حري بالمسلم في هذه الإجازة أن ينظم وقته، فيجعل له برنامجاً لقراءة القرآن الكريم وحفظه، برنامجاً في طلب العلم، برنامجاً في صلة الأرحام والصالحين، برنامجاً في أداء العبادات التي تثقل عليه كالصيام وقيام الليل مثلاً، فإن الاشتغال بهذه العبادات هي...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فيأيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه.
واعلموا -رحمكم الله تعالى- أن حمل النفس على العمل والجد دائماً يورثها الملل والسآمة، لذا كان لابد للنفوس من فترة استجمام ترتاح فيها لتعود وتعمل أفضل مما كانت، يقول علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: "إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة".
ومن هذا المفهوم جاءت الإجازة الصيفية؛ لتكون مرتعاً يستجم فيه الطلاب والطالبات، ويستثمرون الوقت للفائدة.
إلا أن كثيراً من أبناء المسلمين لا يعرف للوقت قيمته، ولا يقم له مكانة؛ الوقت الذي أقسم الله به في كتابه، فقال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل: 1-2].
وقال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1-2].
وقال تعالى: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) [الضحى: 1-2].
الوقت الذي يسأل عنه المرء أمام الله - تعالى - يوم القيامة، ف " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه".
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فمن كان وفته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوباً من حياته".
أيها المسلمون: إن المقلب لصفحات السنين الماضية يجد أن الناس في إجازتهم يضيعون أوقاتهم، ويقعون في كثير من المخالفات الشرعية التي ينبغي على المسلم الحذر منها، والبعد عنها.
ومن تلكم المخالفات الشرعية، التهاون في أمر العبادة.
فلئن جاز للمرء أن يأخذ إجازة عن عمله أو عن وظيفته لا يجوز له أن يأخذ إجازة عن طاعة ربه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
وإن أدل شيء على تهاون الناس في أمر العبادة، تهاونهم في الصلاة التي هي عمود الدين، والحد الفاصل بين المؤمنين والكافرين.
إذ أن كثيراً من الناس قد اعتاد السهر إلى قبيل الفجر والاستيقاظ عند صلاة العصر، فيضيع الصلاة التي هي أهم أمور الدين بعد الشهادتين، والتي توعد الله من أضاعها بالويل، فقال جل وعلا: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُون) [الماعون: 4- 5].
وتوعد من أضاعها بالغي وهو واد في جهنم، فقال: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].
فليتق الله -تعالى- المضيعون للصلاة والمتهاون في أدائها مع الجماعات، أيرضوا بأن يمحوا من ديوان المؤمنين ويثبتوا في سجل المنافقين.
ومن المخالفات الشرعية في هذه الإجازة الصيفية: السهر طول الليل فيما يضر ولا ينفع؛ إذ تنقلب حياة الناس في الإجازة رأساً على عقب، فيعتاد كثير منهم السهر بالليل والنوم بالنهار، ولو كان السهر في عبادة الله -تعالى- وطاعته لكان أمراً محموداً، ولكنه سهر على معصية الله، سهراً على الأفلام والمسلسلات والمحرمات عبر مجالاته المتعددة، من فيديو وقنوات فضائية وغير ذلك.
وأعظم من ذلك شراً السهر في المقاهي وعلى أرصفة الطرق، وما يصحب ذلك من شرب للدخان، وضياع الوقت مع قرناء السوء تضر صحبتهم ولا تنفع.
لذا فإن الواجب على الآباء مراقبة أبنائهم، فهم أمانة في أعناقهم، والله سائلهم عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
ومن المخالفات الشرعية في الإجازة: السفر إلى خارج البلاد بقصد السياحة المحرمة، وما يصحب ذلك من حضور للحفلات الغنائية والمسرحيات النسائية، ومشاهدة المحرمات من التبرج والسفور، إلى غير ذلك، ويزداد الإثم إذا كان السفر إلى بلاد كافرة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين".
والسفر إلى بلاد الكفر والفجور إنما أجازه العلماء بشرط: أن يكون عند المسلم علم يدفع به الشبهات، وبدين يمنعه من الشهوات، وحاجة ماسة تدعوه إلى السفر.
وإن لك - أيها المسلم- في السياحة الداخلية لعوضاً عن السياحة الخارجية، فاتق الله –تعالى- في نفسك، واعلم بأن الإجازة حجة لك أو عليك.
عباد الله: إن وسائل استغلال الإجازة الصيفية كثيرة جداً، ينبغي على المسلم السعي في تحصيلها، ومنها ترويض النفس على عبادة الله –تعالى-؛ إذ العبادة هي الغاية التي خلقنا من أجلها" : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
فحري بالمسلم في هذه الإجازة أن ينظم وقته، فيجعل له برنامجاً لقراءة القرآن الكريم وحفظه، برنامجاً في طلب العلم، برنامجاً في صلة الأرحام والصالحين، برنامجاً في أداء العبادات التي تثقل عليه كالصيام وقيام الليل مثلاً، فإن الاشتغال بهذه العبادات هي المتجر الرابح للمرء في دنياه وأخراه.
ومن وسائل استغلال الإجازة: الاشتراك في المراكز الصيفية، فهناك العديد من المراكز التي تقيمها قطاعات عامة أو خاصة، يتم من خلالها استغلال أوقات الفراغ بما يعود بالنفع على الشاب.
ومن وسائل استغلال الإجازة: أداء العمرة، حيث يكون المجال للعبادة أوسع، ولا يخفى على أحد فضيلة العمرة وأجرها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر".
ومن وسائل استغلال الإجازة الصيفية: متابعة إذاعة القرآن الكريم، ففيها يعرض الإسلام وأحكامه عرضاً سليماً من الشوائب، وتتلو فيها آيات كتاب الله –تعالى-، وأقوال رسوله –صلى الله عليه وسلم-، فكم من جاهل لأحكام الدين تعلم من خلال، وكم نفع الله به من أناس داخل البلاد وخارجها.
فاحرصوا - رحمكم الله تعالى- على الاستفادة منها، ومن جميع أوقات فراغكم، فيما يعود عليكم بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة.
يقول الله -تعالى- في كتابه العظيم: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر:1-3].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي