الحكمة من إرسال الأنبياء والرسل جميعاً واحدة، وهو توحيد الله، ودلالة الخلق عليه، ونشر الطمأنينة والسكينة بين الشعوب، وإرساء قواعد الحق والعدل والخير والكرامة؛ لهذا الإنسان الذي استعبده الشيطان، أو تعرض للظلم والقهر من أخيه الإنسان، أو استعبدته الشهوات والشبهات، ثم...
الحَمْدُ لله الداعي إلى بابه، الموفِّق من شاء لصوابِهِ، الحافظ لمن توكل عليه ولاذ بجنابه.
أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له، شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه.
ألا يا محبَ المصطفى زد صبابةً *** وضمخ لسان الذكرِ منكَ بطِيبهِ
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما *** علامةُ حُب اللهِ حُب حبيبهِ
صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه، وعَلَى عُمر الَّذِي
أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه، وعَلى عليٍّ المشهورِ بحَلِّ المُشْكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: إن من أركان الإيمان وأسس العقيدة التي ينبغي للمسلم أن يعتقدها، ويؤمن بها: الإيمان بجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ إيماناً راسخاً ثابتاً، لا يتزعزع، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
وقد وصف القرآن الكريم إيمان المؤمنين بقوله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير)[البقرة: 285].
والنبوة اختيار إلهي، واصطفاء رباني لمن شاء من خلقه، قال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[الحج: 75].
والحكمة من إرسال الأنبياء والرسل جميعاً واحد، وهو توحيد الله، ودلالة الخلق عليه، ونشر الطمأنينة والسكينة بين الشعوب، وإرساء قواعد الحق والعدل والخير والكرامة؛ لهذا الإنسان الذي استعبده الشيطان، أو تعرض للظلم والقهر من أخيه الإنسان، أو استعبدته الشهوات والشبهات، ثم بعد ذلك دلالة الناس إلى اليوم الآخر، وبيان أن هذه الدنيا ليست بدار مقر وإقامة، فتصحح الاعتقادات، وتزداد الطاعات، وتستقيم السلوكيات والمعاملات، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[النحل: 36].
وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[إبراهيم: 5].
وقال تعالى في شأن خاتم الأنبياء والرسل عليه السلام: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].
وما من نبيٍ إلا كان حريصا على تبليغ دين الله، والنصح لقومه؛ رغم ما كانوا يتعرضون له من تكذيب وسخرية واستهزاء وتعذيب، بل وصل الأمر إلى إخراجهم من ديارهم، وسفك دمائهم، وهم صابرون؛ لأنهم يحملون دين الله، ويبلغون رسالاته، وهي أشرف منزلة، وأعظم مكانة قد يصل إليها بشر.
أيها المؤمنون عباد الله: ومن رحمة الله بنا أن بعث فينا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بالإيمان به وتصديقه، وإتباعه، والاقتداء به، والانتصار له، ومحبته، وتقديمه على النفس والمال والولد.
على يديه كمل الدين، وبه ختمت الرسالات - صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].
وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
حريصُ عليكم رحيمُ بكم مشفقُ عليكم، يتمنى سعادتكم وراحتكم في الدنيا ونجاتكم يوم القيامة.
وانظروا إلى هذا الحرص العجيب على أمته رغم ما لاقاه صلى الله عليه وسلم، ومدى تقدير ربِّ العالمين لهذا الحرص! فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[إبراهيم: 36].
وقال عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة: 118].
فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءُكَ"[مسلم (202)].
بل كادت نفسه صلى الله عليه وسلم أن تذهب، وروحه أن تزهق حرصاً على المؤمنين وهدايتهم، قال سبحانه: (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8].
ويرى صلى الله عليه وسلم قبراً جديداً، فسألهم، فقالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان، فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ماتت ظُهراً وأنت نائم، قائل، فلم نحب أن نوقظك، ثم قال: "لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة"[مسلم 2601)].
فأي قلب كريم! وأي رجل رحيم! هذا الذي يواسيه ربه - عز وجل - حتى لا يهلك أسى وحزنا على إعراض قومه، بل كان يقول في أشد لحظات إيذائهم له: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"[البخاري (3290)].
بل إنه صلى الله عليه وسلم ادخر دعوته وشفاعته لأمته يوم القيامة، فقال: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له، وإني أريد إن شاء الله أن أدخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" [الألباني صحيح الجامع: 5174)].
إن هذا الحرص وهذا الحب لأمته ينبغي أن لا يقابل بالبعد والجفاء، وعدم الاقتداء به والالتزام بسنته، والسير على نهجه.
قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)[النور:54].
إن من مقتضيات الإيمان بهذا الرسول العظيم الحب الصادق له، والشوق لرؤيته ولقائه، واتباع سنته، والعمل لدينه.
ولقد أدرك الصحابة الكرام هذه الحقيقة الإيمانية، وأثر حب الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتهم وآخرتهم، فكان منهم الحب الذي كان من ثماره العبادة الصحيحة، والعمل الخالص، والبذل والتضحية، والصبر والجهاد، والأخوة والتعاون والتآلف فيما بينهم.
هذا أبو بكر رضي الله عنه يضرب المثل الرائع في الحب لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الهجرة كان يمشي مرةً أمام النبي، ومرةً خلفه، مرةً عن اليمين ومرةً عن الشمال، خوفًا عليه من شيءٍ يؤذيه، ودخلَ الغارَ قبْلَه.
وهذا عليٌّ رضي الله عنه، ينامُ في فراشه، ويتسجى ببرده، ويفديه بنفسه.
وهذا خُبَيبُ بنُ عَدِي رضى الله عنه وأرضاه، أُسِرَ في مكة، وأُخرج إلى خارج حدودِ الحرم، لتُضرَب عنُقُه، ليُقْتَل.
اسمعوا ماذا قال لهم: امهلوني حتى أصلي ركعتين، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم قدَّموه للقتل، بعد أن عذبوه ونكَّلوا به، ورفعوه على خشبة، لتُقطع عنقه، فقالوا له: أَتُحِبُّ أنَّك في أهلِكَ ومحمدٌ مكانَك؟ فيقول قول الصادق الحب: "واللهِ ما أُحبُّ أن أكونَ في أهلي، ومحمدٌ يُشاكَ بشوكةٍ في قدمه".
إنه يقول والله لو قتل أهلي ما أحب أن يشاك محمداً شوكة في قدمه.
بل كان للمرأة المسلمة صوراً ناصعة في حب هذا الرسول، والدفاع عنه.
هذه نسيبة بنت كعب أم عمارة رضي الله عنها خرجت يوم أُحد في جيش المسلمين تداوي الجرحى، فلما رأت أن المشركين قد تكاثروا على رسول الله، وقد أحاطوا به وحاصروه استلَّت سيفَها، ودخلت بين صفوفِ المقاتلين، تضرِبُ يمينًا وشمالاً، حتى وقفت بين يدي رسول الله، وجعلت تقاتِلُ دونَه، وتدفَعُ عنه، وهى تردُّ الضربات، بجسدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "من يُطيقُ ما تُطِيقين يا أمَّ عُمارة، سليني" قالت: "أسالك مرافقتك في الجنة، قال: أنت رفيقتي في الجنة".
إنه حب حتى الرمق الأخير، واللحظات الأخيرة من هذه الحياة، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك؟ قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم، فقلت: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف يجدك؟ فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، وفاضت روحه من وقته"[رواه البخاري].
عبـاد الله: لا تعجبوا من هذا الحب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحبه الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والحجر والشجر والبهائم، والأرض والجبال؛ لحسن خلقه وتواضعه ورحمته التي عمت الخلائق أجمعين، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107].
لقد رأى الصحابة رضى الله عنهم أن يصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبر خشبي، ليبلغ صوته مد أبعد ويترك ذلك الجذع من النخل الذى كان يخطب عليه، فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبر الجديد، وبدأ يخطب.
سمع المسجد بكاء وصوتا كصوت العشار، وهى الناقة الحامل؛ إنه صوت الجذع حتى ارتج المسجد بصوته الذى غدا وكأنه صوت النحيب عند بنى الإنسان، فتصدع وانشق وكثر بكاء الناس، لما رأوا هذا الأمر العجيب، وهذه المعجزة الربانية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع يده الشريفة عليه، فسكت، ثم قال: "إن هذا بكى لما فقد من الذكر والذى نفسى بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة".
ترى لو كان لهذا الجذع لسان، أي ملحمة حب كان يقول؟ أم أي خطبة عصماء كان يخطب يشدو بها الزمن، ويصغى لها التاريخ أسماعه.
والحديث رواه الإمام مسلم عن عامر بن سعد بن أبي عبد الله قال: "كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه"[مسلم، ج 12، ص 219) وله طرق وشواهد متعددة].
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك، وكل حبٍ يقربنا على حبك.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطـبة الثانـية:
عباد الله: كيف يحب المؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبه الرسول؟
إن أول علامات الحب: إتباعه والعمل بسنته، والدعوة إلى دينه بتعليم الجاهل، وتذكير الغافل، ونصح المقصر.
ومن هذه العلامات: محبة أصحابه وأزواجه وأهل بيته المؤمنين -رضي الله عنهم-، والدفاع عنهم.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"[البخاري (3/1343، رقم 3470)].
عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"[رواه الطبرانى وحسنه الألباني صحيح الجامع 6285)].
ومن علامات حب العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الغلو فيه، ووصفه بصفات لا ينبغي أن تكون إلا لله، فيعتقد المسلم أن رسول الله بشر لا ينفع ولا يضر، ولا يحيي ولا يميت، ولا يعلم الغيب، وكل ما أجراه الله على يديه من المعجزات والكرامات إنما وقعت بإذن الله وإرادته.
وقد ضلت أمم وأقوام، وهلكت حضارات ومجتمعات، حينما ظهر هذا الانحراف تجاه أنبيائهم، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"[رواه البخاري(3/1271)].
أيها المؤمنون عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل 1400 قرناً من الزمان، يدرك أن هناك أناسا من أمته، منكم رجالاً ونساءً سيكون حبهم له عظيما، وشوقهم إليه كبيرا، فكان يذكركم لأصحابه ويتمنى أن يراكم ويجلس معكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "من أشدّ أمتي لي حبّاً: ناسٌ يكونون بعدي يودُّ أحدُهُم لو رآني بأهله وماله" [رواه الإمام مسلم في صحيحه 2187:4 ، رقم 2832)].
فكونوا رحمكم الله من أصحاب هذا الحب الصادق لهذا النبي العظيم بالوفاء لدينه، والتزام سنته، والشوق للقائه، في جنة عرضها السماوات والأرض.
ثم اعلموا أن من علامات حبه: كثرة الصلاة والسلام عليه في كل وقت وحين، ففي ذلك الراحة والطمأنينة، والأجر والثواب، وهو دليل على هذا الحب.
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وآل بيته الطاهرين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي