من يريد زوجة كاملة مكمَّلة من كل ما يحب فلن يجدها إلا في الجنة, وعليه فإن من يأمل الكمال الديني والأخلاقي والتعاملي في زوجه شريك حياته معه, فلن تصفو له الحياة الزوجية, لكن العاقل هو الذي يرضى باليسير ويقبل المستطاع من أخلاق وصفات زوجه حتى تدوم الحياة الزوجية بلا منغصات ولا مشاكل...
الحمد لله..
معاشر المسلمين: إن الطريق إلى كل سعادة وهناء في الحياة الدنيا إنما هو بالإيمان بالله والعمل الصالح, قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
عباد الله: في هذه الآية وعد من الله - - عز وجل - - لمن آمن به وعمل صالحا – أي بفعل المأمور وترك المحذور – أن يسعده في حياته الدنيوية بطمأنينة القلب, وسكون النفس وراحة البال, ويرزقه حلالا طيبا من حيث لا يحتسب, وفي الآخرة (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). يقول الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: "من أصناف اللذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة".
فالجزاء من جنس العمل فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق أما من أعرض عن ذكره فجزاؤه كما قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124], وهذا وعيد من الله لمن أعرض عن دينه وشريعته أن يصيبه ضيق ومشقة. قال بعض المفسرين هو الهم والغم والآلام وكل ذلك عذاب معجل من الله للمعرضين عن دينه وعذاب الآخرة أشد.
معاشر المسلمين: لا شك أن ما يتعرض له الزوجان في حياتهما الزوجية من مشاكل تكدر صفو حياتهما, هو ابتلاء ومصيبة مقدرة, قد تكون بسبب التقصير في حق الله – تعالى - أو بسبب ذنوب ارتكبها الزوجان أو أحدهما, قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30], قال بعض السلف: "إني أجد أثر المعصية في خلق زوجتي وخادمي ودابتي".
معاشر المسلمين: هذه بعض الوصايا للزوجين تحقق لهما السعادة بإذن الله:
أولا: التنازل عن النظرة المثالية, فينبغي لهما أن يوطنا نفسيهما على حياة زوجية يتعذر فيها الكمال الإيماني والأخلاقي والتعاملي, فمن يريد زوجة كاملة مكمَّلة من كل ما يحب فلن يجدها إلا في الجنة, وعليه فإن من يأمل الكمال الديني والأخلاقي والتعاملي في زوجه شريك حياته معه, فلن تصفو له الحياة الزوجية, لكن العاقل هو الذي يرضى باليسير ويقبل المستطاع من أخلاق وصفات زوجه حتى تدوم الحياة الزوجية بلا منغصات ولا مشاكل, قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" رواه مسلم . أي لا يبغض المؤمن زوجته لخلق كرهه منها ما دام أنه رضي منها أخلاقا أخرى, وقال سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) [النساء: 19].
جاء رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يشكو خلق زوجته فوقف على بابه ينتظر خروجه, فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها, فانصرف الرجل راجعا وقال: "إن كان هذا عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي" فخرج عمر فرآه موليا عن بابه فناداه, وقال: ما حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين جئت أشكوا إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك, فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها لطباخة طعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي, وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا احتملتها لذلك.
ثانيا: اعرف مسؤوليتك؛ فإذا تعرف الزوجان على مسؤوليتهما الزوجية ماذا يريد الرجل من زوجته؟ وما ذا تريد المرأة من زوجها وفق ما شرع الله - عز وجل -؟ لحققوا السعادة الزوجية, فالرجل يريد القوامة بكل معانيها واعتباراتها الشرعية على زوجته, ولا يريد منافساً ولا منازعاً له فيها لا من الزوجة ولا من غيرها, والذي أعطى الرجل حق القوامة هو الله - عز وجل - قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) [النساء: 34]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "الرجل قيَّم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت, فالصالحات مطيعات لأزواجهن تحفظ زوجها في غيبته وماله".
ومن حقوق الزوج أن تُطيعه زوجته في كل ما شرع الله له وفي كل معروف لا يخالف أمر الله, قال - صلى الله عليه وسلم - : "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجا, ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه" والتقب هو الرحل يوضع على البعير, وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه – أي التطوع – أو تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره" لكن هذه المسؤولية القيادية لا تعني أن يتعسف الزوج في استعمال حقه فيها أو يظلم زوجته, كما لا يجوز له أن يفرِّط أو يقصر, قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع, حتى يسأل الرجل عن أهله بيته". رواه ابن حبان.
عباد الله: إن من المؤسف جداً أن يتصور بعض الأزواج أن القوامة تتمثل في القسوة والشدة وأن أوامره تنفذ دون مناقشة ولا تردد, لا شك أن هذا فهم خاطئ لمعنى القوامة, والزوجة تريد من زوجها في مقابل أداء حقوقه المعاشرة بالمعروف قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) [النساء: 19]. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أمرهم بمعاشرتهن بالمعروف أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله" .
الحمد لله
أما بعد
معاشر المسلمين: هناك مفاهيم مغلوطة عند بعض الأزواج, فيظن أن الحقوق عليه لزوجته تنحصر في توفير المأكل والمشرب والملبس, واعلم -أيها الزوج- أنها ما خرجت من بيت أبيها رغبة في الطعام والشراب والكساء وإن كان واجباً عليك أن تنفق عليها, قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق: 7], وقال - صلى الله عليه وسلم - : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ".
انظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يلاطف عائشة زوجه فقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب".
عباد الله: اعلموا أن الزوج الحكيم هو الذي يقابل التصرف الخاطئ بالحكمة والحلم والرفق قال - صلى الله عليه وسلم - : "استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم لك على طريقة, فإن استمتعت بها استمتعت بها و بها عوج, وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها" رواه مسلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذي.
قال الإمام مالك رحمه الله: "ليرى منك أهلك كل خير حتى لا ينظروا إلى غيرك" حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم رواه أحمد .
عباد الله: قال - صلى الله عليه وسلم - : "الكلمة الطبية صدقة" متفق عليه, وإن من المؤسف أن ترى بعض الرجال يبخل على زوجته بالكلمة الطيبة مدحاً وثناءً عليها, وإن من الجهل ما يوصى بعض الأزواج من غيره أن يسيطر على زوجته بالشدة المبكرة في معاملتها؛ أن لا يبتسم ولا يلبي طلباتها وأن يغلظ لها القول. وكذلك بعض النساء توصى أن تسيطر على الزوج وكأنها تدخل معركة, ولم يعلموا أنهم يدمرون حياتها الزوجية, واسمع إلى الأم العاقلة الحكيمة توصي ابنتها العروس فتقول: "إنك خرجت من العش الذي درجت فيه فصرت إلى فراش لم تعرفيه, وقرين لم تأليفه, فكوني له أرضا يكن لك سماء, وكوني له مهادا يكن لك عمادا, وكوني له أمة يكون لك عبدا, لا تلحقي به -أي تكثري- فيقلاك -أي يكرهك-, ولا تباعدي عنه فينساك’ إن دنا منك فاقربي منه وإن نأى عنك فابعدي عنه, واحفظي أنفه وسمعه وعينيه فلا يشمن منك إلا طيبا ولا يسمع إلا حسنا ولا ينظر إلا جميلا".
معاشر المسلمين: هناك كثير من الأفعال والتصرفات من الرجل والمرأة تسبب الضيق والتعاسة لشريك حياته الزوجية, نعرضها لنتحاشاها كي تمضي الحياة الزوجية بدون مشكلات:
· إساءة الحديث مع الآخر.
· عبوس أحد الزوجين في وجه الآخر.
· عدم اختيار الوقت المناسب لعرض الطلبات وحل المشكلات.
· عدم شكر الزوجة لزوجها والعكس.
· إكثار بعض الأزواج من الحديث عن رغبته في التعدد بمناسبة وبغير مناسبة وهذا من الأذى لها.
· ثناء المرأة على بعض الأزواج وثناء الرجل على بعض النساء من غير محارمه.
· الاحتفاظ وعدم نسيان المواقف المؤلمة فكلما جاءت مناسبة عدَّد المواقف السيئة وذكَّر بها.
· عدم اهتمام أحد الزوجين بالتجمل لصاحبه, لقد كان - صلى الله عليه وسلم - المسك يسيل من مفرق شعره, وكان ينظف بالسواك فمه دائماً, وكان يمشط شعره ويرتدي الثياب البيض لنظافتها. رواه مسلم . قال ابن عباس رحمه الله رضي الله عنهما في تفسيره قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) قال رضي الله عنهما: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي".
· المبالغة في الغيرة حتى تهدم بيتها بهذه الغيرة.
عباد الله: من الأمور التي تنمي العلاقة الزوجية السعيدة
· الكلام الليَّن الطيب, فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: "كان حبيبي - صلى الله عليه وسلم - يكره كذا و كذا" رواه أبو داود .
· مخاطبة شريك الحياة بالكُنى والألقاب الحسنة, كما كان يفعل - صلى الله عليه وسلم - يقول لعائشة: يا عائش .
· المزاح والابتسامة وقد سابق الرسول - صلى الله عليه وسلم - عائشة.
· أن يشيد كل طرف بخلق الآخر وحسن تعامله.
· تبادل الهدايا قال - صلى الله عليه وسلم - : " تهادوا تحابوا" .
· الدعاء للآخر .
· الاحترام المتبادل والتحية الحارة والوداع عند الدخول وعند الخروج والقدوم من السفر وعبر الهاتف.
· الاهتمام بالآخر وخاصة وقت الأزمات كمرض وغيره .
· المسارعة في أن يرضي أحدهما الآخر قال - صلى الله عليه وسلم - في صفات الزوجة الصالحة : "ونساؤكم من أهل الجنة الولود الودود العؤود على زوجها, التي إذا غضب جاءت تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غمضاً حتى ترضى".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي