الذكرى بأشراط الساعة الصغرى

خالد بن علي أبا الخيل

عناصر الخطبة

  1. تفرّد الله تعالى بعلم الساعة
  2. من الإيمانِ الإيمانُ بعلامات الساعة
  3. بعض علامات الساعة الصغرى

الحمد لله الذي خص بعلم الساعة نفسه، أحمده سبحانه على ما منّ به من الخير، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان:34].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أخبر بأشراط الساعة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أهل الوفا والجماعة.

أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله؛ فهي العدة والبضاعة بعد قيام الساعة.

أيها المسلمون: إن الله قضى على الخلق الفناء، وجعل لهم وقتا، وجعل لهم قياما يقومون إليه: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين:6]، وتسمى الساعة الكبرى، والقيامة العظمى.

وهذه الساعة لا يعلم متى تقوم إلا الله، فهي من خصائص الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾، ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب:63]، فلا يعلم بها لا ملَك مُقَرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسل، ولا كائن من البشر؛ وفي صحيح السنة: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل".

ومن الإيمان -أيها الإنسان- الإيمان بأن للساعة علامات، وهي دليل على قربها ودنو قيامها، وهذه العلامات إرهاصات ومقدمات، تنقسم إلى علامات صغرى وكبرى.

فحديثنا في جمعتنا هذه عن العلامات الصغرى، فمنها ما في الصحيحين: "يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ "قال: "القتل".

فوقع كما أخبر، فتقارب الزمان بقلة بركته، فصار الانتفاع باليوم كالانتفاع بالساعة الواحدة.

وعند الترمذي: "يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كإحراق السعفة بالنار". فانظروا إلى سرعة مرور الليالي والأيام، ولا يزال الإنسان منشغلا في المال والعيال!.

وقيل تقارب الزمان: تقارب المدن والأقاليم، وهذا واقع فيما وقع من الطائرات والإذاعات والمركبات والسيارات.

وكذا ينقص العلم، وفي رواية: يقبض العلم، وهو العلم الشرعي، وذلك بموت حمَلَته: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب العباد؛ ولكن بقبض العلماء"…

ومن الأشراط، بأصح دليل وانضباط: أن بين يدي الساعة لَأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم. 

وانظر مع قوة التقنيات، وتسهيل المواصلات، وقرب العلم عبر المنتديات، المسموعات منها والمرئيات؛ إلا أن الجهل بمهمات الدين والفقه في الدين شائع عند الأكثرين بين المسلمين.

ومن أشراطها وعلامات قيامها أنه يفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد.

ومنها: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر، وذراعا بزراع، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: "ومَن الناس إلا أولئك؟".  بل حتى لو سلكوا جحر ضب لدخلتموه!.

ولما ذكروا الفتنة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: "إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أمانتهم".

ومن الأشراط: تمني الموت، وغبطة الأحياء للأموات، وذلك إذا عم البلاء وانتشر الفساد، وانتهكت الأعراض، ففي البخاري: "والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر!، وليس به الدين، إلا البلاء"، فرحماك رحماك يا رب الأرض والسماء!.

ومن أماراتها: قلة المعين على الدين المتين، فعن الرسول الأمين: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه  كالقابض على الجمر"، وقال: "إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله".

يقول ابن القيم رحمه الله:

هـذا وللـمتمسِّكـيـــن بسُنَّـةِ الـمختــا *** رِ عـنـد فـسـادِ ذي الأزمــــانِ

 أجــرٌ عـظيــمٌ، ليــس يـقــدر قــَدْرَهُ *** إلا الــذي أَعْـطــَاهُ للإنـســــان

فــَرَوَى أبــو داودَ فـي سُنَـنٍ لـه *** ورواه أيـضـا أحمـد الـشـيبـانــــي

أثـرا تـضمَّـن أجر خمسين امرئٍ *** من صحْـب أحمـدَ خيـرة الـرحمــن

إٍسنــاده حـَسَـنٌ ومـصـداقٌ لـه *** فـي مسلــم فـافـهـمــه بالإحـســـان

إن الــعـبـادةَ وقـتَ هــرْجٍ هـجـرةٌ *** حـقَّــاً إلــيَّ وذاك ذو بـرهــــان

ومن العلامات: ذهاب الصالحين، الأول فالأول، "ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة"، وفي رواية: "لا يعبأ الله بهم شيئا" رواه البخاري.

ولما جاء أعرابي إلى رسول الله يقول: متى الساعة؟ قال له رسول الله: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة"، قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ومن شروطها -أيها المسلمون- ما رواه البخاري: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام".

فيأخذ المال ولا يميز بين الكسب الحلال والطيب ولا الخبيث من المكتسب كالربا والرشوة والغش والكذب، وكالمعاملات الربوية والمساهمات المشبوهة، والتقصير في الوظائف والأعمال المرتبة، والتجارات؛ وكذا الذي لا يأكل من الربا يأتيه من غباره.

أيها المسلمون:  ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله" رواه مسلم.

بل: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو"، وقال، كما في البخاري: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب؛ فمَن حضره فلا يأخذ منه شيئا".

ومن علامات الساعة كثرة الحروب، وانتشار القتل وكثرته، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده! ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل" رواه مسلم.

"ولا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود" متفق عليه.

ومنها أن تنزل الأمطار؛ لكن لا تثمر الأشجار، "ليس السنة بألّا تمطروا؛ ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا" رواه مسلم.

وفي مسلم: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".

وكذا كلام السباع والجمادات للإنس، وإخبارها بما حدث في غيابه، وتتكلم بعض أجزاء الإنسان، كالفخذ، بما أحدث أهله بعده.

وفتح القسطنطينية. وخروج رجل من قحطان تدين له الناس بالطاعة، وتجتمع عليه عند فساد الزمان.

ونفي المدينة لشرارها، ثم خرابها في آخر الزمان. واستحلال البيت الحرام، وهدم الكعبة على يدي ذي السويقتين الحبشي.

وبعث الروح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين؛ فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق.

أيها المسلمون: هذه بعض أشراط الساعة الصغرى وقع بعضها والبعض لم يقع، وهذا مما جاءت به السنة الصحيحة، فاستعدوا وتداركوا وبادروا وامتثلوا.

وصلوا وسلموا على رسول الله محمد بن عبد الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، ثم الصلاة والسلام على رسول الله.

أيها المسلمون: إن بين يدي الساعة سنوات خداعة، يتهم فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن، وينطق الرويبضة، وهم الفسقة والسفهاء الذين يتكلمون بأمر العامة.

ويتطاول الحفاة العراة العالة رعاء الشاة والغنم في البنيان، وتضيع الأمانة، ويوسد الأمر إلى غير أهله، ويسود القبيلة منافقوها.

ويوضع الأخيار ويرتفع الأشرار، ويتباهى الناس في المساجد، ويقل فيها الراكع والساجد، وتضيع الصلوات.

ويكون السلام والتحية للمعرفة، وتحيتهم التلاعن، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق.

ومن أشراط الساعة الصغرى بعثة النبي المصطفى، وموته، وفتح بيت المقدس، وطاعون عمواس، كل هذه  من علامات الساعة الصغرى.

ومن الأشراط، أمة البر والرباط: استفاضة المال، والاستغناء عن الصدقة، وظهور الفتن، وتوالي المحن، وهذه الفتن كقطع الليل المظلم تدع الحليم حيران، والعاقل مندهش الأذهان، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فتن يرقق بعضها بعضا، لسرعتها وترابطها وفشوها وانتشارها.

ومن أشراط الساعة الصغرى، وُفِّقْتُم في الدنيا والأخرى: ظهور الفتن من قبل المشرق، ويكثر الظلم وأعوان الظلمة، ولا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق.

ومنها انتشار المعازف واستحلالها، ويكثر العقوق فيعق الابن أباه، ويصل المرء صديقه ويقطع أرحامه، وتتوفر وسائل الاتصالات والمراكب والتقنيات الأرضية والجوية، تقرب البعيد، وتتقارب الأسواق بسبب المواصلات والآلات والتقنيات وأنواع الشبكات والمنتديات، فحصل الآن سرعة العلم بالسلعة زيادة ونقصا، وحصل سرعة السير في الأسواق سيرا ومركبا، وحصلت مقاربة لقربها.

ومن العلامات أيها المسلمون والمسلمات: ظهور الشرك وانتشاره، والنفاق وأسراره، وتقطع الأرحام، ويساء إلى الجيران، وتفشو التجارة، حتى تشارك النساء فيها الرجال، فتشارك الزوج بالتمويل والمؤسسات والمساهمات والعقارات، ويفتن الناس بالمال وجمعه والمنافسة فيه ومنعه.

ومنها كثرة الزلازل، وظهور الخسف والمسخ والقذف، ويذهب الصالحون ويبقى الأشرار، لا ينكرون منكرا ولا يعرفون معروفا، ويبقى غوغاء الناس وأرذالهم.

وكذا ارتفاع الأسافل واستئثارهم بالأمور دونهم، فيكون الأمر بأيدي السفهاء، ويلتمس العلم عند المبتدعة وأهل الأهواء والآراء.

وتظهر الكاسيات العاريات، وألوان التبرج والسفور بين البريات، ويُرَغَّب بالبدعة، وتهجر السُّنَّة، ويكثر الكذب وعدم التثبت في نقل الأخبار، وانتشار الشائعات والترهات.

ومن الأشراط، دون خلل وإحباط: كثرة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، ومن ذلك كثرة موت الفجأة، والحوادث من ذلك، وهو ما يسمى بالسكتة القلبية؛ ووقوع التناكر بين الناس، والشحناء والبغضاء والتنافر، وتعود أرض العرب مروجا وأنهارا.

ولا تقوم الساعة حتى يكون الروم أكثر من المسلمين، ويقاتلونهم، وتؤكل الرشوة، وتقل البركة، ويتنافس الناس على الذهب والفضة.

هذا ما تيسر ذكره من أشراط الساعة الصغرى، ولا يعني أن كلها حرام على الذكر والأنثى، وإنما هي أمارات وعلامات لقيام الساعة الكبرى، وكل ما ذكر عليه أدلة من القرآن وسنة المصطفى.

وإنما ذكرنا ذلك تنبيها وذكرى لأولي الألباب والنُّهَى، وقد وقع بعضها والأخرى على أثرها تترا، وأما أشراط الساعة الكبرى ففي جمعة بإذن الله أخرى.

اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن…

الذكرى بأشراط الساعة الكبرى


تم تحميل المحتوى من موقع