فأصبحنا مرتهنين صدقاً، أما طائعنا فقد اغتبط بعمله, ولقي الفوز والرَّوح والريحان، وأما عاصينا, فقد باء بالخيبة والحسرة والهوان، يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا، ويودّون أن لو مكنوا ليعملوا صالحاً وينيبوا، وأنتم إلى ما صاروا صائرون، وبكأس الحمام الذي يدور ..
الحمد لله الذي لم يزل قائماً بشؤون الخليقة على أحسن نظام, لا ينامُ ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل على الكمال والتمام، فهو الملك العظيم القدوس السلام، ونشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.
أمَّا بعد:
أيها الناس, اتَّقوا الله، واعلموا أنَّ الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. وأنكم عند انتقالكم من الدُّنيا لا بد أن يمتحنكم ويسألكم، ويجازيكم، فمن كان في الدنيا ثابتاً على الصراط المستقيم، ثبَّته الله عند مماته, وفي قبره, وبشر بالفوز والنعيم، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا قُبر الميت أتاه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول المؤمن: ربي الله, فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله, فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله, فآمنت به وصدَّقت, فينادي منادٍ من السماء، أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة, فيأتيه من روحها وطيبها, ويفسح له في قبره مدَّ بصره. وأما الفاجر أو الكافر, فإذا سأله الملكان: من ربُّك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال: هاه هاه لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئاً, فعلته. فيضربانه بمطرقة من حديد, فيصيح صيحة يسمعها كل شيء, إلا الإنس والجن, ولو سمعوها؛ لصعقوا. فينادي مناد، أن كذب عبدي, فأفرشوه من النار, وألبسوه من النار, وافتحوا له باباً إلى النار, فيأتيه من ريحها وسمومها, ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه, فلا يزال معذباً إلى أن تقوم الساعة".
أما والله لو نشر لكم أهل القبور، فحدثوكم بما وصلوا إليه من عظائم الأمور لقالوا: قد وجدنا ما وعدنا الله ورسوله حقاً, ولم نفقد من أعمالنا مثقال ذرة من خير أو شر, فأصبحنا مرتهنين صدقاً.
أما طائعنا فقد اغتبط بعمله, ولقي الفوز والرَّوح والريحان، وأما عاصينا فقد باء بالخيبة، والحسرة والهوان، يتمنون الرجوع إلى الدنيا؛ ليتوبوا، ويودّون أن لو مكنوا؛ ليعملوا صالحاً وينيبوا، وأنتم إلى ما صاروا صائرون، وبكأس الحمام الذي يدور على الخليقة شاربون، فتوبوا إلى ربكم مادمتم في زمن الإمهال، وتقربوا إليه -بما استطعتم- من صالح الأعمال, قال تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة:83]، إلى آخر السورة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي