الصلاة النافعة

خالد بن سعد الخشلان
عناصر الخطبة
  1. أهمية الخشوع وفضله .
  2. مجاهدة النفس على الخشوع في الصلاة .
  3. الأسباب الجالبة والمعينة على لخشوع .
  4. حال من يغادر الدنيا وهو تارك للصلاة .
  5. الحث على استغلال الإجازة الصيفية فيما ينفع ويفيد .
  6. كلمة مختصرة حول معركة القصير .

اقتباس

إن الخشوع في الصلاة هو لب الصلاة وروحها ومثل من يتعبد لربه بصلاة لا خشوع ولا طمأنينة فيها، مثل من أهدى لسيده جارية ميتة لا روح فيها ولا حياة.. إن مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل جائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئا؛ كما جاء في ذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. بل إن العبد ليصلي الصلاة، وما يكتب له إلا عشر أجرها، إلا تسعه، إلا ثمنها، إلا سبعه، إلا سدسه، إلا خمس الأجر، إلا ربعه، إلا ثلثه، إلا نصفه، ورد...

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله –عز وجل-، فإن التقوى وصية ربكم لكم، إنما وصاكم الله -عز وجل- بها لعلمه سبحانه أنها سبب صلاح قلوبكم، وانشراح صدوركم، واستقامة حياتكم، فرحم الله عبدا سارع في تنفيذ وصية مولاه، وبادر بلزومها وتطبيقها، وجاهد نفسه على الاستقامة عليها: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29].

أسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من عباده المتقين، وأوليائه المفلحين، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ويتجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا، إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو الرحيم الودود.

أيها الأخوة المسلمون: كان الحديث في الجمعة الماضية عن مكانة الصلاة في دين الله، وقدرها وأهميتها، وبيان شيء من ثمرات المحافظة عليها في الدنيا والآخرة، وإن من تتمة القول في هذا الموضوع المهم التنبيه على ما به تتحقق تلك المصالح والثمرات من الصلاة على الوجه الأكمل.

إن الصلاة -عباد الله- التي تنتج تلك الثمار اليانعة هي الصلاة النافعة هي الصلاة الحية، هي الصلاة الخاشعة، الصلاة المطمئنة.

إن الخشوع في الصلاة هو لب الصلاة وروحها ومثل من يتعبد لربه بصلاة لا خشوع ولا طمأنينة فيها، مثل من أهدى لسيده جارية ميتة لا روح فيها ولا حياة؛ كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: "الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة المؤداة بالخشوع والطمأنينة، الصلاة التي يحصل بها التزود والاستعانة على المصائب والأحزان هي الصلاة الخاشعة: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة: 45].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الآية الكريمة: "وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين، والذم لا يكون إلا بترك واجب، أو فعل محرم، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع".

إن مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل جائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئا؛ كما جاء في ذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بل إن العبد ليصلي الصلاة، وما يكتب له إلا عشر أجرها، إلا تسعه، إلا ثمنها، إلا سبعه، إلا سدسه، إلا خمس الأجر، إلا ربعه، إلا ثلثه، إلا نصفه، ورد ذلك بحسب الخشوع فيها، والطمأنينة فيها، ولهذا فمن أراد أن يحصل ثمار الصلاة ونتائجها، وأن يحوزها بالنصيب الأوفى، والقدح المعلى، فعليه أن يجاهد نفسه على الخشوع في صلاته، فهو جهاد ومجاهدة مع الشيطان، ومع النفس الأمارة بالسوء، وذلك بحرصه على حضور قلبه في صلاته، بأن يصرفه عن التفكير في غير ما هو فيه من أمر صلاته، ويحرص على تفهم ما يلفظ به من أذكار الصلاة تسبيحها والقراءة فيها، وأن يستحضر عظمة الله وجلاله وعلو قدره –سبحانه-، في الوقت الذي يستشعر المصلي فيه حقارة نفسه، وذلها وهوانها، واستكانتها وانكسارها بين يدي خالقها ومولاها، ومدبر شؤونها -سبحانه وتعالى-.

ويصطحب مع ذلك كله هيبته من الله، وخوفه منه؛ لعلمه بعظيم قدر خالقه، ونفوذ مشيئته، وشدة بأسه، ويجمع مع ذلك كله الرجاء لربه، ورغبته فيما عنده، وطمعه العظيم في واسع رحمة أرحم الراحمين، وسابق فضله؛ لعلمه التام بلطفه -سبحانه وتعالى-، وعظيم كرمه، وعميم إنعامه.

ثم هو بعد ذلك جميعا حيي من ربه –عز وجل- يوقن عقب كل صلاة بتقصيره في العبادة، ويعلم أنه عاجز عن القيام بعظيم حق الله، متى استحضر العبد عيوب نفسه وآفاتها، وقلة إخلاصها.

هذه المعاني كلها -أيها الإخوان- من حضور القلب، وتفهم ما يقال في الصلاة، وتعظيم الله وهيبته ورجاءه، والحياء منه -سبحانه وتعالى-؛ كلها أمور إذا وجدت لدى المصلي؛ تحقق له الخشوع في صلاته وروحها.

عباد الله: الخشوع في الصلاة غاية سامية، وهدف نبيل يسعى الموفقون من عباد الله الوصول إليه، وتحقيقه في صلاتهم، ولهذا فهم يلحون في دعائهم، ويتضرعون إلى مولاهم بأن يجعلهم من الخاشعين في صلاتهم، بأن يمنحهم لذة الخشوع في صلاتهم، والتلذذ بمناجاته –سبحانه-، والإخبات إليه، والانكسار بين يديه.

وفي الوقت ذاته هم مع الدعاء وسؤال الله ذلك؛ يبذلون من الأسباب ما يكون عونا لهم على تحقيق هذا المقصود الجميل، والغاية الشريفة، فيحرصون من أجل تحقيق الخشوع على جملة من الأمور المساعدة على ذلك، يحرصون على الاستعداد للصلاة، والتهيؤ لها، وذلك بالترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المأثور عقب الأذان، وترك العمل الذي في أيديهم، وإحسان الطهور، وإسباغ الوضوء، واستعمال السواك، ولبس أجمل الثياب، والتزين والتطيب؛ استعدادا للوقوف بين يدي الرب –عز وجل-، والمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، والإتيان بدعاء الذهاب إلى المسجد عند الخروج من المنزل: "اللهم أعوذ بك من أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي قبري نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، ومن أمامي نورا، ومن خلفي نورا، اللهم أعطني نورا، وأعظم لي نورا".

ثم يدخل المسجد مقدما رجله اليمنى، قائلا: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك".

ثم يسلم بهدوء على من بالمسجد، ويبادر بتحية المسجد، وأداء السنة الراتبة القبلية إن كان ثم سنة راتبة، ثم الاشتغال بالقراءة والتسبيح والتهليل والذكر، والبعد عن الخوض في كلام الدنيا، والإقبال بالكلية على الله؛ لأن المصلي في بيت من بيوت الله، ينتظر إقامة فريضة من فرائض الله، يغض بصره، ولا يكثر من الالتفات يمنة ويسرة ومن خلفه للداخل والخارج، بل يقبل على ربه منتظرا إقامة الصلاة، ويشتغل بما هو خير من القراءة والذكر والدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل؛ لأنه يدرك أنه في صلاة ما دام ينتظر الصلاة وملائكة الرب –عز وجل- يدعون الله له ويقولون: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما دام في مصلاه ينتظر إقامة الصلاة".

ثم إذا أقيمت الصلاة بادر إلى القيام، وبادر بتكبيرة الإحرام عقب تكبيرة الإمام مباشرة، ثم إذا دخل في الصلاة حرص على الطمأنينة فيها بإتمام ركوعها وسجودها، وتدبر التلاوة فيها، وليحذر من التساهل في ذلك، فعن أبي عبد الله الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجل لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي، فاسمعوا ماذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لو مات هذا على حاله هذا مات على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- ".

إن مما يعين على الخشوع -أيها الإخوة- في الصلاة: تذكر الموت في الصلاة؛ كما روي في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصلِ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها".

ومما يعين على الخشوع في الصلاة: الحرص على هيئة الصلاة المشروعة، فيصلي المصلي إلى سترة إذا كان منفردا، وأما المأمومون فسترة الإمام لهم سترة، ويضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره، وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن المراد بذلك، أي عن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، فقال رحمه الله: "هو ذل بين يدي عزيز".

ويلازم المصلي النظر إلى موضع سجوده ما دام قائما يصلي؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحو الأرض، وإذا كان في تشهده فإنه ينظر إلى سبابته التي يدعو بها، ويحركها عند ذكر لفظ الجلالة أو الدعاء.

ويبتعد عن الصلاة في مكان يوجد به ما يشغل المصلي؛ من رسوم، أو أصوات وضجيج، ونحو ذلك، ثم يحاسب نفسه بعد كل صلاة عن مدى خشوعه في صلاته، ويجاهد نفسه على التغلب على كل ما يصرفه عن ذلك، فلا يزال العبد في كل صلاة مجاهدا لنفسه، محاسبا لها على الخشوع، يترقى في درج الكمال؛ صلاة بعد صلاة، حتى تكون الصلاة أعظم مستراح له، وقرة عينه في هذه الحياة.

نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا، ويتفضل علينا بما تفضل به على عباده، وأوليائه الصالحين، ويعيذنا –سبحانه- من نزغات أنفسنا والشيطان الرجيم؛ إن ربي رءوف رحيم.

أقول هذا القول، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي من أطاعه واتقاه، ومعز من لاذ بحماه، ومذل من خالف أمره وعصاه، احمده -سبحانه- على عظيم إحسانه، وتتابع امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه -، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، فإن أقدامكم ضعيفة على النار لا تقوى.

راقبوا -رحمكم الله- علام الغيوب، ولازموا إصلاح القلوب، وكونوا على الحق أعوانا، وفي إصلاح ذات البين إخوانا، وفي إعلاء كلمة الله أركانا.

جعلني الله وإياكم وذريتنا من عباده المتقين، ومن مقيمي الصلاة، وختم لنا جميعا بخير ما ختم به لأوليائه وعباده الصالحين.

أيها الأخوة المسلمون: كان الحسن البصري -رحمه الله- إذا تلا قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 2]. قال: "رحم الله قوما كان خشوعهم في قلوبهم؛ فغضوا أبصارهم، وحفظوا فروجهم، وتجنبوا المحارم، فنالوا أعلى الدرجات".

أيها الأخوة المسلمون: كل الناس في هذه الدنيا يغدو ويروح، وكلً سيواجه يوما ما مصيره المحتوم، وأجله النافذ الذي لا يتقدم ولا يتأخر عنه، لكن الموفق من عباد الله من استثمر أيام حياته، وأيام عمره في إصلاح حاله، وعمارة آخرته.

الدنيا -أيها الأخوة المسلمون- يغادرها الغني والفقير، يغادرها الرئيسي والمرؤوس، يغادرها الصغير والكبير، يغادرها الصحيح والمريض، يغادرها الرجل والمرأة، يغادرها الكافر والمؤمن، يغادرها الفاجر والتقي؛ لكن شتان بين فراق وفراق، شتان بين من رحل عن هذه الدنيا وقد تزود بطاعة ربه، وأفنى عمره وحياته في فعل ما يقربه من مولاه، تراه دائما محاسبا لنفسه ما أن تبدر منه ذلة إلا ويسارع في تلافيها ولا تقصير يحصل منه إلا وبادر بإكماله، تراه في حياته وقافا عند حدود الله -عز وجل-، خائفا من تعديها، يحافظ على لحظاته، ولفظاته وخطراته، أنسه يوم أن يسجد سجدة لربه -عز وجل-، مستراحه يوم يصف قدميه مناديا ربه -سبحانه وتعالى- متضرعا لخالقه -سبحانه-.

شتان بين من هذه حاله وحال من فارق الدنيا وهو تارك للصلاة، مفرطا فيها، غير خاشع فيها، هو على الذنوب والكبائر عاطف، قاطع لما أمر الله به أن يوصل، منتهكا للحرمات، مضيعا للفرائض والواجبات، وما علم المسكين أنه قريبا سيقدم على ربه –عز وجل-، وأنه لن ينفعه يوم يوسد الثرى في قبره إلا عمله الصالح، ويأتي في مقدمة عمله الصالح توحيده لربه، وصلاته، وركوعه وسجوده، وقربه من خالقه –عز وجل-.

أيها الأخوة المسلمون: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، هذه أيام الإجازة أقبلت، ويعيش أبناؤنا فيها فراغا عظيما، وإن من أعظم ما يدمي القلب أن يتصارع كثيرا من أبناء المسلمين إلى تضييع الصلوات في أيام الإجازة، والنوم عنها، والتأخر عنها حتى يخرج وقتها، فضلا عن ترك أدائها مع جماعة المسلمين.

أيها الآباء، أيها المربون: لو لم يحصل من ثمرات هذه الإجازة التي نحرص على تحصيلها، وأهداف نسعى لتحقيقها؛ إلا أن يحرص أبناؤنا على الصلاة في هذه الأيام، نستقطبهم لأداء الصلاة، نشجعهم على أدائها، والتبكير إليها، نشجعهم على أدائها مع جماعة المسلمين وعلى الإتيان بالرواتب التي قبل الصلاة وبعدها؛ لأنه كما قيل في الجمعة الماضية صلاح الولد بمدى حرصه على الصلاة، فإن نشأ حريصا على الصلاة، ومحافظا عليها؛ فإنه حينئذ سيكون ذلك أعظم سبب لصلاح قلبه، وهداية روحه، وطهارة نفسه.

راقبوا أبناءكم في هذه الأيام الطويلة، راقبوهم وحثوهم على ملئ فراغهم بما ينفع ويفيد، ألحقوهم بالدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم ومراجعتها، أو الحلقات التي تعني بتحفيظ كتاب الله -عز وجل-، ألحقوهم بالمراكز الصيفية والنوادي الصيفية التي يشرف عليها أخيار وفضلاء، يحفظون بها أوقاتهم، وعلى الأقل يأمنون فيها من جلساء السوء، ومرافقة أهل السوء.

أيها الأخوة المسلمون: كانت معركة القصير في الأيام الماضية التي خاضها المجاهدون في سوريا على قلة عتاد وعدد؛ خاضوها وهم يواجهون حلف شيطاني يتزعمهم الرافضة والمجوس والصفويون والروس الشيعيون والنصيرون، كل هؤلاء أعداء الدين والملة وقفوا ضد إخواننا المجاهدين العزل الذين لا يملكون من السلاح إلا أقل، ولا يملكون من الذخيرة إلا أقلها، ولا يملكون من الأسلحة الفتاكة إلا النزر اليسير منها، واجهوا بصدورهم العارية، واجهوا بإمكانيتهم المحدودة تلك الحرب الضروس، الحرب الظالمة، فكانت الطائرات تقذفهم من السماء، وراجمات الصواريخ والمدافع تنهار عليهم ليل نهار، ومع ذلك ثبتوا ثبات الجبال الرواسي، ما الذي جعلهم يثبتون أمام هذا الكيد العظيم والمكر الكبير؟

إنه الإيمان المستقر في نفوسهم، إنه الرسالة التي يحملونها، إنهم المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله، يطلبون الجنة وثواب الله –عز وجل-، ولهذا ثبتوا هذا الثبات العظيم على الرغم من قلة عتادهم وعددهم والذخيرة التي بين أيديهم.

وإذا كان حصل ما حصل في نهاية المسألة فإنما ذلك تمحيص وابتلاء؛ ليس لإخواننا في القصير وحدهم، ولا في سوريا، وإنما للمسلمين جميعا.

إن ما شهدته الأيام الماضية لدليل واضح على مدى التخاذل الذي قُبل به إخواننا المجاهدون هناك، التخاذل من قِبل المسلمين عامة، حكومات وشعوب وأفراد، حيث لم يبذلوا لنصرة إخوانهم المجاهدين ما يستطيعون به من الثبات والتمكن لمواجهة حزب الشيطان، ومن يقف وراءه، فإلى الله المشتكى من تخاذلنا، وعظيم الذل والهوان الذي طرأ علينا.

أيها الأخوة المسلمون: إن المجاهدين في بلاد الشام لا يدافعون عن أنفسهم فقط، ولا عن أموالهم، ولا عن ديارهم، وإنما هم في جهادهم، بقاتلهم، ببطولتهم يقفون أمام المد الصفوي، أمام المد المجوسي الذي يريد نشر المجوسية والرفض في بلاد المسلمين.

إنهم لا يريدون سوريا وحدها، وإنما يريدون ما بعد سوريا، ولهذا فإن من العقل والسياسة والشرع والحكمة الوقوف مع إخواننا المجاهدين، ودعمهم بكل ما نملك، بكل طاقاتنا وإمكاناتنا، كفى شجبا وتنديدا من قِبل حكومتنا، ومن قبل مجلس الجامعة العربية، ومن قبل مجلس التعاون الخليجي.

كفى شجبا وتنديدا، نريد أفعالا، نريد وقوفا جادا مع إخواننا المجاهدين هناك، دعمهم بالسلاح، دعمهم بالذخيرة، دعمهم بالمال، هم بمشيئة الله وتوفيق الله وكرمه قادرون على صنع النصر المنشود، لكن يحتاجون منا المدد يحتاجون من العون والمساعدة.

إن واجب على كل مسلم قادر على أن يمد يد المساعدة لإخوانه المسلمين، أن يمد يد المساعدة لهم بالطريقة التي يراها مناسبة وموثوقة لإيصال الدعم للمجاهدين هناك، ولكتائب الجهاد هناك، والله لا تبرأ ذممنا بهذا التخاذل، بهذا التقاعس عن نصرة إخواننا المجاهدين.

فلنبادر -أيها الإخوان- لتلافي تقصيرنا، وتلافي تفريطنا، ولنعلم أن ما نقدمه من مال، ودعم مادي لإخواننا المجاهدين هناك ليس منة نمن بها عليهم، وإنما هو واجب تقتضيه شريعتنا وديننا للوقوف معهم.

فنسأل الله بمنه وكرمه أن يوقف حكومات المسلمين وشعوب المسلمين للوقوف مع إخوانهم المجاهدين في سوريا، وقفة يتحقق من خلالها النصر المنشود، ودحر قوى الشر والمكر والكفر، إن ربي على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صل علي صلاة صل الله عليه بها عشرة".

اللهم صل وسلم وبارك...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي