ما يحل وما يحرم على المرأة من اللباس

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. انتشار الألبسة المخلة بالأدب .
  2. كلام العلماء عما يجوز وما لا يجوز لبسه للنساء .
  3. عورة المرأة أمام المرأة .
  4. ماذا تلبس المرأة أمام النساء؟ .
  5. خطر تشبه المسلمات بالكافرات .
  6. خطر التساهل بلباس النساء .
  7. نصيحة لأولياء أمور النساء .

اقتباس

عباد الله: إن مما يحزن كل غيور، ويبعث الأسى في قلب كل مؤمن؛ ما انتشر بين كثير من بنات المسلمين ونسائهم؛ من الألبسة المخلة بالأدب والحشمة، الداعية إلى نزع الحياء والفطرة، من ألبسة ضيقة أو شفافة، ألا تخشى تلك النساء أن يشملهن الوعيد الشديد، والعقاب الأكيد، في...

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله أمانٌ من الشرور والفتن، وحرز من المفاسد والْمِحَن.

عباد الله: إن مما يحزن كل غيور، ويبعث الأسى في قلب كل مؤمن؛ ما انتشر بين كثير من بنات المسلمين ونسائهم؛ من الألبسة المخلة بالأدب والحشمة، الداعية إلى نزع الحياء والفطرة، من ألبسة ضيقة أو شفافة، ألا تخشى تلك النساء أن يشملهن الوعيد الشديد، والعقاب الأكيد، في قوله صلى الله عليه وسلم : "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا"[رواه مسلم].

فما أكثر الكاسيات, لكنهن في الحقيقة عاريات.

عباد الله: وهذه أقوال أهل العلم، في بيان ما يجوز للمرأة إظهارُه وإبداؤه، وما يجوز لها لُبسُه وارتداؤه، حتى نمنع نسائنا مما يخالف ديننا، ويغضب ربنا المنعم علينا، وحتى تنقطع الحجة عن بعض النساء، اللاتي يدافعن عن لباسهن الذي جاء الشرع بتحريمه.

قال ابن عبد البر رحمه الله, في شرح الحديث السابق: فكل ثوب يصف ولا يستر، فلا يجوز لباسه بحال، إلا مع ثوب يستر ولا يصف، فإن المكتسية به عارية.

أما قوله: كاسياتٌ عاريات، فمعناه كاسيات بالاسم، عاريات، في الحقيقة، إذ لا تستره تلك الثياب [الاستذكار 8/307)].

فبيّن رحمه الله أن اللباس الذي يصف البشرة، وجوده كعدمه، وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لبسه، إذا كان على عضوٍ يجب ستره.

وقال أبو الحسن ابنُ القطان رحمه الله تعالى: "الأظهر: أنه يجوز للمؤمنة، أن تبدي للمؤمنة الأجنبية، ما تبديه لذوي رحمها، من الزينة ومواضعها" ا. هـ كلامه.

فكلامه صريح بأن المرأة, لا تبدي شيئاً من جسدها للنساء أكثر مما تبديه لمحارمها الرجال، ثم يقول في تعليل ذلك: أما امتناعُ إبداء المرأة للمرأة، ما زاد على ما تبديه لذوي محارمها، فلما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، ولما يحصل من استحسانٍ جانبٍ للهوى، موقع في الفتنة" انتهى كلامه رحمه الله.

فالمرأة عندما تظهر مفاتنها، كصدرها وأكتافها وأنصاف ساقيها، ناهيك عما زاد على ذلك، فإنها تكون بذلك سبباً لافتتان بعض النساء بها، وعشقها وغرامها، حتى أن بعضهن لا تنام بسبب التفكير بها والعياذ بالله، وكل هذا ليس ضرباً من الخيال والمبالغة، بل هو ما نراه ونسمعه واقعاً عند بعض النساء.

ولنسمع يا عباد الله إلى الإمام الفقيه محمد بن عثيمين رحمه الله, وهو يبين لنا ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها:

عورة المرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة؛ لأن هذا هو الموضع الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر إليه، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة".

ولكن يجب أن نعرف أن النظر شيء وأن اللباس شيء فأما النظر فقد علم حكمه من هذا الحديث أنه لا يجوز النظر للعورة.

وأما اللباس فلا يجوز للمرأة أن تلبس لباساً لا يستر إلا العورة، وهي ما بين السرة والركبة، ولا أظن أحداً يبيح للمرأة أن تخرج إلى النساء، كاشفةً صدرها، وبطنها فوق السرة وساقها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية حين الكلام على قول النبي صلى الله عليه وسلم كاسياتٌ عارياتٌ: بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تَكْتَسِي الثوبَ الرقيق الذي يصف بَشَرَتَها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، مثل عجيزتها وساعدها، ونحو ذلك، وإنما كُسوةُ المرأة ما يسترها، ولا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها، لكونه كثيفاً واسعاً[مجموع الفتاوى22/146)].

وعلى هذا ففائدة الحديث أنه لو كانت المرأة تعمل في بيتها، أو ترضع ولدها ونحو ذلك فظهر ثديها، أو شيء من ذراعها، أو عضدها أو أعلى صدرها فلا بأس بذلك[مجموع الفتاوى 12/270].

وقال في موضع آخر: ولو احتاجت المرأة إلى تشمير ثوبها، لشغل أو نحوه، فلها أن تُشَمِّرَ إلى الركبة، وكذلك لو احتاجت أن تشمر الذراع إلى العضد فإنها تفعل ذلك بقدر الحاجة فقط، وأما أن يكون هذا هو اللباس المعتاد الذي تلبسه فلا[مجموع الفتاوى 12/276].

وقال أيضاً: لبس النساء أمام النساء الملابس ذات الأكمام القصيرة، والفتحاتِ من جهةِ النحر أو الظهر، أو الساقين، والملابس الضيقة أو الشفافة، ولبس الملابس القصيرة وهو ما يصل إلى نصف الساقين: الذي أراه أنه لا يجوز للمرأة أن تلبس مثل هذا اللباس، ولو أمام المرأة الأخرى؛ لأن هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما، نساءٌ كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة"[مجموع الفتاوى 12/280].

وهذا الإمام العلامة، سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله, يقول محذراً ومخاطباً أولياء الأمور: من أعظم الفساد تشبه الكثير من النساء بنساء الكفار، من النصارى وأشباههم، في لبس القصير من الثياب، ومشط الشعور على طريقة أهل الكفر والفسق، ووصل الشعر، ولبس الرؤوس الصناعية المسماة –الباروكة- وقال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".

ومعلوم ما يترتب على هذا التشبه، وهذه الملابس القصيرة التي تجعل المرأة شبه عارية، من الفساد والفتنة، ورِقَّةِ الدين، وقلة الحياء، فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، ومنع النساء منه والشدةُ في ذلك؛ لأن عاقبته وخيمة، وفساده عظيم، ولا يجوز التساهل في ذلك مع البنات الصغار؛ لأن تربيتهُن عليه يفضي إلى اعتيادهن له، وكراهيتهن لما سواه إذا كبرن، فيقع بذلك الفساد والمحذور والفتنة المخوفة التي وقع فيها الكبيرات من النساء.

فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن، من السفور التبرج وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الله، من النصارى ومن تشبه بهم، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله وعموم عقابه، عافانا الله وإياكم من شر ذلك.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا ما حرم الله عليكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه، واعلموا أن الله سبحانه سائلكم عن ذلك، ومجازيكم عن أعمالكم.

وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته، فقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أو شك الله أن يعمهم بعقابه" [التبرج والخطر مشاركة المرأة 1/1-14)].

عباد الله: إن تساهل النساء في لُبسهن، وعدم الإنكار عليهن على لباسهنّ الضيق أو القصير أو الشفاف لهو ذريعة لترك الاحتشام مطلقاً، فاليوم تلبس إلى نصف الساقين, ويظهر شيء من الكتف، وأجزاءٌ من الصدر، تعرض مفاتنها أمام النساء، فيقلدها الصغار، ويعتاد على ذلك الكبار، فما هي إلا أيام حتى تخرج بلباسها المخزي عند محارمها الرجال، وكلٌّ يقول: هي حرة في لبسها, وبعضهم يقول: لن أنكر عليها حتى لا أحرجها, وهكذا, ووالله لن تقف عند هذا الحد, إذا لم تجد من ينكر عليها، ويردعها عن سفهها.

فاللهم استر عوراتنا، واحفظ أعراضنا، وأهد نسائنا وشبابنا يا رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

ليسمع أولياء الأمور، ليسمع كلُّ من استرعاه الله رعية، ليسمع الآباء والأمهات والأزواج, ليسمعوا جميعاً إلى هذين الحديثين العظيمين.

عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"[رواه مسلم].

أليس من رأى من تلبس هذه الألبسة المحرمة، ثم لا ينكر عليهن، ولا ينصحهن: قد غش رعيته وخان أمانته.

وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" [متفق عليه].

نعم، سيقف الزوج الذي تساهل مع زوجته في لباسها، سيقف الأب الذي لم ينكر على ابنته في لباسها, ستقف الأم المطاوعة لبنتها في لباسها، سيقفون والله جميعاً أما الجبار: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24].

سيسألون عن هذه الأمانة التي حمِّلوها، وهذه الرعية التي استرعوها، فلنعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فما أدق الحساب، وما أشد العقاب.

اللهم أعنا على تحمل هذه المسؤولية، وأعنا عند السؤال عنها.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي