البعث والنشور [الشفاعة العظمى وبدء الحساب]

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. حديث الشفاعة العظمى .
  2. أهوال يوم القيامة .
  3. دعاء المجرمين بالويل والثبور .
  4. صفة العرض على الله .
  5. سوق المجرمين إلى جهنم .
  6. حديث رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة .

اقتباس

أيها المسلمون: إن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة، أما الكفار ممن قامت عليهم الحجة، فأصروا على الكفر فإنما يكون حسابهم ووزن أعمالهم لإظهار العدل، وإقامة الحجة، وكذلك لتوبيخهم وتقريعهم؛ كما قال شيخ الإسلام، وإلا فإن أعمالهم...

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ذكرنا فيما مضى أنه إذا طال المقام يوم القيامة، واشتد الحر، رفع الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم حوضه المورود، فيتنعم بالشرب منه من استحقه من صالح أمته -نسأل الله من فضله-.

والحوض يكون في الموقف قبل الصراط، وبعد الحوض يقوم الناس مقاما طويلا حتى يظنوا أن لا نهاية لهذا اليوم وأهواله.

ثم تكون الشفاعة العظمى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعجل الله تعالى حساب الخلائق، ففي مسند الإمام عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا - أي طلب قضاءها ممن وعده إياها - وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي، قَالَ: وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَيَشْفَعَ لَنَا إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا, فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ - أي لست في تلك الدرجة التي تخولني الشفاعة في هذا الموقف العظيم فهناك من هو أولى مني - إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ دَعْوَةً غَرَّقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ كَذَبْتُ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مدافعا عن سيدنا إبراهيم -: إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ اللَّهِ، قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا, وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّهَا أُخْتِي، وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَامِهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى، رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إني قَدْ اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ – عيسى عليه السلام -: أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ قَدْ خُتِمَ عَلَيْهِ، أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي الْوِعَاءِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، قَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ، وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَأَقُولُ: نَعَمْ أَنَا لَهَا، حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ – أي يفرق بينهم ليكون أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار -  نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ ؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ، فَنَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا، فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ، وَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا، قَالَ: ثُمَّ آتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لِي، فَأَرَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَوْ سَرِيرِهِ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، فَيُقَالُ لي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ لِي: أَخْرِجْ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا، فَأُخْرِجُهُمْ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَخِرُّ سَاجِدًا، وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَخْرِجْ مَنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا، فَأُخْرِجُهُمْ "، قَالَ: وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا ".

معاشر الأخوة: الحديث هذا يختصر رواية في آخره، مشاهد تنص عليها أحاديث أخرى، فهذه الشفاعة التي يطلبها الناس من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يطلبونها حين يؤخر الحساب كثيرا، فيطول بالناس الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة، بما يقدر بآلاف السنين، فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيتمنون بدء الحساب، فيستجيب الله تعالى لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم بوقف تلك الأهوال، وهذه هي الشفاعة العظمى والمقام المحمود الذي وعده الله تعالى، والذي ندعوه تعالى أن يؤتيه نبينا بعد كل أذان بقولنا: "وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته".

قال عياض: "إن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من الموقف، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج " أي إخراج عصاة المسلمين من النار.

معاشر المسلمين: إذا استجاب الله لدعاء نبينا صلى الله عليه وسلم وقبل شفاعته، توقفت تلك الأهوال، وتشققت السماء بالغمام، وجاء ربنا تبارك وتعالى مجيئا ليس كمثله مجيء، مجيئا يليق بجلاله وعظمته، جاء سبحانه ليبتدئ الحساب، ويحكم بين العباد، وجاء معه الملائكة صفا صفا؛ أورد ابن جرير  الطبري بسند صححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعد قبول الله شفاعته، فأنصرف حتى أقف مع الناس فبينا نحن وقوف، سمعنا حسا من السماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا! وهو آت. ثم نزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا! وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا ! وهو آت، ثم نزل أهل السموات على عدد ذلك من التضعيف، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: " سبحان ذي الملك والملكوت! سبحان رب العرش ذي الجبروت! سبحان الحي الذي لا يموت! سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت! سبوح قدوس، رب الملائكة والروح! قدوس قدوس! سبحان ربنا الأعلى! سبحان ذي السلطان والعظمة! سبحانه أبدا أبدا"! فينزل تبارك وتعالى، يحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعا، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم . فوضع الله عز وجل عرشه حيث شاء من الأرض، ثم ينادي مناد نداء يسمع الخلائق، فيقول: يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع كلامكم، وأبصر أعمالكم، فأنصتوا إلى، فإنما هو صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه! فيقضي الله عز وجل بين خلقه الجن والإنس والبهائم، فإنه ليقتص يومئذ للجماء من ذات القرن ".

قال تعالى: (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ) [الحاقة:16-210].

وقال تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر:21-23].

قال صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ".

وترى جهنم المجرمين من بعيد فتغتاظ وتزفر زفرا مخيفا يسمعونه وهي تجري نحوهم من بعيد: (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان: 12].

فترتعد فرائص المجرمين، ويدعون هنالك ثبورا، وتظل أفئدتهم هواء، ليس لها مكانا تستقر فيه من شدة الخوف، وتجثوا الأمم حينها على الركب: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية:28].

ولا يقف الناس فوضى في ذلك اليوم المشهود، وليس لهم ذلك أمام رب العباد، بل يقفون صفوفا مرتبة منتظمة إجلالا للواحد الأحد، واحتراما للموقف العظيم، قال تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا)[الكهف:48].

بل حتى جبريل والملائكة يكونون منتظمين في صفوف وقورة صامتة لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن الله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)[النبأ:38].

أيها المسلمون: إن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة، أما  الكفار ممن قامت عليهم الحجة، فأصروا على الكفر فإنما يكون حسابهم ووزن أعمالهم لإظهار العدل، وإقامة الحجة، وكذلك لتوبيخهم وتقريعهم؛ كما قال شيخ الإسلام، وإلا فإن أعمالهم حابطة هباء منثور، قال تعالى: (الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف:49].

وقال سبحانه: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص:74].

وقال تعالى: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ) [الأنعام: 128] إلى قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [[الأنعام:130].

وقال جل وعلا: ( يوم يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) [الكهف:52-53].

وبعد ذلك السؤال والحساب الخاص بالكفار يساقون إلى جهنم زمرا، جماعات متفرقة: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [الزمر:71].

ويحاول الكفار مقاومة ذلك السَوق الرهيب، ولكنهم لا يستطيعون، فيدعون في جهنم دعا، يدفعون دفعا: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ)[الطور:13-14].

ويقال لهم بأشد تقريع: (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)[الزمر:72].

أسأل الله تعالى أن يلطف بحالنا، وأن يحسن خاتمتنا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واستنى بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن حديث أبي سعيد في البخاري ومسلم: أن أناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "نعم، هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: "ما تضارون في رؤية ربكم يوم القيامة إلا كما تضرون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل امة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبر أهل الكتاب"  أي بقايا أهل الكتاب، فيكيف يكون الحساب حينئذ؟!.

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى.

اللهم أكرمنا برضاك عنا.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي