المسلمُ يوقِنُ قلبُه إن لأسماء ربه وصفاته معانٍ شريفةِ عظيمة, تليق بجلال الله وعظمته لا تشبه صفاتَ المخلوقين الضعفاءِ الناقصين، لذلك يكون لهذه الأسماءِ أثرٌ في زيادة إيمانه.. إن معرفة معاني الأسماء والصفات يحقق آثاراً ظاهرةً لمن تعبّد لله بها، ومن هذه الآثار:الأنسُ بالله ولمّ شَعَثَ القلب وذلك إنما هو أثرُ تجلي الأسماءِ والصفات الحسنى على قلب العبد، فترتفعُ حجبُ الغفلة والشك والإعراض، ويتمُ...
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بعد:
عبادَ الله: إن لله تعالى أسماءً حسنى وصفاتٍ عُلا, يجب أن نعبدَه بها ونتقربَ له تعالى بها،قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأعراف: 180]، المسلمُ يوقِنُ قلبُه إن لأسماء ربه وصفاته معانٍ شريفةِ عظيمة, تليق بجلال الله وعظمته لا تشبه صفاتَ المخلوقين الضعفاءِ الناقصين، لذلك يكون لهذه الأسماءِ أثرٌ في زيادة إيمانه.
قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه البخاري، بل -يا عبادَ الله- أسماءُ الله لا يحصيها إلا هو سبحانه، وذلك لأن شأن الله عظيمٌ وقدرَه كبير, وكان من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"، ومعنى أحصاها أي عرف عددها ومعانيها ودعاه بها.
عبادَ الله: إن معرفة معاني الأسماء والصفات يحقق آثاراً ظاهرةً لمن تعبّد لله بها، ومن هذه الآثار:الأنسُ بالله ولمّ شَعَثَ القلب: "وذلك إنما هو أثرُ تجلي الأسماءِ والصفات الحسنى على قلب العبد، فترتفعُ حجبُ الغفلة والشك والإعراض، ويتمُ استيلاءُ سـلـطــانِ المـعـرفـة على القلب, وقد استولى على العبد نورُ الإيمان بالأسماء والصفات ومعرفتُها، ودوامُ ذكرهـا والنظرُ إلى الواحد الفرد، الأولُ فليس قبله شيء، الآخِرُ الذي ليس بعده شيء، الظاهرُ الذي ليس فوقه شيء، الباطنُ الذي ليس دونه شيء، سبق كلَّ شيءٍ بأوليَّتِه، وبقي بعد كل شــيء بآخـريـتــه، وعلا فوق كل شيء بظهوره، وأحاط بكل شيء ببطونه".
عبادَ الله: سيكون حديثنُا في هذه الخطبة عن أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته على قلب المؤمن الموحِّد، فسأذكرُ بعضَ أسماء الله وأبيِّنُ أثرَها على قلب كل واحدٍ منّا.
السميعُ: إذا استشعر العبدُ بقلبه سمعَه (سبحانه) لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخَفَائها، وأنه سَوَاءٌ عنده مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، ولا يشغلُه من جهر عن سمعه لصوت من أسر، ولا يشغله سمعٍ عن سمع، ولا تغلطُه الأصواتُ على كثرتها واختلافها واجتماعها، بل هي عنده كصوتٍ واحد، فعلم أن الله يسمعُه, فلا يقولُ إلا خيراً، بل يستحي أن يسمعَ اللهُ من كلامه ما يخزيه ويفضحُه عنده، وإنما يشتدُّ في ألا يسمعَ منه إلا الكلامَ الحسن، بل ويكثر منه؛ حتى يحظى عند ربه (سبحانه), قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلُ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"
ويستشعرُ المسلم ُكذلك أن الله يـســمـــع ُكلامَ أعدائه، وأن الله ليس بغافلٍ عنهم ولا يرضى ما يقولون، فعند ذلك يعلم أن الله معه وأنه ناصرُه لا محالة، وحتى تعرف يا مسلمُ عظمةَ سمع الله, أسمع هذه القصة التي ترويها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،فقد دخلتْ خولةُ تشتكي زوجها فكانت تسار النبي صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ فأنزل الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [المجادلة: 1], قالت عائشة: "تبارك الذي أوعى سمعُه كل شيء، إني لأسمع كلامَ خولةَ بنتِ ثعلبة ويخفى علي بعضه" فعائشة خفي عليها بعضُ الكلام وهي في نفس الغرفة, ولم يخفَ شيءٌ على الله تعالى. هل سمعت هذا يا عبدَالله؟ فارفع حاجتَك إلى الله ولن يخيِّبَك تعالى فهو يسمعُ سؤالك.
الاسمُ الثاني: البصير: فهو تعالى يبصِرُك وأنت تعمد إلى معصيته، فاستحِ منه وهو تعالى يبصرك وأنت تعبده فأكثر من عبادته، وهو تعالى يبصرك وأنت تسفُّ الدمع تائباً منيباً راجعاً له فلن يخذلك أبدا (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر: 20], وقال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11].
الاسمُ الثالث: الودود: فهو تعالى يحب عبادَه الصالحين ويحبونه؛ فإن العبدَ إذا شاهد بقلبه غنيّاً كريماً جواداً، عزيزاً قادراً، كلُّ أحدٍ محتاجٌ إليه بالذات، وهو غنيٌّ بالذات عن كل ما سواه، وهو -مع ذلك- يودُّ عباده ويحبهم، ويتودَّدُ إليهم بإحسانه وتفضُّله عليهم, كان له من هذا الشهود حالةٌ صافيةٌ خالصةٌ من الشوائب. [تهذيب مدارج السالكين، ص 559]
الاسمُ الرابع: السلام:وحقـيـقـــةُ هـــذه اللفظة (السلام) هي: البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، فإذا علمتَ أن الله هو (السلام) فتعلم أن تجاوزَه عنك في معصيتك وذنبك, سلامٌ من أن تكون عن حاجة منه أو ذلٍّ أو مُصانعة، كما أن عذابه سلام عن أن يكون ظلماً أو قسوة، بل هــــــو محضُ حكمته وعدله, وشرعُه ودينُه سلامٌ من التناقض والاختلاف والاضـطــــراب وخــــلاف مـصـلـحـة العباد ورحمتهم, وكذلك محبتُه لمحبيه وأوليائه سلامٌ من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونهــا محبةَ حاجةٍ إليه أو تعلقٍ أو انتفاع بقربه. فتأملْ كيف تضمن اسمُه (السلام) كلَّ ما نُزِّه عنه (تبارك وتعالى)، واستشعرْ هذا بقلـبـك؛ فإنه يبعثُ على تعظيم ربك – سبحانه -. [بدائع الفوائد، 2/135، بتصرف]
الاسمُ الرابع: الجبار:ولاسمه (الجبار) ثلاثةُ معان:
أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة، فكم جَبَر من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، فــــإذا عرف العبد هذا المعنى تعبَّدَ لله بمقتضاه، وسأله بأن يجبرَ كسره، ويعينه على عبادته.
أنه القهار، فهو يجبر عباده على ما أراد مـمـــــا اقتضته حكمتُه، فيستشعر العبد أن أفعاله بقدرة الله، ويعلم أن أعداء الدين لن يصيبوه إلا بما قضى اللهُ وأراد.
أنه العليُّ بذاته فوق جميع مخلوقاته، فلا يستطـيــعُ أحدٌ منهم أن يدنوَ منه، فيبعثه ذلك على تعظيم ربه وإدراك عزته واستعلائه.
ونختم باسم الوهاب: فهو يَهَبُ لمن يشاء كيف يشاء بلا منازع له ولا رادَّ لحكمه, ففي الأمور الدنيوية قال تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) [ص: 9], فهو تعالى في هذه الآية يندِّدُ بسوء أدبِ الناس مع الله، وتدخُلُهم فيما ليس من شأن العبيد. والله ُيعطي من يشاء ويمنع من يريد. وهو العزيز القادر الذي لا يملك أحدٌ أن يقفَ ضدَّ إرادته. وهو الوهاب الكريم الذي لا ينفدُ عطاؤه.
وهو تعالى خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرفُ فيهما، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أُعطى ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء.
وفي أمور الأخروية ينطرحُ العبدُ بين يديه وهو يكرر مرة بعد مرة ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8], فهو الوهابُ, وهابُ الدنيا والآخرة (هذا هو حال الراسخين في العلم مع ربهم, وهو الحال اللائق بالإيمان المنبثق من الطمأنينة لقول الله ووعده والثقة بكلمته وعهده, والمعرفة برحمته وفضله والإشفاق مع هذا من قضائه المُحْكَم وقدره المغيَّبِ, والتقوى والحساسية واليقظة التي يفرضها الإيمان على قلوب أهله، فلا تغفلْ ولا تغترْ ولا تنسَ في ليل أو نهار.
وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته. وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله. فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدَّهم بالعون والنجاة.
عن أُمِّ سلمةَ - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله كثيرا ما يدعو: "يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّت قَلْبي على دينك" ، قالت: فقلتُ له : يا رسولَ الله ، ما أَكثَرَ دُعَائِكَ بهذا ؟ قال : "يا أُمَّ سلمةَ ، إنه ليس آدَميٌّ إلا وقلبُه بين إِصْبَعيْنِ من أصابع الله ، فمن شاء أقام ، ومن شاء أزَاغَ" [الظلال: 372]
قال الخطابي: "فكل من وهب شيئا من عَرَضِ الدنيا لصاحبه فهو واهبٌ, ولا يستحق أن يسمى وهابا إلا من تصرفت مواهبُه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقين يملكون أن يهبوا مالا أو نولا في حال دون حال، لكن لا يملكون أن يهبوا شفاءً لمريض، ولا ولدا لعقيم، ولا هدى لضال، والله هو الوهاب يملك جميع ذلك, وسع الخلقَ جودُه فدامت مواهبُه واتصلت مننه وعوائده" [شأن الدعاء]
الخطبة الثانية
الحمد لله الرحمن الرحيم, الملكِ القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر, الخالقِ البارى ء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم, القابضِ الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير, الحليمِ العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل, الكريمِ الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الحق الوكيل القوي المتين, الولي الحميد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقدم المؤخر, الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف, مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني, المعطي المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وسلم وبعد:
فيا عبدَ الله: تقرب إلى الله بمعرفة أسمائه وصفاته فإن ذلك من تعظيمه وذكره، وتفكرْ في معاني أسماء الله وصفاته, فستشعر بحالة من الطمأنينة واليقين إلى أسماء الرب وصفاته, فلن تعدمَ الرزقَ من رب غني رزاق كريم
ولن تعدمَ التوبة من ذنوبك من رب غفور عفو رؤوف, ولن تعدمَ دخولَ الجنة من رب رحمن رحيم. فتفكر في هذه الأسماء وأجعل لها أثراً على قلبك وعندها ستأنسُ بالله جل وعلا.
وإياك ثم إياك أن تسمع لكلام أولئك المساكين المحرومين الذين يدعون أنهم لا يفهمون لأسماء الله معان، فقد عافاك الله أيها الموحدُ من ذلك المرض، وعسى الله أن يعافيَهم مثل ما عافاك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي