وقفات مع آية الكرسي (1)

الرهواني محمد

عناصر الخطبة

  1. منزلة آية الكرسي وعظمتها
  2. مواضع يستحب فيها قراءة آية الكرسي
  3. بعض فضائل آية الكرسي وخصائصها

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

معاشر المؤمنين والمؤمنات: حديثي إليكم اليوم عن آية عظيمة في كتاب الله، عن آية عظيمة في معناها ودلالتها وفضلها، بل هي أعظم آية في كتاب الله! آية كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ على قراءتها في مواضع كثيرة، في الصباح والمساء، وفي دبر كل صلاة، وعند النوم، ويقرؤها عندما يريد أن يرقي نفسه أو يرقي غيره -صلى الله عليه وسلم-! أتعلمون ما هي هذه الآية؟

إنها آية الكرسي! تلك الآية العظيمة الجليلة التي عظم النبي -صلى الله عليه وسلم- شأنها وأعلا مقامها، ورفع قدرها ومنزلتها، وبين أنّها أعظم آيات القرآن شأنا ومكانة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- وهو من قرّاء الصحابة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"يا أبا المنذر أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "يا أبا المنذر أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ فضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده على صدري، وقال: "والله لِيَهْنِكَ العِلْمُ يا أبا المنذر" أي هنيئا لك بهذا العلم العظيم الذي ساقه الله إليك ومنَّ عليك به.

وفي راوية لأحمد: "والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- معلقاً على جواب أبي بن كعب وعلى وصفه هذه الآية بأنها أعظم آية في كتاب الله، يقول: "وليس في القرآن آية واحدة تضمنت ما تضمنته آية الكرسي!".

نعم، فهذه الآية العظيمة المباركة تضمنت الأسماء والصفات، ودلّت على أعظم المعاني وأجلِّها، وأشرف المقاصد وأعظمها، دلت على توحيد الله، ووجوب إخلاص الدين له، وإفرادِه وحده -جل جلاله- بالعبادة، وأنه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه -تعالى- مالك الشفاعة لا يُعطاها أحد إلا بإذنه -سبحانه وتعالى- وهو العلي العظيم.

ولعظم مقام هذه الآية وعلو شأنها وقدرها، جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث عديدة ما يدلُّ على الترغيب واستحباب المداومة على قرائتها في كل يوم صباحا ومساءً، وأدبار الصلوات المكتوبة.

فأما قراءتها في الصباح والمساء، فيدل عليه ما ثبت في سنن النسائي من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- وفيه: أن من قرأها إذا أصبح أجير من الشياطين حتى يمسي، وإذا قرأها إذا أمسى أجير من الشياطين حتى يصبح.

وأما قراءتها عند النوم، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ما يدل على أن من قرأها إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي": ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح".

وأما قراءتها دبر كل صلاة مكتوبة، ففي حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- ما يدل على خاصية عظيمة لهذه الآية المباركة، ويتضح ذلك جلياً في بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ آية الكرسي في دُبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".

فأي خاصية أعظم من دخول الجنة لمن قرأها في دبر كل صلاة مكتوبة، فما أيسر العمل، وما أعظم الجزاء، فالموفق من وفق إلى الخير وعمل به طمعاً في الأجر والثواب من الله -جل جلاله-.

فعلى المشتاقين إلى جنات النعيم الاهتمام الشديد، والعناية البالغة بقراءة آية الكرسي بعد الفريضة حتى لا يفوّت عليهم الشيطان الرجيم هذا الخير العظيم، والفضل الكبير.

فهذه -عباد الله- مواضع يستحب للمسلم أن يحافظ على قراءة آية الكرسي فيها في أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات المكتوبة وعندما يأوي إلى فراشه لينام.

فما عليك -أيها المسلم- إلا العمل بهذا التوجيه النبوي الكريم، فيحصل لك بإذن الله -جل وعلا- هذا الفضل العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

إن هذه الآية فيها شفاء كاف من كل داء، وهي حصن حصين من كل شر، هي حصن من الشيطان ومن السحر، حصن من المس والعين، فمن حافظ عليها حُفظ بإذن الله.

ولا يكن حالنا كحال من لا يقرأها ولا يحفظها ولا يتعلم معانيها، حتى إذا مسه الضر أو أصابه الداء قرأها وأكثر من قرائتها.

وهنا أمرٌ عظيم لا بد من التنبيه إليه والتذكير به ألا وهو: أن انتفاع العبد بهذه الآية المباركة يكون لمن قرأها متدبرا وليس لمن قرأها ولم يفقه معانيها، ليس الانتفاع بها لمن علقها في عنقه أو سيارته أو على جدران بيته أو زين بها المجالس أو وضعها على جثمان الميت، الانتفاع بها لا بد فيه من التدبر في معانيها، والتبصر في دلالاتها، وتحقيق مقاصدها، لا أن يكون حظُّ العبد منها مجرد القراءة السطحية للحروف دون تدبر ولا فهم ولا تبصر، فربنا -جل جلاله- قال في عموم القرآن: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، وقال سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص: 29] هذا في عموم القرآن، فكيف -عبادَ الله- بأعظم آية في القرآن شأنا ومكانة وقدرا؟

كذلك من فضائل هذه الآية المباركة وخصائصها: أن فيها اسم الله الأعظم، فلله -تبارك وتعالى- أسماء، وهي الأسماء الحسنى التي أمرنا أن ندعوه بها، فقال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]. ومن تلك الأسماء المباركة: اسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، وإذا استرحم به رحم.

وقد أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وآله وسلم- أن اسم الله الأعظم في آيات من القرآن الكريم، ومن تلك الآيات التي ذكر فيها اسم الله الأعظم: آية الكرسي، فقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "في هاتين الآيتين: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، و(الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران: 1 – 2]، إن فيهما اسم الله الأعظم".

وروى الحاكم عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور في القرآن: في سورة البقرة، وآل عمران، وطه" فالتمستها فوجدت في سورة البقرة قول الله -تعالى-: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ آية الكرسي، وفي سورة آل عمران: (الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران: 1 – 2]، وفي سورة طه: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: 111].

وللحديث بقية -إن شاء الله-.


تم تحميل المحتوى من موقع