَ خيرَ أُمةٍ أخرجت للناسِ تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمينَ، فشرحَ به الصدورَ، وأنارَ به العقولَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب:41-43].
ساحرٌ، كافرٌ، تُسفكُ عندَ بابِه دماءُ التوحيدِ، يُفرِّقُ بينَ المرءِ وزوجِه، قد انتشرَ سِحرُه، وعَظُمَ خَطَرُه، نشرَ الفسادَ، وآذى العبادَ، يدخلُ إليه الرجلُ مؤمناً ويخرجُ كافراً، كما قالَ ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه-: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-"، مَنْ لمثلِ هذا؟!.
مُعاكسٌ، مُخادعٌ، يؤذي النساءَ والفتياتِ، عندَ المدارسِ والأسواقِ وفي الطُرُقاتِ، كم وقعتْ في حبالِه من مسكينةٍ، فرماها بعدَ حاجتِه حزينةً! يبتزُ النساءَ في الأعراضِ والأموالِ، فويلٌ له من قَولِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19]؛ مَنْ لمثلِ هذا؟!.
بائعٌ للخمورِ، يشتكي من أفعالِه كلُ غيورٍ، يَكثرُ بشربِها الحرامُ، وتَحِلُ اللعنةُ في مكانِ انتشارِها على أهلِ الإجرامِ، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ"؛ فمَنْ لمثلِ هذا؟!.
لعلَكم تعرفونَ الجوابَ، إنها هيئةُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، ذلك الجهازُ المباركُ الذي أُوذيَ كثيراً بسببِ حفظِه للفضيلةِ، وظُلمَ كثيراً بسبب محاربتِه للرذيلةِ.
يحبُه المؤمنونَ، لأن اللهَ -تعالى- قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
ويبغضُه المنافقونَ، لأن اللهَ -تعالى- قال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67].
عبادَ اللهِ: إن المجتمعَ الذي لا يوجدُ فيه من يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ على خطرٍ عظيمٍ، اعتبروا ببني إسرائيلَ الذين كانوا في أعظمِ منزلةٍ: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:47، 122].
ثم أصبحوا في أدنى منزلةٍ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [المائدة:78]؛ والسببُ: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:79].
عن حذيفةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ النبيَ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمعرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعثَ عَلَيْكمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجابُ لَكُمْ".
إن خَيْريةَ هذه الأمةِ لم تكنْ لولا الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، كما قالَ -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران:110]، فانظروا إلى تقديمِ الأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ على الإيمانِ باللهِ وذلك لأهميتِه، ولن تستمرَ هذه الخَيْريةُ إلا بالمحافظةِ على هذا الأمرِ.
بل هو من صفاتِ النصرِ والسُلطانِ، والمحافظةِ على الأمنِ في الأوطانِ، كما قالَ -تعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، من هم؟ (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:41].
يا أهلَ الإيمانِ: إن انتشارَ المعاصي والفسقِ بينَ العبادِ، هو علامةٌ من علاماتِ هلاكِ البلادِ، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16].
ولكن وجودَ من يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ أمانٌ من العذابِ، فتأملوا قولَه -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، فلم يقلْ صالحونَ، بل مصلِحونَ لغيرِهم، يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ، ويمنعونَ المُترَفينَ من فِسقِهم حتى لا يَحل الدمارُ.
هل رأيتُم كثرةَ الزلازلِ في هذه الأيامِ؟ إنه من الفسادِ الذي يصيبُ البر بسببِ ذنوبِ بني آدمَ، كما قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَال: "إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ".
فانتبهوا يا عبادَ اللهِ إلى من يريدُ تشويهَ صورةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، فمرةً يسمونَه: فُضولٌ، ومرةً: اعتداءٌ على الحريةِ الشخصيةِ، ومرةً: تجسسٌ، ومرةً: وَصَايةٌ على الناسِ، وغيرِها من صورِ التشويِه والتلبيسِ، ثم يضخمونَ أخطاءَ الآمرينَ بالمعروفِ والناهينَ عن المنكرِ، ويقلبونَ الحقائقَ، ويُحرِّفونَ الأحداثَ.
فواللهِ! إن وجودَهم نعمةٌ، وذهابَهم نقمةٌ، جهودُهم مشكورةٌ، وأخطاؤهم في بحرِ حسناتِهم مغمورةٌ، يُريدونَ الخيرَ للناسِ، ويصبرونَ في ذلك على الأذى والبأسِ.
بل كُلُنا أعضاءٌ في الهيئةِ؛كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ".
غفرَ اللهُ تعالى لنا ولهم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ معزِ من أطاعَه واتقاه، ومذل من أضاعَ أمرَه وعصاه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وصحبِه، ومن أقامَ أمرَه واجتنبَ نهيَه ودعا بدعوتِه واهتدى بهداه إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: اسمعوا معي إلى هذه القصةِ العجيبةِ في قولِ اللهِ تعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف:163].
(واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ)، أي: على شاطئِ البحرِ، (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ)، أي: يخالفونَ أمرَ اللهِ تعالى بصيدِهم السمكَ يومَ السبتِ وقد حرَّمَ اللهُ -تعالى- عليهم ذلك، (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً)، أي: ظاهرةً على سطحِ الماءِ، (وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ)، أي: لا تأتيهم في غيرِ يومِ السبتِ، (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)؛ اختباراً من اللهِ -تعالى- لهم.
انتشرَ هذا المنكرُ في القريةِ، وانقسمَ الناسُ فيه إلى ثلاثِ فرقٍ:
فِرْقَةٌ ارْتَكَبَتِ الْمَحْذُورَ، وَاحْتَالُوا عَلَى اصْطِيَادِ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، بوضعِ الحبائلِ وحفرِ البِركِ يومَ الجمعةِ، فإذا جاءت الأسماكُ في يومِ السبتِ نشبتْ في الحبائلِ وسقطتْ في البِركِ، ثم يجمعونها يومَ الأحدِ.
وَفِرْقَةٌ نَهَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَتْ وَاعْتَزَلَتْهُمْ.
وَفِرْقَةٌ سَكَتَتْ فَلَمْ تَفْعَلْ وَلَمْ تَنْهَ، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لِلْمُنْكِرَةِ: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا)؟، أَيْ: لِمَ تَنْهَوْنَ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ هَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ؟.
(وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164].
ثم ما الذي حدثَ؟ فَلَمَّا أَبَى الْفَاعِلُونَ الْمُنْكَرَ قَبُولَ النَّصِيحَةِ قالَ تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف:165].
فنجَّى اللهُ -تعالى- (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ)، الآمرينَ بالمعروفِ والناهينَ عن المنكرِ، وأخذَ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أَيْ: ارْتَكَبُوا الْمَعْصِيَةَ (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ) أي شديدٍ.
فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ، وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، مع أنهم كانوا عالمينَ بالمنكرِ، كارهينَ له، ويعلمونَ أن اللهَ -تعالى- سيعاقبُ أهلَ المعاصي بسببِ ذنوبِهم، كما في قولِهم: (اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا).
عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنه- قالَ: "يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤونَ هَذِهِ الآيةَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا علَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ منْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة:105].
وإِني سَمِعتُ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ".
فمعناها أن تأمرَ بالمعروفِ، وتنهى عن المنكرِ، ولا يضركَ ما هم عليه من المعاصي والضلالِ ما دمتَ تقومُ بما أمركَ اللهُ تعالى من النصيحةِ.
اللهم وفقِ القائمينَ على الهيئةِ إلى كلِ خيرٍ، واصرفْ عنهم كلَ شرٍ، اللهم سدِّدْ أمرَهم، وأصلحْ شأنَهم، اللهم كنْ لهم مؤيداً ونصيراً، ومعيناً وظهيراً.
اللهم أبرم لهذِه الأمةَ أمرَ رُشدٍ، يُعزُ فيه أهلُ طاعتِك، ويُذلُ فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروفِ، وينهى فيه عن المنكرِ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي