إلاَّ إنَّ أبرز صور عناية العلماء بالسنة المطهرة الردُ على الزنادقة والمستشرقين، الطاعنين في السنة النبوية، الرادّين لها وعليها، الزاعمين أن بعض نصوصها لا يليق بالحضارة المادية المعاصرة، وأن بعض تلك السنن النبوية بحاجة إلى مراجعة وتنقيح، هكذا، وبكل سخافة ونقصان عقل يحكّمون زبالات أذهانهم وعقولهم المريضة في السنة النبوية، وهي وحي الله -تعالى-. ولذلك -أيها الناس- كان الذبُ عن الإسلام، والدفاعُ عن حياضه...
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه وخيرتُه من خلقه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه على ملته وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فمن اتقى ربه علا، ومن أعرض عنه غوى، ولم يضر الله شيئاً.
أيها الناس: إن للسنة النبوية الكريمة منزلة كبرى في الإسلام، إذ هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي وحي الله -تعالى- إلى نبيه الكريم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3-4].
أمر الله -تعالى- بالعمل بها، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر: 7].
وأمر بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والاحتكام إلى سنته عند الاختلاف، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء: 59].
قال عطاء: "طاعةُ الرسول، اتباعُ سُنته".
وأمر النبيُ الكريم -صلى الله عليه وسلم- بالتمسك بها، فقال: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"[رواه أبو داود].
ومن أهمية السنة النبوية المطهرة أنها استقلت بأحكامٍ وتشريعاتٍ لم ترد في القرآن الكريم، قال عليه الصلاة والسلام: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"[رواه أبو داود].
ومن أمثلة ذلك: النهيُ عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، ورجمُ الزاني المحصن، وإرثُ الجدة.
كما أنها جاءت شارحةً ومفسرةً لكثيرٍ من الأحكام المجملة في القرآن الكريم، روى ابن المبارك في مسنده وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: "حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلا تُحدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ، أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ صَلاةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا لا يُجْهَرُ فِيهَا، وَعَدَّدَ الصَّلَوَاتِ وَعَدَّدَ الزَّكَاةِ وَنَحْوَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أبهمَ هذا وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ".
وحذّر عليه الصلاة والسلام من ترك العمل بالسنة، أو زعم أن القرآن الكريم وحده يكفي، فقال: "لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ"[أخرجه أبو داود].
أيها الكرام: ولما كان للسنة النبوية هذه المنزلة العلية، والرتبة السنية، فقد عني بها علماءُ الإسلام قاطبةً، وكان لتلك العناية صورٌ متعددة، ونماذجُ متنوعة، ومن ذلك:
1- جمعُ السنة النبوية المطهرة، وتصنيف التأليف المنوعة حولها، ووضع الشروحات والتعليقات المناسبة عليها، حتى بلغت المؤلفات حول الجامع الصحيح للإمام البخاري -رحمه الله- ما بين شرح وتعليق واختصار أكثر من مائة وخمسة عشر مؤلَفاً، فضلاً عن غيره من كتب السنة.
2- ومن عناية العلماء بالسنة المطهرة بيانُ حُجيةِ السنة، وضرورةِ العمل بها، والتحذيرُ من ردها، أو إنكارها، قال الإمامُ السيوطي -رحمه الله-: "من أنكر كون حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجةٌ؛ كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة، روى الإمامُ الشافعي يوماً حديثاً وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب، وقال: يا هذا أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة؟، أرأيت في وسطي زناراً؟ أروي حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقول به! "ا. هـ.
وصدقَ وبرَّ - رحمه الله -، كيف يكون مسلماً من يردُ حديثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو يحكّمُ عقلَه المريضَ في الوحي المقدس!.
3- ومن عناية العلماء بالسنة المطهرة عقد مجالس التحديث والرواية، في مختلف الأزمان والأحوال، إلى زمننا هذا، وحث الناس على حضورها، والعناية بآداب تلك المجالس، والتدقيق في شروط الإملاء، وقوانين الرواية.
ولو قد علمتم نبأَ تلك المجالس الحديثية المباركة في قراءة كتب السنة المطهرة، التي تعقد بين الفينة والأخرى هذه الأيام، على يد علماء أفذاذ، ومحدثين ثقات، إذاً لرأيتم عجباً، ولسمعتم أمراً مطرباً، عن هذا الجمع المبارك، رجالاً ونساء، صغارا وكبارا، يحتشدون في مسجد واحد، ويبدؤون في سماع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعد صلاة الفجر إلى منتصف الليل، لا يقومون إلا لصلاة أو طعام.
فلله درهم، ونضّر وجوههم.
4- أيها الكرام: من عناية العلماء بالسنة المطهرة المعرفة التامة بنقلة الأحاديث ورواة السنة وأحوالهم وأخبارهم، وتمييز الثقات والمقبولين عن الضعفاء والمجروحين، ووضع التصانيف المتنوعة حول ذلك.
5- ومن عناية العلماء بالسنة المطهرة تنقيحها من الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي نشأت وانتشرت في عصور مختلفة ولأسباب متعددة، وتصنيف المؤلفات في بيانها والتحذير منها، ووضع الأسس والقواعد المبينة للصحيح من السقيم.
إن هذه الجهودَ الضخمة والكثيفة من علماء الإسلام على مر العصور تبين عظيمَ مكانةِ السنة في الإسلام وأهميتها.
وأنه لا إسلام للمرء بدون قبول السنة والعمل بها، ومن ردها أو أنكرها فليس بمسلم.
إلاَّ إنَّ أبرز صور عناية العلماء بالسنة المطهرة الردُ على الزنادقة والمستشرقين، الطاعنين في السنة النبوية، الرادّين لها وعليها، الزاعمين أن بعض نصوصها لا يليق بالحضارة المادية المعاصرة، وأن بعض تلك السنن النبوية بحاجة إلى مراجعة وتنقيح، هكذا، وبكل سخافة ونقصان عقل يحكّمون زبالات أذهانهم وعقولهم المريضة في السنة النبوية، وهي وحي الله -تعالى-.
ولذلك -أيها الناس- كان الذبُ عن الإسلام، والدفاعُ عن حياضه، ونُصرةُ الدينِ ونبيِ الإسلام وسنته الكريمة؛ واجباً مقدساً، وفرضاً محتماً، خاصةً ونحن نشهد تطاولاً متكرراً على نبينا -صلى الله عليه وسلم- وسنته الشريفة المباركة.
وهذا التطاول والتهكم والسخرية –للأسف- من بعض بني جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، ويكتب بعضهم في صحفنا، تطاولوا على سنة النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- همزاً ولمزاً، وتعريضاً وتلويحاً.
في لقاء فضائي، ذكر أحدهم حديثاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ووصفه بأنه متوحش!.
وقبل أسابيع يقول أحدهم، وبئس كما قال: "حديث العلاج ببول الإبل لا أعترف بصحته؛ لأن البول وشربه ضد الفطرة السليمة".
وحديث العلاج ببول الإبل حديث صحيح متفق على صحته، رواه الإمامان البخاري ومسلم، فهو في أرفع درجات الصحة.
أفيكون هدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- في التداوي والعلاج ضد الفطرة السليمة؟
واعجباً لهؤلاء الزنادقة، يصنعون كما صنع مشركوا قريش، أعماهم الهوى، فاتخذوا إلهاً من حجر، ورفضوا نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه بشر.
وهؤلاء الزنادقة يتداوون بأدوية حديثة بعضها مستل من خنزير وحية وحشرة، ويردون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في التداوي ببول الإبل.
وهل من رجل عاقل رشيد يرفض ويرد ما يأتيه من نبيه -صلى الله عليه وسلم-؟
إن هذا يدل على تأصّل الشر والانحراف في نفوس نابتة السوء هذه، فظهر هذا الشر والحقد على هيئة كلمات آثمة وعبارات خاطئة: (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)[آل عمران: 118].
ويدل هذا أيضاً على أن كلَّ الاجراءات الهزيلة الضعيفة تجاه نابتة السوء هذه، وتجاوزاتها الإعلامية، لم تجدِ شيئاً، ولنْ تجديَ شيئاً.
وبالتالي يجب الآن وجوباً شرعياً أن يؤخذ على أيدي هؤلاء السفهاء بمنعهم من الكتابة في الصحافة، والظهور في وسائل الإعلام المختلفة، وتقديمهم للمحاكمة الشرعية، وفضح كل من يقف وراءهم، حمايةً لجناب الدين، وحراسةً للفضيلة، ووقايةً لأفراد المجتمع من الانحراف الفكري والعقدي.
يجب الآن أن نفيق من سباتنا، وندع اللهو واللعب جانباً، فمقدساتنا تهان، ومسلماتنا الشرعية يستهزأ بها، ونحن في غينا سادرون!.
يُنتقص الدينُ من أقلامٍ مأجورةٍ مأزومة دأبتْ على محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة، تفرح بالخيانة، وتأبى العفة والأمانة، تنضح فسقاً وفجوراً وعمالةً وخيانة؛ للدين والوطن.
تُكتب مقالاتٌ وأعمدةٌ في صحف بائسة، ومواقع مشبوهة، وصفحات على الشبكات موبؤة.
رأينا من يكتب ساخراً بالدين وشعائره.
رأينا من يكتب مؤيداً للسفور والاختلاط المحرم.
رأينا من يكتب مشجعاً للشباب للانخراط في برامج نحر العفاف كستار أكاديمي وأراب آيدول وغيرها، أو يدعو للاحتفالات المحرمة بين الجنسين، وتبادل الحب والغرام فيما يسمى عيد الحب.
رأينا من يكتب وليس لقلمه وكتابته أيَّ مضمون جادٍ أو هدفٍ سام، سوى أنه من أصحاب الأقلام المسمومة التي تحارب الفضيلة.
رأينا كتباً ومؤلفات يُسبُ فيها ربُ العالمين، ويُسخر فيها بسيد الأنبياء والمرسلين، وصحابته الغر الميامين.
فأفق من سباتك -أيها المسلم- وكن مع حبيبك صلى الله عليه وسلم، وسنته؛ نصراً وتأييداً، وعملاً واتباعاً.
قد هيأوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
أيها المسلم: ما منزلة نبيك -صلى الله عليه وسلم- في حياتك؟
هل تحبه وتجله؟ هل تنصره وتوقره؟ أهي كلمات ترددها فقط؟! أم هو الحب والاتباع، والتأسي والتوقير والنصرة؟
حبيبنا -صلى الله عليه وسلم - أحب إلينا من أسماعنا وأبصارنا وفلذات أكبادنا، هذا النبي الكريم بلغ من شفقته لأمته أنه تلا قولَ الله -عز وجل- في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)[إبراهيم: 36].
وقولَ عيسى -عليه السلام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: "اللهم أمتي أمتي، وبكى" فقال الله -عز وجل-: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك"[رواه مسلم].
فاللهم اجعلنا من أتباع نبيك - صلى الله عليه وسلم - حقاً وصدقاً، الذابين عن شرعه، المقتدين بهديه، القائمين بسنته وشريعته، وأوردنا حوضه، واسقنا شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي