إن سر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب؛ انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، فإن الله تعالى أنزل الكتب، ثم جمع معانيها في القرآن الكريم، وأنزل القرآن فجمع معانيه في فاتحة الكتاب، ثم أنزل الفاتحة وجمع معانيها في...
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين)[الفاتحة:1-4].
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين) آية عظيمة القدر والمعنى والمغزى، في أعظم سورة وأشرفها، سورة الفاتحة، التي جعلها الله تعالى أم الكتاب، وأساس الذكر في الصلوات، فلا تصح صلاة بغير أم الكتاب.
سورة ضمت كل معاني التوحيد، والتعظيم والثناء على الله جل وعلا، كما تضمنت مقاصد الدين في أصول الإيمان والعبادة، وجوهر علاقة العبودية بالله في ربوبيته وألوهيته.
سورة هي جوهر الذكر في الصلاة، ومن لم يصل بفاتحة الكتاب فلا صلاة له.
الأمة الإسلامية أجناس وألوان، ولغات ولهجات، ولكنها مهما اختلفت لغاتها فإنها تلتقي جميعا بلسان عربي واحد حول كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسورة الفاتحة.
الفاتحة أم الكتاب وقلبها وجوهر معانيها في الآية الكريمة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين) كلمتان دقيقتان تختزلان غاية الدين كله، إذ عليهما مدار العبودية والتوحيد.
ويذكر ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين: أن سر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب؛ انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، فإن الله تعالى أنزل الكتب، ثم جمع معانيها في القرآن الكريم، وأنزل القرآن فجمع معانيه في فاتحة الكتاب، ثم أنزل الفاتحة وجمع معانيها في: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين).
وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين، فنصف له سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، ونصف لعبده وهو: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين)".
آية، هي خلاصة القرآن كله، تلتقي فيها العبادة والاستعانة في ارتباط يفيد التلازم، وفي صيغة بلاغية بيانية تفيد القصر بالتخصيص والتوكيد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين) تقَدَّمَ المفعول به "إِيَّاكَ" على الفِعل "نَعْبُدُ ونَسْتَعِين".
وفي ذلك تخصيص الله تعالى وحده دون سواه بالعبادة والاستعانة، فلا يعبد بحق ويستحق العبادة إلا الله وحده، ولا يستعان، وليس أهلا للاستعانة إلا الله تعالى وحده.
وتقدمت العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص، واهتماماً بتقديم حقه - تعالى- على حق عبده، وفي التقاء ضمير المخاطب وهو الله سبحانه، وضمير المتكلم وهم المؤمنين، تلتقي حقوق الربوبية بواجبات العبودية في عبارة بمنتهى الإيجاز والبيان.
ولما كانت الآية تتلى في كل صلاة؛ فإن المؤمن يعلن بذلك وباستمرار ميثاق عهد العبودية، والعبادة لله جل وعلا على أساس من التوحيد الخالص، وهو الأساس العقدي الذي كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة بمكة لتطهير القلوب والعقول والحياة من رواسب الشرك، وظواهره السائدة، قبل الانتقال إلى طور المدينة لبناء الشريعة والأمة والدولة.
وتضم الآية الكريمة أصول التوحيد في نوعين:
1- توحيد العبادة المتعلق بحق ألوهيته سبحانه واسمه الله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)[الزخرف:84].
هو الإله الواحد المستحق للعبادة، لا يشاركه فيها ند، وما ينبغي لأحد من خلقه أيا كان، ملكا مقربا معصوما ولا نبيا مرسلا، وتلك غاية خلق الخلق أجمعين: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
ويجدر التمييز في ذلك بين صورتين للعبودية: عبودية القهر والإجبار التي يستوي فيها الخلق كلهم، إذ هم عبيد لله تعالى جميعا دون استثناء، مجبرون بغير إرادة ولا اختيار تحت إرادة الله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام:18].
وكل ما في الكون له عابد، كل قد علم صلاته وتسبيحه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الحج:18].
وعبودية الإرادة والاختيار، وهي خاصة بعباد الله المؤمنين من الإنس والجن، المستجيبين لربهم بالتوحيد والعبادة.
وفيها يدرك العبد معنى ومغزى وجوده وحياته ورسالته، وينعم بالرضا والطمأنينة والسكينة في حياته وتجاه آخرته.
والعبادة في هذه الآية لفظ عام يشمل العبادات كلها مثل الصلاة والصوم والحج والعمرة والنذر والذبح والدعاء والذكر وغيرها.
2- توحيد الاستعانة: وهو متعلق بحق ربوبيته سبحانه واسمه الرب؛ لأنه رب السموات والأرض ورب الخلق أجمعين، وهو المهيمن عليهم بقدرته وإرادته وتدبيره: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)[الأعراف: 54].
فلا يملكون من دونه لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.
وحق الله في ربوبيته، هو توحيد الاستعانة، بحيث لا يستعان ولا يستغاث إلا به جل وعلا، ولا يدعى ولا يرجى ولا يتوكل إلا على الله وحده؛ لأن الأمر كله بيده وحده لا يملك أحد معه مثقال ذرة: (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف: 18].
فإذا كانت العبادة قائمة على كمال المحبة مع كمال الذل والخضوع والاستجابة لرب العالمين تقربا إليه بكل ما يحب ويرضى من الأقوال والأفعال والأحوال الظاهرة والخفية؛ فإن الاستعانة قائمة على تمام التوكل عليه سبحانه، افتقارا إليه، وثقة به، وتسليما له وتفويضا: (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)[فاطر: 57].
كذلك تجتمع الغايتان في مثل قوله تعالى: (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[هود: 123].
وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم، فبقدر ما يصرف العبادة إلى الله وحده، يتلقى منه العون والتوفيق في العبادة نفسها وفي سائر شؤونه.
وتلك حقائق يجب على المسلم أن يعلمها ويتفقه فيها ويؤمن بها ويعمل بمقتضياتها في علاقته بربه، تحقيقا لعبوديته وعبادته على علم ويقين وبصيرة.
إن الناس مع: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين) أصناف أربعة:
1- أهل العبادة والاستعانة صدقا وإخلاصا، يجمعون بينهما اعتقادا وعملا ولا يفرقون، ولا يقصرون في ذكر الله تعالى وشكره وحسن عبادته، ولا يشركون به شيئا، لا في الإيمان به ولا في طاعته والتوكل عليه.
الذين هم عابدون لله، ومستعينون به على عبادته والاستقامة على دينه، ابتغاء مرضاته، يؤدون له حقه في ذاته وأسمائه وصفاته بالتوحيد الخالص، وحقه في نعمه وآلائه بالاعتراف والحمد والشكر، وحقه في قضائه وقدره، بالتسليم والرضا والصبر، وحقه في أوامره ونواهيه بالاستجابة سمعا وطاعة.
هؤلاء هم المؤمنون حقا، لهم البشرى بالرضا والرضوان: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت: 30].
2- أهل عبادة بغير استعانة، وهم على وهم؛ لأن التوفيق والقبول في العبادة إنما يكون بطلب العون والقبول فيها من الله.
ومن هؤلاء من يؤدون فرائض العبادة، ولكنهم يرجون ويطلبون أسباب السعادة والرزق والتوفيق عند غير الله تعالى، وتلك حال المتعلقين بالأضرحة والقبور والسحر والكهانة وغيرها من الواقعين في الشرك العملي.
يستجيبون لمقتضى إياك نعبد، ويتنكرون لمقتضى إياك نستعين، فخلطوا الطاعة بالشركيات العملية: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)[يوسف: 106].
3- والصنف الثالث يزعمون التوكل على الله والاستعانة به، لكن على حظوظهم الدنيوية وشهواتهم بلا عبادة، وهم في الحقيقة إنما يعبدون دنياهم، ولا يلجئون إلى الله إلا طلبا لقضاء حوائج أهوائهم، وقد يؤتيهم الله من متاع الدنيا، ولكنهم ليس لهم في الآخرة من نصيب: (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى: 20].
3- وصنف الجاحدين المعرضين المستكبرين على الله تعالى، الذين لا هم له عابدون، ولا هم به يستعينون؛ لأنهم لا يؤمنون به أصلا، يأكلون رزقه ويجحدون فضله ويعبدون غيره، أولئك في الضلال والخسران المبين: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر: 60].
إنه لا يستقيم حال العبد مع الله جل وعلا إلا على الجمع والتوفيق بين العبادة والاستعانة، أي بين مقتضى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ومقتضي: (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5].
وذلك بالإخلاص لله في العبادة، وتمام التوكل عليه والافتقار إليه في الاستعانة، يقول ابن القيم: "إياك نعبد تدفع الرياء، وإياك نستعين تدفع الكبرياء".
وبذلك يلتقي ويتكامل الإخلاص والتوكل تواضعا لله تعالى، ويقول: "تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على طاعة الله ثم رايته في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين) فأفضل المواهب بعد الإيمان والهداية، أن يسعفك الله ويوفقك إلى طاعته وعبادته ويتقبلها منك، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في وصيته لمعاذ بن جبل: "يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ. فَقَالَ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لا تَدَعْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"[رواه أحمد].
وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس ما هو جامع لكل هذه المعاني، في حقيقة العبادة والاستعانة والتوكل وفضلها، يقول ابن عباس: "كنت خلف النبي يوما فقال لي: "يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"[رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ].
وفي روايةِ غيرِ التِّرمذيِّ: "احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".
فلنأخذ هذه الوصية النبوية الجامعة دستورا لعلاقتنا بالله تعالى؛ بحفظ عهده بالتوحيد والعبادة والاستعانة، وحفظ حدوده، وتعظيم حرماته.
فبقدر ما نحفظ الله تعالى في حقوقه علينا، يكون سبحانه معنا بعنايته وتوفيقه ورضاه، فهو ربنا ومولانا وصاحب الفضل علينا، ولا حول لنا ولا قوة إلا به، في كل شيء من أمور ديننا ودنيانا وآخرتنا: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 26].
في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بَيْنا أَنا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ إِلاّ أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقالَ: "يا مُعاذ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ: "يا مُعاذ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يا مُعاذ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: "هَلْ تَدْري ما حَقُّ اللهِ عَلى عِبادِهِ" قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ اللهِ عَلى عِبادِهِ أَنْ يَعْبُدوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً" ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْري ما حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ" قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ"[متفق عليه].
كذلك حق الله تعالى أيها المؤمنون، أن يعبد بحق، ويوحد بحق، فلا يشرك به لا في توحيده ولا في عبادته: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36].
فإذا استجاب العباد لربهم وأدوا حقوق توحيده وعبادته، فإنه تعالى جعل لهم من فضله وكرمه حق نجاتهم من النار.
ولا سبيل لحسن عبادته إلا على المحبة والإخلاص والتوحيد والموافقة لمنهج السنة النبوية.
فإذا كانت العبادة جامعة لكل ما يحب الله تعالى ويرضى أن يتقرب إليه به، فإن ذلك لا يكون بما تملي الأهواء والأوهام والأذواق والعادات، ولكن بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير العابدين وإمام المتقين، وحجة بسنته على الناس أجمعين.
فلنجعل وجودنا وحياتنا وهموم حياتنا كلها متجهة إلى الله تعالى عبودية وعبادة، مستجيبين لأمر الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162].
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وتقبل منا وارض عنا، يا أرحم الراحمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي