صالح الأبناء والبنات تقر به العيون في الحياة وفي الممات، تقر به عينك في الدنيا، تراه عبداً ناصحاً، عبداً خيراً صالحاً، إن أمرته أطاعك، وإن طلبته برّك، وكان لك بعد الله نعم المعين، وكان لك الناصح الأمين. صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في اللحود والظلمات؛ يوم تغشاك منه صالح الدعوات، وأنت في القبور وحيداً، وأنت في مضاجعها فريداً، يذكرك...
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
عباد الله: صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، يا لها من نعمةٍ عظيمةٍ، يا لها من منةٍ جليلة كريمةٍ، يوم تمسي وتصبح، وقد أقرّ الله عينيك بالذرية الصالحة، ذرية تخاف الله، ذرية تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة.
الولد الصالح بهجة الحياة، وسرورها، وأنسها، وفرحتها، تحبه ويحبك، توده، ويودك، وتأمره فيطيعك ويبرّك.
الولد الصالح يفتقر أول ما يفتقر إلى دعوة صالحةٍ تهديه إلى الله، يحتاج أول ما يحتاج إلى صالح الدعوات إلى الله فاطر الأرض والسموات، مصلح الأبناء والبنات، قال الله عن عبده الخليل -عليه من الله الصلاة والسلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) [إبراهيم: 40].
وقال الله عن نبيه زكرياً: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) [آل عمران: 38].
قل كما قال الأخيار، وصفوة عباد الله الأبرار: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
علم الأخيار أنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، وأنه لا يهدي قلوبهم أحدٌ عداه، فصدعوا إلى ربهم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله للأبناء البنات الصلاح، سلوا لهم الخير، والسداد، والفلاح.
صلاح الأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، يكون من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله، وفي أحضان أم تخشى من الله.
صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات، إن رآك ابنك تخاف من الله خافه، وإن رآك ابنك تخشى من الله عظمه وهابه، إن رآك ابنك مع المصلين كان من المصلين، إن رآك ابنك من الأخيار والصالحين كان من الأخيار والصالحين.
القدوة الصالح نبراس للذريات، ودليلٌ يهدي قلوب الأبناء والبنات.
صلاح الأبناء والبنات يحتاج منك إلى كلمات نافعات وتوجيهات، ومواعظ مؤثرات: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13].
أخذ بمجامع ذلك القلب البريء إلى الله، وعلمه توحيد الله والعبودية لله، فخذوا بمجامع لقلوبهم إلى الله خذوهم بنصيحة مؤثرة، وموعظة بليغةٍ تأخذهم إلى محبة الله ومرضاته.
كم من نصيحةٍ من أبٍ ناصح، وأم مشفقة ناصحة نفعت الأبناء والبنات ما عاشوا أبداً.
صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالصلوات، الصلاة عماد الدين ومرضاة الله رب العالمين، فمروهم بها تصلح أحوالهم، وتصلح شؤونهم: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
علم الخليل -عليه الصلاة والسلام- عظيم شأن الصلاة فرفع كفّه إلى الله داعياً سائلاً ضارعاً: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي)[إبراهيم: 40].
أي رب اجعل ذريتي تقيم الصلاة.
مروا أولادكم بالصلاة إذا بلغ الابن سبع سنين، وبلغت البنت سبع سنين، فالله سائلك يوم القيامة هل أمرته بالصلاة؟ وليتعلقن الابن بأبيه بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، يقول: يا رب ما أمرني بالصلاة، يا رب تركني نائماً، يا رب ما أمرني بطاعتك.
وتتعلق البنت بأمها في يومٍ يفر فيه المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه.
صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالأخلاق الفاضة، والآداب الكريمة: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 17-18].
أمر الأبناء بالأخلاق الفاضة، والآداب الجليلة الكاملة، يعوّدهم على الخير والصلاح، يقودهم إلى مناهج الفلاح، علّموهم إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وخصال الكرام، وعوّدوهم على هدي أهل الإسلام يكن لكم في ذلك خيري الدنيا والآخرة.
عباد الله: من صلاح الأبناء والبنات، أمرهم بصلة الأرحام، وزيارة الأخوال والخالات، والأعمام والعمّات، والله ما علمت ابنك صلتهم فرفع قدمه في ضياء نهار أو ظلمة ليل إلا كتب الله لك أجره، ما علّمته خصلة من خصال الخير إلا كتب الله لك أجره، ما عمل بها حياته أبداً.
صالح الأبناء والبنات تقر به العيون في الحياة وفي الممات، تقر به عينك في الدنيا، تراه عبداً ناصحاً، عبداً خيراً صالحاً، إن أمرته أطاعك، وإن طلبته برّك، وكان لك بعد الله نعم المعين، وكان لك الناصح الأمين.
صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في اللحود والظلمات؛ يوم تغشاك منه صالح الدعوات، وأنت في القبور وحيداً، وأنت في مضاجعها فريداً، يذكرك بدعوةٍ صالحة، ينعّمك بها الرحمن، ويغشاك منه الروح والريحان.
صلاح الأبناء والبنات تقرّ به العيون في الموقف بين يدي الديان، حجابٌ من النار، قال صلى الله عليه وسلم: "من ابتلي بشيءٍ من هذه البنات فأدّبهن فأحسن تأديبهن، ورباهن فأحسن تربيتهن؛ كن له حجاباً من النار".
اللهم يا مصلح الذريات أصلح ذرياتنا، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين وشاباتهم يا أرحم الراحمين، اللهم خذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وألهمهم السداد والهدى.
الحمد لله حمدا..
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ) [النساء: 131].
وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه.
أيها الناس: إن البيوت نعمة من نعم الله -عز وجل- على عباده، قال الله - تعالى-: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل: 80].
فالبيت يعدّ ضروريًا لكل حي، فكل حي لا بد له أن يأوي إلى بيت، ولذلك فإن البيت للمسلم مكان أكله ونومه ونكاحه وراحته، ومكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ومكان ستر المرأة وصيانتها، قال الله - تعالى -: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
فإذا ما تأمّلت أحوال الناس الذين لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ أو على أرصفة الشوارع واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة عرفت نعمة البيت، وإذا ما سمعت حيران مضطربًا يقول: "ليس لي مستقر ولا مكان ثابت فأنا أنامُ أحيانًا في بيت فلان وأحيانًا في المقهى أو الحديقة أو على شاطئ البحر" عرفتَ معنى التشتّت والضياع الناجم عن الحرمان من نعمة البيت؛ ولذلك لما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشرّدهم من ديارهم، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ )[الحشر: 2].
ثم قال تعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)[الحشر: 2].
أيها المسلمون: إذا علمتم أن البيوت نعمة فإنه يجب شكر هذه النعمة، وشكر هذه النعمة يكون بتسخيرها في طاعة الله، والبعد عن معصيته، ولذلك فإنه يجب عليك -أيها المسلم- الاهتمام بإصلاح بيتك لعدة أمور منها:
أولاً: وقاية النفس والأهل نار جهنم، والسلامة من عذاب الحريق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
ثانيًا: عظم المسؤولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تعالى- سائل كل راعٍ عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"[رواه النسائي وابن حبان عن أنس وهو في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة].
ثالثًا: أنه المكان لحفظ النفس والسلامة من الشر، وكفّها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة، قال صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته" [رواه الطبراني في الأوسط عن ثوبان وهو في صحيح الجامع].
وقال صلى الله عليه وسلم: "سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته"[رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي موسى وهو في صحيح الجامع].
رابعًا: أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصًا في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار، وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل أو الدراسة، ولا بد من صرف هذه الأوقات في الطاعات، وإلا فإنها ستضيع في المحرمات -والعياذ بالله-.
خامسًا وهو من أهمها: أن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكوّن من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعنا قويًا بأحكام الله، صامدًا في وجه أعداء الله، يُشِع الخير، ولا ينفذ إليه الشر، فيخرج البيت الصالح إلى المجتمع وأركان الإصلاح فيه من الداعية القدوة والقائد الرباني، وطالب العلم المجتهد والمجاهد الصادق والشاب الغيور على دينه وعلى عرضه، والبنت العفيفة الطاهرة والزوجة المخلصة والأم المربية، وبقية الصالحين المصلحين.
أيها الناس: إذا كان الموضوع بهذه الأهمية وبيوتنا قد نزلت بها المنكرات الكثيرة، وأصاب بعضها الضياع، والتفريط والحرمان، وذلك بسب إهمال إصلاح البيوت، فلذلك فإننا سنتناول بعض وسائل إصلاح البيوت، فنقول: تكوين البيت وإصلاحه يكون بحسن اختيار الزوجة أولاً، وفي هذا يقول النبي المصطفى: "تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
وفي المقابل لا بدّ من التبصر في حال الخاطب الذي تقدم للمرأة المسلمة، والموافقة عليه حسب الشروط الآتية: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض"[رواه ابن ماجه وهو في السلسلة الصحيحة].
فالرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتًا صالحًا؛ لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا.
أيها المسلمون: اجعلوا البيت مكانًا لذكر الله وشكره، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحيّ والميت".
فلا بد من جعل البيت مكانًا للذكر بأنواعه المختلفة، سواء ذكر القلب، أو ذكر اللسان، أو الصلوات وقراءة القرآن، أو مذاكرة العلم الشرعي، وقراءة كتبه المتنوعة.
وكم من بيوت للمسلمين اليوم ميتة بعدم ذكر الله فيها، بل ما هو حالها إذا كان الذي يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء والغيبة والنميمة والبهتان؟!
وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات؛ كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم أو الجيران؛ فأحيوا بيوتكم -رحمكم الله- بذكر الله.
ثم اجعلوا بيوتكم قبلة، وذلك باتخاذ البيت مكانًا للعبادة، قال الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 87].
قال ابن عباس: "أمروا أن يتخذوها مساجد".
وقال ابن كثير: "وكأنّ هذا -والله أعلم- لما اشتدّ بهم البلاء من قبل فرعون وقومه، وضيقوا عليهم، أمروا بكثرة الصلاة؛ كما قال الله - تعالى -: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة: 45]".
ولنتذكر في هذا المقام محراب مريم، وهو مكان عبادتها الذي قال الله فيه:(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) [آل عمران: 37].
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يحرصون على الصلاة في بيوتهم من غير الفريضة؛ فعن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ممن شهد بدرًا من الأنصار، أنه أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بُعدي وأنا أصلّي لقومي، إذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، وددت يا رسول الله لو أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، قال: فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "سأفعل إن شاء الله"، قال عتبان: فغدا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول لله فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟" قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلّم[رواه البخاري].
أيها الناس: لنربي أنفسنا وأهلينا على الإيمان الذي يتبعه العمل؛ فعن عائشة قالت: كان رسول الله يصلي من الليل، فإذا أوتر قال: "قومي فأوتري يا عائشة" [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، فأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء"[رواه أحمد وانظر: صحيح الجامع].
ومما يزيد الإيمان ترغيب النساء في الصدقة، وهو أمر عظيم حثّ عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "يا معشر النساء، تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار"[رواه البخاري].
عباد الله: إن علينا جميعًا الاهتمام بالأذكار الشرعيةـ والسنن المتعلقة بالبيوت، فمن ذلك: أذكار دخول المنزل والخروج منه، وأذكار الصباح والمساء، وغير ذلك.
وعلينا أن نقوم بتعليم أهالينا الأحكام المتعلقة بالصلاة والصيام، وجميع أركان الإسلام والإيمان، وأحكام الحلال والحرام، ومما يساعد في ذلك إتاحة المجال لهم ليتفقهوا في الدين، وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة، وعمل مكتبة إسلامية في البيت، وليس بالضرورة أن تكون كبيرة، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة، ووضعها في مكان يسهل تناولها، وحثّ أهل البيت على قراءتها، وحبذا لو يضاف إلى المكتبة جزء مهمّ من الأشرطة الدينية المفيدة، ولتكن هذه الأشرطة شاملة للعقيدة الصحيحة والفقه المستمد من الكتاب والسنة، والزهد والرقائق، والآداب والأخلاق والسلوك، وغيرها من العلوم المهمّة، وأن تكون هذه الأشرطة لأهل العلم المتقنين ذوي العقائد السليمة، وأصحاب الزهد والورع والمعتمدين على الأحاديث الصحيحة.
أيها المسلم: ومن الوسائل المهمة لإصلاح بيتك: عليك بدعوة الصالحين والأخيار وطلبة العلم لزيارة البيت، قال الله -تعالى- عن نوح: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا) [نوح: 28].
إنَّ دخول أهل الإيمان بيتك يزيدك نورًا، ويحصل بسبب أحاديثهم وسؤالهم والنقاش معهم من الفائدة أمور كثيرة، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، وجلوس الأولاد والإخوان والآباء وسماع النساء من وراء حجاب لما يقال فيه تربية للجميع، وإذا أدخلت خيرًا منعت شيئًا من دخول الشر والتخريب.
وعليك بتعلّم الأحكام الشرعية للبيوت، وتعليمها لأهل بيتك، ومن ذلك أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".
وأن لا يؤمّ غيره في بيته، ولا يقعد في مكان صاحب البيت إلا بإذنه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه"[رواه الترمذي].
ومنها: مقاومة الأخلاق الرديئة في البيت كخلق الكذب والغش، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله إذا اطّلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضًا عنه حتى يحدث توبة"[وهو في صحيح الجامع].
وهذا بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم حيث يرى أحد أبنائه يغشّ أو يكذب فلا ينكر عليه، بل ربما شجعه على ذلك، ولربما قال الأب للبنت أو للابن: إذَا فلان من الناس دقّ الباب وسأل عني فقل له: غير موجود.
فأين هذا وأمثاله من هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "كان رسول الله إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضًا عنه حتى يحدث توبة"؟!
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ففسدت البيوت، وضاع الأولاد، ونزعت البركة؛ بسبب المعصية، وعدم إنكار المنكر.
ومنها: تعليق السوط حيث يراه أهل البيت، وذلك تلويحًا بالعقوبة لكل من يرتكب ما يغضب الله، ولكل من يستحقّ التأديب، قال صلى الله عليه وسلم: "علّقوا السوطَ حيث يراه أهل البيت؛ فإنه أدب لهم"[أخرجه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة].
وأخيرًا: الحذر الحذر من المنكرات في البيوت، من الاختلاط بين الأقارب من الرجال والنساء، وصور ذوات الأرواح، والتدخين، واقتناء الكلاب، والنظر إلى الشاشات المحرمة، والعبث بالهاتف.
ألا فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا من المصلحين، تحظوا برضا الخالق رب العالمين، وتكونوا عنده سبحانه من المفلحين الفائزين.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم احفظ بيوتنا وبيوت المسلمين من كل شر ومكروه.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ألا وصلوا وسلموا على الحبيب رسول الله، فقد أمرتم بذلك في كتاب الله، حيث قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي