أشراط الساعة الكبرى (4) خروج يأجوج ومأجوج

محمد ابراهيم السبر

عناصر الخطبة

  1. الإيمان بيأجوج ومأجوج وبخروجهم آخر الزمان
  2. أصل يأجوج ومأجوج وصفتهم ومكانهم
  3. دور ذي القرنين في كف شر يأجوج ومأجوج
  4. أحوال يأجوج ومأجوج خلف السد
  5. وقت خروجهم وإفسادهم ونهايتهم
  6. أبرز الدروس والعبر المستفادة من قصة يأجوج ومأجوج.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله..

أيها المؤمنون: اتقوا الله -تبارك وتعالى-، واستعدوا لليوم الآخر فقد أنذرتموه، واستقبلوه بالأعمال الصالحة، واخشوا من عقابه واحذروه؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾[لقمان: 33].

عباد الله: لقد قدَّم الله -تعالى- بين يدي هذه اليوم أشراطًا وعلامات؛ وذلك لعِظَمِ هَوْله وشدته؛ فإنه اليوم الذي يجازي فيه الخلائق، فيجزي المؤمن بحسناته، ويجزي المسيء بسيئاته، وقد تكلمنا في الجُمَع الماضية عن أشراط الساعة الكبرى، واليوم نتحدث عن علامة عظيمة عجيبة ذكرها الله في آيتين من كتابه، وذكرها رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سُنَّته الشريفة.

فمن أمور الغيب التي تتعلق بصُلْب العقيدة: الإيمان بيأجوج ومأجوج، وأنهم يخرجون آخر الزمان، ويعيثون في الأرض فسادًا، قال -تعالى-: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ(97)﴾[الأنبياء:96-97]، وعند جمهور القراء: ياجوج وماجوج بدون همز، وأما قراءة عاصم فهي بالهمزة الساكنة فيهما.

يخرجون بسرعة عظيمة وجَمْع كبير لا يقف أمامهم أحد من البشر، ويكون هذا الخروج علامةً على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا وقيام الساعة؛ فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش زوج النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يومًا فَزِعًا يقول: “لا إله إلا الله! ويل للعرب من شَرّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من رَدْم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلَّق بأصبعه الإبهام والتي تليها“، قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم؛ إذا كثر الخبث“(متفق عليه).

وأصل يأجوج ومأجوج من البشر، وهما قبيلتان من ذرية يافث أبي الترك، ويافث من ذرية نوح -عليه السلام-، ونوح من ذرية آدم وحواء -عليهما السلام-، وردت صفتهم في الأحاديث النبوية؛ “قوم يشبهون أبناء جنسهم من الترك المغول الغتم -أي العجم- صغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرّقة، وهم أقوياء أشداء لا طاقة لأحد بقتالهم”؛ فهم على صفة الآدميين، وأما ما يعتقده بعض الناس من أن فيهم الطويل المفرط وفيهم القصير جدًّا، وأنهم على أشكال غريبة؛ فإن هذا الاعتقاد مبني على غير دليل صحيح.

وهم في جهة الشرق، وكان الترك والتتر منهم، فتُرِكُوا دون السدّ، وبقي يأجوج ومأجوج وراء السدّ؛ فهم من شعوب -الشرق الأقصى- من الصين الشعبية وما حولها.

والله -جل وعلا- إذا شاء خروجهم على الناس خرجوا يعيثون في الأرض فسادًا، يقتلون الأرواح، ويتلفون الأموال، ويبطشون بالضعيف، ويعتدون على الخلق، لا يحفظون لجار إلًّا ولا ذمة.

مرَّ الملك الصالح ذو القرنين الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها على قوم جيران لهم فاشتكوا إليه منهم: ﴿يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾[الكهف:94]، فبنى عليهم سدًّا، وحصرهم فيه؛ إراحةً للعباد من شرِّهم، ورحمةً للخلق من إفسادهم.

قال -تعالى- حاكيًا قصة ذي القرنين في بناء السد فقال: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)[الكهف:92-98].

فهم موجودون الآن، والذي يمنع من خروجهم ذلك السدّ الذي يحبسهم، ويحجز بينهم وبين الناس، ولا يُعرف مكان هذا السد بالتحديد، لكنه جهة المشرق؛ لقوله -تعالى-: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾[الكهف:90]؛ فإذا جاء الوقت المعلوم واقتربت الساعة اندكَّ السد، وخرج هؤلاء بسرعة عظيمة وجمع غفير كبير لا يقف أمامهم أحدٌ من البشر؛ فماجوا في الناس، وعاثوا في الأرض فسادًا، وهذا علامةٌ على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا، وقيام الساعة.

فأخبر الله -تعالى- أن هذا السدّ مانعهم من الخروج: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾[الكهف:97]، وأخبر أن ذلك مستمر إلى أن يأتي وعد الله، ويأذن لهم بالخروج، وعند ذلك يُدَكّ السد: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾، وعند ذلك يخرجون أفواجًا أفواجًا كموج البحر ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾[الكهف:98-99].

يمكثون خلف السد ما شاء الله لهم أنه يمكثوا؛ يأكلون ويشربون، ويتناكحون فيما بينهم لا يموت الواحد منهم حتى يرى ألفًا فصاعدًا من ذريته، يحملون السلاح، ويجيدون الرماية، يحفرون في السدّ كلّ يوم فيأتون في اليوم التالي ليكملوا عملهم فيجدونه كأشد ما كان؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا، قال فيعيده الله -عز وجل- كأشد ما كان، حتى إذا بلغوا مُدتهم، وأراد الله -تعالى- أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا -إن شاء الله تعالى-، واستثنى، فيرجعون وهو كهيأته حين تركوه، فيخرقونه ويخرجون على الناس..”(رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم).

ويكون وقت خروجهم في زمن عيسى -عليه السلام- بعد قتل الدجال؛ ففي الحديث: “.. إذ أوحى اللهُ إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يدَانِ لأحدٍ بقتالهم -يعني: لا قدرة-؛ فحرِّزْ عبادي إلى الطور -الجبل-، ويبعث اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ؛ وهم من كلِّ حدَبٍ ينسِلونَ؛ فيمرُّ أوائلُهم على بحيرةِ طَبرِيَّةَ فيشربون ما فيها؛ ويمرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءً، ويُحْصَر نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه؛ حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم؛ فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه، فيُرسِلُ اللهُ عليهم -يعني: على قوم يأجوج ومأجوج- النَّغَفَ -دودًا يقتلهم- في رقابِهم؛ فيصبحون فرْسَى –أي: موتى– كموتِ نفسٍ واحدةٍ، ثم يَهبط نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى الأرضِ –أي: ينزلون من جبل الطور-، فلا يجِدون في الأرضِ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهمُهم ونتْنُهم –أي: رائحة يأجوج ومأجوج الأموات-؛ فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ؛ فيرسل اللهُ طيرًا كأعناقِ البُختِ؛ فتحمِلُهم فتطرحهم حيث شاء اللهُ…“(رواه مسلم).

أقول هذا القول، وأستغفر الله، فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد:

ولا بد من وقفةٍ مع قصة يأجوج ومأجوج نستخلص منها أمورًا لعلها تكون لنا عبرًا وفوائدَ، فمن هذه الفوائد:

أنَّ يأجوج ومأجوج موجودون حقيقةً، وهذا ما ينبغي أن يعتقده كل مؤمن ويوقن به أشد اليقين، حتى ولو ادّعى مَن ادَّعى من زبانية الكفار وأرباب الضلال أنهم لا وجود ولا حقيقة لهم بحجة أن الأقمار الصناعية وأجهزة التصوير لم تكتشف مكان وجودهم.

فنقول: إن عجز الأجهزة الحديثة والتقنيات المتطوِّرة عن معرفة مكان وجودهم لا غرابة فيه أبدًا؛ لأنه من تعمية الله -تعالى- لهذه الأجهزة؛ لأنَّ مسألة وجودهم وخروجهم آخر الزمان من مسائل الغيب التي استأثر الله وحده بعلمها، ولا يستطيع أن يحيط بعلمها أحد من البشر.

ومن العِبَر: بيان عاقبة المفسدين في الأرض؛ فيأجوج ومأجوج من أشد الأمم إفسادًا في الأرض، سلّط الله عليهم من ينفيهم منها ويحصرهم ويسجنهم خلف السد ويمنعهم من الإفساد، وأبقاهم مسجونين محبوسين آلاف السنين، وما أذن في خروجهم إلا آخر الزمان وقبيل فناء الدنيا وخرابها، وفي هذا تحذير لكل مُفْسِد أنه سيواجه عاقبةً وخيمةً في الدنيا والآخرة جزاء ما كسبت يداه، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[المائدة: 33].

لقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- العرب من خروج يأجوج ومأجوج؛ لأنهم مفسدون في الأرض، والعرب حَمَلة راية الإصلاح والدعوة والسلام إلى العالم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ منهم؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ من نومه فَزِعًا وهو يقول: “لا إله إلا الله! ويل للعرب من شَرّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من رَدْم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلَّق بأصبعه الإبهام والتي تليها“، فقالت أم المؤمنين زينب بنت جحش: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم؛ إذا كثر الخبث“(متفق عليه).

ومن الدروس: فضل الاستثناء، وهو قول: “إن شاء الله” لمن عزم على أمرٍ ما في المستقبل، وأنه سبب لتيسير الأمور وقضاء الحاجات، وقد مرَّ معنا أن يأجوج ومأجوج يحفرون السدّ كل يوم “حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا، قال فيعيده الله -عز وجل- كأشد ما كان، حتى إذا بلغوا مُدتهم، وأراد الله -تعالى- أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا -إن شاء الله تعالى-، واستثنى، فيرجعون وهو كهيأته حين تركوه، فيخرقونه ويخرجون على الناس..”(رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم).

أيها المؤمنون: لقد جاء رهطٌ من اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ليختبروا صدق نبوته، وصحة رسالته، فسألوه عن ثلاث مسائل؛ عن الروح، وعن الفتية الذين غابوا في الدهر الأول، وعن الملك الذي حكم الأرض كلها، فوعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجيبهم على أسئلتهم في اليوم التالي، ولم يستثنِ، فأخَّر الله -تعالى- الجواب رغم أهميته في بيان صدق نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم نزل عليه جبريل بعد خمسة عشر يومًا بآيات من سورة الكهف فيها التوجيه والإرشاد. قال -تعالى-: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الكهف:23-24]، وفيها أجوبة الأسئلة الثلاث؛ أما الروح فقال -تعالى-: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[الإسراء:85]، وأما الفتية الذين غابوا في الدهر فهم أصحاب الكهف، وأما الملك الذي حكم الأرض كلها فهو ذو القرنين، ثم قصَّ الله قصتيهما في السورة ذاتها.

ومن العِبَر: إكرام الله -تعالى- للمؤمنين، وخاصةً زمن الغربة واشتداد المِحَن؛ تثبيتًا لهم على الحق، كما أكرم -تعالى- نبيه عيسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين؛ حيث أهلك يأجوج ومأجوج بدعائهم عليهم، وهذا يُظْهِر لنا أهمية الدعاء؛ فهو سلاح قوي في أيدي المؤمنين أهلك الله به يأجوج ومأجوج الذين لا قُدْرَة لبشرٍ على قتالهم وحربهم، لكن وللأسف غفل عنه كثير من المسلمين، وبخلوا به على أنفسهم وأوطانهم وإخوانهم المسلمين.

وصلوا وسلموا…


تم تحميل المحتوى من موقع